إقرار عطلة الغدير يثير جدلا واسعا في العراق.. هل يشعل الفتيل الطائفي؟
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
أثار إقرار البرلمان العراقي عيد الغدير عاصفة من الجدل في البلاد، حيث اعتبرته أحزاب سياسية وجهات دينية تكريسا للانقسام الطائفي في العراق وترسيخا لهوية على حساب أخرى.
ومنذ أيام، احتدم الجدال حول القانون، عقب إعلان البرلمان عزمه على تحويل عيد الغدير إلى عطلة رسمية، حيث حذرت قوى سنية من الدخول في دوامة الفعل ورد الفعل.
ويعد الكثيرون القرار فرضا لسردية طائفية تثير حساسية المكونات الأخرى.
عيد الغدير
وعيد الغدير يوافق الـ 18 من ذي الحجة في التقويم الهجري، حيث يعود لإحدى خطب النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" التي ألقاها في منطقة غدير خم بالعام العاشر بعد الهجرة.
ويعد مضمون الخطبة محل خلاف بين المذاهب الإسلامية على مدار قرون، لا سيما في العراق، بين السنة والشيعة.
ويحتفل أفراد الطائفة الشيعة في هذا اليوم حيث تقول الروايات الشيعية إن ذلك اليوم شهد تعيين الإمام علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين من بعد النبي الكريم.
وقال رئيس مجلس النواب العراقي بالنيابة محسن المندلاوي، في بيان، إنه مشروع قانون "يهدف إلى إبراز المناسبات المرتبطة بحياة ومشاعر الشعب العراقي، وتنظيم العطلات الرسمية في البلاد".
وأضاف، أن "القانون شمل جميع العطل والمناسبات والأعياد الرسمية في البلاد"، مبينا أن رئاسة مجلس النواب منحت اهتماما خاصا لمشروع قانون العطلات الرسمية، وحرصت على جعل يوم 18 ذي الحجة عطلة عامة، وذلك لرمزية يوم الغدير لدى غالبية العراقيين.
تكريس للطائفية
في المقابل رفضت القوى والهيئات السنية القانون وعدوه تهديدا للهوية الوطنية الجامعة.
ودعا المجمع الفقهي العراقي، إلى ابتعاد البرلمان عن تشريع أي قانون يغذي الانقسام المجتمعي، ويهدد الهوية الوطنية والقيم الأصيلة.
من جانبه، قال حزب السيادة بزعامة خميس الخنجر، في بيان، إن "محاولات تشريع أعياد دينية لا تنال الإجماع الوطني بسبب الطبيعة التعددية الاجتماعية والمذهبية والدينية التي يعرف بها العراق، يثير المخاوف من تحول النظام السياسي تدريجيا إلى نظام دولة ثيوقراطية دينية بسبب هذه القوانين".
وبين أن هذه الخطوة تخالف الدستور والقوانين النافذة، مقترحا أن "تتولى مجالس المحافظات تشريع القوانين ذات البعد الديني بما يتلاءم مع توجهات أبنائها".
ووفقا للقانون العراقي فإنه يحق للحكومات المحلية صلاحية إعلان أي يوم عطلة، لكنها تقتصر على أهالي المحافظة نفسها دون غيرها لمختلف الأسباب، وخلال السنوات السابقة كانت محافظات جنوب ووسط العراق، تحتفل بعيد الغدير، وتمنح الدوائر الحكومية في المحافظة عطلة رسمية، دون شمولها باقي مدن البلاد.
بدوره قال النائب السني مشعان الجبوري في منشور على منصة "إكس"، إن "محاولة تشريع قانون يجعل من عيد الغدير عطلة وطنية رسمية يعني عمليا تبني سردية دينية شيعية تتعلق بالإمامة -الولاية التي يُكفِّر أغلب علماء الشيعة منكرها بشكل غير قابل للتأويل ولا وجود لها بالمطلق في السردية السنية!؟".
وتابع، بأن "من حق الشيعة الاحتفال بعيد الغدير كما يشاؤون، لكن تحويله إلى عيد وطني وفرضه حتى على من تكفرهم هذه السردية وهم نصف الشعب العراقي سيؤدي إلى مشاكل وحساسيات الشعب العراقي في غنى عنها".
