الفلسفة والاستقلال الأكاديمي.. في محاولة التفكير بالجامعة اليوم
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
لم تعد الفكرة الفلسفية عن الجامعة الموروثة عن الفيلسوف كانط ومدرسة "المثالية الألمانية" -خصوصا هومبولت- كافية للتفكير في التحديات التي تواجهها هذه المؤسسة اليوم، والمرتبطة بالنظام النيوليبرالي، بل أكثر من ذلك إن أي تفكير في الجامعة انطلاقا من ذلك المثال الكلاسيكي للتكوين لا يدرك هذه التحديات ولا التحولات التي يمر منها العالم، وقد يؤيد الوضع القائم الذي يمثله "التكوين الزائف" كما يرى ذلك الفيلسوف ثيودور أدورنو.
إن رطانة النقاء والحقيقة التي ميزت فكرة الجامعة -من إيمانويل كانط إلى جاك دريدا- قد تحولت إلى عقبة للتفكير في هذه المؤسسة ومآلاتها، علاوة على أنها لم تفهم الجامعة باعتبارها مؤسسة اجتماعية تقوم على إعادة إنتاج الواقع الاجتماعي بتراتبياته السائدة.
وهذا سبب آخر يجعل النقد السوسيولوجي للعقل الفلسفي ضروريا لفهم الجامعة ودورها الاجتماعي وتوضيح حدود الخطاب الفلسفي.
إن مؤسسة الجامعة تعيش تحولات جذرية في العقود الأخيرة، ولا يمكن للفكرة الفلسفية عن الجامعة كما تتردد في الفلسفة الحديثة أن تسعفنا في فهم هذه التحولات التي تعيشها، بل ستحجب عنا رؤية الواقع ومعه واقع هذه المؤسسة.
وهنا لا بأس أن نذكّر بما قاله أدورنو "(..) يتوجب على التربية أن تحول نفسها إلى سوسيولوجيا، أي يجب أن تعلمنا عن لعبة القوى الاجتماعية التي تعمل تحت سطح الأشكال السياسية".
"صراع الكليات"إن مشكل الجامعة اليوم -والذي يعبر عن نفسه في أكثر من صورة، آخرها في ذلك الصراع الكلاسيكي، والذي سبق لكانط أن عبر عنه في "صراع الكليات" بين كوسموبوليتية العقل ومصالح الحكومات- كما يظهر اليوم في احتجاجات الطلبة الغربيين ضد موقف حكوماتهم من الحرب على غزة لا يعكس أزمة العلم وتبعيته للسوق والشركات الكبرى والمجموعات الصناعية فحسب، بل يعكس أيضا أزمة المجتمع النيوليبرالي بأسره.
هذا هو بالضبط ما نتعلمه من أحدث المنشورات عن الجامعة، إن نبرة ليوتار الجنائزية في بداية كتابه "الوضع ما بعد الحداثي" ليست سوى لمحة مسبقة عن المآل الذي ستنتهي إليه الجامعة، وهي نبرة سنلتقيها لاحقا عند الفيلسوف الألماني راينهارد براندت الذي سينتقد في كتابه "لماذا نحتاج بعد إلى جامعات؟" (2011) عملية تحويل الجامعات إلى كليات تقنية، وهو ما حذر منه ليوتار.
أجل، إن المرثيات التي كتبها الفلاسفة حول الجامعة لا تسهم كثيرا في فهم موضوعنا اليوم وإدراك أبعاده المختلفة، السياسية والاقتصادية والثقافية، لكن عمل براندت يتميز في الآن نفسه بنفسه التاريخي وروحه النقدية.
لكن خلف هذا العمل يقف كتاب آخر يمثل النص التأسيسي لولادة الجامعة الحديثة، ويقوم بالنسبة للتفكير الحديث في الجامعة مقام "معطف غوغول" بالنسبة للرواية الروسية، وأعني "صراع الكليات" لإيمانويل كانط، والذي يصفه براندت بأنه استمرار للخطة النقدية لكتاب "نقد العقل المحض" ومنعطفه الكوبرنيكي، بشكل يصبح فيه العقل هو المشرع الوحيد للأزمنة الحديثة.
