زرع الحلزون من الترشيح حتى التأهيل… ورشة علمية لكلية العلوم الصحية
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
دمشق-سانا
بهدف استعراض واقع زراعة الحلزون في سورية، وتبادل الخبرات الطبية والعلمية أقامت كلية العلوم الصحية ورشة علمية تحت عنوان “زرع الحلزون من الترشيح حتى التأهيل”، وذلك في مدرج جامعة دمشق.
وتضمنت الورشة عروضاً تقديمية حول أهم نتائج الأبحاث العلمية والتقارير العالمية، ومستجدات عملية جراحة الحلزون، بالإضافة لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الإجراءات الطبية المتعلقة بزراعة الحلزون.
رئيس جامعة دمشق الدكتور محمد أسامة الجبان بين في كلمة أهمية تعزيز المعرفة العلمية للطبيب وتبادل الخبرات والتجارب في المجال العملي، مشيراً إلى أن الجامعة تدعم كل الأنشطة التي من شأنها رفع المستوى العلمي والمعرفي للطلاب.
بدوره عميد كلية العلوم الصحية الدكتور سامر محسن، أشار في تصريح لمراسلة سانا إلى أن الورشة تستهدف اختصاصيي أمراض الأذن والأنف والحنجرة وجراحة الحلزون والأطباء المقيمين، وطلاب دراسات اختصاص سمعيات وعلاج الكلام واللغة والعلاج الوظيفي والنصف حركي، وطلاب كلية العلوم الصحية إضافة إلى خريجي الهندسة الطبية، وأصحاب شركات الأجهزة السمعية، مشيراً إلى أهمية دمج كامل الاختصاصات للحصول على عمل ناجح ومتكامل في هذا العمل الجراحي.
وبين محسن أهمية التعامل مع عملية زراعة الحلزون كقضية طبية بمفهوم فريق متعدد الاختصاصات، من ترشيح الطفل إلى إجراء العمل الجراحي، انتهاء بتنفيذه عبر الفريق التقني الطبي الجراحي، ومن ثم فترة المتابعة وتنظيم جهاز الحلزون والتدريب والتأهيل السمعي، وصولاً إلى الهدف المرجو من العمل الجراحي ودمج الشخص بالحياة بشكل طبيعي.
وأوضح محسن أن هذه الورشة من شأنها إكمال آلية عمل البرنامج الوطني للكشف، والتدخل المبكر لنقص السمع عند حديثي الولادة لتكون آلية التفكير والمفاهيم العلمية بين أعضاء اللجنة الوطنية في البرنامج، وأعضاء فريق زراعة الحلزون موحدة ومتجانسة.
الاستشاري في أمراض وجراحة الأذن والأنف والحنجرة وزراعة الحلزون، الدكتور جمال قسومة عرض خلال محاضرته آلية إجراء عملية جراحة الحلزون المناسب لحالة المريض، إضافة لعرض أبحاث متنوعة حول العمليات التي تم إجراؤها، مشيراً إلى أن الأوضاع التي مرت بها سورية أدت إلى تراجع عمليات زراعة الحلزون، فيما لا تزال الكوادر محافظة على مستوى عالٍ بالإجراءات والتدابير الطبية.
من جانبها بينت الاختصاصية في تقويم الكلام واللغة منال قدور أهمية تأهيل الطفل السمعي، وتدريبه على الكلام وتطوير مهاراته السمعية من ناحية الفهم السمعي والذاكرة السمعية التي من شأنها زيادة مهارات الطفل اللغوية والتواصل الاجتماعي، ما ينعكس على المجال الأكاديمي وانخراطه في المجتمع.
راما رشيدي
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: العلوم الصحیة
إقرأ أيضاً:
مالك بن نبي: التأهيل الإنساني والاجتماعي هو مفتاح صنع الحضارة
حينما نقول بأن اللحاق الحضاري ممكن إذا ما توفر الإنسان المؤهل والمنظومة الاجتماعية والإدارية المناسبة لبناء الحضارة عبر تحويل اهتمامنا من تكديس منتجات الحضارة القائمة إلى تقليدها ثم صناعة مثلها أو أفضل منها، يُطرح سؤال البون الشاسع بين المستوى الذي عليه الحضارة الغربية وحالة التخلف التي تعرفها مجتمعاتنا العربية الإسلامية.
لقد تناول الأستاذ مالك بن نبي هذا التحدي وهونه بتنبيه قرائه إلى حالة التسارع الحضاري التي باتت تتيحه تطورات العلوم الطبيعية وأثرها على الدراسات الاجتماعية وضرب في هذا الإطار مثالا يتعلق بـ"الكيمياء الحيوية" و"الديناميكية الخاصة"، وكيف أصبح الفرق مذهلا بين الفترة الزمنية التي يأخذها تحلل نصف غرام من الأورانيوم في حالته الطبيعية والتي يأخذها بفعل التطور العلمي في المخبر، وضرب أمثلة في الحياة الاجتماعية بالدول التي كانت في طريق صناعة نهضتها في أواخر الأربعينيات، مثل اليابان وروسيا والصين، حينما خطط قادتها للتعامل مع المنتجات الحضارية بمنطق البناء، لا بمنطق التكديس.
وقد بينت الأيام كيف صنعت المعجزة اليابانية من ركام الدمار الذي حل بها في الحرب العالمية الثانية عام 1945 إلى قمة تطورها عام 1973، وكيف صارت في وقت سريع حالة بارزة في ريادة الحضارة العصرية، وكذلك كيف انتقلت الصين من كونها دولة من أفقر دول العالم في الستينيات إلى مصنع العالم وأكبر قوة علمية واقتصادية تنافس الولايات الأميركية المتحدة في الريادة، وهي التي لم تبدأ خطتها النهضوية الحاسمة إلا في منتصف السبعينيات، وللأسف الشديد لم يعش الأستاذ مالك بن نبي ليرى أن ثمة دولا مسلمة وضعت رجلها في طريق النهضة الحضارية، وفق معايير التسارع التي تحدث عنها، منها إندونيسيا وتركيا وماليزيا وباكستان وإيران.
