الروس عرضوا مساعدات عسكرية “بلا سقف”… أي حليف سيختار الــجيش السوداني؟

متابعات – تاق برس

أثارت زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير خارجيته، ميخائيل بوغدانوف، إلى السودان العديد من الأسئلة حول توجهات الموقف الروسي من طرفي الحرب في السودان، لا سيما وأنه ترأس وفداً ضمّ ضباطاً عسكريين.

وعلى الرغم من ظهور عدة تقارير صحافية وثّقت لتقديم مجموعة “فاغنر” شبه العسكرية مساعدات لقوات الدعم السريع، إلا أن السياسة الروسية لا تتبنّى موقفاً معادياً تجاه الجيش، بل وتحافظ على العلاقات الرسمية مع السودان.

يتطلب فهم أهداف تلك الزيارة أخذ بعض التحولات في روسيا والسودان بعين الاعتبار، كأفول حقبة “فاغنر”، وتحقيق الجيشين الروسي والسوداني الكثير من المكاسب الميدانية في الحربين اللتين يخوضاهما – الأول في أوكرانيا والثاني داخلياً. فهل قررت موسكو دعم الجيش على حساب الدعم السريع؟ وماذا ستطلب في مقابل ذلك؟ وهل سيحسم الجيش خياره الصعب في المفاضلة بين التوجه نحو الغرب، أم نحو روسيا؟

زيارة بوغدانوف
زار الوفد الروسي مدينة بورتسودان في 28 نيسان/ أبريل الماضي، والتقى بكلٍ من نائبي القائد العام للجيش إبراهيم جابر وشمس الدين الكباشي، ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار، ثم برئيس المجلس وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

وقد أعلن بوغدانوف خلال لقاءاته عن موقف روسي جديد تجاه طرفي الصراع، وهو أنّ “بلاده تتعامل مع مجلس السيادة الانتقالي والحكومة في بورتسودان بوصفهما الممثل الشرعي للشعب السوداني في التعامل الدولي”. وأكد مسؤولو البلدين الرغبة في ترقية وتعزيز العلاقات، بما يخدم المصالح المشتركة في المجالات الاقتصادية والتجارية وتدريب الكوادر.

وفي تصريح خاص لرصيف22، يقول سفير السودان لدى روسيا الاتحادية محمد الغزالي سراج إنّ “الوفد اطّلع خلال الزيارة على تطورات الأوضاع في السودان، لا سيما التطورات على الأرض في مسارح العمليات العسكرية لدحر التمرد والمؤامرات التي يتعرض لها السودان”. مضيفاُ “تم التأكيد على رغبة السودان في التفاوض والتوصل للسلام، إلا أن ذلك يتطلب أولاً الالتزام بما تّم الاتفاق عليه في منبر جدة”.

أثارت زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى السودان على رأس وفد ضمّ ضباط عسكريين العديد من الأسئلة حول توجهات الموقف الروسي من طرفي الحرب في السودان، فهل قررت موسكو دعم الجيش على حساب الدعم السريع؟ وهل سيحسم الجيش موقفه بالتوجه نحو الغرب أم روسيا؟
وحول الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، يقول إن الزيارة أكدت الرغبة في تنفيذ المشروعات المشتركة الموقعة في آب/ أغسطس 2022، والتي شملت بروتوكولاتها عدداً من المجالات تضمنت التنقيب عن الذهب والنفط والطاقة والعلوم والتكنولوجيا والزراعة، متى ما كان ذلك ممكناً. لافتاً إلى أنّ بعض المشروعات في مجال التنقيب عن الذهب لا تزال قائمة رغم الحرب.

كما يشير السفير الغزالي إلى أنّ الزيارة ستؤسس لدورٍ هام لروسيا في مرحلة إعادة الإعمار، خاصة في تحديث الجيش السوداني، نظراً للعلاقات العسكرية القديمة والراسخة بين البلدين وكون معظم الأسلحة والعتاد والمعدات العسكرية المُستخدمة روسية الصنع.

هذه الزيارة جاءت بعد أيام من وصول ثلاث سفن روسية محملة بالديزل منخفض الكبريت إلى ميناء الخير في بورتسودان في الثاني والخامس والسابع عشر من نيسان/ أبريل الماضي. وتبعها في الثاني من أيار/ مايو الجاري لقاء بين عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر والسفير الروسي في بورتسودان.

يقول مصدر أمني سوداني لرصيف22 إن “الوفد الروسي بحث خلال زيارته التعاون العسكري، والذي يشمل التدريب المُشترك وتقديم معدات عسكرية وأمنية وافتتاح قاعدة تموين السفن الروسية على ساحل البحر الأحمر والتي تم الاتفاق عليها مع الرئيس السابق عمر البشير”. ويوضح أنّ “العلاقة بين البلدين قائمة على المصالح المتبادلة، خاصة في مجالات القواعد العسكرية، والتعدين، والذهب وغيره من المواد الخام في السودان”.

في السياق ذاته، كشف مصدر عسكري لـ”سودان تربيون” أنّ الوفد الروسي عرض على الجانب السوداني تقديم مساعدات عسكرية نوعية “بلا سقف”، وهذا العرض “يشمل خبرات عسكرية نوعية قد تتطلب وجوداً روسياً على الأرض السودانية”، وفق التقرير.

