تتصاعد حدة التصريحات "الإسرائيلية" والأمريكية ضد مصر بشكل مطرد، منذ سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على "محور صلاح الدين" (فيلادلفيا)، والسيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري، بمخالفة للاتفاقيات المبرمة بين مصر ودولة الاحتلال.

وفي السابع من أيار/ مايو الجاري، اقتحم جيش الاحتلال المنطقة الحدودية مع مصر، ونشر مقاطع مصورة للعلم "الإسرائيلي" بمعبر رفح، وسط رفض مصري رسمي وغضب شعبي، ما دفع بعلاقات الطرفين التي وصلت أوجها بعهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، لاتخاذ منحنى الهبوط، منذ طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.



"اتهامات علنية غير مسبوقة"
ومن المثير أن احتلال الكيان للمنطقة الاستراتيجية تبعه اتهامات من وفد "إسرائيل" لمصر أمام محكمة العدل الدولية، زعم خلالها أن الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية قد يكونوا في سيناء في تلميح لتورط مصري، بل زعم الوفد أن القاهرة تقدم الدعم لحركة المقاومة الفلسطينية حماس.

وجاء ذلك بالرغم من إعلان مصر مرارا أنها دمرت ما بين 1500 و2000 نفقا بين قطاع غزة والأراضي المصرية وأقامت منطقة عازلة على الحدود وأنشأت جدارا أسمنتيا بارتفاع 6 أمتار وبطول 13 كيلومتر، وهو الحديث الذي قوبل في داخل الاحتلال بمطالبات بحفر تل أبيب خندقا عميقا على حدود مصر بدعوى كشف الأنفاق بين سيناء وغزة.

وفي موقف قد يكون هو الأول في عهد السيسي وقع سجال بين وزيري خارجية مصر سامح شكري والاحتلال يسرائيل كاتس والمصري.

وطالب غانتس مصر بإعادة فتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، زاعما بأن منع حدوث أزمة في غزة بأيدي المصريين.

ورد شكري رد معلنا رفض مصر لسياسة ليّ الحقائق التي تتبعها إسرائيل، وأكد أنها المسؤولة عن كارثة غزة الإنسانية، موضحا أن سيطرتها على معبر رفح، والعمليات العسكرية بمحيط المعبر، هي السبب.



وعبر عن الوضع المتأزم رسميا وبشكل علني بين القاهرة والاحتلال، موقع "i24news" العبري في 17 أيار/ مايو الجاري، بالقول إن "إصرار الحكومة الإسرائيلية على اتمام العملية العسكرية في رفح قوبل باستياء مصري بالغ، وهددت مصر بالخروج من دور الوساطة لاعادة المختطفين، وتداولت أنباء عن خفض التمثيل الدبلوماسي، وإعادة النظر في اتفاقية السلام، كما رفضت القاهرة استمرار إدخال المساعدات إلى قطاع غزة طالما تسيطر إسرائيل على الجانب الآخر منه".

وضمن حملة الهجوم على مصر من وسائل الإعلام العبرية، وجهت "معاريف" اتهامات لها قائلة: "مصر وجعلتنا ننام ولعبت لعبة مزدوجة.. وحان وقت الاستيقاظ"، وزعمت بأن "القاهرة خدعت تل أبيب ولعبت لعبة مزدوجة، واختارت أن تكول بجانب حماس وزودتها على مدار سنوات عبر الأنفاق بالوسائل العسكرية التي تحارب بها إسرائيل اليوم".

وفي انتقاد أمريكي نادر لمصر، اتهم مسؤول بإدارة الرئيس جو بايدن للقاهرة، بحجب المساعدات الإنسانية إلى غزة، فيما نقل موقع "تايمز أوف إسرائيل"، عن المسؤول الأمريكي قوله، إن "مصر غير مستعدة لإعادة فتح المعبر طالما أن الجيش الإسرائيلي هو الذي يقوم بتأمين الجانب الآخر، ولا تريد أن يُنظر إليها على أنها متواطئة مع احتلال إسرائيل للبوابة".

