لجريدة عمان:
2025-04-07@07:01:56 GMT

القصة.. ضيف خفيف على الصحافة

تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT

القصة.. ضيف خفيف على الصحافة

لي صديق نحيف جدا. يشبه عود قصب، نضحك معه دائما، ونقول له: «أنت تشبه أقصوصة». حينما يهلّ علينا يطالع المكان بسرعة، ويبحث عن أيّ فرجة بين اثنين جالسين، مساحة سنتيمترات، لا تكفي من النظرة الأولى لجلوس طفل، لكنه يلقي بجسده عليها، وسرعان ما يملأ الفراغ الصغير، أو يملأه الفراغ الصغير، كأنه مادة سائلة في تجربة «الأواني المستطرقة».

حصلت القصة، مثل صديقي، على مكانها، قبل مكانتها، في الصحافة، تاريخيا، من خلال حجمها الصغير. القصة بين الروايات هي قطعة حلوى بين «تورتات» ضخمة، بيت صغير وسط عمارات شاهقة، ورقة ملونة أمام كراسات وكشاكيل، حوض ورد في حقول شاسعة.

نحافتها سهّلت نشرها، مثلها مثل القصيدة. لو سألت أيّ رئيس تحرير إصدار ورقي، عن أكثر نوع أدبي يجد صعوبة في نشره، سيشير بإصبع إلى (تهمة) ضخمة تستقر على الطاولة أمامه: «إنها الرواية». لا يجد أمامه إلا اقتطاع جزء منها، جزء مستقل، فيه حكاية ما، أو موقف تعيشه شخصية، أو حدث يتوهّم أنه يكفي وحده لشدّ الجمهور، لكنه يعرف قطعا أن الرواية ليس مكانها صفحات الجرائد والمجلات. حتى لو نشرها مسلسلة، لا يمكن أن يضمن أبدا أن يتابعها كلّ الجمهور، فمن يشتري الصحيفة أو المجلة اليوم قد لا يشتريها غدا، أو بعد غد، وبالتالي تبدو فكرة غير عملية، ومحكوما عليها بالفشل غالبا، إلا لو كنا نتحدث عن حالات تاريخية، مثل نجيب محفوظ الذي نشرت بعض أعماله مسلسلة في مجلة «الرسالة الجديدة» وصحيفة «الأهرام».

كان عقد الخمسينيات هو عقد القصة بامتياز في مصر. حاولتْ كلّ مجلة مصرية أن تجذب كتّاب القصة إليها، من «آخر ساعة» إلى «المصور» و«حواء» و«الكواكب» و«التحرير» (مجلة أصدرتها ثورة يوليو ورأس تحريرها ثروت عكاشة، ورأس مجلس إدارتها أنور السادات) و«الرسالة الجديدة»، و«روز اليوسف» و«صباح الخير»، إلى جريدة «المصري».

لم يقتصر النشر على الصحافة، وإنما صدرت كتب تضم باقات قصص لكتّاب راسخين أو شباب. في عام 1956 مثلا صدر كتاب «ألوان في القصة المصرية» ضمّ قصصا لنجيب محفوظ، ويوسف السباعي، ويوسف الشارونى، ويوسف إدريس، ومصطفى محمود، ومحمود تيمور. قدّم له طه حسين، بينما كتب محمود أمين العالم دراسة نقدية عن الأعمال.

