الوجودية واختياراتنا في الحياة في عرض "سبع ليالي" بمهرجان نوادي المسرح
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
استقبل مسرح السامر بالعجوزة، العرض المسرحي"سبع ليالي" لفرقة المنصورة المسرحية، ضمن عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح، في دورته الحادية والثلاثين “دورة الكاتب المسرحي الراحل د. علاء عبد العزيز.
تؤكد فكرة العرض أن السبيل الوحيد للتغلب على الصعاب هو مواجهتها، من خلال تناول قصة الجد والجدة اللذان يقيمان بمنزل متوسط الحال بأحد أحياء القاهرة في منتصف القرن الماضي ويرعاهمها خادمتان، حيث تبدأ الأحداث بانتظار الجدة "نجاة" حفيدها "حسيب" الذي جاء من السفر ومعه زوجته "أنيسة" لتعود الفرحة والسعادة إلى المنزل مرة أخرى، بعد غياب لمدة عشرين عاما، ومع مرور الأحداث يتضح أن حفيدها هو حفيد مزيف وليس حقيقيا، ويعود الحفيد الحقيقي، ولكن يحاول الحفيد المزيف والجد أن يخفوا حقيقته للجدة لأنه عائد ليطلب حقه في المنزل، ويطلب مبلغا من المال بالإكراه، وينتهي العرض بأن تواجه الجدة حفيدها الحقيقي بأنها تعلم كل شيء ثم تقوم الجدة بطرد حفيدها ثم موته.
"سبع ليالي" مأخوذ عن نص "الأشجار تموت واقفة" للشاعر والكاتب الإسباني ألخاندرو كاسونا، دراماتورج صالح محمد صالح، رؤية وإخراج السعيد كامل السعيد، أشعار ومخرج منفذ يوسف بدران، إضاءة أحمد السمان، ملابس محمود عبدالمعطي، إعداد موسيقي مصطفى مجدي، ديكور مجدي السنوسي، دعاية طارق السعدني، مكياج بسنت وليد، وشارك في بطولة العرض آية مصطفى، صالح محمد، مريم مصطفى، رما عماد، كريم السيد، أدهم البكري، والطفل بودي كامل.
حضر العرض لجنة التحكيم المكونة من المخرج هشام عطوة رئيس اللجنة، والدكتور محمد سمير الخطيب، والدكتور حمدي عطية، والمخرج سامح مجاهد، والموسيقار أحمد حمدي رؤوف، المخرج محمد الطايع مقرر اللجنة.
أكد السعيد كامل مخرج العرض، أن العمل يلعب على المشاعر، وبه طاقة تمثيلية عالية حفزته على اختيار النص وإخراجه، قائلا: تم تحويله من كلاسيكياته إلى نص قريب من الجمهور ليمس مشاعرهم، وذلك من خلال حفيد اقترض أموالا بسبب سلوكياته الخاطئة، وكان بالنسبة للجدة هو الأمل التي ظلت تنتنظره، ولكنه خيب ظنونها لتفكيره في بيع المنزل.
وأوضح صالح محمد دراماتورج العرض، أنه تم تمصير النص وصياغته بالعامية المصرية، واختيار زمن الخمسينيات، ويضم النص أكثر من خيط ومعني وتم تقديمه بشكل مصري حتي يكون قريبا من الناس.
أعقب العرض ندوة نقدية أدارها الكاتب والمؤلف ياسين الضوي، وشارك بها الكاتب والناقد مجدي الحمزاوي، د.أحمد عادل القضابي.
أكد "الضوي" إعجابه الشديد بالعروض المسرحية التي تمثل كل أقاليم مصر، مؤكدا أن هذا يدل على بقاء المسرح واستمراريته، فالعرض المسرحي لابد أن لا يخلو من دلالات وإشارات مهمة للنص، وهذا يقودنا بطرح سؤال حول هل المسرح في مأزق من حيث ما يتم تقديمه وعرضه للجمهور؟
وأبدى الكاتب مجدي الحمزاوي إعجابه بالممثلين المشاركين بالعمل، وإمكانياتهم التمثيلية الجيدة، مثنيا على مشهد النهاية بين الجدة وحديث الأحفاد.
وأوضح أن العروض المسرحية تقدم الحقيقة المشابهة للحقيقة لا الواقع بحد ذاته، قائلا: الفن هو البحث عن علاقات مغايرة بأساليب أخرى، قد تشبه الحياة في تصرفاتها ونظامها ولكنها ليست هي الحياة، واختتم حديثه مبديا إعجابه بمخرج العمل وطالب فريق العمل بمشاهدة الكثير من الأعمال المسرحية للاستفادة منها لتقديم المزيد من العروض الناجحة.