"ردود مصرية ومصادر مجهولة"
وفي رد مفاجئ من الجانب المصري ولكن عبر مصادر مجهولة، نقلت فضائية "إكسترا نيوز"، المحلية عن مصدر مصري رفيع المستوى قوله إن "تصريحات مسؤولين إسرائيليين بأن المشكلة عدم سماح مصر لسكان غزة بالدخول إلى أراضيها يؤكد النوايا والمخططات الإسرائيلية بتهجير الفلسطينيين لسيناء، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع".

وقال المصدر المجهول والذي غالبا ينتمي لجهات سيادية مصرية بحسب فضائية "القاهرة الإخبارية" الوجه الإخباري الأحدث: "على إسرائيل مراجعة موقف المساعدات المصرية المتراكمة بمعبر كرم أبوسالم والتي تتجاوز 500 شاحنة قبل أن تدعي وتتهم مصر بأنها تمنع إدخال المساعدات للقطاع".

كما نقلت "القاهرة الإخبارية" الثلاثاء الماضي، عن مصدر رفيع المستوى أنه "لا صحة لما تداوله إعلام إسرائيلي بشأن التنسيق المشترك مع إسرائيل بشأن عمليتها العسكرية برفح"، متهما الإعلام العبري بـ"تعمد نشر أخبار غير صحيحة لصرف الأنظار عن حالة التخبط التي تعاني منها إسرائيل داخليا".

"هجوم أمريكي.. ورصد غربي للأزمة"
وفي أحدث سجالات الهجوم الإسرائيلي الأمريكي على مصر ما نقلته شبكة (سي أن أن) الإخبارية الأمريكية الأربعاء، عن 3 مصادر مطلعة على مفاوضات الهدنة في غزة، قولهم إن النائب الأول لرئيس المخابرات المصرية أحمد عبدالخالق غير بنود مقترح وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه إسرائيل، ما أدى لإحباط صفقة إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وفلسطينيين من سجون إسرائيل، وإنهاء القتال مؤقتا في غزة.

من جانبه رصد الإعلام الغربي حالة التضارب بين نظامي القاهرة وتل أبيب والتي قد تكون الأولى منذ انقلاب السيسي على السلطة الشرعية بدعم وتأييد إسرائيلي.

وتحت عنوان: (مصر "غاضبة ومحبطة".ـ العلاقات مع إسرائيل في "أسوأ مراحلها") ذكرت شبكة "دويتشه فيله" الألمانية في 19 أيار/ مايو الجاري: "يبدو أن سيطرة إسرائيل على معبر رفح قد تجاوزت بعض الخطوط الحمراء وأثارت توترا بين البلدين"، متسائلة: "هل يصل الأمر إلى حد قطع العلاقات؟، وما مصير اتفاقية كامب ديفيد؟"، مؤكدة أن "العلاقات الثنائية بين البلدين بلغت أدنى مستوى لها منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل 45 عاما".

ونقلت "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن القاهرة تفكر باستدعاء سفيرها بإسرائيل، خالد عزمي، وذلك قبل إعلانها في 12 أيار/ مايو الجاري، الإنضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي.

وهو الموقف النادر من القاهرة بحق ضد الاحتلال والذي يشير بوضوح وفق مراقبين إلى توتر علاقات الجانبين، ويثير التساؤلات حول ما إذا كان هذا الخلاف حقيقي أم مصطنع، واحتمال تطوره؟.


"خلاف حقيقي وآخر مفتعل"
وفي رؤيته، يعتقد الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير، أن "الخلافات الأمريكية الإسرائيلية مع القاهرة جزء منها حقيقي والآخر مفتعل للتغطية على ما يحدث برفح وانتهاك معاهدة كامب ديفيد بخصوص محور صلاح الدين والمعبر".

