موقع النيلين:
2025-01-24@05:23:23 GMT

كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً

تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT

(1) لم يكن الاستعداد والانتشار على الأرض، لوجستياً وعسكرياً للسيطرة على المرافق والمنشآت والمقار العسكرية واغتيال قادة القوات المسلحة السودانية عند ساعة الصفر في ( ليلة الغدر ) منتصف أبريل من العام 2023 هي وحدها ما وضعته مليشيا الدعم السريع المتمردة في أجندة أعمالها للسيطرة على البلاد..! بل كان كذلك الميدان الأخطر الذي وجد إهمالاً كبيراً من قبل الحكومة السودانية وهو الميدان الاسفيري .

.فعندما حانت ساعة الصفر، انتشرت آلة المليشيا وأذرعها الإعلامية في الداخل والخارج لتسيطر على هذا الملعب تماماً.. وما زالت تفرض هذه السيطرة حتى الآن طولاً وعرضاً..!

(2)

في الوقت الذي حشدت فيه المليشيا ما يفوق المائة ألف من عسكرها للسيطرة على البلاد كانت مكاتبها الخلفية تعلم أنه وببداية العام 2023 بلغ عدد مستخدمي الانترنت في السودان لقرابة ال 13.5 مليون مستخدم، غالبيتهم من الشباب من الجنسين، بينما وصل عدد مستخدمي الهاتف السيار في بدايات في نفس العام ل 32.59 مليون مستخدم، وهذه بلا شك معطيات ممتازة جداً لتنفيذ مهام استخباراتية ، وحملات تضليل وهندسة للرأي العام .. بل وحملات تجنيد تستهدف الفئات الضعيفة بالسرديات المقنعة والوعود الزائفة التي تحكي عن “نبل الهدف” الذي يحركها لهذه الحرب.

(3)

لم تقتصر أهداف حرب المليشيا الإعلامية على امتلاك ذمام الأمر والمبادرة في منصات التواصل المعروفة فيسبوك، تويتر، انستقرام، وتيكتوك .. بل عمدت في الأثناء للانتشار عبر تطبيقات المحادثات الشخصية، تحديداً تطبيق واتساب المعروف ، حيث بدأت على الفور في إنشاء مجموعات خاصة بكل احياء ولاية الخرطوم تحت وسم “احتياجات الحي الفلاني” ولو تفحصت هاتفك الآن لوجدت نفسك عضواً في إحدى هذه المجموعات التي كانت تستخدم لقياس الرأي العام والكشف عن تحركات الجيش، وبث الشائعات وتضخيم الأحداث وهو ما يقع ضمن العمليات النفسية Psychological Operations (PsyOps) بغرض اضعاف الروح المعنوية للمواطنين وجنود الجيش.. وذلك بنشر رسائل تزرع الخوف والشك وعدم اليقين، يتم دسها بذكاء وسط رسائل الحوجة الاجتماعية على شاكلة المخبز الشغال وين ؟.. والكهرباء بتجي متين؟.. أذكر انني قد كتبت منشوراً للتحذير من خطورة الانضمام لهذه المجموعات المفخخة..!!

(4)

في الأثناء نشطت غرف إعلام المليشيا عبر منصات التواصل الاجتماعي الأخرى في تصميم حملات نشر المعلومات الكاذبة لإحداث الارتباك وفقدان الثقة والانقسام الداخلي ، فتم اغراقها بالأخبار الزائفة، والصور المفبركة، والروايات المضللة التي تضعف الثقة في المؤسسات الحكومية والجيش السوداني، إضافة لحملات نشر الدعاية السالبة لتغيير الرأي العام وكسب الدعم لقضية ( جلب الديمقراطية )..!!

(5)

عملت غرف إعلام المليشيا المتمردة منذ بداية هذه الحرب على تسليط الضوء على نجاحاتها، والمبالغة في الحديث عن إخفاقات الجيش السوداني ، وتقديم وجهة نظر متحيزة لها كما تمكنت من تحييد وسرقة خوارزميات فيسبوك الخاصة بالمستخدم السوداني بطريقة سهلة للغاية وبناء على دراسة دقيقة لكيفية تعاطينا (الساذج) مع هذه المنصات .. على سبيل المثال فان زيارة واحدة لصفحات ( عجال لاقن ) بغرض الضحك على الأخطاء الاملائية ومنشورات النعي الكاذبة التي اشتهرت بها هذه الصفحات كانت كافية لتحريك تكنولوجيا منصة فيسبوك لتجعلك متابعا للصفحات والمنشورات الشبيهة والتي تعج بأخبار المليشيا وفبركاتها ، ففيسبوك يعمل على مساعدتك فيقدم لك ما تحب متابعته بناء على تجاربك السابقة، هذه هي المعادلة ببساطة ..!!

