نيامي- تناول أحد الصينيين قدرا حديدية من أحد الباعة في السوق المركزي بالعاصمة النيجرية نيامي، رفعها إلى الأعلى وتركها تسقط أرضا، ثم سأل البائع "إن اشتريت منك هذه القدر واستعملتها للطبخ يوميا، فكم من الوقت ستصمد معي قبل أن أضطر لشراء أخرى؟"، أجاب البائع "نحو 10 سنوات"، فرد عليه الزبون الصيني بالقول "إذن، أنت لا تربح شيئا يا صاحبي".

يتداول النيجريون هذه الحكاية عند الحديث عن سر نجاح التجار الصينيين في البلد، ويقول التاجر إبراهيمو، وهو المعروف في السوق الملحق بحديقة الحيوانات، عن تلك الواقعة المتوارثة "كان النيجري معروفا بصناعة كل شيء بإتقان بغض النظر عما سيجنيه، لكن الصيني علّم التاجر المحلي كيف يربح بشكل سريع".

الصندل البني الأكثر رواجا واستعمالا في النيجر (الجزيرة) حرفة النعال

وعن حرفته قبل قدوم الصينيين إلى السوق النيجري، يقول إبراهيمو "في السابق كان المواطن مضطرا لشراء النعال التي نصنعها، يدفع 5 آلاف فرنك غرب أفريقي (نحو 9 دولارات) مقابلا لها، لكن مجيء الصينيين قلب كل شيء، إذ يمكنك الحصول على زوج من الأحذية بألفي فرنك غرب أفريقي فقط (3.5 دولارات)، وإذا اشتريت 3 أزواج فيمكنك الحصول عليها بثمن الزوج الواحد من نعالنا".

ويؤكد إبراهيمو -وهو رجل أربعيني- أن صناعة النعال الجلدية لم تكن قبل تسعينيات القرن الماضي مهنة لكسب لقمة العيش، لكن الأمر تغير نسبيا مع الانفتاح الذي عرفته البلاد سنة 1993، إذ سمحت الدولة لكثير من الحرفيين بمزاولة أعمالهم في المدن الكبرى، بعدما كان النظام القديم يرى فيهم ملمحا من ملامح "التخلف" وعودة بالبلاد إلى سنوات الاستعمار.

وعن هذه المهنة التقليدية، يقول إبراهيم القاسم، وهو نيجري من قبيلة الهوسا، ومسؤول إحدى الجمعيات الخيرية الأجنبية بنيامي، "لقد أعطى السياح قيمة لتراثنا الثقافي، وانتعشت الحرفة معهم، وأصبح التاجر يبيع زوج الأحذية بثلاثة أضعاف السعر الذي يدفعه المواطن المحلي".

زوج الأحذية الواحد يباع بنحو 20 ألف فرنك غرب أفريقي، أي 33 دولارا تقريبا (الجزيرة)

لكن يبدو أن الشباب اليوم غير مهتم بهذه الحرفة، سواء تعلق الأمر بالناحية الاقتصادية، إذ إن ثمنها غير مشجع للأغلبية الساحقة، أو بنوعية الأحذية الموجودة في الأسواق التي يُنظر إليها كرمز للتحضر، كونها لا تختلف عن الأحذية التي يرتديها بقية الناس في ما يوصف بـ"العالم المتقدم"، بخلاف النعل الجلدي الذي يذكر بحقبة "التخلف" التي عاشتها النيجر في ظل الاستعمار الفرنسي.

ويقول إبراهيمو إن "كل بائع فيما مضى كان له ملحق صغير بدكانه يصنع فيه أحذيته بنفسه، وإن 90% من الباعة اليوم ما زالوا على هذه العادة نفسها، لكن البقية منهم يتعاملون مع صانعين محترفين يوفرون لهم مكانا لبيع منتجاتهم، ويتفاهمون على طريقة تقسيم الأرباح".

ويضيف "في نيامي هناك البازار القديم والسوق الملحق بحديقة الحيوانات، إن كنت تريد لبضاعتك أن تباع فعليك إيجاد مكان بينهما، وللأسف الدكاكين مملوكة لأصحابها منذ عقود، لهذا فإن كثيرا من الحرفيين الجدد يفضلون بيع منتجهم لأحد التجار المعروفين، بدل أن يفتحوا ورشة تخصهم في مكان آخر من المدينة".