الباحث المصري أوضح لـ"عربي21"، أن "الجزء الحقيقي هو نوع من ممارسة الضغوط على القاهرة إما لقبول ملف التهجير إلى سيناء، خصوصا بعد تدمير رفح وعدم وجود مكان آمن ويصلح للمعيشة يذهب إليه سكان القطاع حاليا".

ويرى أن "صورة النصر التي يطمح لها نتنياهو تتمثل بالتهجير لسيناء، وقتل قادة حماس، وبالتالي سيظل يضغط على الجميع للوصول لذلك".

"أيضا تحاول تل أبيب، تفسير فشلها باسترداد الأسرى أمام عائلاتهم والشعب الصهيوني بإلقاء المشكلة على مصر، وأن حماس تخبئهم هناك، وبالتالي إخلاء مسؤولية جيش الاحتلال عن فشله باستعادتهم"، بحسب رؤية المنير.

وأكد أن "الجزء الثالث هو ما أثارته تقارير إعلامية عن تعديلات المخابرات المصرية على اتفاق التهدئة دون الرجوع لباقي الوسطاء، وتقديم المسودة لحماس كونها متفق عليها من الوسطاء، ووافقت عليها، وتسبب ذلك بأزمة ثقة حاصلة الآن بعد هذا الفشل السياسي المصري بإدارة ملف المفاوضات".


أمّا الجزء المفتعل، فيرى المنير، أنه "لغرض رفع الحرج السياسي عن مصر لتخليها عن سيادتها وأمنها القومي بما تفعله إسرائيل برفح، وعلى حدودها، بعد حديث مسئولين مصريين عن خطوط حمراء للدولة في رفح وحدودها مع غزة، والتي على ما يبدو قد أصاب النظام عمى ألوان فلم يعد قادرا على تمييز ما يحدث على الحدود".

وخلص للقول: "بالتالي يبدو الأمر وكأن مصر غاضبة ورافضة وهي في الحقيقة لا تملك من أمرها شيئا".

وأشار إلى أن "نفس القصة تنطبق على ملف منع المساعدات عن غزة، فالجميع يحاول إلقاء المسئولية على مصر، وهي بكل تأكيد تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية بإغلاقها المعبر طيلة الشهور الماضية".

وختم بالقول: "ولكن الواقع أن مصر السيسي، تهاوت في المكان والمكانة وأصبحت بعد الرشاوي الاقتصادية الأخيرة مفعولا بها لا فاعلة، عليها أن تتلقى صفعات الإذلال والاستباحة لأمنها القومي حتى يظل الفرعون مطمئن إلى أن ملك مصر سيبقى له، حتى يأذن الله بميلاد موسى من رحم الطوفان".

"نموذج لا صداقة ولا عداء"
بدوره، قال الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي صلاح الدين العواودة: "العلاقة المصرية الإسرائيلية نموذج فريد بالعلاقات الدولية، فلا هي صداقة وتحالف ولا عداء، ونتذكر هنا مقولة: (السلام البارد)، الذي سخن قليلا مع حكم السيسي، وبشهادة الإسرائيليين وصل لأعلى درجة حرارة بهذا السلام، ما تجلى بالموقف من قطاع غزة، وجماعة الإخوان المسلمين، وتركيا، وبملف الغاز".

وفي حديثه لـ"عربي21"، استدرك الباحث بمركز "رؤية للتنمية السياسية"، باسطنبول: "لكن ظل هناك قضايا خلافية بين القاهرة وتل أبيب وبين مصر وأمريكا، بخلافات لها 3 مستويات، أولها مستوى القيادة المصرية الإسرائيلية فليست كما كانت بفترة حكم حسني مبارك، وشيمون بيريز، وبنيامين بن اليعازر الصديق الشخصي لمبارك".

وأضاف: "رغم تحسن العلاقات بفترة السيسي لا يوجد أصدقاء مع وجود نتنياهو بالسلطة، إذ يشكل عقبة بتطوير العلاقات كونه يرفض التسوية مع الفلسطينيين ويرفض حل الدولتين".