وقال حزب "متحدون" بزعامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي: "ليس من حق أحد أن يفرض قناعات طائفية على الآخرين، وينبغي أن تكون الدولة بعيدة كل البعد عن أي ميل طائفي يقوض الهوية الوطنية للعراقيين، ويضرب مبادئ الدستور باعتباره القانون الأعلى للبلد".
من جهته يقول الباحث والكاتب السياسي العراقي نظير الكندوري، إنه "لا يمكن رؤية ما أقدم عليه البرلمان العراقي من خطوة إقرار حادثة الغدير كعطلة أو عيد في العراق، إلا على أنه انتكاسة كبيرة لهذا البلد، وخطوة كبيرة لتكريس الطائفية بشكل قانوني وعملي، والذي من شأنه أن يعمق ويكرس الانقسام المجتمعي بين أبناء الشعب العراقي، ويفتح الباب واسعًا لأتباع الديانات والمذاهب الأخرى، للبحث في التاريخ على كل مناسبة وحادثة ليتم تحويلها إلى عيد أو عطلة ردا على هذه الخطوة التي لا يمكن أن نسميها سوى أنها خطة غبية سياسيا".
وأضاف الكندوري في حديث لـ "عربي21”، أن "هذا القرار سيجعل التنافس الطائفي يحتدم بين أبناء الشعب، وربما يتحول في المستقبل القريب، إلى صراع سياسي أو احتراب داخلي. لأنه ببساطة، أتباع المذاهب والأديان العراقية الأخرى لن تسمح لهويتها بالذوبان في الهوية الشيعية التي تفرض عليهم فرضا".
وأكد الكندوري، أن الأحزاب الشيعية ومن يساندها من مليشيات، تحاول فرض واقع مذهبي بقوة القانون على عموم الشعب العراقي، وهي بذلك تصادر حقوق تلك المكونات العراقية، لأن الدول المحترمة التي تحترم حقوق مواطنيها، تتيح لكل مواطنيها، بالاحتفال بمناسباتها الدينية والثقافية، دون فرضها على الآخرين، لأن في ذلك تعديا عليها وعلى معتقداتها".
وتابع، بأن "الأحزاب الماسكة للسلطة في العراق ومنذ تمكنها من السلطة بعد 2003، تريد تهميش باقي مكونات الشعب العراقي، وتفرض عليه الثقافة الشيعية بالقوة، بل وتحاول جاهدة، صبغ العراق بهوية طائفية شيعية وعلى الجميع أن يمتثل لها رغم تنوع الشعب العراقي، بل إن الشيعة يشكلون أقلية مقارنة بالمذهب السني مثلا، والذي يتعبد به عرب الوسط والشمال من العراق، وكذلك الكرد في إقليم كردستان ناهيك عن أن غالبية التركمان هم من السنة".
وأردف: "إذا ما نظرنا إلى الموضوع من ناحية سياسية، فإن محاولة نشر التشيع وصبغ الشعب العراقي بهذه الهوية المذهبية، من شأنه أن يضمن لهذه الأحزاب النجاح في التغيير الديمغرافي للشعب العراقي. وهو ما يصب تمامًا بخدمة دولة مثل إيران، وكذلك بخدمة أدوات إيران في العراق".
الصدر على الخط
وبدأ الأمر بدعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في الـ19 من نيسان/ أبريل الماضي، مجلس النواب العراقي لتشريع قانون يجعل من "عيد الغدير" عطلة رسمية في العراق، معتبراً في كلمة متلفزة له أن "العيد درء للطائفية وتفعيل للتعايش السلمي".
وذكر أنه "بأمر من الشعب العراقي والأغلبية الوطنية المعتدلة بكل طوائفها، يجب على مجلس النواب العراقي تشريع قانون يجعل من الثامن عشر من شهر ذي الحجة عيد الغدير ومن لا يصوت عليه سيكون خصيما لله وللنبي وللإمام علي"، وفق زعمه.
وفي أعقاب التصويت على القانون، دعا زعيم التيار الصدري العراقيين إلى التوجه إلى المساجد متشحين بالرداء الأخضر.
