الملك يوجه رسالة إلى الحجاج المغاربة: يتعين عليكم تمثيل بلدكم أكمل تمثيل وتجسيد حضارته العريقة
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
زنقة 20 | الرباط
وجه أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1445ه، بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة.
وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية، التي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق، اليوم الخميس، قبل مغادرة أول فوج من الحجاج المغاربة الميامين مطار الرباط – سلا :
” الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حاجاتنا وحجاجنا الميامين،
أمنكم الله ورعاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
إنه لمن دواعي سعادتنا أن نتوجه بوصفنا أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين ببلدنا الأمين، إلى الفوج الأول من حجاجنا وحاجاتنا الميامين، لهذه السنة بالتهنئة والتبريك على ما منَّ به الله عليهم من أداء فريضة الحج هذه السنة، مشاطرين إياكم مشاعركم تجاه تلك البقاع المقدسة وزيارة الروضة النبوية الشريفة لخير الأنام، جدنا المصطفى عليه أزكي الصلاة والسلام، سائلين الله العلي القدير أن يتقبل مناسككم، ويحقق رجاءكم ويستجيب لدعواتكم ويتم نعمته عليكم، وأن تعودوا إلى وطنكم سالمين غانمين. إنه سميع مجيب
أجل نخاطبكم من منطلق حرصنا الدائم على رعاية المقدسات الدينية وإظهار حرصنا الفائق على أن تمثلوا بلدكم، المملكة المغربية، في موسم الحج العظيم، أكمل تمثيل، متحلين بقيم الإسلام المثلى، من أخوة صادقة وتسامح شامل وتضامن فعال وتذكيركم – والذكرى تنفع المؤمنين – بما يجب أن تتحلوا به من امتثال لقوله تعالى: ((الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب)).
فاحرصوا – رعاكم الله – وأنتم بالديار المقدسة خلال أيام الحج على أداء مناسكه بأركانه وواجباته وسننه ومستحباته، وعلى ألا يمر وقت من أوقاتكم الثمينة إلا وأنتم في دعاء واستغفار، وذكر وابتهال، لتفوزوا بما وعد الله به المؤمنين من جزاء على أداء الحج المبرور، ومصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام : “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”.
حاجاتنا وحجاجنا الميامين،
تعلمون – رعاكم الله – أن أداء فريضة الحج بما تعنيه من أداء المناسك والوقوف بالمشاعر، والتنقل بين البقاع المقدسة تتطلب المعرفة بالأركان والواجبات والسنن، التي تتكون منها، فريضة الحج، والتي لاشك في أنكم عارفون بشروط أدائها. كما تتطلب منكم احترام الترتيبات والتوجيهات التي وضعتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حرصا منها على توفير شروط راحتكم في الحل والترحال، وتمكينكم من الأداء الأمثل لمناسككم بفضل ما وفرته لأفواجكم في الديار المقدسة من أطر متعددة الاختصاص، ترافقكم منذ مغادرتكم أرض الوطن وإلى عودتكم، من فقيهات وفقهاء موجهين ومرشدين، وأطباء وطبيبات وممرضين ساهرين على صحتكم، ومن إداريين قائمين على مدار اليوم بتقديم الخدمات الضرورية التي يحتاج إليها حجاجنا في كل حين.
وفي نفس السياق، لا يخفى عليكم ما يتطلبه القيام بفريضة الحج في تلك البقاع المقدسة من تقيد والتزام بالتدابير التنظيمية التي اتخذتها السلطات المختصة في المملكة العربية السعودية الشقيقة، موفرة لضيوف الرحمن كل أسباب الاطمئنان، لجعل موسم الحج يتم على ما يتعين أن يكون عليه من نظام وانتظام، وأمن وأمان، بتوجيهات سامية من أخينا الأعز الأكرم، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، متعه الله بالصحة وطول العمر، وشد أزره بولي عهده أخينا الأعز الأبر صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء حفظه الله وأطال عمره. كما يطيب لنا في هذا المقام أن نعرب عن عميق اعتزازنا وبالغ إشادتنا بالعلاقات الأخوية التي تجمع بين مملكتينا وشعبينا الشقيقين.