"وثانيا: ما يتعلق بالأمن القومي المصري، فرغم محاولات السيسي كونه بحاجة إلى إسرائيل، كما يقول كثير من المراقبين لإضفاء شرعية والحصول على المساعدات والتغطية على وضعه الداخلي؛ إلا أن مصر كدولة لا تنسجم مع سياسات إسرائيل بالسنوات الأخيرة"، بحسب العواودة.

وتابع: "لذلك رغم سخونة العلاقات لا يوجد انسجام بين القيادتين ولا على مستوى الدولتين ومصالحهما الاستراتيجية والعلاقات ومصالحهما بالإقليم، ويلفت مراقبون إلى إن التطبيع الإسرائيلي مع الخليج جاء على حساب العلاقات مع مصر، وتطوير خطوط التجارة مع السعودية والإمارات على حساب قناة السويس".

وأكد الباحث الفلسطيني أن "المستوى الوحيد الذي شهد تقدما بالسنوات الأخيرة وأثنت عليه إسرائيل هو التعاون الأمني وخاصة في سيناء وغزة، وكانت ذروته سماح إسرائيل لمصر بتحرك عسكري بسيناء خلافا لاتفاقيات السلام، وتعاون مصر ضد حماس وغزة، مقابل تعاون استخباراتي وعسكري ضد الجماعات بسيناء، لذلك التطور الوحيد كان بالمستوى الأمني والتكتيكي وليس الاستراتيجي".

"خلاف حقيقي"
وقال: "والآن، وفي ظل الأزمة الأخيرة في غزة وحرب طوفان الأقصى، ربما كان السيسي يطمح ونتنياهو كذلك لتطور العلاقات الأمنية باتجاه ايجابي أكثر للتعاون ضد حماس وهزيمتها، ولكن هناك عوامل أثرت بهذا الاتجاه منها رغبة إسرائيل بتهجير الفلسطينيين مما يحرج مصر ويضغط عليها، حيث لم تكن مستعدة كدولة وجيش ومخابرات لأن تقف لهذا القرار".

ويعتقد أنه "قد تكون مصر السيسي راغبة بأن تنتصر إسرائيل على حماس وتنهيها وتعيد السلطة الفلسطينية للقطاع؛ لكن المشهد بغزة أعقد بكثير، حتى محاولة إرسال عناصر أمنية من الضفة الغربية عبر مصر لغزة تصب بهذا الاتجاه، لأن مصر أرادت فعلا أن تنتصر إسرائيل وتعيد السلطة لغزة وليس إعادة الحكم العسكري للقطاع، وربما هذا سبب رئيسي لغضب مصر من احتلال إسرائيل للمعبر والمحور".


وأكد أن "الخلاف حول مستقبل غزة موجود بين مصر وإسرائيل، وهو خلاف حقيقي، والخلاف مع نتنياهو خلاف حقيقي، حول مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين والقضية بكاملها، ومع ذلك مصر حريصة على اتفاقية السلام وعلاقات مستقرة مع إسرائيل وأمريكا".

ولفت العواودة إلى ما اعتبره "عامل إضافي يتعلق بالعلاقة الإسرائيلية المصرية ويؤثر فيها وهو مستوى أداء الدبلوماسية المصرية وقيادة المخابرات المصرية قبل الحرب وأثناء الحرب وحتى اللحظة، وفي إدارة العلاقة بين إسرائيل وقطاع غزة والوساطة بجولات التصعيد السابقة والتهدئة".

وألمح إلى أنه "بالتقارير الاستخباراتية ترى إسرائيل أن مصر خدعتها، بأن حماس مردوعة ووجهها إلى التهدئة، ولكن فاجأتها بطوفان الأقصى، ولأن إسرائيل لا تثق بأحد وهذه طبيعتها فلا تثق بأن مصر لم تكن تعرف أو أن تقديرها بأن حماس تريد التهدئة كان عن جهل، وأنها تفاجأت بطوفان الأقصى مثلها".