إن هذه الفلسفة الكانطية الجديدة -التي أعادت تعريف الطبيعة والحرية- ستحدد أيضا طبيعة الجامعة البروسية، ولكن هذه الفكرة الجديدة للجامعة التي سعت إلى التحرر من "الماضي المغلق" كما سماها براندت تواجه اليوم مستقبلا مغلقا أو أيديولوجية مستقبلية مغلقة دفنت منذ زمن بعيد المثال الهمبولتي لحرية التعليم والبحث، وهي تربط مصير الجامعة بمصير السوق النيوليبرالي ولوبياته.
الفلسفة في الجامعةوعلى الرغم من الموقع المركزي للفلسفة داخل الجامعة الحديثة فإن علاقة الفلاسفة كانت دائما إشكالية بهذه المؤسسة، على الأقل منذ شوبنهاور الذي اعتبر في أطروحته "في الفلسفة الجامعية" (1851) أن النظام الجامعي الفلسفي ضار.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك الفلسفة الفرنسية في الستينيات، حيث انتقد مثقفون مثل بورديو وفوكو ودولوز ودريدا "الجامعة القمعية والمحافظة" ودعوا إلى "تمرد المعرفة"، ومع ذلك فإن هؤلاء المثقفين هم تحديدا الذين دافعوا عن الجامعات ضد التأثيرات الخارجية منذ أواخر السبعينيات، وتحديدا ضد الصحافة التي سعت ولا تزال تسعى إلى تحديد "إنتاج وتداول الأعمال الجامعية".
ووفقا لدي لاغازانري في كتابه "إمبراطورية الجامعة" (2007) -والذي يؤرخ للتفكير الفلسفي في الجامعة خلال النصف الثاني من القرن الـ20 في فرنسا- كان جيل دولوز أول من وقف ضد الصحافة والفلاسفة الصحفيين أو الفلاسفة الجدد.
وفي لغة دولوز نحن نشهد "تدجينا للمثقف"، وفي مناسبة أخرى سيكتب في الموضوع نفسه "نحن في حاجة إلى تحليل سوسيولوجي لما يحدث في مجال الصحافة وما يعنيه ذلك من الناحية السياسية، ربما يمكن لشخص مثل بورديو أن يقوم بهذا التحليل".
جاك دريدا أيضا سيصف دور وسائل الإعلام في مجال الثقافة بأنه "تهديد خطير، ليس فقط لمن يكتب ويعرف أنه مهدد من قبلها، بل للفضاء الأدبي برمته، للفضاء الاجتماعي للثقافة بشكل عام".
وفي مقابلات مختلفة بين عامي 1980 و1984 يصف فوكو عالم الصحافة في فرنسا بأنه عالم ينسى "وظيفة العمل النقدي"، وعلى غرار جيل دولوز ينوي ميشيل فوكو الدفاع عن "الناس الذين يعملون" ضد الدجالين، وعن الجامعة ضد الصحافة والاستهلاك الجماهيري".
وفي تقديمه للسلسلة العلمية "الأعمال" التي ستنشرها دار "سوي" سيتحدث فوكو بشكل نقدي عن صناعة النشر الفرنسية التي -في رأيه- "لا تعكس حاليا بشكل كافٍ العمل الذي يمكن القيام به في الجامعات وفي مراكز البحث المختلفة، كما أنها لا تعكس ما يتم القيام به في الإطار نفسه بالخارج".
من جانبه، ينتقد بورديو مرارا وتكرارا السيطرة المتزايدة للصحافة على الحياة الفكرية في فرنسا بوصفها صيرورة فهم زائفة.
وفي لهجة ساخرة يصف بورديو هذا الزيف في كتاب "الإنسان الأكاديمي" بـ"سوء الفهم"، أي "الخلط بين شيء وآخر، بين كاتب مقالات تلغرافية ومرشح لخلافة مؤلف كتابي "الكينونة والعدم" و"نقد العقل الجدلي".
لم يتوقف بورديو مثل فوكو عن الدفاع عن استقلالية البحث الجامعي في مواجهة منطق السوق، وقد عبر عن ذلك في أكثر من كتاب ومقال كما في "قواعد الفن"، حيث سيندهش لاختفاء الحدود اليوم بين "العمل البحثي" و"الكتاب الأكثر مبيعا"، ويشكل "اختفاء الحدود" هذا تهديدا كبيرا لاستقلالية الإنتاج الثقافي، وفقا لبورديو.
