يعمل العقل كما يعمل الفرن، والخبز الموجود فيه هو الإنتاج، والنار التى تطيّب الخبز هى القراءة الدائمة، هى الوقود. إذا توقفت القراءة توقف الإنتاج، وكلما أعطيت العقل زاده من القراءة والتأمل، أعطاك زادك من الإنتاج، ما رأيتٌ آلة تعمل بغير ملل كما الفرن قدر ما يعمل العقل بوقود القراءة والتأمل.
العقل كالفرن البلدى قبل ظهور الصناعات الحديثة، لا يمكن أن يشتغل إلا بأكوام الوقود الدائم، ووقود العقل القراءة والتأمل والاستبصار.
أمّا القراءة فعرفناها، وأما التأمل فموقوف عليه معلوم، فماذا عساه يكون هذا الاستبصار؟
الاستبصار هو أعلى المراحل فى العملية الإبداعية كالرغيف الساخن تسحبه من الفرن بعد استوائه. هو الكتابة الإبداعية المتفردة بعد القراءة التى كانت مرحلة أولى، وبعد التأمل الذى يأتى كمرحلة ثانية؛ فالذى يشعل الوقود ليجعل منه ناراً ملتهبة هو التأمل، لكن لا القراءة وحدها ولا التأمل وحده يكفيان لتمام العملية الإبداعية كما لا يكفى الوقود بلا اشتعال، ولا يكفى الوقود مع الاشتعال أيضاً وليس فى الفرن دقيق معجون ليصير خبراً شهيّاً.
إلى هنا؛ ولم نصل بعد إلى حالة الاستبصار هذه. العجيب فى الأمر أن حالة الاستبصار خارجة عن العقل تماماً كما يكون رغيف الخبز خارج عن الفرن مع أن هذه الحالة الاستبصارية نتيجة لمراحل سابقة، ولكنها فى ذاتها مفارقة لها بمقدار ما يفارق رغيف الخبز ما خرج عنه من وراء مراحل سبقت وجوده وأنشأت تكوينه وشاركت صورته النهائية.
الاستبصار بالنسبة للعقل كرغيف الخبز بالنسبة للفرن: شكل نهائى تجسّده الكتابة الإبداعيّة فى مراحلها الأخيرة تماماً كما تجسّد عملية الإعداد من وقود واشتعال ومادة (هى الدقيق المعجون)، رغيف الخبز هذا الذى بين يديك.
فما يخرج من العقل هو الكتابة، كما يخرج عن الفرن الرغيف، لكن ليست كل الأرغفة التى تخرج عن الفرن صالحة للاستخدام الآدمي؛ فها هو رغيف محروق، وهذا آخر زابل تألف هزيل ردئ، وذاك ضخم عجينه مخلوط بعشب الأرض ولوثة الهفاف المتطاير فى الهواء، وعلة هذا كله هو فارق الصناعة بين جيدة ورديئة. والاستبصار فى الكتابة هو الذى يقوم مقام الصناعة فى الفرن، فإذا وجد الاستبصار وجدت الكتابة الإبداعية، وإذا لم يوجد فقدت الكتابة الجيدة وأصبحت كرغيف فاسد محروق لا يصلح للغذاء.