ما بعد فاغنر
على النقيض من ذلك، يرى السفير السابق والخبير الدبلوماسي، الصادق المقلي، أنّه لا يمكن الحديث عن دعم عسكري روسي للجيش السوداني في ظل الحصار الغربي لروسيا، التي كلما اقتربت عسكرياً من السودان كلما ضاق عليها الخناق غربياً.

يشير سفير السودان لدى روسيا بأن الزيارة ستؤسس لدور هام لروسيا في مرحلة إعادة الإعمار، خاصة في تحديث الجيش السوداني بالعتاد والمعدات العسكرية المُستخدمة الروسية الصنع.
ويقول لرصيف22، إنّ التعاون السابق بين فاغنر والدعم السريع في استخلاص وتصدير الذهب إلى روسيا انتقل إلى الحكومة الروسية بعد ضمّ عناصر المجموعة إلى الجيش. ويتابع بأنّ روسيا تعول أكثر على توغلها في أفريقيا أكثر من السودان لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، التي تستفيد فيها من نشاط “فاغنر” في مقايضة الماس والذهب مقابل حراسة الأنظمة الأفريقية، ومواجهة المد الفرنسي والصيني وإلى حدٍ ما الأمريكي في القارة.

ويبقى السؤال الأكثر أهميةً حول ما إذا كانت روسيا تربط تعاونها العسكري المُقترح بموافقة السودان على منحها الحق في إنشاء قاعدة تموين سفنها الحربية. وتتطلب الإجابة عن ذلك الأخذ في الاعتبار متغيرات الواقع الميداني في الصراع بين الجيش والدعم السريع، حيث تمكن الأول دون مساعدة عسكرية من روسيا بل وبمساعدة غريمتها أوكرانيا من تحقيق انتصارات كبيرة في العاصمة الخرطوم.

يذهب الباحث في العلاقات الدولية والتاريخ المقيم في موسكو أحمد دهشان، إلى أنّ الموقف الروسي تجاه السودان حتى وقت قريب يخالف تصورات البعض بأنّه نبع من قرار روسي مركزي أشرف عليه الكرملين.

ويقول إنّه “صحيح توجد مؤسسات دولة وقرار واحد، ولكن في حالة الدول التي لا تعتبر حليفة وفي نفس الوقت كانت بعيدة عن روسيا أو تبحث الأخيرة عن موطئ قدم فيها، وعلى وجه التحديد السودان ومنطقة الساحل الأفريقي، فقد لجأت موسكو إلى طرق غير تقليدية، ومن ضمنها الاستعانة بالشركات العسكرية الخاصة وعلى رأسها مجموعة فاغنر”.

يعلل دهشان ذلك، لرصيف22، بأنّ فاغنر عملت في هذه الأماكن كمجسات تربة – إن جاز الوصف – لتمهيد الأرض للسياسة الروسية، ولم تكلف الدولة شيء وقامت بأعمال لا يليق ولا ينبغي للدولة أنّ تقوم بها لأنها أعمال غير مشروعة وقد تضعها تحت طائلة القانون أو العقوبات، وفي نفس الوقت حققت هذه الشركات أرباحاً ماليةً.

ويرى أنّ تاريخ تطبيق تلك المقاربة على السودان يعود إلى العام 2017 الذي شهد الزيارة الأولى للرئيس السابق عمر البشير إلى روسيا. ويقول إنّه بطلب وتسهيل من البشير بدأت فاغنر وشركات روسية في التعامل مع الدعم السريع في استخراج الذهب، وعلى هذا الأساس نشأت علاقة قوية بين الطرفين ولم تتأثر بالثورة الشعبية وعزل البشير.

يُكمل دهشان تحليله بأنّه بالتوازي مع ذلك أقامت وزارة الدفاع الروسية علاقات مع الجيش السوداني، وفي ذلك الوقت كان التنافس بين فاغنر والوزارة على أشده بشكل عام، ولكن تردد الجيش السوداني وخاصة بعد الثورة في منح روسيا حقّ إقامة قاعدة تموين عسكرية جعل علاقة فاغنر مع الدعم السريع تهيمن على العلاقات بين البلدين.

وأيضاً سبقت تحولات الحرب في السودان أخرى في روسيا، وبدأت بتمرد قائد فاغنر الراحل يفغيني بريغوجين على الدولة في حزيران/ يونيو 2023، وانتهت بمقتله في آب/ أغسطس من العام نفسه.

لجأت موسكو إلى الاستعانة بالشركات العسكرية الخاصة وعلى رأسها مجموعة فاغنر لتمهيد الأرض للسياسة الروسية، ولم تكلف الدولة شيء وقامت بأعمال لا يليق ولا ينبغي للدولة أنّ تقوم بها لأنها أعمال غير مشروعة، وقد تضعها تحت طائلة القانون أو العقوبات، وفي نفس الوقت حققت هذه الشركات أرباحاً ماليةً
يقول دهشان إنّ “فاغنر في طور النهاية لأنها تتحول إلى جهاز بيروقراطي تابع للدولة، وتفقد بذلك المرونة والقدرة على الحركة واتخاذ القرارات السريعة بشكل كبير”. تبعاً لذلك، فإن العلاقات الروسية الخارجية باتت بيد وزارتي الدفاع والخارجية، ومن هذا المنطلق جاءت زيارة الوفد الروسي الذي ضمّ دبلوماسيين وعسكريين بهدف استكشاف العلاقات مع الجيش السوداني.

