تتعدد أوجه استراتيجية التنمية الشاملة في مصر، خلال السنوات الـ10 الماضية، لاسيما الحرص على تعزيز جاهزية القوات المسلحة.. فمن يتابع تنامي القوة الدفاعية- القتالية، من منظور وطني، سيشعر بحالة من السعادة، الممزوجة بالرضا، لما وصلت إليه خطط: الإعداد، التجهيز، ورفع الكفاءة، على نحو أكده المشروع التكتيكي بجنود «نصر 16» خلال الفترة من 10 حتى 23 مايو الجاري، وزيارات سابقة قمنا بها للتشكيلات القتالية- التعبوية، على مستوى الجمهورية.
تبدو سعادتي مضاعفة، لأن القَدَر جعلني أحد شهود العيان، منذ البداية وحتى الآن، على مراحل رفع الكفاءة القتالية، بحكم تغطيتي لأنشطة القوات المسلحة، فيما يتقاطع الرأي العام مع مشروعات التنمية الشاملة الأخرى، عبر الاستفادة منها، بأشكال متعددة، تجعله مطلعا عليها وعلى تفاصيلها الكاملة، حتى وإن كانت شريحة منه تستسلم لعمليات نفسية مضادة، تنفذها عواصم وجماعات لا تريد الخير لمصر وشعبها!
جهود رفع الكفاءة القتالية للقوات المسلحة تبدو من جملة الملفات ذات الطبيعة الخاصة، لأن «المعلومة على قدر الحاجة» حماية للأمن القومي، وسط مشهد إقليمي عاصف، تبدو تحدياته شديدة الوطأة. وعليه، كان لابد من إعادة بناء قوات مسلحة قوية، وقادرة، حيث لم يعد الخطر الرئيسي للأمن القومي، الاتجاه الاستراتيجى الشمالي الشرقي.. التغيرات الإقليمية والدولية أصبحت تفرض تحديات على جميع الاتجاهات الاستراتيجية.
السنوات الـ10 الأخيرة، تُظهر حصافة الرؤية الاستراتيجية المصرية، وخطط التحرك الاستباقية، من خلال الأخذ بأسباب وعوامل القوة، حفاظًا على المكتسبات الوطنية، وحماية مقدرات شعبنا العظيم.. يمكن اختصار الجهد والعرق في الحرص على عناوين عريضة، تحولت إلى واقع على الأرض: التطوير الشامل لمنظومة التسليح، إنشاء قواعد عسكرية متكاملة، تعظيم القدرات بما يتواكب مع أحدث النظم العسكرية، عالميًا.
منذ شهر يونيو عام 2014، كان من رأي القيادتين السياسية والعسكرية، ضرورة تطوير التمركزات العسكرية، عبر إنشاء قواعد عسكرية متكاملة -الأسطول الجنوبي، 5 يناير 2017، قاعدة محمد نجيب العسكرية، 22 يوليو 2017، قاعدة برنيس العسكرية، 18 يناير 2020، قاعدة 3 يوليو البحرية، 23 يوليو 2021- حتى تكون قادرة على توجيه ضربات استباقية، وحسم المواجهة فى الوقت والمكان المحدَّدين، مع تنفيذ الالتزامات والمهام القتالية، التقليدية، والاستثنائية.
لا يمكنني تناسي مبادرة القيادة العامة للقوات المسلحة بإنشاء «قوات الانتشار والتدخل السريع»، التي وصفتها، في مارس 2014، بـ«الجيش الطائر» في ضوء ما تمثله القوات من نقلة نوعية، تخطيطًا، تنظيمًا، وتسليحًا، وقدرتها على مجابهة التحديات على مسارح العمليات المختلفة، بالتزامن، مع توفير جميع عناصر التأمين القتالى والإداري والفني لها.
تتشدد القيادة العامة للقوات المسلحة في تنويع مصادر التسليح، حفاظًا على استقلال الإرادة المصرية، مع تطوير القدرات العسكرية في جميع الأفرع والتخصصات، عبر إدخال أحدث النظم القتالية والفنية، الخاضعة لمعايير عدة: التهديدات الحالية، المخاطر المرتقبة، التطور العلمي والتكنولوجي في مجال التسليح، والقدرات الاقتصادية للدولة.. يخضع حسم صفقات التسليح المصرية لعمليات فنية، معقَّدة، تشارك فيها هيئات متعددة.
