باريس- بعد أسابيع من المناقشات، أعلنت حكومات إسبانيا والنرويج وأيرلندا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، في خطوة ستدخل حيز التنفيذ يوم 28 مايو/أيار الجاري.

وأكدت النرويج -التي استضافت محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية مطلع التسعينيات وأدت إلى اتفاق أوسلو– ضرورة دعم الأصوات المعتدلة في خضم الحرب المستمرة على قطاع غزة.

ورغم وصف البعض الاعتراف بدولة فلسطينية بأنه "رمزي" و"أداة سياسية" إضافية للضغط على إسرائيل، فإن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منزعجة لمجرد أن بعض الدول تبرر تخلفها عن ركب الدول المعترفة بهذا الحق الفلسطيني.

اعتراف رمزي أم أداة ضغط؟

ولم يستبعد وزير الخارجية اليوناني السابق جورج كاتروغالوس أهمية الاعتراف سياسيا، معتبرا أنه "خطوة رمزية" تتيح المجال أمام إبراز حقوق الفلسطينيين ونضالهم ومعاناتهم، فضلا عن حقهم في تقرير مصيرهم وأمنهم.

وأوضح كاتروغالوس -للجزيرة نت- أن هذا الحدث يمكن ربطه بمذكرات الاعتقال التي أصدرها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، مضيفا أن المجتمع الإسرائيلي لا يريد الوقوع في فخ الخطاب المحرض على القضاء على جميع الفلسطينيين.

لكن هناك من يرى أن تحرك الدول الثلاث، في هذا التوقيت، يهدف إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب، وتوجيه رسالة قوية لباقي الدول لكي تحذو حذوها.

وفي هذا السياق، يرى المؤرخ ومؤسس مركز تاريخ الأفكار العالمي في أوسلو، داغ هيربورنسرود، أن ما حدث يتخطى الرمزية لأنه يضع ضغطا حقيقيا على معظم دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأوروبية، مستبعدا حدوث الأمر ذاته في السويد والدانمارك بسبب وجود حكومات يمينية في السلطة.

وقال للجزيرة نت إنه توقع رد فعل إسرائيل "فقد استغرق الأمر 24 دقيقة فقط لتأمر تل أبيب بسحب سفيرها من النرويج، ويبدو لي أنها واعية بأنها في أسوأ وضع واجهته منذ عام 1948، مع وجود تأثير داخلي حقيقي داخلها ممن يعارضون حكومة نتنياهو".

من جهته، وصف المحلل السياسي الإسباني ريكارد غونزاليس الاعتراف الثلاثي بـ"آلة الضغط على إسرائيل" بالتزامن مع طلب الجنائية الدولية الذي قد يضطر حكومة نتنياهو إلى تقديم بعض التنازلات لتخفيف الضغط الدولي، فضلا عن التحرك الأوروبي الواسع نحو المزيد من الاعتراف لصالح فلسطين.

ورأى غونزاليس أن من شأن هذا الاعتراف تحسين العلاقة بين الحكومة الإسبانية والسلطة الفلسطينية، رغم أنها ستأتي بنتائج عكسية في علاقة مدريد وتل أبيب.

وفي حديثه للجزيرة نت، لفت غونزاليس إلى أن إسبانيا طلبت من المفوضية الأوروبية التشاور سابقا حول تعليق الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، لكن اللجنة المتخصصة لم تعط أي رد بعد "مما قد يدفع مدريد إلى تقديم مطالبة في المحكمة العليا الأوروبية للضغط أكثر، وهو أمر أكثر فعالية وأهمية من الاعتراف في حد ذاته".

بدورها، ترى الباحثة المشاركة في مجموعة أبحاث الصراع والأمن والتنمية في "كينغز كوليدج" في لندن، آشلي جاكسون، أن رمزية الاعتراف تتمثل في إظهار الوحدة ومحاولة ممارسة التأثير على الحل الدبلوماسي والسياسي للصراع في غزة، وهي وسيلة لحثّ واشنطن وحلفائها على الضغط لإنهاء الحرب.

وقالت جاكسون -للجزيرة نت- إن هذا الاعتراف يأتي في أعقاب مذكرات الاعتقال التي طلبتها الجنائية الدولية، واعتبرت أنه لا يزال هناك حاجة إلى اعتراف المملكة المتحدة وبعض القوى الأوروبية الأخرى بفلسطين.

تكتيك سياسي

وكانت عشرات الدول اعترفت فعلا بفلسطين دولة مستقلة، لكن الزخم الحقيقي يتمحور أساسا حول التأثير السياسي المرتقب، بما في ذلك تآكل ملكية واشنطن لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ محادثات أوسلو، والاضطرابات الداخلية التي تعصف بإسرائيل.

وفي هذا الإطار، أكد رئيس لجنة الحريات والعدالة في البرلمان الأوروبي خوان فرناندو لوبير أغيلار -للجزيرة نت- وجود إجماع داخل الاتحاد الأوروبي بأن ما تقوم به حكومة نتنياهو عبارة عن انتقام عشوائي وعملية عسكرية تدمر وتقتل على نطاق واسع، كردّ فعل على عملية طوفان الأقصى التي أدانها المجتمع الدولي، على حد تعبيره.

