خطر اكتساب تنظيم القاعدة للأراضي في السودان أصبح الآن حقيقياً للغاية، ما لا يعرّض البلاد للخطر فحسب، بل وأيضاً الأمن الإقليمي وربما العالمي.

الفوضى بيئة خصبة للتشدد
الخرطوم- يحذر محللون من أن استمرار انزلاق السودان إلى الفوضى يمهد الطريق أمام عودة تنظيم القاعد إلى معقله التاريخي. وشدد أبوحذيفة السوداني، وهو زعيم رفيع المستوى في تنظيم القاعدة، في بيان صدر في أكتوبر 2022، من أن “الفوضى هي فرصتنا لزرع بذور الجهاد”.

وأضاف “قد حانت لحظة السودان”.

ويقول الخبير في مكافحة الإرهاب أسان دياني في تقرير نشرته مؤسسة ذوكونفرسيشن إنه ربما بدت كلماته (أبوحذيفة) سابقة لأوانها في ذلك الوقت، لكنّ عاماً من الحرب الأهلية الوحشية أغرق السودان الآن في نوع من الفوضى التي تزدهر فيها الجماعات الإرهابية.

ويضيف دياني أن خطر اكتساب تنظيم القاعدة للأراضي في السودان أصبح الآن حقيقياً للغاية، ما لا يعرّض البلاد للخطر فحسب، بل وأيضاً الأمن الإقليمي وربما العالمي. وفي أبريل 2023، اندلع القتال في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، مما أدى إلى خلق فراغ في السلطة يتطلع المتطرفون إلى ملئه.

وتواجه القوات المسلحة السودانية اتهامات من عدة أطراف سودانية وحتى دولية بتجنيد مقاتلين إسلاميين، الأمر الذي يغذّي المخاوف من أن الحرب الأهلية – بغض النظر عن المنتصر – سوف تثبّت موطئ قدم للجماعات المتطرفة.

ويخاطر السودان بالتحول إلى معقل لتنظيم القاعدة وقاعدة محتملة لتنسيق الهجمات على الولايات المتحدة وحلفائها، إذ أن أعضاء تنظيم القاعدة، الذين يبحثون عن فرص لتحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقه في الشرق الأوسط، يستجيبون بالفعل للدعوات الموجهة إليهم بالتوجه إلى السودان.

وتسبق الحرب الأهلية في السودان القتال الحالي بعقود. وقد اشتعلت تلك الأزمة في عام 1989 عندما استولى الرئيس المخلوع عمر البشير على السلطة، مما جعل البلاد تتبنى أيديولوجيات إسلامية متطرفة.

وفي عام 1991 آوى البشير زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وفي ظل نظام البشير أيضا، أنشأ بن لادن معسكرات تدريب وقام بتوسيع الشبكة المالية لتنظيم القاعدة، ووضع الأساس لهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية. وفي مواجهة العقوبات الدولية بسبب دعمه للإرهاب، طرد السودان بن لادن في عام 1996.

السودان في قلب إستراتيجيات الجهاد
في ظل الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، ربما يتجاهل الغرب الأزمة في السودان والإمكانات التي يحملها تنظيم القاعدة، وهو الجماعة التي طالما كانت تطمح إلى العودة إلى السودان.

وعلى الرغم من طرده، استمر بن لادن في التأكيد على أهمية السودان في خططه للجهاد العالمي. وكان هذا واضحاً في تسجيلاته الصوتية ومذكراته الصادرة عام 2006 والتي أشار فيها إلى السودان كقاعدة عملياتية محورية.

وكشف منشور صادر عام 2023 عن شخصية بارزة في تنظيم القاعدة هو إبراهيم القوصي بعنوان “شظايا من تاريخ القاعدة” أن بن لادن وجه استثمارًا بقيمة 12 مليون دولار فقط للجهاد في السودان، مما يسلط الضوء على العلاقة المستمرة للمنطقة بأهداف تنظيم القاعدة.

وتمتد جاذبية السودان للمتطرفين إلى ما هو أبعد من علاقاته مع بن لادن. ويعتبر السودان بمثابة جسر إستراتيجي بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، وهو موقع رئيسي للمتطرفين الإسلاميين الذين يهدفون إلى توسيع نفوذهم في جميع أنحاء المنطقة. وبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان عام 2021 وعودة طالبان إلى السلطة، أعاد تنظيم القاعدة ترسيخ وجوده في البلاد، وأعاد فتح معسكرات التدريب والمدارس الدينية.

ولكن قبل ذلك بوقت كبير، كان تنظيم القاعدة قد تطور منذ فترة طويلة من منظمة مركزية في أفغانستان إلى شبكة لامركزية لها فروع عالمية تمتد من شبه الجزيرة العربية إلى شبه القارة الهندية وصولاً إلى منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا ومنطقة الساحل.