حاجاتنا وحجاجنا الميامين،
لابد من تذكيركم والذكرى تنفع المؤمنين أنه بقدر ما يتعين عليكم تمثيل قيم الإسلام المثلى في الاستقامة وحسن المعاملة والتضامن وإخلاص التوجه لله رب العالمين في هذا الموسم العظيم، فإنه بقدر ما يتعين عليكم أيضا تمثيل بلدكم المغرب، وتجسيد حضارته العريقة، التي اشتهر بها أسلافنا على مر التاريخ. في الوحدة والتلاحم والتشبث بالمقدسات الدينية والوطنية القائمة على الوسطية والاعتدال، والوحدة المذهبية. فكونوا سفراء لبلدكم في إعطاء هذه الصورة الحضارية المضيئة، واعلموا أن هذه القيم والثوابت هي التي جعلت بلدنا ينعم بالأمن والاستقرار، ويواصل مسيراته الظافرة بقيادتنا الرشيدة نحو المزيد من التقدم والازدهار.
وتذكروا في هذا المقام المهيب، وغيره من المقامات، ولاسيما عند الوقوف بعرفات ما عليكم من واجب الدعاء لملككم، الساهر على راحتكم وأمنكم ووحدة وطنكم، وتنمية مرافق حياتكم، فاسألوا الله تعالى لنا دوام النصر والتأييد وموصول العمل السديد، وموفور الصحة والعافية لنا ولأسرتنا الشريفة، وأن يرينا في ولي عهدنا صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن ما يَسُر القلب، ويُقر العين، وأن يشمل برحمته ورضوانه كلا من جدنا المقدس ووالدنا المنعم جلالة الملك محمد الخامس، وجلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواهما، وأن يحيط بلدنا بحفظه وعنايته، ويكلأه بعين رعايته.
حاجاتنا وحجاجنا المبرورين،
لاشك في أنكم تتطلعون إلى تلبية أشواقكم الروحية في هذا الموسم العظيم بالقيام بزيارة المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، والوقوف بكل توقير وخشوع أمام خير الأنام وخاتم الأنبياء والرسل الكرام، جدنا المصطفى عليه الصلاة والسلام.
فاستحضروا – وفقكم الله – ما يقتضيه المقام من خشوع وابتهال، وتوقير وإجلال، لنبي الرحمة المهداة، والنعمة المسداة. رجاء الفوز بما وعد الله به كل من صلى وسلم عليه، حيث قال عليه السلام: “من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً”.
وفي كل مقام تمرون به من تلك المقامات الشريفة، واللحظات الروحانية الخالصة لا تنسوا أن تدعوا خير الدعاء لملككم الساهر على أمنكم وازدهاركم، وعلى وحدة وطنكم وصيانة سيادته وكرامته، وإحلاله المكانة اللائقة به في محيطه الإقليمي وعالمه الإسلامي.
وختاما نعرب لكم – معاشر الحجاج والحاجات الميامين عن تجديد دعائنا لكم بالحج المبرور، والسعي المشكور والجزاء الموفور، والعودة إلى دياركم سالمين غانمين.
إنه تعالى على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.
والسـلام عليكـم ورحمـة الله وبركاتـه “.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: فی هذا
إقرأ أيضاً:
الإسلام والسلام
#الإسلام_والسلام
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
مقال الإثنين: 18 /11 /2024
لا يوجد معتقد ديني ولا أيديولوجيا بشرية، تنتهج السلام وتدعو لإفشائه بين الناس غير الإسلام، بل قد جعل الله تعالى السلام أحد أسمائه الحسنى، كما جعل التحية بين الناس: السلام عليكم.
السلام بمعناه الأساسي هو نشر الأمان والطمأنينة بين الناس، وجعل العلاقة بينهم مبنية على التعاون وتحقيق المصالح للجميع، من غير غمط الحقوق أو الظلم، والذي منبعه الطمع في ما لدى الآخر، لذلك فأول وسيلة لإحلال السلام والوئام بدل التنازع والتقاتل هي تحقيق العدالة المبنية على عدم غمط الحقوق.
من هنا نفهم حكمة الله تعالى في إنزال الدين على البشر، ليكون حكما ومرجعا محايدا، ولم يتركهم للاجتهادات الوضعية التي عادة ما تحابي الأقوى وصاحب التأثير الأعلى، وجعل عماد الدين التشريعات الناظمة لجميع العلاقات المجتمعية البينية بين الأفراد، وبين المجتمعات المختلفة ، وحتى بين الإنسان والبيئة، والمحافظة على الحقوق وصيانة الملكيات العامة وحمايتها من الاعتداء عليها.