(6)

قد يقفز سؤالٌ الآن لذهنك .. أن كيف لهؤلاء القادمين من الصحراء بجهلهم وبداوتهم وفظاظتهم تنظيم مثل هذا المخطط الإعلاميّ الكبير..؟؟ وهنا أقول لك إن المليشيا المتمردة بالاضافة لتلقيها لدعم وسلاسل إمداد ضخمة جداُ من السلاح والتشوين والمال وغيره من أطراف خارجية، تلقت أيضاً دعماً مقدراً لتنفيذ هذه الحملات الإعلامية الضخمة، على سبيل المثال يمكن للأطراف الخارجية الداعمة للتمرد تزويد غرف المليشيات بالتكنولوجيا والأدوات الرقمية التي تمكنهم من تنفيذ حملات تضليلية ودعائية بفعالية أكبر، يشمل ذلك برامج التحليل البياني، والتطبيقات المشفرة، وأدوات التلاعب بالصور والفيديو ، وقبل ذلك تدريب الكوادر على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واستراتيجيات الحرب النفسية والتضليل الإعلامي وكيفية إنشاء ونشر المحتوى المؤثر، إضافة لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ الحملات الإعلامية والدعائية على نطاق واسع أو لتمويل إنشاء محتوى عالي الجودة يجذب الانتباه.. مستهدفين بذلك المستخدم الخارجي والرأي العام الدولي، والأخطر من ذلك امكانية تزويد المليشيات بمعلومات استخباراتية عن الأهداف المحتملة وكيفية استغلالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثات الشخصية، حيث يمكن ببساطة توفير معلومات عن نقاط الضعف في البنية التحتية المعلوماتية للجيش، وتقديم الدعم اللوجستي لتسهيل التواصل والتنسيق بين غرف المليشيات عبر الشبكات الرقمية، وتوفير الوصول إلى الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN).

ليس ذلك فحسب، فيمكننا التأكيد على أن الأطراف الخارجية الداعمة للمليشيا وعمليات قتلها وسحلها للشعب السوداني قد سخرت علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع الشركات التكنولوجية الكبرى للتأثير على سياسات منصات التواصل الاجتماعي بطرق تتيح للدعم السريع المتمرد التحرك بحرية أكبر أو التغاضي عن نشاطاته المخالفة لكل القوانين والأعراف..!

(7)

بدأت مليشيا الدعم السريع المتمردة الترتيب لكل هذا مبكراً جداً، في وقت كانت أجهزة الدولة الاعلامية ومؤسساتها تغط في نوم عميق وهي تظن جاهلة أن وسائل التواصل الاجتماعي إنما خلقت للعب واللهو ومتابعة أخبار شجار المغنيات، واستعراض الجلاليب، والدعوة للمواكب وغيرها من أمور يمكن السيطرة عليها.. بينما التاريخ القريب يحدثنا عن الكثير من التجارب التي كان يمكن دراستها والاستفادة منها، على سبيل المثال وكالة أبحاث الإنترنت الروسية (IRA) تمكنت من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 من خلال نشر المعلومات المضللة، وإنشاء حسابات وهمية، وتعزيز الانقسام بين الأمريكيين.

دعك من روسيا الدولة المتقدمة المتطورة، حتى دا*عش استخدمت بفعالية منصات مثل تويتر وفيسبوك وتليجرام لتجنيد المقاتلين و( مجاهدات النكاح ) حيث شاهدنا بأم أعيننا طلاب الجامعات وهم يتركون دراستهم وذويهم ثم السفر للانضمام لهذا التنظيم، وكان معهد (بروكينغز ) قد أجرى دراسات عديدة حول الاستخدام المتقدم لدا*عش لوسائل التواصل الاجتماعي لهذه الأغراض، ونذكر أيضا استخدام إيران لوسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات ، وتنفيذ الهجمات السيبرانية، والتأثير على الرأي العام داخليًا ودوليًا.