ففي كتابه "في التلفزيون" سيحث المثقفين على الاحتشاد ضد "القوى والتلاعبات الصحفية"، ولكن في حين أن بورديو ودولوز ودريدا وفوكو يرون أن الصحافة هي المشكلة التي تواجهها الجامعات يرى دي لاغازنري أن المشكلة قد تغيرت اليوم.
ومع ذلك، من الأهمية عدم التقليل من هيمنة نوع معين من الصحافة على القطاع الثقافي إذا ما أردنا فهم صناعة الثقافة النيوليبرالية اليوم، فعلى سبيل المثال تنتج الصحافة وليس الأبحاث الجامعية المعمقة "حقيقة" الإسلام في السياق الأوروبي اليوم والصورة النمطية عن العرب والمسلمين.
استقلال ذاتيإن مؤسسة الجامعة -والتي تساوق ظهورها مع بروز فكرة "الأتونوميا" أو الاستقلال الذاتي في السياق الغربي- تعيش اليوم أزمة كبيرة، وهي أزمة تعبّر عن طلاق واضح بين المؤسسة والأسس التي قامت عليها ولأجلها، وهي جزء من أزمة أكبر تضرب النظام الديمقراطي ككل في زمنه النيوليبرالي.
لكن رُبّ سائل يسأل: ما نصيبنا -في السياق العربي- من هذه الأزمة؟ لا بد من التأكيد أولا أنه من الصعب الحديث عن مؤسسة للجامعة في السياق العربي، لأن ظهورها لم يرتبط بمبدأ الاستقلال الذاتي وكل المبادئ التي سيدافع عنها التنوير، دون أن يعني ذلك أن نبخس هذه الجامعة دورها، على الأقل في ربطنا ببعض منجزات الحداثة العلمية أو شحدها للوعي بضرورة الارتباط بهذه المنجزات، ولا يتوجب ربط مشكلة الجامعة في سياق عربي فقط بتدخل الدولة، فقد يكون هذا التدخل ضرورة يفرضها منطق العصر وتفرضها التحولات الاجتماعية والمعرفية، ولكن المشكلة قد تكمن مثلا في انتشار ثقافة طائفية داخل الجامعة قد تتشدق بالعلمانية والحرية في هجومها على التقليد، ولكنها في الواقع تظل أكبر ظهير للاستبداد وأوضح تعبير عما تفعله السياسويات الضيقة والنزعات البدائية بالثقافات والمؤسسات الوطنية.
لم تعد الطائفية مجرد نظام سياسي للمحاصصة، بل تحولت في سياقنا العربي إلى طبيعة ثانية للإنسان العربي، وبعد أن دمرت الأوطان لا تتورع عن تدمير الإنسان أو ما تبقى منه.
ومن هنا ضرورة أن يحظى درس الأخلاق في الجامعة وقبلها في المدرسة بمكانة محورية، كما يتوجب أقلمة المعرفة الغربية مع ضرورات سياقنا العربي، وتجاوز مخاطر التبيعية والتقليدانية في آن.
سيذكر أدورنو في نظريته عن "التكوين الزائف" قصة ذلك الطالب الذي أخبروه في أميركا أن الجامعة هي "مكان للبحث وليس للتفكير"، وذلك حتى يحرموا الجامعة ويحرموه من حقه في ممارسة النقد أو من حقه في حريته، وليوجهوا البحث العلمي بشكل يخدم الأجندات الأيديولوجية السائدة.
إن علينا أن نحذر من تغلغل هذا المنطق الاستهلاكوي، والذي تتمثل إحدى تمظهراته أيضا في الحط من اللغة العربية والإبداعات العربية على الرغم من أن الكثير مما يدبجه الباحثون العرب باللغات الأجنبية -خصوصا الإنجليزية- لا يتجاوز مستوى تقارير أجهزة المخابرات.