وأشار إلى أن "هناك فشل وتقصير بالأداء الدبلوماسي المصري فيما يتعلق بالعلاقات والمفاوضات والوساطة، وقضية تحريف مسودة الاتفاق بين إسرائيل وحماس تأتي بهذا الإطار".


وأشار إلى التقارير الصادرة حول "رئيس وفد مصر رجل المخابرات أحمد عبدالخالق، وأنه حرًف مسودة الاتفاق التي عرضت على إسرائيل وحماس ولم تعرض للطرفين بنفس الشكل"، مؤكدا أن "هذا يعتبر فشلا ويعبر عن ضعف الأداء الدبلوماسي الأمني المصري، ومن أسباب تأزم العلاقة مع إسرائيل".

وخلص للقول إنه "تأزم حقيقي، حيث فقدت إسرائيل الثقة بمصر رغم العلاقات والتنسيق الأمني، بل هناك آراء بإسرائيل تعتبر مصر عدو، وتتهمها بالمتاجرة بالموقف من إسرائيل لتصدر الموقف العربي وللعب دور قيادي، وإسرائيل ترى أن هذا على حسابها، وبالتالي تسجل نقطة سلبية بالعلاقات مع مصر وتضيف إلى شكوكها".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الإسرائيلية مصر رفح غزة المعبر مصر إسرائيل غزة رفح المعبر المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مایو الجاری العلاقات مع مع إسرائیل معبر رفح على مصر أن مصر إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

التحقيقات الإسرائيلية تكشف.. كيف خدعت حماس الجيش والشاباك في 7 أكتوبر؟

القدس المحتلة - الوكالات

سيطر على الإسرائيليين منذ صباح 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم سعي لمعرفة ليس فقط ما جرى وإنما أيضا لماذا جرى، وبالتالي أين كان الجيش الإسرائيلي.

وحسب افتتاحية "هآرتس"  فإن تحقيقات الجيش بينت أن السبب الأساس "لتغيب الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر في غلاف غزة هو أن أسرة الاستخبارات -والجيش والشاباك على رأسها- لم تصدق أن بوسع حماس تنفيذ هجوم منسق لآلاف المخربين في أكثر من 100 نقطة اقتحام، وأن تنجح في كسر فرقة غزة والسيطرة على جزء كبير من المنطقة التي في مسؤوليتها".

وأشارت إلى أن 7 أكتوبر/تشرين الأول هو نتاج مفهوم سياسي مشوش يمكن وفقه "إدارة النزاع" وأن "حماس هي ذخر"، الى جانب خطأ استخباري بموجبه حماس لا تريد ولا تستطيع أن تنفذ هجوما بحجم كهذا، واستعداد دفاعي مشوش، والصلات الظرفية العميقة بين هذه الأضلاع الثلاثة لا يمكن البدء بحل لغزها من دون لجنة تحقيق رسمية.

وشكّل المفهوم السياسي المشوش ما اعتبر أهم الأسباب في بلورة ما عرف بالفشل المفهوماتي، والذي قاد إلى الاستخفاف بحماس من جهة وتفسير سلوكياتها ومواقفها بشكل خاطئ.

واعتبرت التحقيقات أن نقطة التحول الجوهرية كانت في إغفال المعاني الفعلية لانتخاب قيادة حماس في 2016، والتي فاز فيها يحيى السنوار بالمكانة القيادية العليا في غزة حين بدأ تنفيذ خطة الحرب ضد إسرائيل عمليا بهدف تدميرها أو على الأقل إلحاق أذى بليغ بها.

تحرك السنوار

"وجاء في تحقيقات الجيش أن "عملية الجرف الصامد انتهت بفهم السنوار أن خطة الهجوم لن تنجح إلا إذا بدأت بمفاجأة كاملة، وأن سيطرته وجماعته على غزة في أوائل عام 2017 تعزز هذا".