من مراجعة التاريخ البشري، لن نجد أية حقبة زمنية ساد فيها السلام، بل دائما ما كان هنالك في المجتمع الواحد طبقات مستعبَدة لأخرى أقوى منها، أو في أفضل الأحوال مستغَلة من قبل طبقة أخرى، فتسرق جهدها لأجل رخائها.
كما كانت هنالك أقوام تستعبد أقواما آخرين، أو تستعمر أرضهم فتسلبهم خيراتها، ولا تبقي لهم غير الفتات، وكان المظلومون في أغلب الأحيان يناضلون لاستعادة حقوقهم الإنسانية، ولما كانت السلطة دائما في يد الظلمة، والتي لا تستجيب لأنّات المظلومين، فلا يبقى في أيديهم غير اللجوء الى العنف، فتلجأ السلطة الى القمع لدرء تطور الاحتجاج وصولا الى الثورة والتي تنذر بسقوط نظام الحكم.
وإن كان التمرد من قبل مجتمع مستلب الحقوق من قبل دولة أخرى، فتلجأ القوة الظالمة الى استعمال القوة المفرطة للقضاء على المحتجين، ولتخويف غيرهم من الانضمام لهم.
مما سبق نجد أنه لا يمكن تحقيق السلام بالقمع أو القوة العسكرية، فالتخويف في كلتي الحالتين لن يؤدي الى إحلال السلام، بل ستبقى الثورة كامنة في النفوس، كنار تحت الرماد، تهب من جديد في أول فرصة سانحة.
وعليه فلا يمكن أن يتحقق السلام الدائم الا ان كان عادلا، لذلك فمن العبث الاعتقاد بأن السلام يفرض بالقوة، ويثبت ذلك دوام الصراعات وتجددها، لأن الأيام دول ولم تستتب القوة الغالبة لأمة زمنا طويلا.
من خلال فهم تلك الحتمية التاريخية، نتوصل الى ان تحكيم الدين واتباع منهج الله هو الوسيلة الوحيدة لإحقاق الحقوق، لأنه هو المنهج الوحيد العادل الذي لا يحابي المتنفذين ولا يرضخ لسلطان القوة المتجبرة.
وبما أن الدين عند الله هو الإسلام، ومنهاجه ثابت مدون في القرآن الذي لا يمكن للبشر المتنفذين أن يعدّلوا في نصوصه، لذلك فاتباعه يحقق السلام الحقيقي.
في الحال المزري الراهن لأمتنا، ما أوصلنا إليه إلا من استسلموا للعدو وطبعوا معه بدلا من مقارعته الى أن يخرج من ديارنا التي احتلها، فزادونا هوانا وأطمعوا عدونا فينا، فعلوا ذلك لأنهم أخذوا بمنهج الغرب، ورموا كتاب الله وراء ظهورهم، ولو اتبعوه لوجدوا فيه مخرجا.
في قوله تعالى: “فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ” [محمد:35]، يبين لنا عدم جواز النزوع الى مسالمة العدو إلا من موقع القوة، أي أن شعار “السلام خيارنا الاستراتيجي” الذي رفعته الأنظمة الحاكمة في ديار المسلمين لتبرير استسلامها، هو خيانة لمنهج الله وخروج عن دينه، فقد بشرنا تعالى بأننا الأعلون إن اتبعناه وأطعناه، لأنه عندئذ سيكون معنا، ومن كان الله معه فلا غالب له، وأثبتت وقائع التاريخ ذلك، فلم يهزم المسلمون قط من قلة وعدم تكافؤ في القوة مع عدوهم عندما كانوا مطيعين لله، ما هزموا إلا عندما خالفوا أوامره.
وبناء على ما سبق فإن التطبيع مع العدو يعني إقرارا له بما احتله، وقد بين لنا كتاب الله أنه لا يجوز إلقاء السلم الى العدو الباغي قبل ان يستعاد منه ما استلبه، لذلك فالتطبيع مخالفة لأمر الله، ومن يفعله فلا يعتبر متبعا لمنهجه، ومن يؤيده في ذلك فهو مشترك معه في المعصية، ولن ينفعه يوم القيامة إيمان لم يعمل بهِ.