الاعتراف بدولة فلسطين.. خطوة رمزية أم ورقة ضغط على إسرائيل؟
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
باريس- بعد أسابيع من المناقشات، أعلنت حكومات إسبانيا والنرويج وأيرلندا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، في خطوة ستدخل حيز التنفيذ يوم 28 مايو/أيار الجاري.
وأكدت النرويج -التي استضافت محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية مطلع التسعينيات وأدت إلى اتفاق أوسلو– ضرورة دعم الأصوات المعتدلة في خضم الحرب المستمرة على قطاع غزة.
ورغم وصف البعض الاعتراف بدولة فلسطينية بأنه "رمزي" و"أداة سياسية" إضافية للضغط على إسرائيل، فإن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منزعجة لمجرد أن بعض الدول تبرر تخلفها عن ركب الدول المعترفة بهذا الحق الفلسطيني.
اعتراف رمزي أم أداة ضغط؟ولم يستبعد وزير الخارجية اليوناني السابق جورج كاتروغالوس أهمية الاعتراف سياسيا، معتبرا أنه "خطوة رمزية" تتيح المجال أمام إبراز حقوق الفلسطينيين ونضالهم ومعاناتهم، فضلا عن حقهم في تقرير مصيرهم وأمنهم.
وأوضح كاتروغالوس -للجزيرة نت- أن هذا الحدث يمكن ربطه بمذكرات الاعتقال التي أصدرها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، مضيفا أن المجتمع الإسرائيلي لا يريد الوقوع في فخ الخطاب المحرض على القضاء على جميع الفلسطينيين.
لكن هناك من يرى أن تحرك الدول الثلاث، في هذا التوقيت، يهدف إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحرب، وتوجيه رسالة قوية لباقي الدول لكي تحذو حذوها.
وفي هذا السياق، يرى المؤرخ ومؤسس مركز تاريخ الأفكار العالمي في أوسلو، داغ هيربورنسرود، أن ما حدث يتخطى الرمزية لأنه يضع ضغطا حقيقيا على معظم دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأوروبية، مستبعدا حدوث الأمر ذاته في السويد والدانمارك بسبب وجود حكومات يمينية في السلطة.
وقال للجزيرة نت إنه توقع رد فعل إسرائيل "فقد استغرق الأمر 24 دقيقة فقط لتأمر تل أبيب بسحب سفيرها من النرويج، ويبدو لي أنها واعية بأنها في أسوأ وضع واجهته منذ عام 1948، مع وجود تأثير داخلي حقيقي داخلها ممن يعارضون حكومة نتنياهو".
من جهته، وصف المحلل السياسي الإسباني ريكارد غونزاليس الاعتراف الثلاثي بـ"آلة الضغط على إسرائيل" بالتزامن مع طلب الجنائية الدولية الذي قد يضطر حكومة نتنياهو إلى تقديم بعض التنازلات لتخفيف الضغط الدولي، فضلا عن التحرك الأوروبي الواسع نحو المزيد من الاعتراف لصالح فلسطين.
ورأى غونزاليس أن من شأن هذا الاعتراف تحسين العلاقة بين الحكومة الإسبانية والسلطة الفلسطينية، رغم أنها ستأتي بنتائج عكسية في علاقة مدريد وتل أبيب.
وفي حديثه للجزيرة نت، لفت غونزاليس إلى أن إسبانيا طلبت من المفوضية الأوروبية التشاور سابقا حول تعليق الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، لكن اللجنة المتخصصة لم تعط أي رد بعد "مما قد يدفع مدريد إلى تقديم مطالبة في المحكمة العليا الأوروبية للضغط أكثر، وهو أمر أكثر فعالية وأهمية من الاعتراف في حد ذاته".
بدورها، ترى الباحثة المشاركة في مجموعة أبحاث الصراع والأمن والتنمية في "كينغز كوليدج" في لندن، آشلي جاكسون، أن رمزية الاعتراف تتمثل في إظهار الوحدة ومحاولة ممارسة التأثير على الحل الدبلوماسي والسياسي للصراع في غزة، وهي وسيلة لحثّ واشنطن وحلفائها على الضغط لإنهاء الحرب.
وقالت جاكسون -للجزيرة نت- إن هذا الاعتراف يأتي في أعقاب مذكرات الاعتقال التي طلبتها الجنائية الدولية، واعتبرت أنه لا يزال هناك حاجة إلى اعتراف المملكة المتحدة وبعض القوى الأوروبية الأخرى بفلسطين.