وبما أن كل دولة عضو ذات سيادة مطلقة في اتخاذ قرارها، فسيعني وجوب أخذ فلسطين في الاعتبار من الآن فصاعدا من أجل التوصل إلى تسوية دائمة وسلمية لأطول صراع شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وفق أغيلار.

وعند سؤال الوزير اليوناني السابق عما إذا كانت بلاده ستنضم إلى الدول المعترفة بفلسطين، قال -متأسفا- إن موقف الحكومة لن يختلف عن الموقف الأميركي، موضحا أن "اليونان قدمت اقتراحا في البرلمان للاعتراف بفلسطين لكن الحكومة لم تعترف رسميا بعد. ولهذا أعتقد أن ما يجري الآن سيكون تكتيكا سياسيا يجرّ دولا جديدة للقيام بنفس الخطوة".

وفي قراءته السياسية لمختلف المواقف الدولية، يرى المحلل السياسي غونزاليس أن الدول الأوروبية الداعمة لفلسطين ستؤثر على الطيف الأوروبي الآخر، مثل ألمانيا وهولندا، التي ربما لن تعترف رسميا لكنها ستجد نفسها مجبرة على اتخاذ تدابير لمحاولة سد هذه الفجوة، مشيرا إلى أن "جميع الدول الأوروبية تؤيد ـمن الناحية النظرية- حل الدولتين، لكن معظمها تقول إنه يجب التفاوض على ذلك مع إسرائيل، وهو أمر قد لا يحدث أبدا".

تملص فرنسي

وبينما تتوالى التصريحات الرسمية، خرج المتحدث باسم الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان -في تصريح مكتوب- اعتبر فيه أن الاعتراف بدولة فلسطينية "لا يعد من المحرمات بالنسبة لفرنسا" مضيفا أن "اتخاذ هذا القرار يجب أن يتم في الوقت المناسب حتى يكون هناك ما قبله وما بعده".

وتعليقا على ذلك، يعتبر المستشار السابق بالخارجية مناف كيلاني أن فرنسا تلعب على الموقف الإسرائيلي (الذي لن يعترف أبدا بدولة فلسطين) لتبرير موقفها، مؤكدا أنه لن يكون إعلان باريس لصالح الدولة الفلسطينية بأي حال من الأحوال لأنها تتهرب وتعتبر فلسطين مسألة "محرّمة" ولا يجوز دغدغة أو ملامسة الحساسيات الإسرائيلية.

وأوضح كيلاني في حديث للجزيرة نت أن "اتفاقات أوسلو لم تطرح في الواقع فكرة الدولة الفلسطينية، بل كانت مجرد ترتيب يهدف إلى توفير الوقت لصالح إسرائيل. وهذا يعني أنه في الأساس، لا توجد فكرة أو مشروع دولة، لكن الغرض كان إقناع الفلسطينيين بضرورة قبول الوضع الراهن الدائم".

وأشار المستشار السابق بالخارجية الفرنسية إلى أن "الأمر الذي يتم التغاضي عنه هو حقيقة أن الاعتراف بدولة إسرائيل، سواء في الغرب أو الشرق، يعني الاعتراف بحقوق إسرائيل، بما فيها الحق في التوسع في الحدود التي لم يتم تحديدها باتفاقات أوسلو ولا أحد يعرف أين تقف. ومن هنا يأتي الاختلال التام والذي يمكن أن يبرر الموقف الفرنسي القائل إن الظروف الآن "غير مواتية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاعتراف بدولة فلسطین للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

إسرائيل التي تحترف إشعال الحرائق عاجزة عن إطفاء حرائقها

يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي إسماعيل المسلماني أن استعانة إسرائيل بدول أوروبية لإطفاء الحريق الضخم الذي اندلع غربي القدس دليل على فشلها في التعامل مع هذه الأزمات.

وتقف إسرائيل عاجزة عن التعامل مع الحريق الثاني الآخذ في الاتساع، والذي تتحدث وسائل إعلام محلية عن أنه ربما يكون بفعل فاعل وليس بسبب الأحوال الجوية.

وعلى الرغم من محاولة 120 فريق إطفاء الحريق من البر والجو فإنهم لم يتمكنوا من السيطرة عليه، مما دفع تل أبيب إلى طلب الدعم من دول أوروبية.

وأكد المسلماني -في مقابلة مع الجزيرة- أن هذا الحريق يعكس فشل إسرائيل في التعامل مع هذا الحوادث الكبرى رغم ما تمتلكه من تكنولوجيا متطورة، وقال إن استعانتها بدول أوروبية دليل على عدم امتلاكها البنية التحتية اللازمة للتعامل مع هذه الأزمات.