(8)

أظهر تقرير ( ديجيتال ريبورت) المنشور في العام 2022 ارتفاع نسبة الأمية التقنية في السودان لتبلغ 61% .. وبالنظر للفئة العمرية المستخدمة للهواتف الذكية التي تضمنها التقرير يمكننا استنتاج أن أعداداً كبيرة من صناع القرار السياسي والعسكري تعاني من الأمية التقنية، حيث يصعب عليهم حسن استخدام الهاتف الذكي أو المشاركة في اجتماع ( اون لاين )، لذلك وجب فورا “استنفار ” وتوظيف الشباب المتعلم، المستنير المتابع، لمحاربة هذه الحملات المتواصلة التي ساهمت بقدر كبير في استمرار الحرب في السودان وانتشار رقعتها.

(9)

يحتاج السودان بشكل عاجل لخطط اسعافية واستراتيجيات فعالة لمواجهة هذه الحرب الاسفيرية الضروس، وذلك بإنشاء وحدات متخصصة لرصد النشاطات المضللة وتحليل البيانات لاكتشاف حملات التضليل في مراحلها المبكرة .. كما نحتاج وبسرعة لتنفيذ حملات توعية وتثقيف للجمهور حول كيفية التعرف على الأخبار الزائفة.

قبل ذلك يحتاج السودان على مستوى الدولة وبصورة عاجلة لتعزيز التعاون مع الدول الحليفة والمنظمات الدولية لمواجهة هذه التهديدات، وذلك بتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الرد على الهجمات الإعلامية المضللة، والتوقيع على اتفاقيات لتدريب وتأهيل كوادر من الشباب السوداني على استراتيجيات الأمن السيبراني واستخدام وتوظيف الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الأنماط غير الطبيعية على وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تشير إلى حملات تضليلية أو هجمات سيبرانية. وهذا أمر غاية في الأهمية.. فصفقات شراء السلاح وتعزيز الموقف العسكري لن تكفي أبداً وحدها لإنهاء هذه الحرب الوجودية على السودان وشعبه.

(10)

حرب المعلومات وحملات التضليل الإعلامية تحتاج أن يفكر أولي الأمر مستقبلا في إعادة النظر في المناهج الدراسية لتركز على التثقيف الإعلامي والتفكير النقدي منذ سن مبكرة.. فلا يعقل أن تنساق الغالبية العظمى من مستخدمي منصات التواصل خلف فيديوهات (غبيرة)، ومشاكل قروب (مهيرة)، والضحك في الاخطاء الإملائية في صفحات ( عجال لاقن ) .. بينما هذا (العجال) يضحك من خلف الكيبورد على أمة ضحكت من جهلها الأمم..!

الطيب علي فرح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی منصات التواصل هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

ماسك وتحية النازية: إشارة تغني عن عبارة قد تدفع للتخلي عن منصات التواصل الاجتماعي؟

أثارت تحية إيلون ماسك النازية الأخيرة موجةً من الجدل والغضب على منصة "إكس"، حيث دفع العديد من المستخدمين إلى التفكير جدياً في مغادرة المنصة، بل ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى مثل فيسبوك وإنستغرام.

اعلان

وتشهد الثقة بين المستخدمين ومنصات التواصل الاجتماعي تراجعاً ملحوظاً، لا سيما مع تصاعد القلق حيال إدارة البيانات الشخصية وآليات اتخاذ القرارات التي تؤثر على تجربة المستخدم بشكل مباشر.

وفي ظل هذا الواقع، أصبح الحديث عن مغادرة منصات التواصل الاجتماعي محور الاهتمام، خاصة مع ازدياد المخاوف المتعلقة بالخصوصية والسياسات المتبعة.

إليك دليلاً شاملاً يوضح كيفية حذف حسابك أو إلغاء تنشيطه على كل منصة بسهولة وسلاسة.

مغادرة منصة إكس (تويتر سابقاً)

أصبحت منصة "إكس" بؤرة جدلٍ واسع بعد تصرّف ماسك الأخير. إذا كنت ترغب في مغادرة المنصة، يمكنك أولاً تحميل بياناتك لضمان عدم فقدان أي محتوى مهم.

انتقل إلى الإعدادات واختر "تحميل أرشيف بياناتك". بعد اكتمال التحميل، يمكنك حماية منشوراتك من العامة عن طريق تفعيل "حماية التغريدات" قبل الانتقال لإلغاء تنشيط الحساب.

بمجرد طلب الحذف، تتيح لك المنصة فترة 30 يوماً لإعادة التفكير قبل الحذف النهائي.