تكتيك سياسيوكانت عشرات الدول اعترفت فعلا بفلسطين دولة مستقلة، لكن الزخم الحقيقي يتمحور أساسا حول التأثير السياسي المرتقب، بما في ذلك تآكل ملكية واشنطن لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ محادثات أوسلو، والاضطرابات الداخلية التي تعصف بإسرائيل.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس لجنة الحريات والعدالة في البرلمان الأوروبي خوان فرناندو لوبير أغيلار -للجزيرة نت- وجود إجماع داخل الاتحاد الأوروبي بأن ما تقوم به حكومة نتنياهو عبارة عن انتقام عشوائي وعملية عسكرية تدمر وتقتل على نطاق واسع، كردّ فعل على عملية طوفان الأقصى التي أدانها المجتمع الدولي، على حد تعبيره.
وبما أن كل دولة عضو ذات سيادة مطلقة في اتخاذ قرارها، فسيعني وجوب أخذ فلسطين في الاعتبار من الآن فصاعدا من أجل التوصل إلى تسوية دائمة وسلمية لأطول صراع شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وفق أغيلار.
وعند سؤال الوزير اليوناني السابق عما إذا كانت بلاده ستنضم إلى الدول المعترفة بفلسطين، قال -متأسفا- إن موقف الحكومة لن يختلف عن الموقف الأميركي، موضحا أن "اليونان قدمت اقتراحا في البرلمان للاعتراف بفلسطين لكن الحكومة لم تعترف رسميا بعد. ولهذا أعتقد أن ما يجري الآن سيكون تكتيكا سياسيا يجرّ دولا جديدة للقيام بنفس الخطوة".
وفي قراءته السياسية لمختلف المواقف الدولية، يرى المحلل السياسي غونزاليس أن الدول الأوروبية الداعمة لفلسطين ستؤثر على الطيف الأوروبي الآخر، مثل ألمانيا وهولندا، التي ربما لن تعترف رسميا لكنها ستجد نفسها مجبرة على اتخاذ تدابير لمحاولة سد هذه الفجوة، مشيرا إلى أن "جميع الدول الأوروبية تؤيد ـمن الناحية النظرية- حل الدولتين، لكن معظمها تقول إنه يجب التفاوض على ذلك مع إسرائيل، وهو أمر قد لا يحدث أبدا".
تملص فرنسيوبينما تتوالى التصريحات الرسمية، خرج المتحدث باسم الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان -في تصريح مكتوب- اعتبر فيه أن الاعتراف بدولة فلسطينية "لا يعد من المحرمات بالنسبة لفرنسا" مضيفا أن "اتخاذ هذا القرار يجب أن يتم في الوقت المناسب حتى يكون هناك ما قبله وما بعده".
وتعليقا على ذلك، يعتبر المستشار السابق بالخارجية مناف كيلاني أن فرنسا تلعب على الموقف الإسرائيلي (الذي لن يعترف أبدا بدولة فلسطين) لتبرير موقفها، مؤكدا أنه لن يكون إعلان باريس لصالح الدولة الفلسطينية بأي حال من الأحوال لأنها تتهرب وتعتبر فلسطين مسألة "محرّمة" ولا يجوز دغدغة أو ملامسة الحساسيات الإسرائيلية.
وأوضح كيلاني في حديث للجزيرة نت أن "اتفاقات أوسلو لم تطرح في الواقع فكرة الدولة الفلسطينية، بل كانت مجرد ترتيب يهدف إلى توفير الوقت لصالح إسرائيل. وهذا يعني أنه في الأساس، لا توجد فكرة أو مشروع دولة، لكن الغرض كان إقناع الفلسطينيين بضرورة قبول الوضع الراهن الدائم".
وأشار المستشار السابق بالخارجية الفرنسية إلى أن "الأمر الذي يتم التغاضي عنه هو حقيقة أن الاعتراف بدولة إسرائيل، سواء في الغرب أو الشرق، يعني الاعتراف بحقوق إسرائيل، بما فيها الحق في التوسع في الحدود التي لم يتم تحديدها باتفاقات أوسلو ولا أحد يعرف أين تقف. ومن هنا يأتي الاختلال التام والذي يمكن أن يبرر الموقف الفرنسي القائل إن الظروف الآن "غير مواتية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاعتراف بدولة فلسطین للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
هل تحول معبر القائم إلى ورقة ضغط سياسية؟
14 فبراير، 2025
بغداد/المسلة:
تشهد الحدود العراقية السورية توتراً مستمراً يعكس تعقيدات المشهد السياسي والأمني في المنطقة، حيث لا يزال معبر البوكمال الحدودي مغلقاً من الجانب العراقي رغم استعداد الجانب السوري لاستئناف العمل به.