تتولى هيئة عمليات القوات المسلحة تحديد الاحتياجات وفقًا للمهام القتالية المطلوبة.. تحدد هيئة التسليح المُواصفات الفنية والتجهيزات التكنولوجية للأسلحة، وتتولى جهات أخرى تحديد تكلفة تشغيل وصيانة السلاح، وعملية توفير الدعم الفني واللوجيستى، مع الاهتمام بالفرد المقاتل باعتباره الركيزة الأساسية، عبر الارتقاء بمستوى التدريب، لكل فرد في التشكيلات التعبوية، وطلاب الكليات العسكرية.
ليس سرًّا، أن المنظومة الجديدة داخل القوات المسلحة تدعم مشاركة طلاب الكليات العسكرية في مشروعات التدريب لرفع كفاءة الفرد المقاتل، سواء فيما يتعلق بأساليب القتال والعلم العسكري، أو في فن الحرب، مهاريًّا، ومعنويًّا.. بات بمقدور طلاب الكليات دراسة التكتيك العامّ والخاصّ، واستعمال الأسلحة، وقراءة الخرائط، واستعمال أجهزة الاتصال وقواعد التخاطب، والاطلاع على فنون العمليات، والتعرف على قدرات العدو، مع ترسيخ الانضباط العسكري الشامل.
تعزز المؤسسة عناصرها بالمناورات المشتركة.. تعتبرها فرصة عملية لتبادل الخبرات بين المدارس العسكرية الإقليمية والدولية.. خلال المناورات والمشروعات التدريبية يتمسك كل طرف بأسراره العسكرية، وبقدراته الدفاعية. هذه عقيدة عسكرية معروفة في كل جيوش العالم، غير أنها لا تمنع من اختبار جاهزية الاستعداد القتالي، تقييم المعركة، ومعالجة العمليات، عبر تحديد الأهداف، اتجاه القتال، تقييم نجاح خطة العمليات، تخصيص وتوجيه القوات للعمليات، وإجراء التقييم الدوري لعناصر الاستطلاع.
عنصر الضبط والربط يشكّل أحد الأهداف المحورية التي تركز عليها القوات المسلحة. يتضح هذا من خلال تقييم الأداء الفني للخدمات والوظائف وتنفيذ المهامّ والواجبات، والسلوك الشخصي للأفراد، وحسن التصرف، وتنفيذ الأوامر والتعليمات العسكرية بكل دقة.. ندرك أن هذه المعطيات تعتمد على الفهم الصحيح للعقيدة العسكرية القتالية، والتفاني في الدفاع عن الوطن، والتدريب المستمر، مع العلم والمعرفة والقدرة على الإبداع، فضلًا عن معاقبة المخطئ بقدر الخطأ الذي وقع منه.
عمليات رفع الكفاءة القتالية، لها علاقة بتعدد مهامّ المؤسسة العسكرية، على الأقل خلال السنوات الأخيرة.. لا فرق بين تأمين الحدود الاستراتيجية، وحماية الجبهة الداخلية، عبر مجابهة عمليات الإرهاب، والتخريب، التي أعقبت أحداث 25 يناير 2011، وبتطهير البؤر الإرهابية، تفاقمت التهديدات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، التي تعيش على برميل بارود، قابل للانفجار في أي لحظة.
حاولت مصر تعزيز قوة الإقليم نفسه، عبر مد يد العون للأشقاء، عبر مشروع «القوة العربية المشتركة».. قُوبل الطرح المصري بـ«ترحيب مبدئى»، عبر تشكيل فرق عمل فنية، وجلسات متعددة لبحث المشروع، لكن البروتوكول النهائي اصطدم بمصالح وتقاطعات ضيقة من بعض الأطراف الإقليمية والدولية، رغم وضوح محاور المشروع «المهامّ، التمركزات، هيئة القيادة، آلية اتخاذ القرار، مصادر التمويل، الإطار القانوني لتشكيل وطلب إرسال واستخدام القوة، ضوابط الكفاءة والاستعداد القتالي، التسليح والإمداد الإداري».