أحد المغردين ينصح المستخدمين بحذف حسابهم من إكس وتفعيل بلوسكاي مكانه إلغاء تنشيط الحساب أو حذفه بالكامل في فيسبوك

يعد فيسبوك منصة أخرى تتزايد التساؤلات حول جدوى البقاء عليها، خاصة مع تقارب المنصة مع السياسات المثيرة للجدل. إذا كنت متردداً في اتخاذ القرار النهائي، يمكنك إلغاء تنشيط حسابك مؤقتاً من خلال "مركز الحسابات"، حيث يمكنك استعادته لاحقاً.

أما إذا قررت الحذف النهائي، فتوجه إلى الإعدادات، واختر "ملكية الحساب والتحكم به"، وابدأ عملية الحذف. تذكر أن حذف الحساب يؤدي أيضاً إلى فقدان ماسنجر، لذا قد ترغب في تحميل بياناتك مسبقاً.

صحيفة لوموند تحذف حسابها من منصة إكس بشكل رسمي الحذف النهائي لإنستغرام

للمستخدمين الذين يفضلون حذف حساب إنستغرام، الخطوة الأولى تكمن في حفظ بياناتهم.

انتقل إلى الإعدادات، واختر "تحميل معلوماتك" لتحميل نسخة من الصور والمنشورات. بعد ذلك، يمكنك الانتقال إلى "مركز الحسابات" لحذف حسابك.

إذا كان حساب إنستغرام الخاص بك مرتبطاً بمنصة المواضيع (Threads)، فإن حذفه سيؤدي إلى حذف حسابك هناك أيضاً.

خطوات الحذف المباشر لثريدز

إذا كنت ترغب فقط في حذف حساب "ثريدز" دون التأثير على إنستغرام، يمكنك زيارة الموقع الإلكتروني (threads.net) عبر المتصفح. في الإعدادات، اختر "إلغاء التنشيط أو حذف الملف الشخصي" واتبع الإرشادات لإتمام العملية.

Relatedتحية نازية تثير الجدل: رقيبة في الشرطة الأسترالية تحت التحقيق وقائدها يعتذر للمجتمع اليهودي"تشبه التحية النازية"؟.. إيلون ماسك يثير الجدل بإيماءة يده أثناء تنصيب ترامبتبلغ 99 عامًا.. سكرتيرة سابقة في السجون النازية تَمثُل أمام محكمة ألمانية بتهمة التحريض على القتلخطوات ضرورية ما بعد حذف الحساب

بعد حذف حساباتك، قد ترغب في إبلاغ جهات اتصالك بقرارك، سواء عبر منشور وداعي أو رسائل خاصة. كما يمكنك استكشاف بدائل آمنة مثل التطبيقات اللامركزية أو المنصات المتخصصة الصغيرة التي تركز على خصوصية المستخدم.

وتبرز هذه التغيرات أهمية مراجعة سياسات الخصوصية واختيار المنصات التي تلتزم باحترام حقوق المستخدمين. ومع تزايد وعي الجمهور بالمخاطر الرقمية، يبدو أن العصر الرقمي يشهد تحولاً جذرياً في طريقة التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي.

تعكس موجة مغادرة المنصات الاجتماعية رغبة ملحة لدى الكثيرين في استعادة السيطرة على حياتهم الرقمية. سواء كنت تفكر في الابتعاد بشكل مؤقت أو اتخاذ قرار دائم، فإن هذه الخطوات تقدم دليلاً عملياً يساعدك على اختيار المسار الأنسب لتحقيق توازن رقمي صحي.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية

مقالات مشابهة

  • انتبه.. سب وقذف مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يعرضك لعقوبات صارمة
  • الإسكان الاجتماعي يتوعد مروجي شائعات نتائج فرز مستندات سكن لكل المصريين 5
  • أخبار غزة.. إسرائيل قد تواجه صعوبة في استئناف حربها ضد حماس
  • ماسك وتحية النازية: إشارة تغني عن عبارة قد تدفع للتخلي عن منصات التواصل الاجتماعي؟
  • جنوب السودان يوقف منصات التواصل الاجتماعي 30 يوما
  • حكاية البلوجر هدير عاطف من مواقع التواصل الاجتماعي للمحاكمة
  • الإعلامية هاجر جلال: آلة الحرب الإسرائيلية تواصل قصف جنين والضفة الغربية
  • الخارجية السودانية: المليشيا بعد أن عجزت عن مواجهة الجيش والقوات المساندة له لجأت إلى استهداف محطات الكهرباء والمياه
  • منصات التواصل الاجتماعي تمتثل لمطالب أوروبا بالحد من خطاب الكراهية
  • سفير السودان بواشنطن:حيثيات العقوبات الامريكية على القائد العام خاطئة ولا تسندها أدلة