محل لبيع التحف المحلية بفندق تيرمينال في العاصمة (الجزيرة) صناعة محلية رائدة

في أحد الفنادق المعروفة بالعاصمة، تحدثت الجزيرة نت إلى أحد الباعة الذين خصص لهم صاحب الفندق رواقا لعرض تحفهم الفريدة أمام رجال الأعمال والمشاركين في المؤتمرات، وحتى السياح العابرين، يقول البائع "نحن لا نستعمل سوى جلود الأغنام والأبقار، ونادرا ما نستعمل جلود ثعابين أو تماسيح، وهي في الغالب تُستخدم في الإكسسوارات كالأحزمة والحقائب الصغيرة وحاملات المفاتيح، كما أن الزوار الأجانب يقبلون عليها بشكل أكثر".

ويضيف "لكن تلك الجلود غير رائجة عندنا، لأن الحصول عليها صعب جدا، ولأنها مكلفة"، ومن جهة أخرى، تحرم دولة النيجر اصطياد التماسيح والقردة والحمير، وتعتبر التجارة بلحومها أو جلودها جريمة يعاقب عليها القانون.

وعن نوعية الجلود المستعملة، يقول إبراهيمو إن أفضل الأنواع هو الجلد الأبيض، إذ إن تلوينه ليس معقدا، على خلاف الجلود البنية التي تظهر ألوان الصباغة عليها باهتة، مما يجعل الجلود البيضاء هي الأغلى ثمنا.

الجلود البيضاء بعد تنظيفها تماما وتجهيزها للتصنيع (الجزيرة)

ومن أجل فهم مراحل تحويل جلود الأغنام والأبقار إلى جلود صالحة للاستعمال من قبل صانع النعال الجلدية، قادنا البحث إلى المعمل الرسمي في العاصمة نيامي، ويقول رئيس المعمل "نستقبل جلود مئات الأبقار كل يوم، نتعامل مع أكثر من 14 ألفا و500 طن سنويا، ويقوم العمال هنا بتنظيف الجلود وتجفيفها ودبغها، ولدينا ورشة لصباغة الجلود وتلميعها، وبعض العائلات من الطوارق والعرب يستعملون هذه الجلود زرابي للجلوس، وبعض التجار يأخذونها لتحويلها إلى نعال جلدية".

ويضيف "بإمكان الصانع أن ينتج من جلد بقرة سليمة أكثر من 10 أزواج من النعال، ومن جلد الخروف 3 أزواج على الأقل، وكلما كانت يد الحرفي ماهرة، تمكن من استغلال الجلد بأفضل طريقة".

ويقول إبراهيمو "كانت الطرق في بلادنا وعرة وأشبه بمسالك ضيقة، لهذا وجدنا أنفسنا نصنع نعالا تتحمل مشقة السفر، في السابق كنا نبيع زوجا واحدا من الأحذية بـ5 آلاف فرنك غرب أفريقي (نحو 9 دولارات)، أما اليوم فلا يمكنني بيعه بأقل من 20 ألف فرنك (نحو 33 دولارا)، ويعتبر أن تصدير الجلود إلى الخارج قد ضيّق على الحرفيين أمثاله نشاطهم ومصدر رزقهم الوحيد.

السياح يقبلون على اقتناء الأقنعة الأفريقية والحقائب والأحزمة المصنوعة من الجلد (الجزيرة)

ولإحياء التراث النيجري، أُسّس بجهود فردية تجمع يعرف باسم "سافيم"، يقول القائمون عليه إنه منفتح على باقي دول القارة، وبدأت الفكرة بمساعدة الأرامل والمطلقات عبر تخصيص ورشات لتعليمهن صناعة الحقائب والأحذية الجلدية والملابس التقليدية، وتمكينهن من تأسيس مشاريعهن الخاصة، لكن المشروع تطور ليشمل قطاع صناع النعال الجلدية أيضا، ولاقت الفكرة نجاحا على المستوى المحلي بشكل ملحوظ، كما لقيت ترحيبا من دول أفريقية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