واستمرارا لتوهّج القصة في عقد الخمسينيات صدر كتاب «قصص من مصر» عن «الجمعية الأدبية»، في عام 1958، وضمّ قصصا لكتّاب سيكون لهم شأن كبير في المستقبل، مثل عبد الرحمن فهمي، وفاروق خورشيد وأحمد كمال زكي وعبدالغفار مكاوي. قدّم للقصص الناقد الدكتور عز الدين إسماعيل. ودفعتْ حمّى القصة بشاعر كبير مثل صلاح عبد الصبور لأن يكتب في مجلة «صباح الخير» سلسلة قصص بطلها شخصٌ واحدٌ اسمه «محمود»، واخترع إحسان عبد القدوس في نفس المجلة باب «حكاية»، تناوب عليه معظم كتّاب القصة الشباب. كان أشبه بمكان للتدريب على القصة، وأسهم في تعريف الحياة الثقافية بقامات مثل فتحي غانم، وعلاء الديب، وصبري موسى، وأحمد هاشم الشريف. وفي عهد رئيس تحريرها الشاعر ورسّام الكاريكاتير صلاح جاهين نشرت «صباح الخير» باب «الجيل الغاضب» ابتداء من عام 1966، تحت إشراف الديب، وعاونته لجنة لإجازة الأعمال الأدبية تكوّنت من يحيى حقي، ومحمود أمين العالم، وشكري عياد. في هذا الباب نشر الديب لكثير من كتّاب الستينيات، مثل إبراهيم أصلان وخيري شلبي ومحمد حافظ رجب، لكن الفضل الأول في رسوخ هذا الجيل يعود للكاتب والصحفي عبد الفتاح الجمل، فقد خصص ملحق جريدة «المساء» لنشر أعمالهم وتقديمهم إلى الحياة الثقافية. كانوا يعتبرونه راهب جيل الستينيات، فقد أهمل نفسه، وكتابته، وتفرّغ للتبشير بهم، ولم يكن حديثه يخلو في أيّ مكان منهم، ولذلك استمروا في تمجيده حتى رحيلهم واحدا وراء الآخر.

لا أستهدف التأريخ للمجلات والجرائد التي اهتمت، خلال العقود التالية، بالقصة القصيرة، وإلا لاحتجت إلى كتاب كامل، لكنني أريد أن أقفز مباشرة إلى عقد التسعينيات، حيث أتيح لي الانضمام في نهايته إلى جريدة «أخبار الأدب» والعمل مع كاتب من أبرز الكتّاب الذين بشّر بهم عبد الفتاح الجمل، أقصد الروائي جمال الغيطاني. قبل صدور الجريدة كانت القصة المصرية لا تجد المساحة الكافية للازدهار والانتعاش، كما كان يحدث في عقد الخمسينيات أو حتى في الحقب التالية، وتعرضت صفحات الأدب في الجرائد والمجلات المختلفة للإلغاء غالبا تحت ضغط سيل الإعلانات، كما رفضت مجلة «القصة»، التي تصدر عن «نادي القصة» النشر لغير أعضائها، بما يعني أنها انعزلت وتحولت إلى «أخوية»، كما أن مجلة «الثقافة الجديدة» لم تستوعب سيل القصص التي تنهمر عليها من كل الأقاليم، بما أنها شهرية. ولذلك حينما صدرت «أخبار الأدب» بدت كأنها يد القدر التي امتدت لتنتشل القصة من أزماتها. خطّ الغيطاني لها طريقا جميلا، يصل الشرق بالغرب، بمعنى أنها لا تنكفئ على مصر، ولا تكتفي بنشر مواد محلية، وإنما تمد يدها للعالم العربي، وكذلك لبقية العالم، رأى الغيطاني أن للجريدة دورا تربويا، فحين تنشر نصا لشاب ويجد نصه منشورا، جنبا إلى جنب مع نصّ لكاتب عربي أو أجنبي راسخ، سيقرأه ويتعلّم منه.

استنّ الغيطاني تسمية «تقليب التربة» وبدأ في البحث عن المواهب في كلّ مكان، واستطاع تدبير المال اللازم لتأسيس مسابقة سنوية، خصّصها للقصة، إذ كان مقتنعا بأن القصة فن مظلوم، فن افتقد إلى وجود قامات بعد وفاة يحيى حقي ويوسف إدريس ويحيى الطاهر عبد الله. ورأى أيضا أن تخصيص مسابقة لها سيمنحها دفعة قوية، وهو ما حدث فعلا، حيث اكتشفت الجريدة أسماء صار لها وزنٌ كبيرٌ في عالم القصة. كما كان الغيطاني مقتنعا بصعوبة نشر الروايات مسلسلة، مع أنه خالف قناعته ونشر بعض الأعمال بهذه الطريقة، وكان يضع تلخيصا، في كل عدد جديد، لأحداث الرواية المنشورة خلال الأعداد السابقة. كان الغيطاني يتصل بكثير من الكتّاب، ومنهم روائيون، طالبا منهم كتابة قصة خصيصا للجريدة، وأغلبهم استجاب له، ومنح الصدارة لجيله، فلم يخل عدد من نصّ لإبراهيم أصلان أو محمد البساطي أو بهاء طاهر أو خيري شلبي، لكنه منح المساحة الأكبر للكتّاب الجدد، وبرزت القصة في «أخبار الأدب» باعتبارها الفنّ المفضّل لجمال الغيطاني (الصحفي)، وكتبت المقالات في الثناء على القصة وعودتها القوية وأسمائها الجديدة، وفي بداية الألفية وتحديدا في عام 2004 أعلن بصحبة صديقته شمس الإتربي عن تأسيس جائزة «ساويرس» في الرواية والقصة القصيرة، وبدت هذه الجائزة أيضا فرعا يغذي نهر القصة، لكن مشكلتها أنها انكفأت على مصر فقط، بعكس جائزة «الملتقى» الكويتية التي فتحت أبوابها للعرب فأحدثت تأثيرا امتدت مساحته من الخليج إلى المحيط.