وعن دعوة الصدر لهذا القانون قال الكندوري: "من خلال استجابة أحزاب الإطار التنسيقي لدعوة مقتدى الصدر بإقرار عطلة يوم الغدير يتبين لنا مدى محدودية القاعدة الشعبية للإطار، فهو بالرغم من استلامه للسلطة بالبلاد، إلا أنه لا يستطيع مجابهة رغبات مقتدى الصدر الجامحة في فرض رؤياه وأفكاره الجامحة على حكومة الإطار، فقامت السلطة السياسية بالاستجابة لدعوة الصدر، لا سيما أنها لا تتصادم مع توجهات الإطار".
وأضاف أنه "على هذا الأساس، فإذا ما كانت نتيجة هذا القانون كارثية، فهم سيتنصلون عن مسؤوليتهم بإقرار هذه العطلة، ويضعونها برقبة مقتدى الصدر وتيار".
وقال: "من ناحية مقتدى الصدر، فإن إصراره على جعل يوم الغدير كعطلة رسمية في العراق، ليس المقصود منه الوفاء للمذهب الشيعي أو إحياء مناسبات تاريخية ذات تفسير شيعي يتفردون به، وتلامس مشاعر الطائفة الشيعية في العراق، فهو يحاول تسويق ذلك لأتباعه من الطائفة الشيعية".
ووفقا للكندوري، فإن "السبب الحقيقي، هو أن لديه طموحات سياسية يريد من خلال هذه العطلة لهذه المناسبة الطائفية المثيرة للجدل، الظهور بمظهر المتحكم بالسياسية العراقية حتى وهو خارج السلطة، بغية تهيئة تياره للفوز بالانتخابات النيابية القادمة".
ويستدل الكندوري على كلامه، بأن الصدر، كان قد اعترض على إقرار هذه العطلة بالذات واعتبرها خطوة لتكريس الطائفية، لكنه لم يجد لديه مشكلة اليوم بالمطالبة بإقرارها، لأن في ذلك مصلحة سياسية لتياره، وفوائد انتخابية كبيرة حينما يظهر نفسه أمام طائفته الشيعية، بأنه المدافع القوي والأمين عن التشيع وأنه هو وتياره الوحيدون المدافعون عن الشيعية، وهم وحدهم من يستحقون تزعم هذه الطائفة".
في آب/ أغسطس 2022، أعلن الصدر انسحابه من الحياة السياسية وطلب من نواب التيار الصدري الاستقالة من عضوية البرلمان الأمر الذي منح منافسيه من "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى موالية لطهران، الأغلبية في مجلس النواب.
فرض هوية
وعقب إقرار القانون أثيرت موجة جدب كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول الأمر يين مؤيد ومعارض.
وقال الكاتب والسياسي العراقي يحيى الكبيسي، في منشور على إكس، إن "الطائفية لا تتحقّق إلا من خلال الدولة! فالشعور أو السلوك الطائفي الفردي، أو حتى الجماعي، مهما كان واضحاً، يبقىٰ هامشياً غير ذي قيمة خارج السياق الاجتماعي".
«فـــائـــدة»:
الطائفية لا تتحقّق إلا من خلال الدولة! فالشعور أو السلوك الطائفي الفردي، أو حتى الجماعي، مهما كان واضحاً، يبقىٰ هامشياً غير ذي قيمة خارج السياق الاجتماعي!
وما يحدث في العراق اليوم، أن الدولة نفسها قررت أن تكون طائفية! وأن تنحاز إلى مدونة دون أخرى! — د. يحيىٰ الكبيسي (@DrYahyaAlkubisi) May 22, 2024
وأضاف أن "ما يحدث في العراق اليوم، أن الدولة نفسها قررت أن تكون طائفية! وأن تنحاز إلى مدونة دون أخرى".
بدوره يقول الكاتب السياسي العراقي إياد الدليمي، إن "ترسيخ الهوية الطائفية للعراق عبر إقرار عطلة عيد_الغدير لن يساهم إلا بمزيد من تفكيك المفكك وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، هذه العطلة ستفتح الباب واسعا أمام تداعيات مجتمعية خطيرة، طبعا الفاعل الشيعي اليوم يفرض ما يريد بفعل القوة والسطوة، ولكن إلى متى سيستمر هذا الأمر؟".