وأشار التحقيق أيضا إلى أنه "في عام 2017 بدأت احتجاجات جدية ضد حماس داخل غزة، وبالتالي تحرك السنوار نيابة عن المدنيين، وفي الوقت نفسه بدأت مظاهرات السياج ضد إسرائيل، والتي انتهت بالتوصل إلى تسوية، ولم تفهم المخابرات أن حماس بهذه الطريقة كانت تعوّد إسرائيل على تصور أنها تتجه نحو التسوية، في حين كانت خطة كسر الطوق في غزة تتشكل".

وكانت حماس أنشأت بعد عملية الجرف الصامد في العام 2014 -ولأول مرة- قيادة عامة تضم قادة ألوية بقيادة محمد الضيف.

وفي الواقع، كان رئيس قسم العمليات الأول في حماس رائد سعد هو من وضع خطة الغزو البري من دون أي أنفاق على الإطلاق، بسبب بناء إسرائيل الجدار تحت الأرض.

وبعد عامين فقط وصلت هذه الخطة (سور أريحا) إلى انتباه شعبة الاستخبارات، ولكن تم التعامل معها على أنها مجرد فكرة بعيدة عن الواقع.

وبحسب هذه الخطة، جرى العمل على تشكيل كتائب النخبة، على أن يتم الانتهاء من تشكيل احتياطي لكل كتيبة في عام 2019.

وكشفت المعلومات الاستخباراتية التي خرجت من غزة خلال مناورات العام الماضي عن حجم الفشل الاستخباراتي، فمنذ عام 2017 تضمنت خطة الغزو الكيبوتسات والمستوطنات التي سيتم احتلالها، والخداع والاستيلاء على رموز القوة الإستراتيجية في الجنوب، مثل محطات الطاقة ومراكز الشرطة، والوصول إلى مدن مثل بئر السبع وأسدود والمجدل.

تقليص التدريبات

وبسبب تفشي كورونا قررت حماس تحويل الموارد من تدريبات النخبة إلى مكافحة الوباء، وخلال هذه الفترة زاد تقليص التدريبات تهدئة إسرائيل.

وكشفت المواد الاستخباراتية التي تم جمعها من غزة خلال العمليات ضد حماس خلال العام الماضي أن خطة "سور أريحا" شملت منذ عام 2016 آلاف المقاتلين في 6 كتائب لغزو إسرائيل.

وكشفت التحقيقات أن "هذه الخطة تم تجاهلها في عام 2019 في أحد تقييمات الوضع الاستخباراتي تحت إدراك أنها غير محتملة"

كما كشفت التحقيقات أن الخداع الإستراتيجي لحماس تكثف في العامين السابقين للحرب عندما عضت المنظمة الإرهابية شفتيها في جولات التصعيد مع إسرائيل وتركت "الجهاد الإسلامي" وحيدة في الميدان.

وفي غزة، اعتقدوا في مايو/أيار 2022 أن هذا هو الوقت المناسب لإطلاق خطة الهجوم، وبالتالي ينبغي لحماس أن تبادر إلى التحرك لتحقيق أحد 3 أهداف، من الصغير إلى الكبير على الأقل: تغيير ميزان الردع مع إسرائيل، وتحرير الضفة الغربية، وتدمير إسرائيل كدولة إذا انضم الحلفاء بقيادة حزب الله إلى الهجوم.

وعموما، كل تصرفات حماس لم تثر شكوكا جدية لدى شعبة الاستخبارات ووحدة الأبحاث، ولم تنشأ في الإطار الاستخباري حالة تحاول التناقض مع التصورات القائمة.

وهذا ما خلق وهم اليقين وإدراكا زائفا للتفوق الاستخباراتي كجزء من الفهم في إسرائيل بأن أعداءنا أدنى، وأن وفرة المعلومات تجعل العدو "شفافا" أمامنا بالفعل، وهو ما خلق حقا شعورا بالزيف.

وبحسب التحقيقات، فإن سياسة إسرائيل في التفريق بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس أدت إلى تقوية الحركة على مر السنين، بما في ذلك عبر تدفق الأموال القطرية إلى غزة والمساعدات الإنسانية.