ويكفي أن نقارن هنا بين مسارين لمفكرين عربيين، أحدهما هو محمد عابد الجابري، ارتبط بأسئلة مجتمعه، وعاش الفكر باعتباره التزاما معرفيا وسياسيا بهذه الأسئلة، فأخطأ وأصاب، ولكنه ظل في الخطأ والصواب مرتبطا بمصير مجتمعه، والآخر هو بسام طيبي الذي لا يقل موهبة وذكاء عن الجابري في شيء، ولكنه سيرتبط بأسئلة الاستشراق الغربي المزيَّفة والمزيِّفة وسيقدم لنا في النهاية كتبا سيلفظها الاستشراق نفسه.
كما أن المراقب لوضع الجامعة في سياق عربي سيلحظ غيابا للتقاليد الفكرية وللعبة مرنة بين الأجيال داخل هذه المؤسسة، ولا يرتبط الأمر فقط بالبنى السلطوية للمجتمع، ولكن أيضا بالأنانيات الصغيرة والمتخلفة، والتي قد تحرم جيلا بأكمله من حقه في الإبداع والمعرفة.
لكل تلك الأسباب ولأسباب أخرى، لا غرو تبقى مؤسسة الجامعة في سياق عربي ما يجب أن ننجزه، وليس ما أنجزناه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات هذه المؤسسة عن الجامعة فی الجامعة فی السیاق
إقرأ أيضاً:
أماني الطويل و التفكير ذو البعد الواحد
الإنسان ذو البعد الواحد الذي أشار إليه المفكر الأمريكي اليساري هربرت ماركوزا في كتابه الذي يحمل ذات الوصف " الإنسان ذو البعد الواحد" حيث يعتقد ماركوزا؛ إن المجتمع الرأسمالي قد جعل الإنسان أستهلاكي، و لذلك هو لا يستطيع أن يرى الإبعاد الأخرى للرأسمالية، غير التي جعلته حبيس التفكير الاستهلاكي.. الأستاذة الدكتورة أماني الطويل مع خالص الاحترام لها، هي أيضا حبيسة التفكير الأحادي الذي لا يتعدى دور الجيش في السلطة، باعتباره هو المحرك الأساسي للعملية السياسية، و هذه النظرة ربما تخص مجتمعات بعينها منها مصر، و لكنها ليست رهينة للمجتمعات الأخرى.. و أماني الطويل بنت هذه الفكرة من خلال صراع الأخوان المسلمين مع السلطة و ليست مع القوى السياسية الأخرى.. بدأت مع عبد الناصر في منتصف خمسينيات القرن الماضي و مع السادات و حسني مبارك و شاركوا في سقوطه ثم مع منظمات المجتمع المدني، و تم حسمتها بأدوات السلطة من خلال أجهزتها العسكرية..
أن أغلبية النخب المصرية قد تغير تفكيرهم بعد ثورة يوليو 1952م، باعتبار أن الجيش حسم المعركة التي كانت ضد البلاط الملكي، و حكم الباشوات، و التدخلات الأجنبية، التي كان لها نفوذا كبيرا في ذلك النظام، فالجيش في مصر استطاع أن يقود ثورة سياسية و اجتماعية لتوزيع الأراضي على الفلاحيين، و عندما صنع النظام السياسي أبتكر فكرة " الاتحاد الاشتراكي" التي كان عمودها الفقري قبائل اليسار من قوميين و ماركسيين إلي جانب الفئات الأخرى العمل و المزارعين و الحرفيين و المهنيين.. و السبب الرئيس للثورة في مصر 2011م هي فكرة التوريث التي حاول أن يطبقها حسني مبارك التي أثارت الشارع و خاصة النخب التي كانت تشكل العمود الفقري لعهد جمال عبد الناصر.. باعتبار أن الفكرة الناصرية تقوم على أساس أن الدولة هي التي يقع عليها عبء النهضة و التغيير في مصر لذلك أعتنى الناصرية بالإعلام و تعدد مؤسسات النشر.. و هي ذات الفكرة المؤمن بها الرئيس عبد الفتاح السياسي، و الرجوع إلي الناصرية الأولى..
أماني الطويل تحاول أن تقرأ واقع السوان من خلال هذه الرؤية التاريخية السياسية المصرية.. رغم أن البناء السياسي التاريخي في السودان يختلف عن مصر.. باعتبار أن الأحزاب هي التي استطاعت أن تحدث التغيير في السودان، و هي التي قادت النضال ضد الاستعمار و نجحت في تحقيق الاستقلال.. و هي أيضا التي مهدت للجيش أن يدخل حلبة السياسة في السودان، و هي التي استطاعت أن تعبيء الشارع ضد النظم الشمولية، لكن استطاعت التخلص منها بمساعدة القوات المسلحة..