ترسيخ الهوية الطائفية للعراق عبر إقرار عطلة #عيد_الغدير لن يساهم إلا بمزيد من تفكيك المفكك وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، هذه العطلة ستفتح الباب واسعا أمام تداعيات مجتمعية خطيرة، طبعا الفاعل الشيعي اليوم يفرض ما يريد بفعل القوة والسطوة، ولكن إلى متى سيستمر هذا الأمر؟ #العراق — إياد الدليمي (@iyad732) May 22, 2024
وأكد ناشطون وكتاب عراقيون رفضهم للقرار، محذرين من انزلاق البلاد إلى أتون الطائفية مجددا.
بهذه الروح الوطنية , شرع النواب الشيعة في البرلمان قانونا سيبقى علامة فارقة على فشل مشروع الدولة العراقية مابعد الاحتلال الامريكي .
حين التقى شيعة السلطة مع شيعة المعارضة في ترسيخ الطائفية بدلا من إعلاء الوطنية العراقية .
مبروك للاطار و للتيار الصدري . #عيد_الغدير pic.twitter.com/KGjv71N5AS — Amer Ibrahim عامر إبراهيم (@amiraljubori) May 22, 2024
انتقاد التصويت على #عيد_الغدير_عطلة_رسمية ليس له علاقة بالطائفية، إنما إقراره هو الطائفية بعينها. والاحتفال فيه اجتماعيا يعد أمرا طبيعيا وبما تشاء أي طائفة، لكن أن تتبناه الدولة هو المشكلة.
المثير أن التيار الصدري غير اسمه إلى "الوطني" وطالب خصومه "الفاسدين" بإقراره كعطلة طائفية… — مجاهد الطائي (@mujahed_altaee) May 23, 2024
وعن تأثيرات مثل هذه القرارات على النسيج المجتمعي العراقي يقول الكندوري، إن "العمل على ترسيخ ونشر الهوية الطائفية الشيعية بأوساط الشعب العراقي وبقوة القانون، سيجل باقي مكونات الشعب العراق من اتباع المذاهب والأديان الأخرى، تتمترس بطوائفها وثقافتها، وستحاول وبكل قوة الدفاع عن إرثها التاريخي من الاندثار أو الذوبان بالهوية الشيعية".
ومضى بالقول، إن "ذلك ربما يتطلب من أتباع المذاهب والأديان غير الشيعية، أن تقوم بالدفاع عن معتقداتها بكل الوسائل، حتى لو كانت وسائل عنيفة".
واستدرك بأنه "يمكننا القول، إن إقرار أعياد وعطل لمناسبات طائفية وفرضها على جميع العراقيين، هي (الوصفة الناجحة لتفجير الصراع الطائفي بالبلد، وهي الشرارة التي ستشعل النار التي لن تستثني أحد من لهيبها، وستزيد من التمزق للنسيج الاجتماعي العراقي وتصل به إلى مستويات ربما لا يمكن حلها مستقبلا".
فوضى العُطل
ويتصدر العراق البلدان التي تعطل الدوام الرسمي للقطاعين الخاص والعام في مناسبات وطنية ودينية متنوعة، وفقا لتقرير نشرته شبكة المستشارين العراقيين الميدانيين.
وتضاف عطل مفاجئة غالبا بسبب أوضاع أمنية أو سياسية أو دينية أو جوية.
وذكر التقرير أن هذه العطل تكلف العراق 2.5 مليار دولار شهريا، كما أنها باتت تسبب كسادا واضحا من جهة، وتراجعا كبيرا في المستوى التعليمي من جهة أخرى، ناهيك عن تأخير عدة مشاريع مهمة في الإعمار والتنمية.
وأضاف، أنه "لا يمكن للدولة النهوض والتطور بهذا العدد غير المجدي من العطل، باستثناء بعض المناسبات اللازمة نظرا لرمزيتها".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية البرلمان العراقي عيد الغدير عطلة رسمية الطائفية العراق البرلمان الطائفية عيد الغدير عطلة رسمية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب العراقی التیار الصدری الشعب العراق مجلس النواب مقتدى الصدر عطلة رسمیة عید الغدیر هذه العطلة إقرار عطلة فی العراق رسمیة فی لا یمکن من خلال
إقرأ أيضاً:
تصريحات “ترامب”.. إقرار بالهزيمة وتعزيز للفشل الأمريكي
يمانيون../
يبدو أن المجرم ترامب لا يزال يعيش حالة الزهو والغرور معتقداً أن تصريحاته الهوجاء ستؤتي ثمارها – بغض النظر لمن وجهت إليه-، وكأنه لا يدرك أن في اليمن قائد وشعب لا يرون أمريكا سوى قشة، وأكدوا أكثر من مرة أن أحب الأمور إليهم هو الاشتباك المباشر مع العدو الأول للأمة، بعد سنوات من الحروب الطاحنة مع الأدوات.