أمّا عن كنه الاستبصار؛ فالخيال عالمه العظيم وفلكه الذى يسبح فيه ويخلق ما لم يكن مخلوقاً، مع تعدد الصور المعرفية والمرائى الوجودية عليه. لذلك؛ كانت كل إبداعات أهل الله من العارفين هى استبصار يجند ذائقة البصيرة، ويوظفها توظيفاً يرتد إلى حالة العارف، ويعلو فوق حدود العقل المحدود، ويأخذ بالتجربة والمعاناة، وهى تشمل الوعى العالى بما يتكاتف فيه العقل مع الروح فلا العقل وحده يكفى، ولا الحس وحده يكفى ما لم يكن الإدراك الأعلى وهو إدراك البصيرة الذواقة أسمى فى تلك التجربة الفياضة بذوق المعاناة. العارفون يقولون: من ذاق عرف. وليس من ذوق خارج نطاق التجربة، والتجربة فى هذه الحالة هى التى تقودك؛ ولست أنت القائد ولن تكون، التجربة هى التى تفعل، ولست أنت الفاعل ولن تكون، هنا يكون التخلى عجباً من أعاجيب القدرة: أعنى التخلى عن وهم تمثل فى الوعى المحفوظ دوماً بالأنانية، واستبداله بمحيط السلامة النفسية بدايةً حين تتحلى بمجموعة «قيم علوية» تعتقدها وتدين لها بكل الولاء، وشيئاً فشيئاً تصبح عادة التحلى طبعاً لا يقبل الانفطام، ولا التخلى عنه بحال. بقاءك مرهون بعقيدتك فى هذه الحالة ما فى ذلك شك، وَتَقَدُّمُكَ مَوْقُوفٌ على الولاء كل الولاء لما تدين ممَّا عساك تحلَّيت به فى السابق وتزكيت.
لأبى العباس المرسى إشارة يقول فيها: «إن لله عباداً محق أفعالهم بأفعاله، وأوصافهم بأوصافه، وذاتهم بذاته وَحَمَّلَهُمْ من أسراره ما يعجز عامة الأولياء عن سماعه»، لأنهم صاروا بالحق بعد التجربة مع الله، ولكونهم بالحق فى كل قول ذى صدق، مع عمق كلام هو لا يحتاج إلى تذويق بل إلى تَذَوّق؛ لأنه يخرج عن أسباب الإيمان والتقوى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم الإنتاج رغیف الخبز
إقرأ أيضاً:
الحبيب: من تزوج إمرأة لم تملك قلبه ولا عقله فيعدد بشرط .. فيديو
الرياض
أثار استشاري الطب النفسي طارق الحبيب، جدلاً واسعًا، بعد حديثه عن ميول بعض الرجال لتعدد الزوجات، في حين يرفضه أخرون ،إلى جانب دعم بعضهم للمصالح الأنثوية ورفض المرأة للتعدد .
وأعرب الحبيب عن رأيه في تعدد الأزواج قائلا:” من تزوج امرأةً ملأت القلب والعقل فالأصل عدم التعدد، ومن تزوج امرأة لم تملك القلب ولا العقل فالأصل الطلاق بعد المحاولات “، لافتًا إلى أن الهدف هو السُكنة.
وأضاف :” من تزوج امرأة ملأت القلب ولم تملأ العقل، هنا نخضعها للأمور المتعددة، ولها حق الاختيار القرار البقاء أن لا .”
وعلّق أحد الأشخاص على حديثه قائلا:” قد يعتقد البعض أن كلام هذا الرجل “مجرد رأي شخصي” ولكن العلم له كلمة أخرى، في علم النفس التطوري وعلم البيولوجيا، عندما ينخفض مستوى التستوستيرون مع تقدم العمر لدى الرجل، فهذا يجعله أكثر دعمًا وتبني للإستراتيجيات الأنثوية في التزاوج للحد من خيارات الرجل وكبح نزعته الغريزية لتعدد الشركاء الجنسيين.”
ولفت إلى أن الرجال تاريخيًا يميلون للتعدد لأن استراتيجيتهم الإنجابية تعتمد على نشر جيناتهم، مما يزيد من فرص بقاء نسلهم، وعلى النقيض، تميل النساء إلى اختيار الشريك بناءً على معايير الاستقرار والأمان، ما يجعلهن يسعين إلى تقييد خيارات الرجل وتقليل احتمالات مشاركته مع أخريات، وهو ما يفسر رفض كثير من النساء للتعدد.
وفسر رفض بعض الرجال للتعدد بأنه ناتج عن تغيرات بيولوجية وهرمونية تؤثر على سلوكهم، مما يدفعهم لدعم نماذج اجتماعية تخدم المصالح الأنثوية لا الذكورية.
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/02/X2Twitter.com_-PpCMygitHepsEGM_848p.mp4