الموقف من الدعم السريع
يقول سفير السودان في موسكو إنّ “الزيارة أثارت حفيظة داعمي التمرد كدولة الإمارات ومناصريها وداعميها إقليمياً ودولياً”.

بدوره يشير مستشار قائد الدعم السريع الباشا طبيق إلى أنّ روسيا لا تقدم دعم عسكري دون مقابل، وأنّها تستغل ضعف حكومة الأمر الواقع وتفرض شروطها المتمثلة في منحها ميناء لبناء قاعدة بحرية، لتعزيز وجودها ومواجهة التمدد الأمريكي.

ويُقلل في حديثه لرصيف22 من تأثير أي تعاون عسكري مرتقب بين الجيش وروسيا على الوضع الميداني. يقول إنّه “لن يحدث تأثير مباشر على المشهد العسكري، ولكن ما نخشاه هو تطبيق النموذج السوري والليبي في السودان، وأن تتقاسمه الدول الكبرى وفق مصالحها”.

بدوره، يحدد الباحث أحمد دهشان عدّة عوامل تدفع نحو تحوّل الموقف الروسي لصالح الجيش، وهي أنّ حرب الدعم السريع طالت وفقد القدرة على حسمها في وقت قصير كما كان متوقعاً، كما أنّ قدرته على استخراج الذهب وبيعه إلى روسيا لم تعد كما كانت في الماضي، فضلاً عن ممارسات السلب والنهب واسعة النطاق التي باتت ملجأ حميدتي لدفع رواتب جيشه الكبير، وتفضيل وزارتي الدفاع والخارجية التعاون مع الجيش السوداني.

ويتابع أنّ “روسيا تتجه أكثر نحو الجيش وتعترف بمجلس السيادة، ولكن لا يعني ذلك أنها ستتخلى تماماً عن قائد الدعم السريع حميدتي”. ويتوقع دهشان أنّ تحافظ موسكو على علاقة بحميدتي وتدعو باستمرار إلى الحلّ التوافقي بين الطرفين لتحافظ على المساواة بينهما، كما أنّها تراعي المصالح المتداخلة بين الدعم السريع وقوى إقليمية هي حليفة لها في الوقت ذاته.

ويقول إنّ “روسيا ألقت بالكرة في ملعب الجيش السوداني وفتحت المجال لعلاقة أوثق ودعم أكبر حال قدم لها عرضاً مُغرياً”. ويؤكد أنّ “العلاقة مع الدعم السريع تراجعت بشكل كبير ولن تكون كما كانت في الماضي”.

اتفاقية القاعدة البحرية
بدوره يرى القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” شهاب إبراهيم، أنّ الحديث عن تعاون عسكري مع روسيا حالياً هو جزء من صراع النفوذ في منطقة البحر الأحمر وتعزيز للعمق الروسي في وسط وغرب أفريقيا.

ويقول لرصيف22، إنّ أطراف الحرب ستتحول إلى مخالب للصراع الروسي الأوكراني، مما يُعقد من مشهد حرب السودان ويطيل أمدها وانتقالها لدول الجوار.

ولا يتفق الباحث دهشان حول ارتباط الزيارة الروسية بالدور الأوكراني، ويعتقد أنّ علاقة الجيش السوداني وأوكرانيا كانت نوعاً من تبادل المصلحة المؤقت، ولم يكن لدى الطرفين تصورٌ واضح لإقامة علاقات طويلة الأمد.

ويرى أنّ المساعدة التي قدمتها أوكرانيا للجيش كانت نوعاً من ترويج نفسها أمام الغرب كقوة قادرة على مواجهة روسيا في ميادين دولية مثل أفريقيا، ولتقول إنّ الحصول على مزيد من الدعم ليس لحربها ضد روسيا فقط بل ولحماية المصالح الغربية أيضاً، وذلك فق قوله.

وتعود الاتفاقية التي تسمح للروس بالتواجد العسكري في البحر الأحمر إلى زيارة “البشير” إلى روسيا في 2017، وبعد الإطاحة به جُمدت الاتفاقية. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 صادقت الحكومة الروسية والرئيس بوتين على الاتفاقية مع السودان التي تمنح الأولى الحق في إنشاء “مركز لوجيستي” على البحر الأحمر، ونُشرت الوثيقة على موقع الحكومة.

يرى مستشار قائد الدعم السريع أنّ روسيا لا تقدم دعماً عسكرياً دون مقابل، وأنّها تستغل ضعف حكومة الأمر الواقع لفرض شروطها المتمثلة في منحها ميناء لبناء قاعدة بحرية لتعزيز وجودها ومواجهة التمدد الأمريكي.
وتضمنت الاتفاقية السماح لروسيا بإنشاء مركز لوجيستي يستضيف أربع قطع بحرية حربية بحد أقصى في الوقت نفسه، ويقتصر دوره على تقديم خدمات التموين والوقود والصيانة للقطع، وذلك لمدة 25 عاماً قابلة للتجديدة لمدة عشرة أعوام. كما مُنحت روسيا الحق في استخدام المطارات السودانية في نقل مهام إنشاء المركز، وسمحت بتواجد 300 فرد للتشغيل والإدارة، مع تقديم موسكو مساعدات عسكرية لتعزيز نظام الدفاع الجوي السوداني.