بكل وقاحة يعلن المجرم ترامب إصدار أوامره للجيش الأمريكي بشن عملية عسكرية وصفها بالـ”حاسمة” ضد من أسماهم الحوثيين الإرهابيين حسب قوله، ولكن وقبل كل قول نعيد تذكير ترامب أن الجيش الذي وجهه بالعدوان على اليمن كان قد وصفه بالجيش الإرهابي مع أحداث اقتحام البيت الأبيض خلال المظاهرات فترة انتهاء ولايته الأولى وقد تكون هذه المرة الأولى التي يصدق فيها ترامب، فها هو جيشه شن عشرات الغارات الجوية على مناطق مأهولة بالسكان المدنيين الآمنين لتقتل في غضون ساعة ما يزيد عن 45 شهيدا وجريحا في العاصمة صنعاء ومحافظة صعدة.
ترامب ومؤشرات الهزيمة
لقد كشف ترامب ما لم يكشفه مسؤول أمريكي آخر عن حجم الإنجاز اليمني في مواجهة القوات الأمريكية؛ فاتضح جليا الدور المحوري لليمن بعد أن كانت واشنطن تتهرب من الحديث عن تطورات المعركة لإخفاء عجزها وعجز تحالفاتها وللتقليل من أهمية الدور اليمني حتى جاء ترامب ليكشف متى مرت آخر سفينة أمريكية من بحر اليمن والذي صرح بمضي أكثر من عام على مرور آخر سفينة ترفع علم واشنطن وهذا إقرار رسمي بفشل التحالف الأمريكي المسمى” حارس الإزدهار”.
ويمكن القول إن ترامب حاول إظهار القوة بالتهديدات فكشف الضعف وحاول إبراز القدرة بالغارات والاعتداءات فأكد العجز وما بين الأولى والثانية أفصح بالإقرار من حيث يدري وصرح بالاعتراف من حيث لا يدري، ويكفي أن يعرف العالم اليوم متى مرت آخر سفينة تابعة لأقوى دولة بحرية في العالم من البحر الأحمر؟. فمتى سيصل ترامب إلى قناعة أن بايدن لم يفشل في حربه ضد اليمن اختيارا بل مجبرا تحت ضغط الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة اليمنية.
وإذا حاول الأمريكيون التقليل من التأثير اليمني فقد صرح ترامب بذلك حين قال إن خنق “الحوثيين” حركة الشحن بأحد أهم الممرات المائية في العالم أدى لتوقف قطاعات واسعة من التجارة العالمية، وهنا يتجه السؤال إلى ترامب: أين “حارس الإزدهار” وعشرات القطع البحرية الأمريكية طيلة 15 شهرا عجزت فيه عن إيقاف العمليات البحرية اليمنية أو الحد منها؟ أما المتابعين في مختلف البلدان فيعرفون جيدا فشل التحالف الأمريكي وقد عمّد ذلك تصريحات شركات النفل البحري التي أصدرت عشرات البيانات التي كشفت فيها حجم خسائرها جراء اضطرارها لتحويل طرقها عبر الرجاء الصالح بعد فشل التحالف الأمريكي في إيقاف الجيش اليمني. ناهيك عن الروايات التي حاكها البحارة الأمريكيون عن هول المعركة مع اليمن.
بالعودة إلى حديث ترامب فإن الجنون بعينه يتمثل في قول ترامب بأن “أي قوة إرهابية لن تمنع السفن التجارية والبحرية الأمريكية من الإبحار بحرية في الممرات المائية العالمية” . كيف استطاع ترامب الجزم أن باستطاعته إحداث فارق في المعركة البجرية، وحاملة الطائرات التي أتى بها ترامب لضرب اليمن لم تعد أدراجها كما أتت فقد استهدفها الجيش اليمني بـ 18 صاروخاً بالستياً ومجنحاً وطائرةً مسيرةً، في عمليةٍ مشتركةٍ، نفذتها القوةُ الصاروخيةُ وسلاحُ الجوِّ المسيرُ والقواتُ البحرية. وهذه العملية التي أتت مع ذروة القصف الأمريكي تؤكد الفشل الأمريكي حتى في رصد أماكن إطلاق الصواريخ والطائرات، الأمر الذي يفسر سبب تركيز الضربات الأمريكية الجوية على المناطق السكنية.
