أحمد مبارك: صناعة المصادر المزيفة من إستراتيجيات السوشيال ميديا في التضليل
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال أحمد مبارك إعلامي وسياسي وعضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إنّ صناعة المصادر المزيفة من استراتيجيات السوشيال ميديا في تزييف الوعي الجمعي والتضليل، موضحًا: "ممكن تعمل موقع صغير عشان ننسب الموضوع له، ولما مروج الشائعة يتكلم يستشهد به".
وأضاف "مبارك"، في حواره مع الإعلامي والكاتب الصحفي أحمد الطاهري، مقدم برنامج "كلام في السياسة"، المذاع عبر قناة "إكسترا نيوز": "من استراتيجيات السوشيال ميديا، تجميل الكذب، فمن كان يريد ترويج شائعة يمكنه استخدام بوست جرافيك ولوجو أي موقع سواء كان حقيقيا أو مزيفا".
وتابع عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين: "المواطن محاصر بكمية كبيرة من الأكاذيب والضلالات ولو لم يكن محصنا بالمعلومة الحقيقية وفي التوقيت المناسب وبشكل منطقي وموثق حتى يكون لديه مناعة يمكنه اختبار من خلالها المعلومات المزيفة التي تتدفق عليه باستمرار فإنه سيسقط فريسة وضحية".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: السوشيال ميديا الإعلامي والكاتب الصحفي أحمد الطاهري
إقرأ أيضاً:
التحصين الإخباري.. سلاح الجيل لصد التضليل (1)
د. يوسف الشامسي **
تخيَّل لبرهة: هل تستطيع أن تمضي يومك دون تفحص هاتفك؟ لا أخبار عاجلة، لا تحديثات، لا منشورات... مُجرد صمت! قد يبدو ذلك في غاية الصعوبة، أليس كذلك؟ نحن جيلٌ يسبح في فيضان من الأخبار والتغريدات والقصص، حتى بات الفاصل بين الواقع والافتراضي خيطًا ضبابيًا يصعب تبيانه.
لم تعد الأخبار تُستقى من الصحف الرصينة، بل تحولت إلى تيارٍ مُتدفقٍ من الرسائل العابرة: من نكتةٍ في مجموعة "العائلة" بالواتساب إلى تحذيرٍ صحي في "شارع" عبر سنابشات، ومن تحليلٍ سياسي على منصة "إكس" إلى إشاعةٍ فيروسية الانتشار عبر "إنستجرام". وصار كل صديق في "فيسبوك" خبيرًا نفسيًا، وكل تغريدة مصدرًا للتحليلات الاقتصادية، وكل قصة على منصات الإعلام الاجتماعي حكمةٌ مُباركة أو عبرة تستوجب المشاركة. والأعجب أن وصفةً عشوائيةً لعلاج الصداع قد تتفوق على نصائح طبيبك، ورأيَ "المُؤَثر" في التيك توك يغدو مرجعًا لفهم الصراعات الدولية، وكأنما استحال العالم إلى سوق مزاداتٍ تتدافع فيه الأصوات، وتختلط فيه الحقائق بالأوهام، حتى بات التمييز بينهما ضربًا من التحدي.
لم يكن الأمر بهذا التداخل في السابق؛ إذ كانت الأخبار تمر عبر "مُرشحاتٍ" مهنية: محررون، ومراجعون، وخبراء يتحققون من المعلومة قبل بثها. أما اليوم فمصادر المعلومات ووسائط الإعلام التقليدية فقدت الكثيرَ من سلطتها وموثوقيتها إلى حد ما، ولهذا أسباب كثيرة تستدعي مراجعة شاملة للقواعد المهنية لمؤسسات الإعلام ودور المتحدث الرسمي "الخجول" والغائب عن المشهد. وبالتالي تشكلت بيئة جيدة لانتشار الأخبار (الصحيحة والزائفة على حد سواء) من قبل الأفراد (مشاهير، نشطاء، إلخ من ألقاب تجر ثقة الألوف والملايين)؛ إذ أصبح المستخدم نفسُه اليوم مُنشئًا للرسالة وله التحكم التام في نقل المعلومة ومشاركتها وبثها "مباشرا" عبر هذه الوسائط بغض النظر عن مصداقيته والتزامه بأمانة الرسالة وقيمتها الخبرية ومدى إلمامه بالقوانين وأخلاقيات النشر. المشكلة أنَّ هذه الحرية جاءت بثمنٍ باهظ: فوضى معلوماتية تخفت فيها المصداقية، وتتصاعد فيها الشائعات كالنار في الهشيم. فلم يعد الخطر يكمُن في غياب المعلومة، بل في فائضها السام الذي يُغرق العقل، ويحرفُ بوصلة النقد الواعي للمشهد.
الأمر لا يقتصر على الأكاذيب العابرة؛ ففي عصرنا الرقمي، أصبحت الشائعات سلاحًا استراتيجيًا في الحروب النفسية. دراساتٌ عديدة تؤكد أن الأكاذيب تصل أسرع بست مرات من الحقائق لكل 100 ألف شخص! لماذا؟ لأنَّ العواطف تغلب المنطق، فالإثارة والغضب ينتشران كالفيروسات، بينما تتحرك الحقائق ببطء السلاحف. انظر حولك: الأخبار المزيفة أثناء الحروب، والاتهامات المتبادلة بين الشعوب الشقيقة، وخطابات التخوين اليوم التي تفتت المجتمعات العربية وتقسم بعضها البعض، كلها منتجاتٌ سامة لمصانع الإعلام غير المسؤول؛ بل وعلى نطاق أوسع باتت الكثير من الحكومات تؤمن بفعالية "تسونامي" الأخبار المُزيَّفة (المُفبرَكة) كسلاح تدميري لتحطيم وعي الأفراد ونفسياتهم لا يقل أثرًا عن سائر الأسلحة العسكرية، وكأننا في حربٍ باردةٍ جديدة؛ لكنها هذه المرة تدور في عقولنا قبل ساحات القتال، كل ذلك ينذر بخطرٍ مُحدق يطال أمن الفرد الفكري والإعلامي إذا هو لم يحسن التحصين "الإخباري" السليم.