وتضع روسيا الالتزام بتلك الاتفاقية كشرط لتقديم الدعم العسكري للجيش السوداني، ولكن الأخير يخشى من إغضاب الولايات المتحدة والغرب إذا ما أقدم على ذلك، وفي الوقت نفسه يحتاج إلى الحصول على الدعم العسكري الروسي للاستمرار في حربه ضدّ الدعم السريع.

يقول الباحث أحمد دهشان إنّ “الاتفاقية لا تتضمن إنشاء قاعدة عسكرية بالمفهوم الكلاسيكي، لأن قوة روسيا البحرية محدودة ولا تُوضع في مقارنة مع القدرات الأمريكية، كما أنّها لم تستثمر في القوة البحرية حتى في عهد الاتحاد السوفيتي لأنّها لا تحتاج لذلك”.

ويتابع بأنّ روسيا تستطيع الوصول براً وجواً إلى مناطق نفوذها بخلاف الولايات المتحدة التي تحتاج إلى بحرية قوية وكبيرة، وتبعاً لذلك فما تريده هي محطة توقف لدعم بحريتها للتوسع جنوباً نحو المحيط الهندي.

ويرى أنّ الجيش السوداني كان متردداً بشأن تطبيق الاتفاقية ولم يلغها في الوقت نفسه، ولوح بها لاختبار النوايا الأمريكية والغربية لأنه في النهاية يفضل إقامة علاقات عسكرية مع الغرب.

ويتوقع دهشان أنّه ليس لدى مجلس السيادة الاستعداد في الوقت الحالي لمنح الروس هذا الحق، لكن ربما يلعب الأمر بشكل مختلف بمنحهم إمكانية دخول الموانئ دون التزام قانوني. ويضيف أنّ “الجيش إذا يأس من دعم الغرب وتيقن أنّه سيحصل من روسيا على دعم عسكري كبير يمكنه من حسم الحرب لصالحه فوقتها قد يذهب نحو تطبيق الاتفاقية، وهو ما يتم التفاوض حوله حالياً”.

الروسالسودانمجلس السيادة

المصدر: تاق برس

كلمات دلالية: الروس السودان مجلس السيادة مساعدات عسکریة الجیش السودانی الموقف الروسی الوفد الروسی الدعم السریع البحر الأحمر مجلس السیادة بین البلدین فی السودان إلى روسیا روسیا فی فی الوقت یقول إن ما کان إلى أن

إقرأ أيضاً:

شركة أسلحة تركية ساعدت في تأجيج الحرب الأهلية الوحشية في السودان، قامت بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني وفقًا للسجلات

واشنطن بوست – ترجمة ـ تكشف مجموعة من الوثائق والاتصالات التي حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” كيف قامت شركة تركية بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني، تم تسليم شحنة سرية من الطائرات المسيّرة والصواريخ التركية إلى الجيش السوداني في سبتمبر، وكان فريق من شركة “بايكار”، أكبر شركة دفاعية في تركيا، متواجدًا على الأرض لضمان إتمام الصفقة بسلاسة.وبمجرد تشغيل الطائرات المسيّرة، أرسل أحد موظفي بايكار سلسلة من الرسائل إلى رئيسه:

“هجوم اليوم”، كتب في 12 سبتمبر، إلى جانب مقطع فيديو لضربة جوية استهدفت مبنى غير مكتمل من الخرسانة.

“الهجوم الثاني”، كتب بعد ثلاثة أيام، بينما كانت صواريخ تضرب واجهة مستودع كبير.

في مقطع فيديو آخر، يظهر شخص يسير عبر الإطار قبل ثوانٍ من الانفجار.

تم توثيق هذا التبادل غير العادي من خلال مجموعة من الرسائل النصية والتنصتات الهاتفية، والصور والفيديوهات، ووثائق الأسلحة، وسجلات مالية أخرى حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” وتم التحقق منها جزئيًا باستخدام سجلات الهواتف، وسجلات التجارة، وبيانات الأقمار الصناعية.

تكشف هذه المجموعة من الوثائق، بتفاصيل مذهلة، كيف قامت شركة دفاعية تركية ذات نفوذ كبير بتمويل الحرب الأهلية المدمرة في السودان، التي استمرت لمدة 22 شهرًا وأدت إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم. كما توضح كيف بنت صناعة الدفاع التركية علاقات مع طرفي النزاع.

شركة “بايكار”

وفقًا لعقد وشهادة المستخدم النهائي التي اطلعت عليها “واشنطن بوست”، أرسلت “بايكار”، المملوكة جزئيًا لصهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أسلحة بقيمة 120 مليون دولار على الأقل إلى الجيش السوداني العام الماضي، بما في ذلك ثماني طائرات مسيّرة من طراز TB2 ومئات من الرؤوس الحربية. وقد أكد ذلك من خلال رسائل ووثائق تتبع الرحلات الجوية.