طموحات جديدة
تسلط التطورات الأخيرة الضوء على تركيز تنظيم القاعدة المتزايد على السودان، وهو مدفوع بخطط التوسع التفصيلية لزعيم تنظيم القاعدة في السودان أبوحذيفة السوداني. وأصدر السوداني، وهو زميل سابق لبن لادن وله خلفية سيئة السمعة في أفغانستان والعراق، دعوة متجددة للجهاد.

وفي أعقاب اندلاع الحرب الأهلية في السودان، لم يصف بيان السوداني لعام 2022 الذي جاء فيه “الآن جاء القتال: رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان”، إستراتيجية عسكرية من الضربات المستهدفة وحرب العصابات في جميع أنحاء السودان فحسب، بل قدم أيضًا رؤية ليمتد الجهاد من دنقلا في شمال البلاد إلى دارفور في جنوبها، وتكون الخرطوم مركز القيادة.

كما أعرب تنظيم القاعدة عن تهديده في رسالة بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لهجمات عام 2001 على الولايات المتحدة، ووعد قائلاً “إنها مسألة وقت فقط قبل أن تتفوق الضربة التالية على أهوال 11 سبتمبر”.

وهذا الإعلان، إلى جانب الوجود المتصاعد للجماعة في مناطق الصراع مثل النيجر وليبيا، يضع التنظيم بشكل فعال في استهداف المصالح الأميركية في جميع أنحاء العالم. وفي الواقع، أشار تقرير للأمم المتحدة لعام 2022 إلى أن تنظيم القاعدة كان يخطط لهجمات كبيرة، ربما في البحر.

ماذا يعني استيلاء المتطرفين
لا يمكن التقليل من إمكانات تنظيم القاعدة في السودان الغني بالموارد. فتاريخياً، كانت عمليات التنظيم في أفغانستان ذات الموارد المحدودة مدمّرة؛ وفي السودان، مع وفرة النفط والذهب والأراضي الخصبة، يمكن تضخيم قدراتهم بشكل كبير.

ويوفر السودان قاعدة مربحة لمن يتولى السلطة. ومما لا شك فيه أن إقامة الروابط مع طرفي الحرب الأهلية ستكون ذات فائدة مالية ضخمة لتنظيم القاعدة في حالة فوز أيّ من الجانبين، بنفس الطريقة التي كان بها حكم البشير قبل جيل واحد. كما أن وجود السودان على ضفاف البحر الأحمر يجعل منه تهديدًا أكبر من تهديد العراق وأفغانستان مجتمعين.

وحصول أبوحذيفة على معقل في السودان يمكن أن يؤدي إلى تمكين الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في جميع أنحاء اليمن والصومال ومنطقة الساحل، مما يؤدي إلى تفاقم الصراعات الإقليمية وتهديد طرق التجارة الحيوية في البحر الأحمر.

ومن المثير للاهتمام أن تقرير الأمم المتحدة الصادر في يوليو 2022 كشف أن فرع تنظيم القاعدة في اليمن كان يعزز قدراته البحرية. ويمكن أن تؤدي عودة قدرات تنظيم القاعدة في المنطقة إلى زيادة القرصنة والحصار العسكري وتدفق الأسلحة غير المنظم، وتصعيد التوترات الإقليمية والتسبب في اضطرابات جيوسياسية أوسع نطاقا.

ولكن بينما تعيد الولايات المتحدة توجيه مواردها واهتمامها نحو الحروب في أوروبا والشرق الأوسط ومواجهة الصين، يبدو أن السودان قد تراجع إلى أسفل قائمة أولوياتها. ومما يزيد الأمور تعقيدا أن ردود الولايات المتحدة تتشابك مع المصالح المتضاربة لحلفائها الذين يدعمون مختلف الفصائل في الحرب الأهلية في السودان.

فالولايات المتحدة، التي تعاني من قيود الموارد، وتطغى عليها التهديدات المتنافسة، وتشعر بالضجر من عقود من التواجد في الشرق الأوسط، في وضع ضعيف لا يسمح لها بمواجهة توسع تنظيم القاعدة في السودان.

ولكن مع اقتراب السودان من أن يصبح مركزاً للإرهاب العالمي، فإن المخاطر لا يمكن أن تكون أكبر. وتوضح الأمثلة التاريخية، مثل سقوط أفغانستان في أيدي طالبان وصعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، التكاليف المحتملة.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الولایات المتحدة تنظیم القاعدة فی لتنظیم القاعدة الحرب الأهلیة فی جمیع أنحاء فی السودان بن لادن

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة تطلق خطة لجمع 370.9 مليون دولار لدعم عودة اللاجئين السوريين والنازحين داخليا

سوريا – أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خطة لجمع 370.9 مليون دولار بهدف دعم عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، إلى جانب مساعدة النازحين داخليا في سوريا.

وتأتي هذه الخطوة في إطار الجهود المبذولة لمعالجة أزمة اللاجئين المستمرة، وتوفير الظروف الملائمة لعودتهم الطوعية والآمنة إلى ديارهم، لا سيما بعد التطورات السياسية التي شهدتها سوريا عقب سقوط النظام السوري السابق في ديسمبر 2024.