القصة في رأيي هي الفن الأكثر كمالا في كل شيء، حتى في العلاقة مع الصحافة، فهي كالضيف الخفيف، أنيق وجميل وزيارته خاطفة، يأتي بمفرده، لا مع كثير من الأشخاص، غير صاخب، أو دعائي، يجلس في أي مكان، ويمضي معك بعض الوقت البسيط، لكنه يترك في نفسك أثرا رائعا، كأنه حلم، أو سحابة، أو هبّة هواء منعشة في يوم قائظ.

شهادتي في المؤتمر الأول لجائزة الملتقى الكويتية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مجلة أمريكية: هل إيران قادرة على هزيمة أمريكا وإغراق حاملات طائراتها بالبحر الأحمر؟ (ترجمة خاصة)

توقعت مجلة أمريكية أن أي صراع مع إيران سيزيد بشكل كبير من احتمال تعرض حاملة طائرات أميركية لأضرار بالغة أو غرقها.

 

وقالت مجلة "ناشونال إنترست" في تحليل للباحث براندون ج. ويتشرت، وترجم أبرز مضمونه إلى العربية "الموقع بوست" إن وفرة القوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط تضعفها بدلا من أن تكون مصدر قوة لها.

 

وأكد ويتشرت وهو محرر الشؤون الأمنية بالمجلة أن قائد القوات الجوية الفضائية في الحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجي زاده، قال له أثناء لقاء في طهران، بعد وقت قصير من تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإيران بعواقب وخيمة إذا لم تتخل عن سعيها لامتلاك أسلحة نووية، إن "لدى الأميركيين ما لا يقل عن 10 قواعد عسكرية في المنطقة المحيطة بإيران، تضم حوالي 50 ألف جندي".

 

وأضاف أن هذا الحضور لا بد أن يكون مزعجا بالنسبة لأي قائد عادي، فإن حاجي زاده يرى أن وفرة القوات الأميركية في المنطقة نقطة ضعف، وهي "تعني أنهم يجلسون داخل غرفة زجاجية. ومن يجلس في غرفة زجاجية ينبغي له ألا يرمي الآخرين بالحجارة"، كما يقول ويصدقه الكاتب في ذلك.

 

وأشار إلى أن القواعد الأميركية في الشرق الأوسط وما حوله معرضة لانتقام إيراني واسع النطاق، ولكن إذا قررت إيران ذلك، ربما تدمر إسرائيل والولايات المتحدة منشآتها النووية الحربية المفترضة، وربما توجهان لها ضربة قاضية تؤدي إلى انهيار النظام.

 

الأصعب منذ الحرب العالمية الثانية

 

يتابع "مع أن الأميركيين يتمتعون بمزايا كبيرة على النظام الإيراني، فإن قائد الحرس الثوري الإيراني محق عندما يحذر أميركا من قدرة إيران على الرد، فالقواعد المحيطة بإيران تمثل أهدافا واضحة، كما تستطيع إيران أيضا أن تذهب إلى أبعد من ذلك بإغراق إحدى حاملتي الطائرات التابعتين للبحرية الأميركية الموجودتين حاليا في المنطقة، وهما يو إس إس هاري إس ترومان ويو إس إس كارل فينسون".