تعتبر بايكار المورد الرئيسي للطائرات المسيّرة للجيش التركي، وأكبر مصدر دفاعي في البلاد. يمكن لطرازها المتقدم TB2 حمل أكثر من 300 رطل من المتفجرات، وهو مصنوع باستخدام العديد من المكونات الأمريكية الصنع.لم تستجب بايكار، ولا الجيش السوداني، ولا الحكومة السودانية لطلبات التعليق.

النفي الرسمي من الجانب التركي

صرّح مسؤول في السفارة التركية في واشنطن، شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة القضايا الحساسة، في بيان مكتوب لـ”واشنطن بوست” قائلاً:
“بعد أن شهدت تركيا عواقب التدخل الخارجي في السودان، امتنعت منذ بداية الصراع عن تقديم أي دعم عسكري لأي من الأطراف.” من جانبه، قال ألبير جوشكون، المدير العام السابق للأمن الدولي في وزارة الخارجية التركية، وهو الآن زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إنه لا يستطيع التعليق على حالات محددة، لكنه شدد على أن تركيا لديها نظام صارم لمراجعة مبيعات الأسلحة، يشمل وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، وهيئة الأركان العامة.

الدور التركي في الحرب السودانية

تم الإبلاغ سابقًا عن وجود أسلحة تركية في ساحة المعركة السودانية، لكن لم يكن ذلك بمثل هذا التفصيل، الذي يكشف عن هوية الوسطاء، وحجم الشحنات، وكيف تم تسليمها إلى منطقة نزاع نشطة رغم العقوبات الدولية.تظهر الوثائق أيضًا التسهيلات التي يبدو أن السلطات السودانية تقدمها للشركات الأجنبية مقابل المساعدة العسكرية، مما يمنح لمحة نادرة عن عالم صفقات الحروب المظلمة.

تطورت الحرب في السودان تدريجيًا إلى صراع بالوكالة بين قوى خارجية مثل روسيا وإيران، لكن أبرز الجهات الفاعلة كانت الإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، لم يُسلَّط الضوء كثيرًا على الدور التركي.

بسبب قيود التغطية الصحفية، من الصعب تحديد حجم الدعم العسكري الذي تم تهريبه إلى السودان بواسطة القوى الخارجية. لكن تقريرًا صادرًا عن وزارة الخارجية الأمريكية في أكتوبر الماضي خلص إلى أنه من شبه المؤكد أن 32 رحلة جوية تمت بين يونيو 2023 ومايو 2024 كانت عبارة عن شحنات أسلحة من الإمارات إلى قوات الدعم السريع، التي تقاتل الجيش السوداني للسيطرة على البلاد.

وأفادت صحيفة نيويورك تايمز بأن الإمارات كانت تدير طائرات مسيّرة صينية من داخل الأراضي التشادية لتزويد قوات الدعم السريع بالمعلومات الاستخباراتية، ومرافقة شحنات الأسلحة إلى مقاتليها.

تورط قوى إقليمية أخرى

في المقابل، كشف تقرير مرصد النزاع السوداني في أكتوبر الماضي أن إيران كانت تزوّد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة سرية كما قالت منظمة العفو الدولية العام الماضي إن الأسلحة الصغيرة التي أرسلتها شركات روسية إلى السودان يتم استخدامها من قبل المقاتلين على الجانبين.

الإمارات نفت مرارًا أنها تقدم أسلحة لقوات الدعم السريع، فيما لم تعلّق روسيا وإيران على هذه التقارير.

المنافسة الإقليمية على الموارد السودانية

تظهر الوثائق أيضًا أن المنافسة بين الحكومات الإقليمية للحصول على الغنائم الاقتصادية للحرب أصبحت أكثر حدة.

خلال مناقشات أعقبت صفقة بيع الطائرات المسيّرة، أخبر مسؤولو بايكار زملاءهم أن قادة الجيش السوداني كانوا يفكرون في منح الشركات التركية امتيازات للوصول إلى مناجم النحاس والذهب والفضة، وفقًا لوثائق الشركة. كما تم تقديم حقوق تطوير ميناء أبو عمامة على البحر الأحمر، وهو ميناء رئيسي سبق أن وُعِدَ للإمارات، وتسعى إليه أيضًا روسيا.

في الشهر الماضي، أعلن وزيرا الخارجية الروسي والسوداني التوصل إلى اتفاق يسمح لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، مما يمنحها موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر.

خرق العقوبات الدولية

يبدو أن شحنات بايكار إلى الجيش السوداني تنتهك عدة جولات من العقوبات الأمريكية والأوروبية، مما يسلط الضوء على المخاطر التي تواجهها الشركات التركية أثناء محاولتها توسيع نفوذها في إفريقيا. في أكتوبر الماضي2024 ، صوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على تمديد حظر الأسلحة المفروض على دارفور، لكنه لم يتخذ أي إجراءات ضد القوى الخارجية المتهمة بانتهاك هذا الحظر.

“لا ينبغي لأي دولة أن تؤجج الحرب الأهلية في السودان أو تجني الأرباح منها”، قال السيناتور كريس فان هولين ديمقراطي – ماريلاند، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والذي حاول منع مبيعات الأسلحة إلى الإمارات بسبب نقلها أسلحة إلى قوات الدعم السريع.