من جهته أشار "القضابي" أن العرض يتناول مسألة الوجودية، فكانت هناك اختيارات وجودية بداية من اختيار الجدة برفضها للحفيد، وهذا تسليط على اختياراتنا في الحياة.
وعن المدارس المسرحية، أوضح أنها تتنوع بين المدرسة الفنية والرمزية ولكل منها استخداماتها المختلفة من خلال الألوان والديكور، وطالبهم بضرورة استخدام الألفاظ والجمل الفعلية والاسمية وتوظيفها بشكل مناسب في الأحداث، ودلالات الحوار، والاهتمام بالملابس والإكسسوارات حيث وجودها يعطي فترة زمنية أو علاقة اجتماعية مثل الخواتم، مشيرا أن هناك ما يسمي بالوعي المزدوج يكون بين الشخصية التي نقدمها وبين الوعي الخارجي.
واختتم حديثه مؤكدا ضرورة أن تكون رسالة العمل واضحة مع البعد عن التشويش والغموض حتي تصل إلى الجمهور.
المهرجان الختامي لنوادي المسرح تنظمه الإدارة العامة للمسرح برئاسة سمر الوزير، بإشراف الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان تامر عبد المنعم، ويشارك به هذا الموسم 24 عرضا مسرحيا تقدم مجانا للجمهور، بمسرحي السامر وقصر ثقافة روض الفرج، ويصدر عنه نشرة يومية بالإضافة لندوات نقدية تعقب العروض يشارك بها نخبة من النقاد والمسرحيين.
وتشهد الفعاليات اليوم الخميس على مسرح قصر ثقافة روض الفرج عرضين لفرقة بورسعيد المسرحية، الأول بعنوان "موسم الحرب والغناء" قصة صموئيل بيكيت، وإخراج أحمد سعيد، ويقدم في السادسة مساءً، يليه "303" تأليف محمد عادل، وإخراج بيشوي عماد ويقدم في الثامنة مساءً.
وتزامنًا مع فعاليات المهرجان، تستمر ورشة اعتماد المخرجين الجدد الذين تم تصعيدهم للمهرجان هذا الموسم ليتلقوا تدريبًا مكثفا لمدة اثني عشر يوما في مجال "الإخراج المسرحي، السينوغرافيا، الدراما، التثقيف المسرحي والتذوق الفني"
9b518e59-426b-425e-86bb-62b44806fda3 a7cbae15-f09a-4b6a-a34f-99dd1b8f5c8b db7766b1-94e9-48d3-aa17-d9b9ca6104ffالمصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مسرح السامر
إقرأ أيضاً:
محجوب محمد صالح .. قليلا عرفته
قبل نحو عام ، أو يزيد قليلا ، و أنا في منازحي المختلفة في السودان ، دخلت إحدى مراكز التدريب المهني بمدينة القضارف ، و سألتهم ما إذا كان بإمكاني استخدام شبكة الإنترنت لديهم . فلم يتسن لي متابعة العديد من المسائل منذ شهور حينها . فرحبت بي إدارة المركز و وفرت لي جهاز لابتوب متصل بالإنترنت . و ما أن بدأت تصفحي على الأخبار ، حتى صفعني الخبر: رحيل محجوب محمد صالح . فغم علي غما شديدا . و لبرهة ، جعلت أفكر في لا شيئ . فمحجوب محمد صالح من الناس الذين تتمنى ألا يموتوا ، خصوصا في أوقات الأزمات الوطنية المربكة . فمجرد أن تتذكر أن محجوب محمد صالح موجود ، يغشاك قدر من الطمأنينة أن هناك صوتا و صدى عاقل و موزون في السودان يمكن له يهدئ هذا الفوران المجنون .
كنت في بداية الألفية ، و أنا عائد من الجمهورية اليمنية ، أنشر مقالاتي في صحيفة الأستاذة الشجاعة أمال عباس (كان اسم الصحيفة "الرأي المختلف" أو شيئا يشبه هذا الاسم) ، و لكن توقفت تلك الصحيفة عن الصدور . ثم اتجهت لنشر مقالاتي في صحيفة "الحرية" التي كان يرأس تحريرها الأستاذ سعد الدين إبراهيم ، و لم تلبث أن تتوقف عن الصدور هي الأخرى . و بالرغم أن صحيفة خرطوم مونتر التي كان يحررها الفريد تعبان كانت تنشر مقالاتي بانتظام ، إلا أن محدودية قرائها دفعني للبحث عن الصحف العربية ، حيث كنت استشعر أهمية ما أطرحه في مضمار المناداة بالتغيير بكلفة محتملة و زمن معقول لإنجاز هذا التغيير .