وتتضمن الخطة توفير الدعم لما يصل إلى 1.5 مليون لاجئ سوري يرغبون بالعودة من دول الجوار، وهي الأردن ولبنان وتركيا والعراق ومصر، فضلاً عن تقديم المساعدة لنحو 2 مليون نازح داخلي داخل سوريا.

وتؤكد المفوضية أن هذه الخطوة تأتي استجابة لتزايد رغبة اللاجئين بالعودة، خاصة بعد التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية في بعض المناطق السورية.

ووفقا للخطة، ستوجه المفوضية جزءا من التمويل لتغطية تكاليف عمليات العودة من دول الجوار، حيث رصدت مبالغ مالية متفاوتة لكل دولة بحسب أعداد اللاجئين فيها، إذ خصص مبلغ 90.2 مليون دولار لدعم عودة اللاجئين من تركيا، و76.9 مليون دولار من لبنان، و22 مليون دولار من الأردن، و3.9 مليون دولار من مصر، و920 ألف دولار من العراق.

كما ستوجه 81.4 مليون دولار لدعم العائدين داخل سوريا، تشمل مساعدات مادية وخدمات الحماية، بالإضافة إلى 40 مليون دولار لدعم برامج الإيواء و55 مليون دولار أخرى لإعادة الإدماج المجتمعي.

وتهدف المفوضية، من خلال هذه الخطة، إلى تقديم حزمة متكاملة من المساعدات لضمان استدامة العودة، تشمل النقل الآمن للعائدين، والمساعدات المالية الأولية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، فضلا عن توفير الدعم القانوني لمساعدتهم في استعادة حقوق السكن والملكية وتوثيق أوراقهم الرسمية.

كما تشمل الخطة تأهيل البنية التحتية في مناطق العودة، مثل المدارس والمراكز الصحية، وضمان توفير الخدمات الأساسية للسكان.

وتواجه المفوضية تحديات كبيرة في تنفيذ هذه الخطة، أبرزها المخاوف الأمنية في بعض المناطق التي لا تزال تعاني من عدم الاستقرار، وانتشار الألغام والمخلفات الحربية التي تشكل تهديدا مباشرا لحياة العائدين.

وفي هذا السياق، أكدت المفوضية أهمية التعاون بين الدول المضيفة وسوريا لضمان نجاح الخطة، مشددة على ضرورة التنسيق بين جميع الأطراف لضمان عودة آمنة وكريمة للاجئين. كما دعت المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم المالي الكافي لتمكينها من تنفيذ خطتها، مشيرة إلى أن الفجوة التمويلية لا تزال كبيرة، ما قد يعيق تنفيذ بعض البرامج الأساسية.

وفي الوقت نفسه، تسعى المفوضية إلى ضمان استمرارية الدعم للاجئين الذين يختارون البقاء في دول اللجوء مؤقتاً، من خلال تعزيز برامج الحماية والمساعدات الإنسانية لضمان استقرارهم حتى تتوفر الظروف المناسبة للعودة.

وفي ختام تقريرها، أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن نجاح هذه الخطة يعتمد على مدى استجابة المجتمع الدولي والتزامه بتقديم الدعم المالي اللازم، محذرة من أن أي تقصير في هذا الجانب قد يؤدي إلى إطالة أمد أزمة اللاجئين السوريين ويزيد من معاناة ملايين الأشخاص الذين ينتظرون فرصة العودة إلى وطنهم.

 

المصدر: وسائل إعلام سورية

مقالات مشابهة

  • بعد إطلاق وثيقة دعم عمال غزة.. مجدي البدوي: إعادة الإعمار الحل لغلق الطريق أمام التهجير
  • غوتيريش: ندعم عملية شاملة تمهد الطريق نحو سوريا موحدة وذات سيادة
  • شهر على عودة الرئيس ترامب.. الأيام الثلاثون التي هزت العلاقات بين ضفّتي الأطلسي
  • روسيا تتجه إلى إنشاء قاعدة بحرية لها على ساحل البحر الأحمر
  • الكوكب الأحمر في عهد ترامب.. هل تفتح واشنطن الطريق أمام أول بعثة بشرية إلى المريخ؟
  • الأمم المتحدة تطلق خطة لجمع 370.9 مليون دولار لدعم عودة اللاجئين السوريين والنازحين داخليا
  • وزير الخارجية الصيني: لدينا والولايات المتحدة فرصة لإيجاد الطريق للتوافق
  • استبعاد دوران من مواجهة الاتفاق
  • اختاروا العيش داخل خيام.. الأمم المتحدة: عودة النازحين للمناطق المدمرة في شمال غزة
  • هل تؤثر عودة رباعي مان سيتي قبل مواجهة ريال مدريد على مشاركة عمر مرموش؟