مشاهد من الحرائق المندلعة في أحراش غرب القدس المحتلة. pic.twitter.com/VEXoG6M48i

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) April 30, 2025

وهذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها إسرائيل إلى إخلاء هذا العدد من السكان في منطقة غربي القدس، فضلا عن إغلاق كافة الطوارئ بالمنطقة، وهو ما يؤكد عجزها عن التعامل مع الحريق، برأي المسلماني.

إعلان

ويضع هذا الفشل الحكومة في مواجهة انتقادات كثيرة بالنظر إلى زعمها المستمر امتلاك الخبرة اللازمة للتعامل مع هذه الأزمات، وهو ما أثبت الواقع كذبه، وفق المسلماني.

ولا يمكن للحكومة القول إنه الفشل الأول لها في التعامل مع هذه الحرائق، لأنها فشلت في التعامل مع حريق مماثل الأسبوع الماضي، كما فشلت في التعامل مع الحرائق التي كانت تندلع في مئات الدونمات خلال المعارك بينها وبين حزب الله اللبناني، كما يقول المسلماني.

وهذا هو الحريق الثاني الذي تتعرض له غربي القدس خلال هذا الأسبوع، وقد أعلنت الحكومة حالة الطوارئ وألغت كافة احتفالات يوم الاستقلال، والتي كانت مقررة مساء اليوم الأربعاء.

واندلع الحريق في منطقتي القدس وتل أبيب، وقال قائد فريق الإطفاء إنه الأكبر في تاريخ إسرائيل، وإنه ربما ينتشر إلى جبال القدس الغربية، ومن المحتمل أن تبدأ الحكومة إخلاء مدينة إلعاد من السكان.

ووفقا للقناة الـ12 الإسرائيلية، فقد تم إجلاء سكان 8 بلدات غربي القدس بسبب هذه الحرائق المدفوعة بالسرعة الكبيرة للرياح، وصدرت أوامر بإخلاء مزيد من البلدات.

وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن اعتقال 3 شبان فلسطينيين من القدس بسبب الاشتباه في تورطهم بإشعال الحريق كما قال مراسل الجزيرة في القدس إلياس كرام، في حين نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصدر أمني أن هناك شبهة عمل إرهابي في هذا الحريق.

امتداد الحرائق إلى مستوطنة "بيتاح تكفا" شرقي "تل أبيب" وسط فلسطين المحتلة. pic.twitter.com/jfhn90HFPG

— القسطل الإخباري (@AlQastalps) April 30, 2025

غموض بشأن الأسباب

ولا يزال الغموض مسيطرا على الأسباب الحقيقية لهذا الحريق، لكن دخول جهاز الشاباك على خط التحقيقات يشي بوجود شبهة جنائية فيه رغم غياب التأكيد الرسمي حتى الآن، كما يقول كرام.

ويدير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأزمة بنفسه، في حين يتساءل الإعلام الإسرائيلي عن كيفية عجز إسرائيل عن التعامل مع هذه الأحداث رغم ما تمتلكه من إمكانيات.

إعلان

وتمتلك إسرائيل 24 طائرة لإطفاء الحرائق إضافة إلى 3 طائرات تابعة للشرطة، كما يقول كرام الذي أشار إلى أن تل أبيب تمتلك مئات الطائرات لإشعال الحرائق في قطاع غزة وسوريا ولبنان، لكنها لا تمتلك ما يكفي لإطفاء حرائقها.

وحتى هذه اللحظة تمنع الرياح القوية الطائرات من التدخل لإطفاء النيران، ومن المقرر أن تصل غدا الخميس 3 طائرات من كرواتيا وإيطاليا للتعامل مع الحريق.

وقالت قناة "كان" الرسمية إنه تم إخلاء أكثر من مستوطنات وإجلاء 10 آلاف شخص من منازلهم بسبب هذه الحرائق، في حين طالب قائد فرق الإطفاء في القدس بعدم الاقتراب من شارعي 1 و3 ومنطقة القدس، مؤكدا أن السيطرة على الحريق لا تزال بعيدة.

مقالات مشابهة

  • فولودين: الدول الأوروبية تتحول إلى أنظمة شمولية
  • وزير العدل يؤكد مواصلة ملاحقة كل الدول التي اجرمت في حق الشعب السوداني
  • هل تعترف بريطانيا بدولة فلسطين بالتنسيق مع فرنسا؟
  • لامي: بريطانيا تجري مناقشات مع فرنسا والسعودية حول الاعتراف بدولة فلسطين
  • إسرائيل التي تحترف إشعال الحرائق عاجزة عن إطفاء حرائقها
  • كيف يتباين تعاطي الدول الأوروبية مع الرموز الدينية في المناصب العامة؟
  • العفو الدولية للجزيرة نت: يجب محاسبة إسرائيل فورا
  • برلماني: دعم قبرص لمصر بمنحها 4 مليارات يورو يعكس ثقة الدول الأوروبية في البلد
  • العليمي يدعو الدول الأوروبية لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الحوثيين
  • مندوب فلسطين لدى مجلس الأمن: ندعو كل الدول لـ دعم الحكومة الفلسطينية وخطة إعمار غزة