أعرب مسؤولون إسرائيليون وحلفاؤهم في واشنطن عن غضبهم إزاء قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، التقدم بطلب للحصول على أوامر ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إدارتهم للمعارك الجارية على غزة.

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحفي إيشان ثارور قال فيه إنه منذ لحظة ظهور الخبر، قام المعنيون بأخذ وضعية الدفاع، وهو القرار الذي شمل أيضا ثلاثة من القادة الرئيسيين لحركة حماس.



وتمت الإشارة في المقال إلى "دور شخصيات حماس، وهم زعيمها في غزة يحيى السنوار، ورئيس كتائب عز الدين القسام محمد دياب إبراهيم المصري، والرئيس السياسي للحركة إسماعيل هنية،  في هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر على إسرائيل، والذي شهد قتل عشوائي للمدنيين، واختطاف الرهائن والتعذيب وغير ذلك من الأعمال اللاإنسانية، لكن خان يحمل نتنياهو وغالانت المسؤولية عن الفظائع الأخرى التي تلت ذلك".

وأضاف الكاتب ثارور "ذكرت زميلتي لويزا لوفلوك في تقرير لها: قول خان إن مكتبه لديه أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت كانا مسؤولين عن جرائم بما في ذلك تجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب، والقتل العمد والقتل، وتوجيه الهجمات عمدا ضد السكان المدنيين، والإبادة، وأن ذلك حدث بعد فرض حصار كامل على غزة، شمل إغلاق المعابر الحدودية الثلاث بالكامل، اعتبارا من 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لفترات طويلة، وبعد ذلك، من خلال تقييد نقل الإمدادات الأساسية بشكل تعسفي".


وتنظر الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية الآن في طلب خان، والجدول الزمني لقرارها غير واضح. وفي حين أن إصدار أوامر الاعتقال بحق قادة حماس لن يكون مفاجئا، فإن أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت من شأنها أن تجعل الإسرائيليين عرضة للاعتقال في الدول الـ 124 التي تتألف منها الدول الأعضاء في المحكمة (فلا الولايات المتحدة ولا إسرائيل من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي، الاتفاقية التي تأسست بموجبها المحكمة). 

وهذا في حد ذاته من شأنه أن يمثل لحظة صادمة بالنسبة للمحكمة، التي أصدرت أوامر اعتقال بحق أمراء الحرب والطغاة خارج الغرب، بما في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنها نادرا ما لاحقت الزعماء المنتخبين المدعومين من مجموعة من الحكومات الغربية.

وبعد فترة وجيزة من إعلان خان طلبه، أشارت إدارة بايدن إلى أنها ستدعم جهود الحزبين في الكونغرس لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية. 

ومن خلال القيام بذلك، فإنها ستتبع خطى إدارة ترامب، التي فرضت في عام 2020 عقوبات على اثنين من مسؤولي المحكمة، بما في ذلك المدعية العامة في ذلك الوقت، لمحاولاتهم محاكمة أفراد الجيش والمخابرات الأمريكية الضالعين في انتهاكات مزعومة في أفغانستان. 

وقام الرئيس بايدن برفعها في العام التالي، لكنه ندد يوم الاثنين بالإيحاء بأن هناك "تكافؤا" بين "إسرائيل" وحماس، وأصر على أن ما يحدث في غزة "ليس إبادة جماعية" - في إشارة إلى تحقيق مواز في محكمة العدل الدولية أطلقته قضية رفعتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل".


وكانت ردود أفعال الحكومات الأوروبية أكثر صمتا تجاه التطورات، بينما أصدرت دول من بينها فرنسا وألمانيا بيانات تؤيد استقلال المحكمة الجنائية الدولية، وكان آخرون، مثل إسبانيا وبلجيكا وسويسرا، أكثر تأكيدا في دعمهم.

وتنهي خطوة خان لحظة قصيرة من الحماس في واشنطن للمحكمة الجنائية الدولية، والتي أشاد بها المشرعون الأمريكيون في تحقيقاتها وملاحقة روسيا لارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. 

وفي بيانه الذي يوضح الطلب، أكد خان أن المحكمة ليس أمامها خيار سوى النظر في دور القيادة الإسرائيلية في الصراع البشع، بالنظر إلى الأدلة التي جمعتها والتي تشير إلى أن الضرر الذي لحق بالمدنيين في غزة كان مقصودا ومنهجيا.

واستشهد أكثر من 35 ألف فلسطيني، وكثير منهم من النساء والأطفال، خلال الحملة الوحشية التي شنتها "إسرائيل" في جميع أنحاء غزة، والتي سوت معظم المناطق بالأرض، وأثارت مجاعة من صنع الإنسان في مناطق معينة من غزة وأزمة إنسانية مترامية الأطراف لم يسبق لها مثيل من حيث النطاق والسرعة. 

ونظرا لعدم وجود أي تحرك داخلي في "إسرائيل" للتحقيق مع نتنياهو وغالانت بشأن جرائم الحرب المزعومة، بما في ذلك استخدام التجويع كوسيلة للحرب، اعتقد خان أنه من الصواب أن تمضي المحكمة الجنائية الدولية قدما، الأمر الذي أثار غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي والمؤسسة السياسية في البلاد.