قالت الدكتورة أماني الطويل لقناة "الجزيرة مباشر" (أن مصر تراهن على الجيش في تحجيم دور الأخوان المسلمين في السودان في ضوء انقسام الجبهة الإسلامية القومية و ضعفها على المستوى نتيجة الثورة التي اندلعت ضدها في 2018م و رفض الشعب السوداني لحكم الأخوان) أن رؤية الطويل أن يلعب الجيش الدور السياسي بدلا عن القوى السياسية في عملية التغيير، حتى إذا كان تصفية قوى سياسية بالقمع، هي تعد نقطة الخلاف الجوهرية بين مخيلة أماني الطويل، و المخيلة السياسية في السودان، لآن نظام الإنقاذ أسقطته الجماهير من خلال ثورة ديسمبر بمساعدة المؤسسة العسكرية، و بالتالي الصراع مع الإسلاميين هو صراع سياسي الأفضل أن تحسمه الجماهير من خلال صناديق الاقتراع، باعتبار أن القوى السياسية السودانية تتطلع إلي التحول الديمقراطي، و أدواته ليست القمع أنما الانتخابات و تطبيق القوانين.. إذا كانت أماني الطويل تبني قناعاتها السياسية في عملية التغيير في السودان من خلال أن يكون للجيش دورا كبيرا في العملية، فهي تراهن على العملية القمعية.. هذه تختلف عن القناعات السودانية المتطلعة للديمقراطية، أن تتم أية عملية بالأدوات الديمقراطية و القانون الذي يحكمها..
أن أختلاف طرق التفكير بالضرورة سوف تعطي نتائج مختلفة.. ربما تكون قبائل اليسار في السودان تتفق مع أماني الطويل، باعتبارها من ذات المنبت السياسي، و طريقة التفكير التي تتجاوز الجماهير إلي الأدوات القمعية، و لكن قبائل اليسار في السودان تحاول أن تجد لها تخفيفا فتسميها " الأدوات الثورية" و هي أدوات ليس لها علاقة مطلقا ب " الديمقراطية".. أن ثورة ديسمبر 2018م لم تسقط نظام الإنقاذ فقط، بل كشفت للشعب عورة الأحزاب السياسية السودانية، التي عجزت أن تدير الإزمة بالصورة التي تخرج البلاد إلي بر الأمان، و السبب أنها جاءت بناشطين سياسيين كانت عندهم شهوة السلطة أكبر من عملية التغيير و البناء لمستقبل البلاد، ضعف السلطة و شهوة السياسيين لها، هي التي سمحت بفتح العديد من مكاتب المخابرات الأجنبية في البلاد، و التي استطاعت أن تمد أنوفها في الشأن السياسي الداخلي، مما ساعد على إشعال الحرب.. حيث وقف اليسار بعيدا يتفرج على الذي يجري في البلاد، لأنه فقد القدرة على العطا، و أكتشف أنه أصبح أضعف حلقة في الصراع السياسي، لذلك يتفاعل بيجابية مع أية دعوة لاستخدام القمع على القوى السياسية الأخرى..
أن الدكتورة أمانيي الطويل يجب أن تتذكر أن أختلاف الثقافات السياسية التي تكونت عبر التراكم الطويل للصراع، هي التي تحدد أدوات بين القوى السياسية فهي ليست متطابقة في البلدين " السودان و مصر" لكن هذا لا يمنع أن تكون علاقة إسترايجية بين البلدين منفعة الشعبين.. و أيضا هناك علاقة نتجت عن الحرب بين الجيش و الشعب، و هذه العلاقة هي التي سوف ترسم شكل السودان الجديد و النظام السياسي القادم، لآن الحرب بينت أن السودان مستهدف من العديد من الدول في الإقليم و خارجهو بالتالي لابد أن تغيير في شكل الأجندة و ترتيب الأولويات.. و الشكر للدكتورة الطويل على إسهاماتها لأنها بالفعل تخلق حوارا و خلاف الرأي لا يفسد لود بين المتحاورين.. و نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com