تأتي هذه الاكتشافات في وقت حساس بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي غالبًا ما كان على خلاف مع الولايات المتحدة خلال عقدين من حكمه. مؤخرًا، عرض أردوغان استضافة محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا، وسط تدهور العلاقات بين كييف وإدارة ترامب، كما يسعى إلى تعزيز النفوذ التركي في العراق وسوريا على حساب إيران.

النفوذ التركي في القرن الإفريقي

عمل أردوغان أيضًا على توسيع الروابط العسكرية والدبلوماسية لتركيا عبر منطقة القرن الإفريقي المضطربة. وهو داعم قوي لجماعة الإخوان المسلمين، التي ترتبط بتحالف وثيق مع الجيش السوداني وتُعارضها الإمارات.

في مكالمة هاتفية بتاريخ 13 ديسمبر مع الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، عرض أردوغان “التدخل لحل النزاعات بين السودان والإمارات”، وفقًا لملخص رسمي للمكالمة. لكن الوثائق المسربة تظهر أنه في الوقت الذي كانت فيه أنقرة تروج لنفسها علنًا كوسيط، كانت شركات الدفاع التركية ذات الصلات الحكومية تتعامل مع كلا طرفي النزاع.

بينما كانت شركة بايكار تتفاوض على صفقة أسلحة مع الجيش السوداني، كانت شركة أسلحة تركية أخرى، “أركا ديفنس” (Arca Defense)، على اتصال مكثف مع شخصية بارزة في قوات الدعم السريع. في المكالمات الهاتفية والمراسلات الأخرى، ناقش مسؤول تنفيذي في أركا صفقات أسلحة مع حمدان دقلو موسى، المسؤول عن شراء الأسلحة لقوات الدعم السريع، وشقيق قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي“.

لم تتمكن صحيفة واشنطن بوست من التأكد مما إذا كانت أركا، وهي مقاول معتمد لدى البنتاغون، قد زوّدت قوات الدعم السريع بالأسلحة أم لا. وقالت المسؤولة التنفيذية في أركا إن شركتها لم تبِع أبدًا أسلحة لقوات الدعم السريع، لكنها لم تجب على الأسئلة المتعلقة باتصالاتها مع موسى.

أما محمد المختار، مستشار قوات الدعم السريع، فقال إنه لم يكن على علم بتلك المحادثات، مضيفًا أن قوات الدعم السريع لم تتلقَ أسلحة من تركيا، لكنها تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة التركية.

الحرب الأهلية السودانية: جذورها وتأثيراتها الكارثية

اندلعت الحرب الأهلية السودانية في أبريل 2023، عندما تحول أكبر جنرالين في البلاد ضد بعضهما البعض. كان الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، قد عمل جنبًا إلى جنب مع الجنرال عبد الفتاح البرهان لقمع حركة ديمقراطية ناشئة، لكن الخلاف اندلع بينهما حول كيفية دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.

وكانت العواقب كارثية:

ـ قُتل ما لا يقل عن 150,000 شخص.

ـ يحتاج حوالي ثلثي سكان السودان البالغ عددهم 50 مليون نسمة إلى المساعدات الإنسانية.

ـ فرَّ أكثر من 13 مليون شخص من منازلهم.

ـ تعرض المدنيون السودانيون للاغتصاب والتعذيب والذبح.

ـ تم قصف وحرق المستشفيات والأسواق.

ـ اتهمت الحكومة الأمريكية كلا الطرفين بارتكاب جرائم حرب.

ـ ومع ذلك، استمرت الأسلحة في التدفق إلى البلاد.

تفاصيل صفقة الأسلحة التركية إلى الجيش السوداني

عُقدت صفقة الأسلحة بين شركة بايكار والوكالة السودانية لشراء المعدات العسكرية، المعروفة باسم نظام الصناعات الدفاعية (DIS)، في 16 نوفمبر 2023، أي بعد خمسة أشهر من فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على DIS. لم تتمكن واشنطن بوست من تأكيد تاريخ التوقيع بشكل مستقل.

تضمن العقد:

ـ ( 600) رأس حربي

ـ (6) طائرات مسيرة من طراز TB2

ـ (3) محطات تحكم أرضية

ـ (48) شخصًا لتسليم الأسلحة وتقديم الدعم الفني داخل السودان

ـ وتم تسليم طائرتين مسيرتين إضافيتين في أكتوبر، واستمرت شحنات الأسلحة خلال نوفمبر.

ـ وقع العقد مرغني إدريس سليمان، المدير العام لـDIS، والذي فرضت عليه واشنطن لاحقًا عقوبات شخصية لدوره في صفقات الأسلحة التي ساهمت في وحشية الحرب واتساع نطاقها.

مسار تهريب الأسلحة

وفقًا للرسائل بين مسؤولي بايكار، وصلت أول شحنة ذخيرة جوًا في أغسطس 2024 إلى ميناء بورتسودان على ساحل السودان الشرقي. وأظهرت الرسائل أن آخر رحلة شحن وصلت في 15 سبتمبر2024. استخدمت واشنطن بوست بيانات طيران متاحة للجمهور لتحديد رحلتين جويتين تطابقان تلك الموصوفة في الاتصالات. وكلاهما تم عبر العاصمة المالية باماكو، وتم تشغيلهما بواسطة شركة الطيران Aviacon Zitotrans، وهي شركة خاصة روسية تم فرض عقوبات أمريكية عليها عام 2023 لكونها جزءًا من “آلة الحرب الروسية”.