فشل استخباراتي في اليمن
ما يعزز الفشل الاستخباراتي الأمريكي الإسرائيلي ما نقله موقع “والا “العبري من أن الاستخبارات الإسرائيلية فشلت في بناء بنك أهداف فعال ضد “الحوثيين”. مضيفا أن “الجيش” الإسرائيلي يستعد لاحتمال استهداف “الحوثيين” للمصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر ما يعني عدم الرهان على القطع البحرية الأمريكية.
الموقع أقر بأن البحرية اليمنية تعمل بأسلوب السرب، ما يمنحها تفوقًا تكتيكيًا يجعل من الصعب على الأسطول الأمريكي التعامل معها. كما يشير إلى أن القوة الصاروخية اليمنية لم تتأثر بالضربات، بل على العكس، تم إفراغ المخازن إلى مواقع محصنة تحت الأرض، ما يعني أن بنك الأهداف الأمريكي كان خاطئًا وغير فعال.
وفيما تحاول “تل أبيب” التقليل من شأن التهديد اليمني، يكشف التقرير العبري عن قلق حقيقي داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث يؤكد أن الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة اليمنية قادرة على تجاوز الدفاعات الجوية متعددة الطبقات، وهو ما حدث في الهجمات السابقة على “إيلات”، حيث تمكنت الصواريخ والمسيرات من اختراق “القبة الحديدية” ومنظومة “مقلاع داوود”، وهو ما يشير إلى فشل ذريع لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية أمام القدرات اليمنية المتطورة.
البيت الأبيض يعترف: البحر الأحمر ليس آمناً
وبالتزامن مع تكهنات ترامب كان البنتاغون يعترف بشكل رسمي بفشل العدوان الأمريكي في كسر إرادة الشعب اليمني، حيث أصدر تقريرا أقرّ فيه بأن الهجمات النوعية للبحرية اليمنية تسببت في شللٍ شبه كامل لحركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وأجبرت السفن الأمريكية والبريطانية على تغيير مساراتها، متكبدة خسائر فادحة في الوقت والتكاليف.
التقرير الأمريكي الصادر في 15 مارس 2025 أكد أن السفن التجارية التي كانت تعبر البحر الأحمر سنويًا وعند بدء العمليات اليمنية عام 2023 انخفضت من 25 ألف سفينة إلى 10 آلاف فقط، مما أدى إلى أزمة خانقة في الإمدادات العالمية. كما اعترف التقرير بأن الولايات المتحدة وحلفائها لم يتمكنوا من حماية سفنهم، ما اضطر 75% منها لتغيير مسارها حول أفريقيا، مما يضيف أكثر من عشرة أيام إلى مدة الرحلات ويرفع تكاليف الشحن بمعدل مليون دولار لكل رحلة.
حجم الهجمات النوعية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية طيلة 15 شهرا ضد السفن الأمريكية كشفها تقرير البنتاغون حيث اعترف بتنفيذ اليمن 174 هجومًا ناجحًا على سفن أمريكا الحربية فقط، و145 هجومًا آخر استهدف السفن التجارية، مؤكدًا أن الدفاعات الأمريكية لم تتمكن من منع هذه الضربات المتصاعدة. ومن بين العمليات التي أقر بها التقرير، إصابة سفينة “جبل طارق إيجل” الأمريكية بصاروخ يمني في 15 يناير 2024، وإلحاق أضرار بسفينة الشحن “جينكو بيكاردي” في خليج عدن بواسطة طائرات مسيّرة يمنية في 17 يناير.
البحر الأحمر يمنيا خالصا
إذا كان ترامب لا يعرف أن الشريط الساحلي اليمني الممتد على طول البحر الأحمر والبحر العربي والمقدر 2500 كم خال ولأول مرة من أي تواجد أمريكي فهذه مشكلته وعليه أن يعرف أن انعدام التواجد الأمريكي ليس صحوة ضمير بل عجز كامل عن الاقتراب.
