بيروت-(أ ف ب) – بعد ثلاث سنوات من انفجار مرفأ بيروت الذي فاقم مرضه وجعله عاجزاً عن الحركة بمفرده، يجد داني سلامة نفسه اليوم متروكاً لمصيره، بعدما تخلت الدولة حتى عن توفير الرعاية الصحية له، على غرار مصابين كثر في الكارثة. ويقول سلامة (39 عاماً) لوكالة فرانس برس “بعد الرابع من آب (أغسطس)، نسيتنا الدولة، نسيت المصابين”.
ويضيف “خسرت سيارتي وبيتي وعملي وحركتي، لم يتبق شيء لي. ولم ينظر أحد في حالنا”. في الرابع من آب/أغسطس 2020، كان سلامة، مهندس الصوت سابقاً، في عداد آلاف الضحايا الذين خلفهم انفجار ضخم في مرفأ بيروت، يُعد من بين أكبر الانفجارات غير النووية في العالم. ودفعه عصف
الانفجار أمتاراً عدة بينما كان يجلس على شرفة منزله في حي مار مخايل المواجه للمرفأ، ما فاقم وضعه الصحي سوءاً مع معاناته منذ عام 2015 من مرض التصلّب اللويحي المتعدد. ومنذ الانفجار، بات سلامة عاجزاً عن المشي بلا جهاز مساعدة. ويحتاج شهرياً الى دواء بقيمة 140 دولارا، والى حقنة بقيمة ألف دولار لمرتين سنوياً، لا يقوى على تحمل كلفتها. كما يحتاج الى تدخل جراحي في المسالك البولية تصل كلفته الى عشرة آلاف دولار. ويؤكد سلامة، الذي أدى انقطاعه عن تناول دواء يحسّن من قدرته على المشي جراء كلفته الباهظة الى تعثره وجرح رأسه الشهر الماضي، أن أياً من الجهات الرسمية لم تمد له يد العون. وعلى غرار مصابين آخرين، يشكو من إحجام الدولة عن تقديم أي رعاية أو دعم مالي أو حتى السير قدماً في التحقيق بعد ثلاث سنوات من وقوع الكارثة. وفاقم الانفجار أساساً الأزمة الاقتصادية التي كانت ملامحها قد بدأت قبل نحو عام من وقوعه وتسارعت خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وباتت الدولة معها عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، بما فيها الرعاية الصحية والاستشفاء، في وقت بات ثمانون في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر. ويوضح سلامة “أنا من المنسيين، لكنني لست الوحيد. هناك كثر غيري”. – “دولتهم قتلتهم” – وتسبّب الانفجار بمقتل أكثر من 220 شخصاً وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، وألحق دماراً واسعاً بالمرفأ وبعدد من أحياء العاصمة. وحرم مؤسسات وأفراداً من أملاكهم ومصادر رزقهم. ومن بين هؤلاء أماندا شري (40 عاماً) التي خسرت عملها كخبيرة تجميل، بعدما تسببت إصابتها جراء الانفجار بشلل في يدها اليسرى وخسارة الرؤية في عينها اليمنى. وتقول بحسرة لفرانس برس “انتهت حياتي هنا. أحدهم سرق حياتي في خمس دقائق ولم أعرف من هو”. وتضيف من على سطح مبنى حيث كانت تعمل يشرف على المرفأ “ها أنا بعد ثلاث سنوات، في الموقع نفسه وكأن شيئاً لم يكن. الناس كلهم نسوا، وبتّ أنا المجروحة أُصنّف من ذوي الإعاقة”. لا تتوفر لدى الجهات الرسمية أي إحصاءات لذوي الإعاقة جراء الانفجار، وفق ما توضح رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً سيلفانا اللقيس، بينما أحصت منظمتها بين 800 وألف شخص يعانون من إعاقات موقتة أو دائمة. وتقول لفرانس برس “من حق من أصبحوا معوقين، أن يتم توفير دعم لهم مدى الحياة، عبر تعويض يسمح لهم العيش بكرامة واستقلالية كما كانوا قبل الانفجار”. وتوفي أربعة على الأقل من المصابين بإعاقات جراء الانفجار، وفق اللقيس، خلال العام الفائت لعجزهم عن توفير العلاج وتلقي الرعاية اللازمة. وتضيف “لم يقتلهم الانفجار، لكن دولتهم قتلتهم”. – “مافيا” – بالكاد يقوى مخايل يونان (52 عاماً) اليوم على السير حتى يتمكن من توفير لقمة عيشه عبر إيصال قوارير الغاز الى الزبائن. أثناء وقوع الانفجار، ارتطم يونان بعائق حديدي في الشارع، ما أعاق قدرته على الحركة بشكل سليم. ويقول “لو ساعدتني الدولة اللبنانية لتمكنت من عيش حياة طبيعية”، بينما “أصبحنا انا والألم أصدقاء