أبوظبي رائدة الحداثة وعنوان المستقبل

أبوظبي رائدة الحداثة وعنوان المستقبل

بفضل توجيهات ومواكبة القيادة الرشيدة، وما تمثله رؤيتها الملهمة من أساس لكسب السباق مع الزمن نحو المستقبل الذي يتم العمل ليكون على قدر الآمال والتطلعات بالريادة المطلقة إقليمياً ودولياً، فإن أبوظبي تمضي في تعزيز مسيرتها لتكون في صدارة مدن المستقبل والأكثر تقدماً وحداثة من خلال استلهام رؤية القيادة الاستشرافية ونهجها الاستباقي الذي يضاعف الإنجازات الفريدة ويرسخ مكانتها المرموقة ويدعم تنميتها الشاملة ويضمن الارتقاء الدائم بجودة حياة مجتمعها، خاصة أن ما تحرص على اعتماده من توجهات عصرية تقوم على تسخير أحدث ما توصل إليه العقل البشري من التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، وتمكين الكوادر البشرية من القدرة على إنتاجها والتعامل معها، أصبحت ثوابت رئيسية وسمة عامة في نهضتها، كما أن الاستراتيجيات النوعية وغير المسبوقة التي يتم اعتمادها لتكون أبوظبي النموذج العالمي الرائد والأكمل في استخدام التكنولوجيا المتقدمة، تعكس عبقرية التخطيط ومدى الإبداع في التحديث، ومنها إعلان حكومة أبوظبي إطلاق “استراتيجية حكومة أبوظبي الرقمية 2025-2027″، لتعزيز مسيرة التحول في الإمارة نحو حكومة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، حيث تهدف الاستراتيجية التي تتولى تنفيذها دائرة التمكين الحكومي – أبوظبي بالتعاون مع الجهات الحكومية في الإمارة، إلى تحقيق الريادة العالمية للإمارة في الحكومة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مع استثمارات تقدر قيمتها بـ13 مليار درهم حتى نهاية العام الجاري والعاميين المقبلين، بما يعزز منظومة الابتكار وتبني التكنولوجيا في الإمارة.
اعتماد الذكاء الاصطناعي في منظومة الخدمات الحكومية، يميز توجهات حكومات المستقبل، ويمثل أولوية ضمن رؤية حكومة أبوظبي وفي صلب مشاريعها التطويرية، وهو ما تبينه قوة مستهدفات “استراتيجية حكومة أبوظبي الرقمية 2025-2027″، من قبيل “تأسيس بنية تحتية متينة تشكّل أساساً رقمياً مرناً وقابلاً للتطوير، للوصول إلى تبني الحوسبة السحابية السيادية بنسبة 100% في مختلف العمليات الحكومية وأتمتتها ورقمنتها بنفس النسبة، وإنشاء منصة رقمية موحّدة لإدارة الموارد المؤسسية، لتبسيط العمليات ورفع مستويات الإنتاجية والكفاءة، وكجزء من برنامج “الذكاء الاصطناعي للجميع”، واستخدام أكثر من 200 حل مبتكر للذكاء الاصطناعي في كافة الخدمات الحكومية، وتطوير المعايير والأسس الرقمية القوية التي تضمن أعلى معايير الأمن السيبراني المهيئة للتنبؤ بالتحديات المستقبلية ومعالجتها بكفاءة عالية، والمساهمة بأكثر من 24 مليار درهم من إجمالي الناتج المحلي لإمارة أبوظبي بحلول 2027، ما يسهم في توفير أكثر من 5,000 فرصة عمل تدعم جهود التوطين، وإحداث تحول نوعي في تجربة المتعاملين وتقديم الخدمات الحكومية بما يعزز كفاءة العمليات الحكومية والإنتاجية، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية المستدامة”.
أبوظبي عنوان المستقبل ومنارة الحضارة بنهضتها الشاملة، والأبرز بتطويع التكنولوجيا الحديثة في خدمة مسيرتها وتعزيز سعادة الإنسان، وهو ما تبينه نجاحاتها العالمية وقوة استراتيجياتها ورفعها الدائم لسقف التحدي في التحديث والتطوير.


مقالات مشابهة

  • الأحذية: أكثر من مجرد إكسسوار مع رنين.كوم
  • محافظ القاهرة يفتتح معرض صناعة الجلود
  • وفد «التنسيقية» يبحث مع سفيرة النيجر سبل التعاون الثنائي
  • فعاليات «صينية -إماراتية» تستعرض التراث وتدعم الاستدامة
  • «تنمية المجتمع في أبوظبي» تمكّن أصحاب الهمم بمبادرات رائدة
  • أبوظبي رائدة الحداثة وعنوان المستقبل
  • وفد التنسيقية يبحث مع سفيرة النيجر سبل التعاون الثنائي
  • هل تسيطر الصين فعلا على قناة بنما مثلما يقول ترامب؟
  • النيجر ومالي وبوركينا فاسو تشكل قوة موحدة لمحاربة الإرهابيين
  • ماذا يقول الله قبل الفجر؟.. بفضل 11 كلمة تقضى حاجتك وتغفر ذنوبك