ويؤدي هذا الإغلاق إلى تداعيات اقتصادية وإنسانية واضحة، إذ تتكدس الشاحنات المحملة بالبضائع في انتظار العبور، ويواجه المسافرون صعوبة في التنقل بين البلدين، في وقت تزداد الحاجة إلى تسهيل التجارة والنقل البري.
وتواجه السلطات العراقية انتقادات لعدم تقديمها أي توضيح رسمي حول استمرار إغلاق المعبر، الأمر الذي يثير تساؤلات حول طبيعة العوامل التي تمنع إعادة تشغيله. ويرى مراقبون أن الأسباب الأمنية تظل المبرر الرئيسي لهذا التريث، حيث يشكل استقرار المناطق الحدودية هاجساً دائماً للحكومة العراقية، خصوصاً بعد تجارب مريرة مع الجماعات المسلحة التي استغلت هذه المناطق في الماضي لتعزيز نفوذها وتهديد الأمن الداخلي.
وقال حسن الشيخ زيني، رئيس مجلس الأعمال العراقي السوري، إن “العراق لا يحاول تسويف افتتاح المعبر، لكن الأسباب الأمنية هي التي تدفعه إلى التريث في ذلك إلى حين تقديم الجانب السوري ضمانات بعدم حصول مشاكل في عملية استيراد وتصدير البضائع”. ويعكس هذا التصريح مخاوف بغداد من احتمال استغلال المعبر في عمليات تهريب أو تسلل عناصر غير مرغوب فيها، لا سيما في ظل استمرار التوترات في الداخل السوري وتعدد الجهات الفاعلة على الأرض هناك.
واعتبرت أوساط اقتصادية أن استمرار الإغلاق يلقي بظلاله الثقيلة على العلاقات التجارية بين العراق وسوريا، حيث يعتمد الطرفان على هذا المعبر لتبادل المنتجات، سواء المواد الغذائية مثل التمور التي تصدرها بغداد إلى دمشق، أو المنتجات النفطية القادمة من العراق. كما يؤثر الإغلاق على قطاع النقل البري، فضلاً عن تأثيره على حركة السياحة الدينية، التي تشكل أحد أهم الروابط بين البلدين، حيث يتوافد الزوار إلى المزارات الدينية في بغداد ودمشق.
وذكر سائقو الشاحنات في الجانب السوري أنهم يواجهون مخاطر كبيرة بسبب طول مدة الشحن، إذ قد يؤدي سوء الأحوال الجوية إلى إتلاف البضائع وتأخير وصولها إلى الأسواق. ويؤكد هؤلاء أن استمرار الإغلاق لفترة طويلة دون مبررات واضحة يزيد من خسائرهم المالية ويؤثر على دورة الاقتصاد المحلي في المناطق الحدودية التي تعتمد على التجارة البينية.
واستعادت الحكومة العراقية السيطرة على مدينة القائم في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وافتتحت المعبر رسمياً في سبتمبر/أيلول 2019، إلا أن تشغيله ظل متقطعاً حتى مارس/آذار 2022 حين أُعلن عن افتتاحه بعد استكمال الترتيبات الأمنية واللوجستية. لكن رغم ذلك، لم ينجح المعبر في أن يكون ممراً تجارياً مستقراً، بل استمر الإغلاق بشكل متكرر، مما يجعل مستقبله غير واضح في ظل استمرار العوامل الأمنية والسياسية المؤثرة على القرار العراقي.
ويرى محللون أن إغلاق المعبر يعكس أكثر من مجرد قضية أمنية، بل يكشف عن تعقيدات المشهد الإقليمي، حيث تتداخل مصالح عدة أطراف في ملف الحدود العراقية السورية. ويعتقد البعض أن إعادة فتحه تتطلب توافقات سياسية تتجاوز المستويين العراقي والسوري، لتشمل القوى الإقليمية والدولية التي تمتلك نفوذاً في المنطقة. ومع غياب رؤية واضحة حول مستقبل المعبر، تبقى المصالح الاقتصادية معلقة بانتظار حلول قد لا تأتي قريباً.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts