لماذا قبلت إسرائيل العودة للتفاوض؟ وما إمكانية التوصل لصفقة تبادل؟
تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT
تباينت آراء محللين سياسيين حول التوقعات من جولة المفاوضات المقبلة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لإبرام صفقة تبادل أسرى، بعد تلقي فريق التفاوض الإسرائيلي توجيها من مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باستئناف الاتصالات الخاصة.
وفي هذا السياق يقول الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد، إن التغيير بالموقف الإسرائيلي نتاج تطورات داخلية بالمقام الأول، ونقاش أميركي إسرائيلي، مؤكدا أن معظم المجتمع الإسرائيلي إعادة تجربة رون آراد مع الأسرى في غزة.
وخلال حديثه لبرنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، أضاف شديد، أن نتنياهو يتعرض لضغوط داخلية مثل تحذيره عسكريا من حدوث هجمات قوية؛ وهو ما يعني أنه سيكون المسؤول عن السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فضلا عن المهلة التي وضعها عضو مجلس الحرب بيني غانتس.
وأشار إلى أن أغلبية الرأي العام بإسرائيل ونخبتها العسكرية مقتنعة بأن إعادة الأسرى بالقوة العسكرية ستؤدي إلى إغلاق ملف المحتجزين نهائيا، لكنه استدرك بأن الأمور تراوح مكانها ما لم توافق تل أبيب على وقف نهائي للحرب.
ووفق شديد، تكمن مشكلة نتنياهو في كيفية الحفاظ على حكومته وليس تمرير صفقة التبادل، متوقعا أنه سيحاول إرضاء وزيريه المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش مثل إعادة طرح قانون التجنيد وإلغاء قانون فك الارتباط مع مستوطنات جنين وشرعنة البؤر الاستيطانية وضم مزيد من الأراضي.
وفي هذه الحالة، قد يتم تمرير صفقة تبادل الأسرى -بحسب الخبير بالشأن الإسرائيلي- لكونه سيعطي بن غفير وسموتريتش ما يريدانه في الضفة الغربية مقابل بقاء ائتلافه الحكومي.
ولفت إلى أن إسرائيل تستبق أي قرارات قد تصدرها محكمة العدل الدولية بشأن حرب غزة، بإعلان جيشها بأن عملية رفح مستمرة في رسالة تحد، مع إقراره بأن دور إسرائيل ومكانتها عالميا في تراجع وتآكل متواصل.
وحول فيديو القسام المتعلق بقائد اللواء الجنوبي بفرقة غزة أساف حمامي، يعتقد شديد أنه مرتبط بفيديو المجندات الإسرائيليات المحتجزات في أول أيام "طوفان الأقصى"، وكذلك يمثل إهانة وصفعة للقيادة العسكرية الإسرائيلية بوجود أعلى ضابط يحمل رتبة عسكرية محتجز لدى المقاومة.
"حالة تفاوضية جديدة"
بدوره يتفق الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي سعيد زياد، أن سلسلة التغيرات في إسرائيل مثل مؤتمري غانتس ووزير الدفاع يوآف غالانت وفيديو المجندات والضغط الأميركي دفعت نحو تجديد الدمار بالمسار التفاوضي الذي لا يؤمن به نتنياهو.
ويتبع نتنياهو إستراتيجية المماطلة -وفق زياد- والزعم بأن الضغط العسكري هو من سيعيد الأسرى، كاشفا عن أنه يدفع نحو حالة تفاوضية جديدة لن تقبل فيها المقاومة أن تكون الطرف المعطل ولكنها حاليا بوضع ميداني أفضل وليس لديها خلاف داخلي أو ضغط خارجي، مما قد يدفعها لوضع شروط.
ورغم عدم تفاؤله بالموقف التفاوضي بعد انقلاب نتنياهو على تفاهمات الجولة الأخيرة، يرى زياد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول تهدئة وامتصاص غضب الشارع الإسرائيلي بعد فيديو أسر المجندات الإسرائيليات وهشاشة فرقة غزة.
وأكد أن موقف المقاومة لم يتغير في وقت ينخفض فيسقف إسرائيل، معتبرا إقدام الأخيرة على تقديم مقترح تفاوضي سابقة، وهو ما يمثل ضمنيا، سقوطا لهدفها بالقضاء على حماس والقبول ببقائها ضمن سيناريو اليوم التالي واستبعاد سيناريو الفوضى، وفق قوله.
"لا ثقة بنتنياهو"
من جانبه شدد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور خليل العناني، على أنه لا ثقة بنتنياهو، الذي قال إنه يتلاعب بعائلات الأسرى ومجلس الحرب وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ويستغل الخلاف السياسي بين الأخيرة والكونغرس.
ويرى العناني، صعوبة توقع انفراجة أو جديد بالجولة المقبلة من المفاوضات بعد جولات "باريس 1″ و"باريس 2" والدوحة والقاهرة، وصولا لمرحلة اتفاق في السادس من مايو/أيار الجاري حيث انقلب عليها نتنياهو واحتل معبر رفح وثلثي محور فيلادلفيا.