تورط شخصيات رئيسية

بعد كل شحنة، كان أوزكان جاكير، وهو موظف متوسط المستوى في بايكار، يبلغ إشرف أفلياأوغلو، نائب رئيس الشركة للأعمال، بأن الطائرة قد وصلت وستتم إعادة توجيهها إلى شندي وعطبرة، وهما مدينتان بهما قواعد عسكرية شمال الخرطوم.

في 8 سبتمبر2024، أرسل جاكير إلى أفليا أوغلو صورة لنفسه مع البرهان. في الصورة، يظهر الاثنان بجانب أعلام سودانية، وعلى الطاولات الرخامية علب مناديل مطلية بالذهب.

خلال الأسبوع التالي، أرسل جاكير إلى رئيسه مقاطع فيديو للغارات الجوية، يبدو أنه صورها بهاتفه من داخل مركز قيادة عسكري. لم يرد جاكير ولا أفلياأوغلو على طلبات التعليق.باستخدام إحداثيات جزئية ظهرت على شاشة كاميرا الطائرة المسيرة، تمكنت واشنطن بوست من تحديد إحدى الضربات الجوية في قرية “حلة الدريسة”، على بعد حوالي 50 ميلاً شمال الخرطوم.

**

“لست بحاجة إلى عدد كبير من الطائرات المسيرة لقلب موازين الحرب — وهذه الطائرات قوية للغاية”، قال جاستن لينش، المدير العام لمجموعة Conflict Insights Group، وهي منظمة متخصصة في تحليل البيانات والأبحاث ساعدت في التحقق من صحة الوثائق باستخدام مصادر مفتوحة. “شهدنا تقدمًا كبيرًا لقوات الجيش السوداني خلال الأشهر القليلة الماضية. هذه الطائرات المسيرة جزء من تلك الاستراتيجية الناجحة.”

السودان يعتبر تركيا أكبر داعم له

أبلغت السلطات السودانية ممثلي شركة بايكار خلال اجتماع في 9 سبتمبر2024 أن “بهذه الخطوة، أصبحت تركيا الدولة التي دعمتهم أكثر من غيرها”، وفقًا لوثيقة داخلية من بايكار توثق المحادثات. وأشارت الوثيقة إلى أن الحكومة السودانية كانت ترغب في منح “إنشاء وإدارة ميناء أبو عمامة” للشركات التركية، وإلا فإنه “سيتم منحه للروس”.

وكانت الإمارات قد وقّعت سابقًا صفقة بقيمة 6 مليارات دولار لإدارة الميناء، لكنها أُلغيت من قبل الجيش السوداني بسبب دعم أبوظبي لقوات الدعم السريع. ووفقًا لملخص اجتماع بايكار، أعربت السلطات السودانية أيضًا عن اهتمامها بالتعاون مع تركيا لاستغلال احتياطيات السودان من النحاس والذهب والفضة، وكذلك “منح تراخيص للشركات التركية للصيد البحري وإنشاء منشآت معالجة الأسماك”.

الدعم العسكري التركي يثير قلق قوات الدعم السريع

قال محمد المختار، مستشار قوات الدعم السريع، إن الجماعة طلبت معلومات من وزارة الخارجية التركية بعد حصول الجيش السوداني على طائرات TB2 المسيرة، التي وصفها بأنها “حاسمة في انتصارات الجيش الأخيرة”.

وأضاف: “قالوا لنا إنها لم تأتِ من تركيا.” وتابع: “قالوا ربما جاءت من دولة أخرى اشترتها من تركيا. لم يذكروا اسم الدولة.”

“أسلحة ضخمة“

في أكتوبر، فرضت إدارة بايدن عقوبات على حمدان دقلو موسى، الشقيق الأصغر لقائد قوات الدعم السريع، بسبب “قيادته جهود تأمين الأسلحة لاستمرار الحرب في السودان”. وفي الأشهر التي سبقت ذلك، أظهرت الاتصالات التي راجعتها صحيفة واشنطن بوست أن موسى حاول تعزيز علاقات قوات الدعم السريع مع تركيا، حيث كان يتواصل بانتظام مع “أوزغور رودوبلو”، المسؤولة التنفيذية في شركة أركا ديفنس (Arca Defense).

وعلى الرغم من أن بايكار أصبحت موردًا عالميًا رئيسيًا للطائرات المسيرة، بما في ذلك لأوكرانيا وشمال إفريقيا، فإن أركا تُعد شركة جديدة نسبيًا، حيث تأسست في 2020، وفقًا لموقعها الإلكتروني. كشفت التسجيلات الصوتية أن محادثات رودوبلو مع موسى كانت ودية ومفصلة في كثير من الأحيان.