و جعلت أطوف على الصحف التي تصدر في الخرطوم و كانت كثيرة ، و كنت أقابل رؤساء تحريرها في مكاتبهم الكبيرة ، و أناولهم مقالي الذي كتبته ، و لكنهم كانوا يتحججون بأن هذا المقال فوق مستوى القراء لذلك لا يمكن لهم نشره !! و بالطبع ، أدركت لاحقا أن المقال ليس فوق مستوى القراء إنما فوق مستواهم هم .. و لا عجب أن شهدت تلك الفترة رؤساء تحرير أتت بهم الصدف أو الغفلة أو الإثنين معا .
و في حيرتي تلك ، التقيت مصادفة الأستاذ الفاضل حيدر المكاشفي ، فناولته المقال الذي كنت أود نشره ، فقال لي إن هذا المقال مكانه "الأيام" ، وكلف إحدى الصحفيات بتسليم المقال للأستاذ محجوب محمد صالح . و منذها ظلت "الأيام" تنشر مقالاتي لما يزيد على عشر سنوات .
كنت التقي الأستاذ محجوب لماما عند زيارتي لصحيفته ، فقد كنت اكتفي بتسليم المقال للأستاذ وائل محجوب ، و هو صحفي عميق الانتباه ، يفوق عقله سنوات عمره بكثير . ثم أدلف إلى مكتب الكاتب الكبير الراحل تاج السر مكي و غالبا ما أجد في معيته كاتب العمود الأستاذ محمد موسي حريكة .
كان مكتب الأستاذ محجوب محمد صالح عند المدخل يمينا و على المخرج يسارا . و قليلا ما كنت ألقى عليه التحية عند مغادرتي لمبنى "الأيام" . و كان ينتابني كثير من الضجر المخلوط بالحيرة و أنا أرى شخصا واسع الذهن كمحجوب محمد صالح يجلس في مكتب ضيق ، بينما أتذكر رؤساء تحرير ضيقي الذهن يجلسون في مكاتب واسعة .. شيئ عجيب و رب السماء و الأرض و ما بينهما !!
كان محجوب محمد صالح واسع الذهن حاده ، غزيز المعرفة طيبها ، قاسي العبارات لطيفها . و لعل الصفة الأخيرة هذه ، هي ما تميز بها الأستاذ محجوب محمد صالح عن كل الكتاب في الصحافة السودانية و غير الصحافة السودانية . و هي صفة فريدة تكاد تكون بصمة خاصة بة . فمحجوب محمد صالح يمكنه أن يكتب بأقسى العبارات لكن من دون تجريح ، و أقوى العبارات من دون صراخ !! و هو ما جعل كل الأطراف تصغي له ، بل لعله السبب الذي جعل تحالف المعارضة يرشحه لمنازلة مرشح "المؤتمر الوطني" في انتخابات 2015 ، و ذلك قبل أن تقرر المعارضة التصويت بأرجلها كما جرت العبارة . و أذكر في تلك الأيام أن "الأيام" نشرت خبر الترشيح هذا في ربع عمود ببنط عادي !! و لك أن تتصور ، يا ابن ودي ، لو كان الترشيح لأحد رؤساء التحرير الأجوفين هؤلاء ، إذن لقعقع في صماخك رعد الأنا المتورمة ، و لكن محجوب محمد صالح كان له نصيب وافر من تواضع كبار المثقفين السياسيين .
كان محجوب محمد صالح يدرك أنه ليس صحفيا عاديا و إن كان قديرا كما وصفه الدكتور منصور خالد معلقا على منتقدي اتفاقية نايفاشا الذين أضافوا لها ملاحظات مهمة و بناءة كالدكتور محمود شعراني على حد تعقيبات منصور .. فقد كان محجوب يدرك أنه صاحب رؤية سياسية ناضجة نحو التحول الديمقراطي و إرساء دعائم الحكم الرشيد في السودان و في محيط السودان و امتداداته ، يعبر عنها عبر نشاطه الصحفي ، و يدرك أن السياسية إنما هي علم إدارة شئون الناس . و عبارة ناضجة ، هنا ، تعني واقعية . فقد كان يبني تصوراته على ما هو ممكن و متاح في الفعل السياسي . على سبيل المثال ، إن كنت تعتقد أنك إن تريد مزيدا من الحرية ، عليك أن تملأ ما هو متاح منها ، و هو الحيز الذي أتاحته اللحظة السياسية الحاضرة في إشارة منه إلى اتفاقية نايفاشا ، مصوغا استئهالك المزيد منها . كما أنه لم ييأس من تذكير القوى السياسية بضرورة إصلاح حالها و التحرك في المساحة المتاحة . و أذكر أن أحد القراء أرسل له رسالة ، نشرها الأستاذ محجوب في عمودة "أصوات و أصداء" ، يقول فيها القارئ إنك يا أستاذ محجوب تنفخ في قربة مقدودة ، و رد عليه محجوب بأننا ليس أمامنا إلا أن نظل ننفخ في هذه القربة المقدودة !!