وشدد على أن الجميع بمرحلة المراوحة بنفس المكان، في ظل موقف أميركي مرتعش ومتخبط ومتأثر بالخلافات الداخلية في إسرائيل.
وأشار إلى أن هناك ضجرا في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وخلافا مع القيادة السياسية بسبب استمرار حرب غزة وتحولها إلى مستنقع واستنزاف.
وتطرق إلى الخلاف السياسي الداخلي الأميركي والمكايدة السياسية مثل ما أسماه "ابتزاز الجمهوريين لبايدن، الذي يعاني تراجعا مستمرا في شعبيته ومتأثرا بالحراك الطلابي، وأيضا التفاهمات التي تجري بين واشنطن والرياض في إطار صفقة تطبيع بالمنطقة".
وخلص إلى أن هناك "مزايدة من الجمهوريين تزعم بأن إدارة بايدن تتخلى عن إسرائيل، بهدف رفع حظوظهم بالانتخابات المقبلة والحصول على أغلبية الكونغرس".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الدويري: تبادل الأسرى وعودة المهجرين لشمال غزة وتدفق المساعدات نتاج جهود مصرية
أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الهدنة ووقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى وعودة المهجرين إلى شمال قطاع غزة ودخول المساعدات الإنسانية وإعادة فتح معبر رفح هي كلها في الأساس نتاج لجهد مصري كبير ومتواصل، منوهاً بحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على متابعة كل التطورات.
وقال اللواء الدويري، في كلمته أمام ندوة "شرق أوسط متغير.. نحو بناء استراتيجية جديدة"، التي نظمها المركز المصري على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، إن مصر هي أول وأهم دولة تعاملت مع القضية الفلسطينية.
واعتبر أن كل من ينكر أو ينتقص من الدور المصري في القضية الفلسطينية فكأنما ينكر وجود الشمس، موضحاً أن مصر تعاملت مع القضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، أي على مدار أكثر من سبعة عقود، وطوال تلك السنوات الطويلة كانت القضية الفلسطينية حاضرة على رأس أولويات السياسة المصرية.
وسلط الضوء على أن مصر لم تتعامل في أي وقت من الأوقات عبر التاريخ مع القضية الفلسطينية من منطلق مصلحتها الخاصة، ولذلك تحظى باحترام وثقة الفلسطينيين.. متسائلا: "لماذا تولي مصر كل هذا الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟"، وأجاب قائلا إن تلك القضية هي قضية أمن قومي مصري في المقام الأول.
وأشار إلى الأوضاع المشتعلة على حدود مصر من كافة الاتجاهات الاستراتيجية باستثناء الناحية الشمالية؛ بعد نجاح مصر في تحويل البحر المتوسط من منطقة صراع إلى منطقة تعاون واستثمارات، مضيفاً أن حدودنا الشرقية يتواجد بها قطاع غزة ثم إسرائيل، ويحدنا من الغرب ليبيا، ومن المنطقة الجنوبية السودان وفي الأسفل منها نجد السد الأثيوبي، مبيناً إنها كلها مناطق تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري.
وقال اللواء محمد إبراهيم الدويري إن مصر تميزت خلال تعاملها مع القضية الفلسطينية بميزة لم يتميز بها أي بلد آخر في العالم، وهي أن القاهرة تجمعها علاقات ممتدة ومتميزة مع السلطة الفلسطينية عبر كل العهود، فضلاً عن علاقاتها القوية بكافة الفصائل الفلسطينية، مؤكداً أنه لا يوجد فصيل واحد لا تربطه بمصر علاقات طيبة سواء كان فصيلا إسلاميا أو علمانيا.
واستعرض اللواء محمد إبراهيم- من منطلق عمله السابق وتكليفه بالتعامل مع الملف الفلسطيني ميدانياً- أهم المحطات الرئيسية لمصر مع القضية الفلسطينية، إذ إن مصر هي الدولة الأولى التي قامت بتدريب مختلف الأجهزة الأمنية الفلسطينية من شرطة لأمن وقائي لاستخبارات عسكرية ومخابرات عامة وكذا الحرس الرئاسي، وذلك عقب مفاوضات أوسلو .
وأكمل أن مصر شاركت كذلك بفاعلية في جميع المفاوضات الخاصة بالقضية الفلسطينية متبنية الموقف الفلسطيني بشكل كامل وثابت، علاوة على جهودها المكثفة لعقد معاهدة سلام فلسطينية إسرائيلية في مفاوضات طابا يناير ٢٠٠١ ، قائلاً:"ورغم اقتراب التوصل إلى ما يشبه السلام لم يتم ترجمة هذه الاتفاقية على الأرض".