اليوم”. ويحتاج الرجل اليوم إلى ركبة اصطناعية تساعده على المشي، لكن كلفتها تفوق إمكانياته، بعدما تقلّص مدخوله بسبب عجزه عن حمل قوارير الغاز الى الطوابق المرتفعة في ظل ساعات تقنين طويلة تحول دون تشغيل المصاعد. لا يأمل يونان في بلوغ العدالة، في بلد يقوم نظامه السياسي على منطق المحاصصة الطائفية، وتسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب منذ عقود، وتعطل التدخلات السياسية عمل المؤسسات الدستورية والقضائية. ونجم الانفجار، وفق السلطات، عن تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون اجراءات وقاية، إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكناً. وفي 23 كانون الثاني/يناير، أعلن المحقق العدلي طارق بيطار استئناف تحقيقاته متحدياً الضغوط السياسية والقضائية مع وجود عشرات الدعاوى المرفوعة ضده والمطالبة بعزله والتي علّقت عمله لمدة 13 شهراً. لكن النيابة العامة سرعان ما رفضت قراره وادعت بدورها عليه بتهمة “التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”، ما أنذر بأزمة قضائية غير مسبوقة. ومنذ ذلك الحين، دخل ملف التحقيق في غياهب النسيان، وابتعد بيطار عن أروقة قصر العدل. ويقول يونان “لا أمل لدي. في كل مرة يتحرك فيها دولاب العدالة، ثمة من يضع العصي لكسره”. بحسرة، يعود يونان الى العام 1975، حين خُطف والده لمدة شهرين إثر اندلاع حرب أهلية استمرت 15 عاماً، عاد بعدها فاقداً بصره من شدة الضرب. ويوضح “حصلت الحادثة على بعد أمتار من حاجز أمني” ولم تُعرف هوية الخاطفين. وتابع “مرت الأيام وما زالت المافيا ذاتها تحكمنا”.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
تهجير غزة ورغبة إشعال فتيل الأزمة.. ترامب يضع الشرق الأوسط على حافة الانفجار - عاجل
بغداد اليوم – بغداد
حذر القيادي في الإطار التنسيقي، عصام شاكر، اليوم الخميس (6 شباط 2025)، من عواقب كارثية قد تترتب على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن تهجير سكان غزة، محذرا من أن تنفيذ هذه الخطة قد يؤدي إلى تفجر الوضع في المنطقة بالكامل.
وقال شاكر لـ"بغداد اليوم"، إن "تصريحات ترامب المتعلقة بتهجير سكان غزة والسيطرة على مدنهم وقراهم، وإجبار نحو ثلاثة ملايين فلسطيني على اللجوء إلى دول الجوار، تعكس مخططا بالغ الخطورة سيؤدي إلى تفجر الأوضاع في الشرق الأوسط".
وأضاف، أن "هذه الخطة تمثل بداية لخلق توترات جديدة في المنطقة"، مشيرا إلى أن "البيت الأبيض يرسل رسالة دعم لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حملات إبادة أسفرت عن مقتل وجرح أكثر من 150,000 شخص.
وشدد القيادي في الإطار التنسيقي على أن "تداعيات تنفيذ هذا المخطط ستكون كارثية على المنطقة، وأنه يعكس ازدواجية المعايير في السياسة الأمريكية التي تسعى إلى خلق أزمات جديدة على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية".
وأشار إلى أن "تهجير الفلسطينيين مجددا أمر غير مقبول"، لافتا إلى أن "جميع العواصم العربية المحيطة بفلسطين تدرك خطورة هذا المخطط وتداعياته المحتملة".
واختتم شاكر بالقول، إن "صمود الشعب الفلسطيني سيظل العامل الحاسم في إفشال هذه المؤامرات التي تهدف إلى تعزيز قوة الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية، ولن يمر هذا المخطط بسلام".
وفي سياق التصعيد السياسي المتواصل في المنطقة، أثار الرئيس الأمريكي، جدلا واسعا بعد تصريحاته حول خطة تهجير سكان غزة.
في حديثه، اقترح ترامب أن يتم نقل ما يقرب من ثلاثة ملايين فلسطيني من القطاع إلى دول الجوار، وهو ما ألقى بظلاله على الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط. هذه التصريحات أظهرت موقفا أمريكيا داعما للكيان الإسرائيلي في سياق تصاعد العنف والتهجير الذي يعاني منه الفلسطينيون.