هنا يبرز سؤالٌ جوهري: كيف نحصن أنفسنا "إخباريًا" من هذا الطوفان؟
الجواب يختزله المنهج القرآني المتجدد الصالح لكل عصر: "فتبينوا"؛ هذه الكلمة الذهبية هي جوهر "التحصين الإخباري" الذي نحتاجه اليوم. فقبل أن ننقل خبرًا، أو نصدق رسالة، أو نشارك منشورًا، علينا أن نتوقف لوهلة ونسأل: من يقف خلف هذه المعلومة؟ وما هدفه؟ وما السياق الذي قُدمت فيه؟ وكيف يمكن التحقق منها؟ ولإجابة هذه التساؤلات لا بُد من فهم قواعد اللعبة الصحفية والعوامل الخارجية وتأثيرها على طرق مُعالجتها للأحداث، بحيث لم يعد التركيز في تحليل مضمون الرسالة الإخبارية كافيا، وهذه المهارة لن تتولد في ليلة، ولكن تستدعي توسيع قاعدة مناهج التعليم لغرس مزيد من الوعي حول بيئة الصحافة وعمليات إنتاج الأخبار وطرق النقد الإخباري، هذه الأسئلة البسيطة قد تكون الفارق بين أن نكون ضحايا للخداع أو أُمناء على الحقيقة. لكن للأسف، مدارسنا لا تعلمنا كيف ننتقد الخبر؛ بل كيف نحفظه! مناهج التعليم ما زالت تعامل المعلومة كمسلمةٍ مقدسة، لا كموضوعٍ للنقاش والتمحيص، وكأننا نُعد جيلًا ليُملأ رأسه بالبيانات، لا ليعلم كيف يفككها.
في المقابل، بدأت بعض الدول تدرك حجم الكارثة، فبرزت العديد من التجارب العالمية لتعزيز التحصين الإخباري لطلبة المدارس وطلبة التعليم العالي، فعلى سبيل المثال تدمج فنلندا اليوم مفاهيم "التربية الإعلامية" في مناهجها الوطنية منذ المرحلة الابتدائية لتعزيز التفكير النقدي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية أنشأت جامعة ستوني بروكس في عام 2011 معهدًا غير ربحي لـ"التربية الإخبارية"، واستحدثت مقررًا إلزاميا لطلاب الجامعة يعنى بالتقييم النقدي للأخبار، فيما تدعم دول الاتحاد الأوروبي مبادرات مثل مراكز "إنترنت أكثر أمانًا" لتوعية الطلاب بمخاطر التضليل وفق فئاتهم العمرية، وتُلزم اليابان طلبتها بدراسة منهج "الأخلاق المعلوماتية" لتعزيز الاستهلاك الواعي للإعلام، كما تُضمن سنغافورة التربية الإعلامية في منهج التربية الأخلاقية لجميع الصفوف لتعليمهم تفكيك الأخبار المزيفة. كل هذه التجارب تهدف لخلق جيل أقل عرضة للتزييف، وأكثر قدرةً على مواجهة فيضان المعلومات. لكن لماذا تظل مثل هذه التجارب حكرًا على بعض الدول بينما في عالمنا العربي - حيث تتصاعد خطابات الكراهية، وتنتشر نظريات المؤامرة كالفطريات في الظلام - نجد مناهجنا تتجاهل تمامًا تعليم النقد الإخباري؟
أعتقد أننا بحاجة لثورة تعليمية تعيد صياغة عقلية الجيل الجديد: مناهج تُدرس الطفل كيف يميز بين الخبر المدعوم بمصادرَ موثوقةٍ والإشاعة الملفقة، كيف يُحلل الصورة قبل مشاركتها، كيف يكتشف التناقضات في الروايات. كما نحتاج إعلامًا جريئًا يعيد بناء جسر الثقة مع الجمهور، عبر الشفافية والاعتراف بالأخطاء، بدلًا من الاختباء وراء البيانات الجافة أو الانحياز السافر.
لا غرو أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت مساحة كبيرة لتعددية الأصوات، ونجحت إلى حد كبير في تمكين الجماهير من تجاوز "حراس البوابة" أو الرقباء حسب التعبير الإعلامي الذين ينتقون ما يصلح ولا يصلح للنشر؛ بيد أن ذلك- رغم ما يحمله من ديمقرَطَةٍ للمعلومة- سيفاقم إشكالية الموثوقية على حساب الشعبية بلا شك، لذا يظل تحصين الفرد وتوعيته بآلية نقد الأخبار والتحقق منها ضرورة ملحة لجيل الألفية الثالثة، وذلك لن يتأتى إلّا عن طريق عملية عاجلة لزراعة منهج تعليمي إلزامي لجميع طلاب المدارس الثانوية أو التعليم العالي على أقل تقدير يعنى بالتحصين الإخباري و"التربية الإعلامية" وحقنه بآليات النقد والتحقق التي تم حجرها في أروقة أقسام الإعلام بجامعاتنا.
** أكاديمي بقسم الاتصال الجماهيري في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية
رابط مختصر