خروج إسرائيل من غزةوذكر كذلك بالموقف المصري أثناء الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام ٢٠٠٥ حيث أشرفت مصر بالكامل على خروج إسرائيل من غزة في وقت كانت التقديرات الإسرائيلية العسكرية تتوقع هجوماً من فصائل المقاومة على الإسرائيليين إلا أن الانسحاب الإسرائيلي تحت إشراف مصر نحج بدون إطلاق طلقة واحدة، وأصبحت غزة منذ سبتمبر 2005 محررة تماماً ولم يتواجد داخل القطاع عسكري إسرائيلي واحد وذلك حتى اندلاع الحرب الأخيرة في ٢٠٢٣.
وتحدث اللواء الدويري عن إشراف مصر عام ٢٠٠٥ على الانسحاب الإسرائيلي من معبر رفح من الجانب الفلسطيني، رغم أن مصر لم تكن طرفاً في هذا الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني، فضلًا عن مشاركتها في افتتاح المعبر.
وسلط الضوء كذلك على جهود مصر في المصالحة الفلسطينية عقب انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية في يوليو 2007 ، حيث إنه منذ بداية 2008 كانت مصر الدولة الوحيدة التي تحركت وقامت بتكثيف جهودها واتصالاتها طوال ثلاث سنوات ونصف متواصلة حتى حققت المصالحة في مايو ٢٠١١ ، وهو الأمر الذي توقفت عنده العديد من البلدان وذلك لنجاح مصر في هذا الملف الصعب رغم انشغالها في أحداث وتبعات ثورة يناير ٢٠١١، موضحاً في الوقت ذاته أن هذا الاتفاق لم يجد طريقه إلى النور رغم أن القاهرة عقدت أكثر من 300 لقاء فلسطيني فلسطيني وذلك بسبب غياب إرادة الطرفين في الـتوصل إلى المصالحة.
وأبرز محطة أخرى من المحطات الرئيسية والمهمة في التعامل المصري مع الملف الفلسطيني وهي "صفقة جلعاد شاليط"، هذا العسكري الذي خطفته المقاومة الفلسطينية وبدأت مصر المفاوضات عقب اختطافه بـ 24 ساعة، حيث استمرت في التفاوض لخمس سنوات ونصف، ونجحت بالنهاية في الإفراج عن 1100 أسير فلسطيني من بينهم 250 من المحكوم عليهم بالسجن المؤبد مقابل "شاليط"، مشدداً على أنه رغم محاولات دخول أطراف أخرى للوساطة إلا أن هذه الصفقة لم تكن لتستقيم بدون مصر.
واستعرض اللواء محمد إبراهيم جهود مصر خلال الحروب الست على قطاع غزة منذ حرب 2008 وصولاً إلى حرب 2023، مؤكداً أن التهدئة أو الهدنة أو وقف إطلاق النار بين الجانبين لم يكن ليتم خلال تلك الحروب بدون الدور المصري، فقد كانت الجهود المصرية هي الجهود الرئيسية في هذا الشأن.
ونوه إلى أن مصر لا تنازع أحداً في الأدوار، بل تقبل كل من يحاول أو يريد المساعدة معها بإيجابية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية .
ثلاثة محاور رئيسيةوذكر بأن مصر تحركت على ثلاثة محاور رئيسية خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة واندلعت عقب أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ، حيث قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بإجراء اتصالات مكثفة مع مختلف قادة دول العالم، وعقد بعد نحو أسبوعين من الحرب "مؤتمر القاهرة الدولي للسلام" في العاصمة الإدارية الجديدة بحضور 34 رئيس دولة، وعرض خلاله رؤية شاملة ليس فقط لحل الأزمة في غزة ولكن لحل القضية الفلسطينية بشكل عام، علاوة على الموقف الثابت الراسخ الرافض لتصفية القضية الفلسطينية ولتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر.
وأبرز في هذا السياق أن إعادة طرح مخطط تهجير الفلسطينيين قد لاقى رفضاً مصرياً كبيراً ، وعلى جميع المستويات سواء الرسمية عبر وزارة الخارجية أو من مجلس النواب، وكذلك من باحثين و إعلاميين والمهتمين بالشأن الفلسطيني وجميعها مواقف واحدة راسخة رافضة لهذا المخطط.
وأكد أن اتفاق الهدنة الحالي تم تأسيسه على المقترحات التي قدمتها مصر في ديسمبر ٢٠٢٣ ، إذ كانت الدولة الأولى التى تطرح مقترحات تفصيلية بمراحل ثلاث لحل أزمة غزة من كافة جوانبها.
واختتم اللواء محمد إبراهيم كلمته أمام الندوة بالتأكيد على أن الفترة القادمة في حاجة إلى تأمين سيناء وتنفيذ اتفاق هدنة غزة بدقة وإعادة تثبيت الخطوط الحمراء وخاصة المتعلقة بمخطط التهجير، بجانب ضرورة قيام مصر بقيادة عملية سياسية تفضى إلى قيام الدولة الفلسطينية، محذراً من أنه بدون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة لن تنعم المنطقة بالسلام والاستقرار.