وقد اختارت إسرائيل سياسة "إدارة الصراع" التي تهدف إلى الحفاظ على الواقع القائم، وبعبارة أخرى يمكن إيجاد فترات هدوء في ضوء الفهم بأن حماس ليست معنية بحرب واسعة النطاق ولا تستعد لها.

وتظهر التحقيقات العسكرية التي نشرت تحت عنوان "تصورات إسرائيل لقطاع غزة" أن المستوى السياسي أراد أن تبقى حماس عنوانا، وأن الجيش لم يبدِ في أي وقت اعتراضا على هذه السياسة.

ورأت أن هذا المفهوم إلى جانب مفهومي "إدارة الصراع" و"ردع حماس" ساهمت بشكل حاسم في النتائج القاتلة التي أسفر عنها هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأن هذه المفاهيم السياسية والعسكرية التي ترسخت على مدى سنوات تبين أنها كارثية.

وفي نظر التحقيقات بدأت هذه التصورات تتشكل في بداية العقد الماضي، واشتدت حتى انفجرت صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكان المفترق المركزي والمصيري -وفقا أيضا لتحقيقات أخرى أجريت في جيش الدفاع الإسرائيلي- هو عملية حارس الأسوار في مايو/أيار 2021، وعند هذه النقطة تباعدت الطرق التي رأى بها الجانبان الصراع: في إسرائيل كانوا مقتنعين بأن حماس تعرضت لضربة قاتلة، بما في ذلك أنفاقها القتالية (عملية الخداع الفاشلة للقيادة الجنوبية)، وكدليل على ذلك استنتجوا خطأ أنها رُدعت عن الانضمام إلى جولتي القتال اللتين دارتا بعد ذلك "الفجر" و"الدرع والسهم"، تاركة "الجهاد الإسلامي" وحيدة.

ولم تعترف إسرائيل بأن "حارس الأسوار" كانت بالنسبة لحماس المحرض الرئيسي لشن "حرب التحرير" من خلال جعل خطة الغزو -التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "سور أريحا"- قابلة للتنفيذ.

وفي الخلفية، كان زعيم حماس يحيى السنوار متحمسا عندما رأى أنه نجح في توحيد الساحات حول قضية الحرم القدسي خلال مايو/أيار 2021، لم يقاتل سكان غزة فحسب، بل انتفض أيضا مواطنو إسرائيل العرب في العنف، كما اكتسبت قضية القوة العسكرية زخما في الدول العربية بالمنطقة.

لكن جذور الفشل -وفقا لتحقيقات الجيش- تكمن في النهج الإسرائيلي الذي اتبعته الحكومة منذ بداية العقد الماضي، والذي تجاوز رؤساء الأركان وحصل على دعمهم أيضا.

وقد تجلى هذا التوجه لأول مرة في عملية "عمود السحاب" في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وبلغ ذروته في الفرصة الأخيرة لهزيمة حماس في المناورة البرية بعملية الجرف الصامد في صيف عام 2014.

وكان القرار الإستراتيجي الذي وصل إلى الجيش من المستوى السياسي هو أن سحق حماس ليس الهدف، ويجب ردعها قدر الإمكان.

أنفاق التسلل

ويقول مصدر في الجيش الإسرائيلي "كانت عملية الجرف الصامد هي اللحظة التي أثير فيها السؤال لأول مرة بشأن ما إذا كان ينبغي هزيمة حماس، "وبعد ذلك صدرت التعليمات إلى الجيش الإسرائيلي بالتركيز فقط على إزالة التهديد المتمثل في أنفاق التسلل وإبقاء حماس في السلطة في غزة، وكان نجاح هذه العملية يقاس بمقدار الهدوء الذي جلبته حتى التصعيد التالي".

وأدى ذلك على مر السنين إلى انتشار هذا النمط من الوعي والتغلغل، من أول ضباط البحث وجمع المعلومات في وحدة 8200 في إدارة المخابرات إلى آخر رجال الجيش النظاميين على حدود غزة.