في مارس 2024، طلب موسى منها “50 مجموعة” من الأسلحة، ووعد بتقديم شهادة المستخدم النهائي، وهو مستند حكومي مطلوب لإتمام أي صفقة أسلحة، والذي لا تملك قوات الدعم السريع صلاحية إصداره قانونيًا.ولم يتضح ما إذا كان قد قدّم لها الوثيقة، أو ما إذا كانت المحادثة قد أسفرت عن صفقة أسلحة.بعض المراسلات بينهما ألمحت إلى أن الأسلحة كانت تتدفق في الاتجاه المعاكس — من السودان إلى الخارج.

في صيف 2024، أرسل موسى عبر واتساب إلى رودوبلو مقطع فيديو لمخبأ أسلحة استولت عليه قوات الدعم السريع مؤخرًا، يظهر فيه رجال يرتدون الزي العسكري وهم يدخلون كهفًا محصنًا داخل تلة ترابية. كتب موسى لها:
“لقد وجدنا أشياء ضخمة اليوم … أسلحة كبيرة جدًا. يمكننا القيام بمبيعات كبيرة.” فردّت عليه رودوبلو بحماس:”مواد رائعة لديك. أنا متحمسة.” طلبت منه صواريخ غراد عيار 122 ملم، وأرسلت له صورة للصاروخ. لكن موسى أجاب:”لا يمكننا توفيرها، نحن بحاجة ماسة إليها.” في محادثة لاحقة، وعدتها رودوبلو بأنها ستشتري “أي كمية متاحة”، مؤكدة:
“نحن عائلة. أي كلمة منك تعني لنا الكثير.”

التوترات بين واشنطن وأنقرة بسبب تورط شركات تركية

صرّحت رودوبلو لـواشنطن بوست بأن شركتها لم تشارك في أي صفقات أسلحة مع قوات الدعم السريع، قائلة: “نعرفهم من قبل … لكننا لم نقم بأي عمل تجاري معهم.” أما موسى، فقد رفض التعليق. يمكن أن تؤدي العلاقات بين “أركا” وأحد كبار قادة قوات الدعم السريع—التي تتهمها واشنطن بارتكاب إبادة جماعية وتطهير عرقي—إلى تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا، اللتين شهدت علاقاتهما فترات من التوتر خلال حكم أردوغان. هناك انعكاسات عسكرية أيضًا، حيث اشترى البنتاغون 116,000 طلقة ذخيرة من أركا في 2024.

قال السيناتور كريس فان هولين لواشنطن بوست: “في ضوء هذه الاكتشافات حول لعب الشركات التركية على الجانبين، ينبغي على الولايات المتحدة مضاعفة جهودها لوقف تدفق الأسلحة إلى هذا الصراع وإنهائه.”

موسى يطلب وقف الشحنة التركية للجيش السوداني

في 9 سبتمبر2024، بعد أن علم موسى بصفقة الطائرات المسيرة بين بايكار والجيش السوداني، أجرى اتصالًا غاضبًا مع رودوبلو. قالت له:
“أخبرتك ألا تثق بأحد هنا.” وأضافت:”على حد علمي، لقد زودوهم بمعدات أخرى أيضًا — بعض الأسلحة.” أظهرت الرسائل أنه حاول، في حالة من الذعر، التواصل مع بايكار عبر وسيط لمحاولة إيقاف الشحنة. في رسالة نصية إلى إيفلياأوغلو، نائب رئيس بايكار، كتب الرئيس التنفيذي للشركة:
“كان على وشك البكاء … كان يتوسل.” كان موسى يريد الحصول على الطائرات المسيرة أيضًا، وعرض ضعف المبلغ الذي دفعه الجيش السوداني.
وحذّر قائلاً: “إذا لم تستجب بايكار، فسنكون قد انتهينا.” لكن بايكار رفضت طلبه بشكل قاطع. كتب إيفلياأوغلو ردًا على الرسالة:
“مستحيل. هذا هو واقع العالم.”

تم تحديث هذا التقرير بتعليق من مسؤول تركي سابق.

جاريد لاي وجون هدسون ساهموا في إعداد هذا التقرير.

رابط نشر مختصر https://www.europarabct.com/?p=101837

المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والدراسات الاستخباراتية، ألمانيا وهولندا – ECCI  

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست: شركة تركية متورطة في تزويد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة وشحنة أسلحة سرية
  • الجيش السوداني يكثف هجماته على معاقل الدعم السريع وعينه على القصر الرئاسي ومركز العاصمة الخرطوم.. آخر المستجدات
  •  مقتل 9 مدنيين في قصف مدينة استعادها الجيش السوداني  
  • الجيش يهاجم الدعم السريع بعدة جبهات ويسعى للسيطرة على مركز الخرطوم
  • أي دور للإمارات في حرب السودان بين الجيش و”الدعم السريع”؟
  • الجيش السوداني يكشف عن هروب سيارات قتالية لـ”الدعم السريع” من الفاشر
  • شركة أسلحة تركية ساعدت في تأجيج الحرب الأهلية الوحشية في السودان، قامت بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني وفقًا للسجلات
  • وزير الدفاع السوداني: الجيش قطع شوطا طويلا ضد الدعم السريع
  • طائرات الجيش السوداني تستهدف ميليشيا الدعم السريع جنوب شرقي الخرطوم
  • الجيش السوداني: لا هدنة مع الدعم السريع ولا خيار غير الحسم