إن التفاعلات التي أنشأتها حركة الإصلاح في العالم الإسلامي والتجارب والمحاولات التي تظهر هنا وهناك مهما كانت معوقاتها، وتعثرها في الزمن والمكان، هي كما يقول مالك بن نبي "بادرة الحضارة" أو بلغة علم الإلهيات (مرحلة إرهاص)، يوجه فيها العالم الإسلامي جهوده الاجتماعية، هادفا إلى تحصيل حضارة.
إن سبب صعوبات العبور الحضاري هو أن النموذج الذي تريده الأمة ليس نموذج الحضارة الغربية الرأسمالية المادية المهيمن، الذي تسير عليه كل الأمم في هذا الكون، حتى تلك الأمم التي تنافس الغرب على الريادة، بل إن الدول الإسلامية الناهضة التي أشرنا إليها أعلاه، هي ذاتها لم تبلور نموذجا حضاريا إسلاميا خاصا بالأمة يساهم في إنقاذ العالم من ظلم وفساد الحضارة الغربية المهيمنة، فكل النهاض الملحوظ في الأمم غير الغربية ليس انبعاث حضارات جديدة، وإنما هي نسخ أخرى صاعدة للحضارة الغربية.
غير أن ما حققته بعض الدول الإسلامية ضمن مسار الحضارة الغربية هي خطوات جيدة نحو صناعة القوة وضمان السيادة، بما يعطي الحرية والإمكان لبلورة النماذج التي تزرع فيها روح الحضارة الإسلامية لاحقا، لكي تكون استئنافا فعليا للحضارة الإسلامية.
إن بناء الحضارة مسار، وليس تحولا جذريا في وقت محدد من الأوقات، يبين الأستاذ مالك بن نبي ذلك بقوله إن "القاعدة في علم الاجتماع ليست -كنظيرتها في علم الرياضة- حدا فاصلا بين الحق والباطل، والخطأ والصواب، ولكنها مجرد توجيه عام يمكن به تجنب الأغلاط الفاحشة، إذ لا يمكن أن يوجد حد دقيق بين حضارة تتكون وبين حضارة تكونت فعلا". ومما يؤكد قول بن نبي أن الحضارة الإسلامية الأولى لم تصنع نموذجها المتميز فورا بعد قيام الدولة الإسلامية في المدينة، فقد بقيت اللغات الفارسية واليونانية والقبطية هي لغة العلم و بقي الدينار البيزنطي عملة التعامل إلى عهد عبد الملك بن مروان عام 74 هجريا.
وإنما المأمول أن التحول في الاستئناف المرتقب يكون أسرع من ذلك بفعل التطور العلمي المذهل كما بيناه سابقا. ومهما يكن التحول الحضاري سريعا أو متثاقلا، فإنه لن يسمى حضارة إسلامية إن لم تكن روحه الإسلام، مثلما بينه العالم الجليل الفاضل بن عاشور في كتابه الرائع "روح الحضارة الإسلامية" أو مثلما أكده الأستاذ مالك بن نبي في قوله: "وإنه لتفكير سديد ذلك الذي يرى أن تكوين الحضارة بوصفها ظاهرة اجتماعية إنما يكون في الظروف والشروط نفسها التي ولدت فيها الحضارة الأولى، عن عقيدة قوية، ولسان يستمد من سحر القرآن تأثيره، ليذكر الناس بحضارة الإسلام في عصوره الزاهرة"، وكذلك وفق ما قال الإمام مالك بن أنس قبله "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
لم يشأ مالك بن نبي أن يترك الحديث عن نشوء الحضارة ضمن التوجيهات والأبعاد العقائدية فحسب، بل أبدع نموذجا علميا ذاع صيته وأصبح من الأفكار الأساسية التي عرف بها، انطلاقا من فكرة "البناء بدل التكديس"، وهو أن أي منتج حضاري -وضرب مثال المصباح- إنما يصنع من جهد إنسان يحسن استعمال مكونات التراب ضمن فترة زمنية يعرف فيه قيمة الوقت ويتقن استغلاله، لتكون الحضارة في المجمل= إنسان + تراب + وقت. ولا يمكن حسب هذا النموذج، ووفق ما يراه بن نبي، أن تحل مشكلة الحضارة ما لم تحل مشكلة الإنسان الذي هو محور الحضارة، ومشكلة الوقت الذي هو حيز الحضارة، ومشكلة التراب الذي فيه المكونات المادية لمنتجات الحضارة.
غير أن بن نبي يسأل بعد وضعه هذه المعادلة: لماذا لا تصنع الحضارة تلقائيا بالرغم من أن العناصر الثلاثة المذكورة متوفرة لدى كل الشعوب وفي كل وقت، فيجيب بضرب مثال تكوين الماء، من حيث إنه لا يمكن أن يتكون الماء تلقائيا من الهيدروجين والأكسجين الموجودين في الطبيعة منفصلين، ما لم يتدخل في المعادلة مركب ما، ويقيس على ذلك أن للحضارة مركبا خاصا بها هو الذي يحدث التفاعل بين الإنسان والتراب والوقت لكي تنشأ الحضارة، ويتمثل هذا المركب في الفكرة الدينية التي رافقت دائما تركيب الحضارة خلال التاريخ. سنفحص هذه العناصر أكثر في الحلقات المقبلة بحول الله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.