لم تكن القوة العربية المشتركة موجهة ضد أي دولة، ولا تمثل محورًا، أو تحالفًا، أو تهديدًا لأحد، بل حماية الأمن القومي العربي.. أكدت مصر للمعترضين أنه رغم كونها الأشد حرصًا على المشروع، فهي الأقل احتياجًا له بما تملكه من رصيد القوة، ممثلة في قوات مسلحة حديثة، تتسلح بعوامل القوة للوفاء بمهامها دفاعًا وقتالًا.. ما تقوم به مصر من تعزيز لحالة الجاهزية، وتوزيع العناصر القتالية في كل اتجاه، يرتبط في الأساس بحجم التهديدات، والتحرك للحسم في الوقت المناسب.. رفع القدرات العسكرية، وِفْق الخطاب المعلن من القيادة السياسية لـ«حماية حدود مصر.. ومصالحها» اتساقا مع نهج الدولة المصرية، التي لم تكن، يوما، معتدية أو مهدِدة للجوار، بل معززة للأمن والسلم الإقليميين، خاصة أنها في كل تحركاتها لا تدير ملفاتها بـ«الغضب أو الاستفزاز»، لكن وفق «تقدير موقف» واضح المعالم.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: القوات المسلحة رفع الکفاءة
إقرأ أيضاً:
روسيا: القوات الأوكرانية تخسر أكثر من 200 عسكري في كورسك خلال 24 ساعة
الثورة نت/..
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، اليوم الثلاثاء، أن قواتها كبدت الجيش الأوكراني خسائر بلغت أكثر من 200 عسكري، إضافةً إلى معدات عسكرية، في المناطق الحدودية لمقاطعة كورسك، خلال الـ 24 ساعة الماضية.
وجاء في تقرير الوزارة، بشأن التقدم المحرز في التصدي لمحاولات التوغل الأوكراني في مقاطعة كورسك: “بلغت خسائر القوات الأوكرانية خلال الـ 24 ساعة الماضية، أكثر من 200 عسكري…”.
وأوضحت الوزارة أن مجمل خسائر القوات الأوكرانية، منذ بدء العمليات القتالية على محور كورسك بلغت: (43510 عسكري – 253 دبابة – 194 مركبة مشاة قتالية – 136 ناقلة جند مدرعة – 1316 مركبة قتالية مصفحة – 1179 سيارة – 324 مدفعاً ميدانياً – 42 راجمة صواريخ من بينها 11 راجمة من طراز “هيمارس” و 6 من طراز “ملرز” أميركية الصنع – 13 قاذفة لمنظومات صواريخ مضادة للطائرات – 7 سيارات للنقل والتذخير – 80 محطة حرب إلكترونية – 13 راداراً مضاداً للبطاريات – 4 رادارات دفاع جوي – 28 قطعة من المعدات الهندسية من بينها 13 مركبة هندسية لإزالة الحواجز، ومركبة واحدة لإزالة الألغام من طراز “أو أر-77″، وكذلك 7 مركبات مدرعة للإصلاح والإخلاء).
كما أفادت وزارة الدفاع بأن الطيران والمدفعية الروسية استهدفا البنية التحتية لمطارات عسكرية، ومستودعات ذخيرة، وطائرات مسيرة، وتمركزات لأفراد، ومعدات تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، في 146 منطقة، وأن أنظمة الدفاع الجوي أسقطت 65 مسيرة.
وجاء في التقرير اليومي للوزارة حول سير العملية العسكرية الخاصة، أن “الطيران العملياتي التكتيكي والمسيرات الهجومية والقوات الصاروخية والمدفعية، التابعة لتجمع القوات المسلحة الروسية، ألحقت أضراراً بالبنية التحتية لمطارات عسكرية ومستودعات ذخيرة ومسيرات، فضلاً عن (استهدافها) لتجمعات أفراد ومعدات عسكرية للعدو، في 146 منطقة”.
وتواصل القوات المسلحة الروسية، منذ يوم 24 شباط/فبراير 2022، تنفيذ العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا بهدف تحقيق الشروط التي حددها الرئيس بوتين في مبادرة السلام، والتي تتلخص بسحب القوات الأوكرانية من أراضي الأقاليم الروسية الجديدة، وتخلي أوكرانيا عن نية الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وقبولها بوضع محايد وغير منحاز.