 

وبشأن جماعة الحوثي في اليمن يقول الكاتب إن الحوثيين المدعومين من إيران أظهروا قدرة ملحوظة على تهديد حاملات الطائرات الأميركية العاملة بالقرب من شواطئهم، وهم يقتربون أكثر فأكثر، باستخدام صواريخ باليستية مضادة للسفن متطورة بشكل متزايد، من حاملات الطائرات الأميركية المنتشرة لمحاربتهم.

 

ووصف إريك بلومبيرغ، قائد المدمرة يو إس إس لابون، فترة خدمته ضد الحوثيين بأنها أصعب قتال شهدته البحرية منذ الحرب العالمية الثانية، وقال "لا أعتقد أن الناس يدركون حقا مدى خطورة ما نقوم به ومدى التهديد الذي لا تزال تتعرض له السفن الحربية التابعة للبحرية الأميركية".

 

يشير الكاتب إلى أن صواريخ الحوثيين الباليستية المضادة للصواريخ أصبحت فعالة للغاية لدرجة أن صاروخا حوثيا كاد أن يصطدم بسطح قيادة حاملة الطائرات الأميركية "دوايت دي أيزنهاور" العام الماضي، ولا شك في أن عدوا أكثر تطورا، مثل الصين أو إيران، يمكن أن يفعل ما هو أسوأ بكثير، كما يقول الكاتب.

 

وتطرق التحليل إلى أنه خلال الأسبوع الماضي، زعمت تقارير غير مؤكدة من المنطقة أن الحوثيين أطلقوا النار على حاملة الطائرات الأميركية بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية مضادة للسفن "أصابت" الناقلة، وتنفي البحرية ذلك، ولكن البنتاغون، مع ذلك، أمر حاملة الطائرات بإعادة تموضعها خارج نطاق أسلحة الحوثيين.

 

أميركا تفقد الهيمنة

 

وأفاد أن الصواريخ المضادة للسفن أضحت تشكل تهديدا كبيرا للسفن الأميركية المسطحة، لدرجة أن البحرية تبقيها على مسافات آمنة من مواقع الإطلاق الحوثية.

 

وقال "بما أن صواريخ الحوثيين من صنع الإيرانيين، فمن المنطقي أن أي صراع مع إيران سيزيد بشكل كبير من فرص تعرض حاملة طائرات أميركية لأضرار بالغة أو غرقها".

 

ولفت إلى أن الهيمنة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط كانت مضمونة قبل 20 عاما، لكن الحوثيين وحلفاءهم الإيرانيين أصبحت لديهم قدرة كافية تمكنهم من إبقاء حاملات الطائرات الأميركية بعيدة، مما يحد كثيرا من فعاليتها، وهم قادرون، إذا تجرأت على الاقتراب من منطقة القتال، من إغراقها بكل تأكيد.

 

وأكد أن خسارة كهذه تشكل ضربة قاصمة للروح الأميركية، التي تعتبر حاملات الطائرات الرمز الأبرز لقوتها، لأن هذه المنصات -وفق الكاتب- متطورة للغاية وباهظة الثمن، مما يعني أن تدمير واحدة منها أو إخراجها من ساحة القتال بسبب هجمات إيرانية، ستكون ضربة قاصمة لأميركا.


مقالات مشابهة

  • سناء حمد: نوّر بيتنا ..شارع بيتنا
  • لقاء صريح للرئيس السنغالي في أول إطلالة مع الصحافة الوطنية
  • بيراميدز ‏يكتفي بتدريب خفيف في المغرب بعد مضايقات الجيش الملكي.. صور
  • صدور عدد جديد من مجلة "العين الساهرة" وملحق "الشرطي الصغير"
  • خدعة أبريل التي صدّقها الذكاء الاصطناعي
  • ‎نشاط زلزالي متصاعد من خفيف إلى متوسط في إيران خلال يومين
  • مجلة ناشونال إنترست: إيران قادرة على إغراق حاملات الطائرات الأميركية
  • مجلة أمريكية: هل إيران قادرة على هزيمة أمريكا وإغراق حاملات طائراتها بالبحر الأحمر؟ (ترجمة خاصة)
  • من أربيل.. وكالة الصحافة الفرنسية تقيم معرضها الفوتوغرافي الأول بالشرق الأوسط
  • مد فترة التقديم لـ”جوائز الصحافة المصرية” حتى 21 أبريل