كان محجوب محمد صالح يوظف معارفة الغزيرة لخدمة مشروعه السياسي في التحول الديمقراطي في السودان و في المنطقة . على سبيل المثال ، عندما نشبت أزمة سد النهضة الأثيوبي ، لم يكتف بترديد "علينا تحويل التحديات إلى فرص" بل شرح الأمر بأكمله في مقالات رصينات كان المقال الواحد منها يحتل صفحة كاملة ، لو أستوعبتها إدارات دول حوض النيل لكفتها جهدا كبيرا و وفرت عليها زمنا كثيرا و لاستفادت شعوبها و عاشت في سلام و رفاهية أجمعين . و لو كان هناك جهة مسئولة عن حفظ إرث محجوب لحق عليها جمع هذه المقالات في كتيب و إهدائها لإدارات دول حوض النيل و من ثم نشرها في دوريات الاتحاد الأفريقي و الدوريات المتعلقة بالنزاع حول المياة و على رأسها الدورية الدولية المختصة بمسألة المياه التي كان يرأس تحريرها عالم قانون المياه السوداني الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان .
كان محجوب محمد صالح سخي العطاء في توجيه الكتاب و إرشادهم بالطريقة المثلى لمواجهة تحدياتهم دون إملال . أذكر أنه طلب مقابلتي ، و ذهبت إليه في مكتبه ، و طاف بذهني ذات الطائف: الرجل الكبير في المكتب الصغير . حياني الرجل ، و قال لي بصوت هادئ إن فرع التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة قد حرر بلاغا ضدك بسبب مقالك الأخير . (جرت العادة أن يتم استدعاء كاتب المقال و رئيس تحرير الصحيفة التي نشرته) . و قال لي إن البلاغ حرر تحت بند الجرائم الموجهة ضد الدولة (كان فحوى المقال أنني طالبت بلجم جنرلات المؤسسة العسكرية الذين يتحرشون باتفاقية نايفاشا) . و قدم لي نصائح غالية في التعامل مع موضوع البلاغ ، و زودني بمعرفة قانونية في التاريخ السياسي في السودان كنت أحتاجها كإضراب قوات البوليس من العام 1951، ثم طلب مني لقاءه قبل يوم محاكمتي . كما وفر لي المحامي الكبير عمر شمينا في مرحلة لاحقة من تطور القضية رغم علمه إن لي محاميين كانا يتابعان أمر البلاغ و هما الأستاذ غازي سليمان و الدكتور محمود شعراني . وكانت تقديرات محجوب في مكانها في هذا الصدد . لهم الرحمة و البركة أجمعين .
و لعل محجوب محمد صالح امتلك روح الأستاذية في وقت مبكر من حياته العملية ، و وظفها توظيفا جميلا في تعليم المشتغلين بالصحافة ، و بث فيهم روح المسئولية عند الكتابة و كان يقول كلما زادت ثقافتك زادت معها مسئوليتك تجاه مجتمعك . كما عرفت أنه عمل في التدريس بالفعل في أربعينات القرن الماضي . فقد أخبرني وكيل مكتب بريد و برق مديرية النيل الأبيض السابق ، السيد إسماعيل البشير تناد ، و هو والد الكاتب ، إن محجوبا كان يدرسهم اللغة الإنجليزية في معهد البريد و البرق بالعاصمة الخرطوم . و كانت معروفة أهمية البريد و البرق في ذلك الزمن بالنسبة للحياة السياسية و الاجتماعيه في السودان ، حيث كان ثوار الحركة الوطنية يتواصلون عبرها و ينقلون زخم حركتهم للمدن السودانية عبرها ، كما كان عبقري الفن إبراهيم الكاشف يستوحي اللحن منها من نقرات التليغراف ، حبيبي أكتب لي و أنا أكتب ليك ..
اللهم يا سيد الأكوان و الأبدان ، يا أيها المتناغم الجميل الممتد ، القديم الجديد المتجدد ، الواحد الأحد اللامنقسم ، أرفع محجوبا مقاما فوق مقامه ، إنك أنت الرافع المقيم .
adil.esmail@gmail.com