موقع “gCaptain“، وهو منصة إخبارية أمريكية متخصصة في الشؤون البحرية والتجارة العالمية، نشر تقريرا أكد فيه أن “قناة السويس أصبحت فعليًا غير متاحة للسفن التجارية الأمريكية أو تلك المرتبطة بحلفاء إسرائيل، في ظل استمرار الهجمات التي تشنها جماعة الحوثيين في اليمن على سفن الكيان”.
وأوضح التقرير أن هذه الهجمات، التي بدأت قبل أكثر من 15 شهرًا، أدت إلى تغيير جذري في ديناميكيات أحد أهم الممرات البحرية في العالم، مما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الإعلان عن التصعيد.
ونقل التقرير عن ترامب، في منشور له على منصة “تروث سوشيال”، قوله إن “أكثر من عام مر دون أن تتمكن سفينة تجارية أمريكية من العبور بأمان عبر البحر الأحمر أو قناة السويس”، منتقدًا إدارة الرئيس السابق جو بايدن التي وصفها بأنها “ضعيفة” في التعامل مع الوضع.
وأوضح التقرير أن “الحوثيين نجحوا في تعطيل حركة الشحن عبر البحر الأحمر، مما أجبر شركات كبرى مثل “ميرسك” و”إم إس سي” على تغيير مساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وهو مسار أطول وأكثر تكلفة. ورغم أن التقرير أشار إلى أن هذه الهجمات كبدت الاقتصاد العالمي خسائر كبيرة، فإنه لفت إلى أن الولايات المتحدة لم تتمكن من ضمان مرور آمن لسفنها التجارية، وهو ما يعتبر فشل للقوة العظمى في فرض سيطرتها على هذا الممر الحيوي.
وبحسب التقرير، فإن عملية “حارس الرخاء”، التي قادتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة منذ ديسمبر 2023، لم تحقق نجاحًا كبيرًا في وقف الهجمات الحوثية، حيث وصفها بأنها جهود محدودة شبيهة بلعبة “اضرب الخلد”، تقتصر على اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة دون القدرة على تغيير الوضع على الأرض”.
وركز التقرير على تصريحات ترامب التي وعد فيها باستخدام “القوة المميتة الساحقة” لاستعادة الأمن في البحر الأحمر، لكنه تساءل عما إذا كان هذا الوعد كافيًا لتغيير الواقع الحالي، خاصة مع تحفظ شركات الشحن عن العودة إلى المنطقة دون ضمانات طويلة الأمد. وأضاف أن التحديات اللوجستية، مثل محدودية عدد المدمرات الأمريكية المتاحة وصعوبة إعادة تسليحها بسرعة، قد تعيق تنفيذ هذه الخطة.
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن تصريحات ترامب تمثل تحولًا في الخطاب الأمريكي، حيث تعترف صراحة بفقدان السيطرة على البحر الأحمر، وهو ما قد يمنح البحارة التجاريين الأمريكيين، الذين شعروا بالإهمال خلال السنوات الماضية، بعض الأمل في استعادة الحماية… لكنه أبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتمكن الولايات المتحدة من فرض سلطتها مجددًا على هذا الممر الاستراتيجي، أم أن الوضع قد تجاوز نقطة اللاعودة؟.
ختاما فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك من الخيارات ما يؤهلها لحسم المعركة في اليمن، فالغارات الجوية لم تحسم أي معركة في اليمن سواء خلال طوفان الأقصى والتي تجاوزت ألف غارة أو خلال العدوان الأمريكي السعودي والتي تجاوزت ربع مليون غارة، كما أن البنتاغون أكد أكثر من مرة استحالة دخول الجيش الأمريكي المعركة في اليمن نظرا للكلفة الكبيرة، كما أن الضغط السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة طوال السنوات الماضية لم تجدي نفعا، فما هي الحلول السحرية التي يمتلكها ترامب ليوقف شعب الإيمان والحكمة عن أداء دوره الإيماني والجهادي في الانتصار للشعب الفلسطيني الذي يقتل بالسلاح الأمريكي.
موقع أنصار الله .