وكل التوصيات الاستخباراتية والتفسيرات البديلة للعلامات التي تشير إلى الليلة بين 6 و7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اعتمدت على المفهوم نفسه.

وعلى الأرض -وبحسب تحقيقات الجيش- تدهورت على مر السنين الطريقة التي تدافع بها القوات عن الحدود، إذ لم يشمل نظام الإنذار عند الفجر الذي يتم بموجبه رفع مستوى التأهب كل صباح جميع المقاتلين في المواقع كما كان الحال في الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك، كان اعتماد القوات على العائق الجديد على الحدود وعلى المراقبة وعلى التكنولوجيا ضارا بها.

وكذلك الحال مع التسهيلات في الإجازات، ففي عطلات نهاية الأسبوع كان يتم تقليص القوات في القطاع حتى يتمكن المزيد من المقاتلين من الاستمتاع بالإجازة في منازلهم وكأن موقع ناحال عوز هو قاعدة كرياه في تل أبيب.

وعلى أي حال، فإن فكرة ردع حماس أدت إلى تقليص حجم الجيش على مدى العقد الماضي وتقليص مستمر في تدريب قوات الاحتياط على الأرض.

ويقول مصدر في جيش الدفاع الإسرائيلي "هذا فشل أكبر من حرب يوم الغفران، لأنه في تلك الحرب كان هناك إنذار مسبق، وكان هناك نقاش بشأن ما إذا كان ينبغي تعبئة قوات الاحتياط أم لا".

ولم يعترض أحد في الجيش على هذا، كما يؤكد التحقيق أن هذا المفهوم كان يجري في دم كل ضابط كبير أو مسؤول بالجيش.

ويشير التحقيق إلى أن "النهج القيادي من القمة حتى طوال الأشهر التي سبقت الحرب كان التركيز على إيران، وتوسيع اتفاقيات أبراهام والحفاظ على دور السلطة الفلسطينية".

ولخص التحقيق التوجه الإسرائيلي المتبع: من الجيد أن تبقى حماس عنوانا في غزة جزئيا لصعوبة إيجاد بديل لها، خاصة أن التهديدات من الضفة الغربية أكثر خطورة من تلك الموجودة في قطاع غزة.

وأضاف التحقيق "لم يكن هناك أي نقاش على الإطلاق بشأن إمكانية إنهاء الصراع أو استعادة السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة".

ونتيجة لهذا المفهوم لم يزد حجم القوات في فرقة غزة إلا بالكاد طوال عقد من الزمن، باستثناء قوة إضافية لتأمين أعمال بناء الجدار، وبلغ عدد السرايا التي تحرس 65 كيلومترا من الحدود مع قطاع غزة 14 سرية.

المصدر / الجزيرة نت

مقالات مشابهة

  • ردود الفعل الإسرائيلية على الخطة المصرية لإعمار غزة
  • تصاعد الدعوات لاستبعاد إسرائيل من البطولات الدولية الكروية
  • التحقيقات الإسرائيلية تكشف.. كيف خدعت حماس الجيش والشاباك في 7 أكتوبر؟
  • حماس ترحب بمخرجات القمة العربية.. وهذا تعليق إسرائيل
  • تفاصيل الخطة المصرية لقطاع غزة قبيل قمة القاهرة
  • القناة 13 الإسرائيلية: حماس تعيد بناء صفوفها استعدادًا لاستئناف القتال
  • WSJ: خلاف عربي-عربي حول دور حماس بعد الحرب.. هذا موقف الإمارات
  • هيئة البث الإسرائيلية: محادثات إطلاق سراح المحتجزين متوقفة حتى وصول المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف
  • إعلام عبري عن مصادر: إسرائيل تعطي حماس مهلة 10 أيام للإفراج عن المحتجزين وإلا فستجدد الحرب
  • خلاف قديم.. القبض على سيدتين بتهمة إضرام النيران بسيارة في بدر