وقال خان: "إذا لم نظهر استعدادنا لتطبيق القانون على قدم المساواة، وإذا تم النظر إليه [القانون] على أنه يُطبَّق بشكل انتقائي، فسنهيئ الظروف لانهياره. ومن خلال القيام بذلك، سنقوم بفك الروابط المتبقية التي تجمعنا، والروابط المستقرة بين جميع المجتمعات والأفراد، وشبكة الأمان التي يتطلع إليها جميع الضحايا في أوقات المعاناة. هذا هو الخطر الحقيقي الذي نواجهه في هذه اللحظة".

واتفق معه عدد من المحللين والخبراء القانونيين، إذ قال ديفيد شيفر، الذي مثل الولايات المتحدة في مؤتمر روما عام 1998 والذي أدى إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، لصحيفة وول ستريت جورنال: "بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية قد يكون هناك خطر، ولكن في نهاية المطاف، ما الذي يفترض أن تفعله المحكمة الجنائية الدولية؟ إسرائيل هنا لديها ممارسة مشروعة للدفاع عن النفس، وهي حرب عادلة. المسألة هي كيف تدير تلك الحرب العادلة. يُعرض على المدعي العام خان نطاق من الفظائع في الحرب، وهو أمر غير مسبوق إلى حد ما بالنسبة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية".
وأشار دوف واكسمان، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إلى أن "الأمر لا يتعلق برسم معادلة أخلاقية بين حماس وإسرائيل. يتعلق الأمر بدعم القانون الدولي ومحاسبة صناع القرار".


وقالت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، في البيان إن هذه الخطوة كانت "فرصة طال انتظارها لإنهاء دائرة الإفلات من العقاب المستمرة منذ عقود" والذي تمتعت إسرائيل به خلال احتلالها للأراضي الفلسطينية، وفرصة "لاستعادة مصداقية نظام العدالة الدولي ككل".

وقال ديلان ويليامز، نائب رئيس الشؤون الحكومية في مركز السياسة الدولية ومقره الولايات المتحدة، لمجلة تايم: "نحن في لحظة محورية بالنسبة للنظام الدولي القائم على القواعد الذي حاولت الولايات المتحدة بنائه لمدة 70 عاما. السؤال الذي يطرحه الكثير من العالم هو هل تنطبق القوانين والإجراءات التي أنشأتها الولايات المتحدة على الجميع بالتساوي، أم أن الولايات المتحدة وأصدقاءها معفون".

وفي جلسة استماع بمجلس الشيوخ الثلاثاء، بدا واضحا ما يفضله بعض الساسة الأمريكيين. وندد وزير الخارجية أنتوني بلينكن بـ"القرار الخاطئ" الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدولية، وقال إن الإدارة ستنظر في الإجراءات العقابية التي يمكن أن تتخذها في الأشهر المقبلة. وقد رحب السيناتور ليندسي جراهام (الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا) بتصريحاته، ودعا إلى فرض عقوبات على المحكمة وأوضح ما هو على المحك في رأيه.

وقال: "إذا فعلوا ذلك بإسرائيل، فسيكون دورنا هو التالي". وهتفت جوقة من المتظاهرين المناهضين للحرب في القاعة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية إسرائيليون المحكمة الجنائية الدولية الولايات المتحدة إسرائيل الولايات المتحدة المحكمة الجنائية الدولية حرب غزة المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة للمحکمة الجنائیة الدولیة المحکمة الجنائیة الدولیة الولایات المتحدة نتنیاهو وغالانت بما فی ذلک

إقرأ أيضاً:

ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟

تتسم المقاربة الإسرائيلية تجاه سوريا الجديدة بنهج عدائي شديد الوضوح، فقد نظرت القيادة الإسرائيلية إلى التحولات الجيوسياسية الناشئة كتهديد للأمن القومي الإسرائيلي، حيث شرعت منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد بشن سلسلة من الاعتداءات والغارات الجوية وقامت بتوغلات برية أسفرت عن ضم واحتلال مزيد من الأراضي السورية. وقد أعلنت إسرائيل دون لبس أو مواربة عن عدائها للقيادة السورية الجديدة، وكشفت عن رغبتها وعزمها على إبقاء سوريا دولة هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية. وعبّرت إسرائيل بجلاء عن قلقها وخوفها من تنامي النفوذ التركي المتصاعد، وأكدت على خوفها وخشيتها من عودة وإحياء الإسلام السياسي السني الذي بات يسيطر على دمشق، وأثره وتداعياته على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.

شكّل سقوط نظام آل الأسد الوحشي الطائفي في سوريا بعد عملية "ردع العدوان"، على يد فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، مفاجأة غير سارة للكيان الإسرائيلي، لكنه كان خبرا سعيدا لتركيا، ففي الوقت الذي تريد تركيا أن تكون سوريا الجديدة دولة ناجحة، ترغب إسرائيل بوجود دولة سورية جديدة فاشلة، ولذلك سارعت إسرائيل بالتزامن مع سقوط نظام الأسد، بشن سلسلة من الهجمات، ولم تكتف تل أبيب بالدخول إلى المنطقة العازلة، بل سيطرت على مرصد وقمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وشنت أكثر من 300 غارة جوية أدت إلى تدمير البنية التحتية العسكرية التي تركها النظام السوري ومستودعات السلاح والصواريخ الإستراتيجية ومراكز البحث العلمي والتصنيع العسكري.

انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت
ورغم أن تركيا وإسرائيل استفادتا بشكل كبير من تفكك المحور الذي تقوده إيران، وخاصة في سوريا، لكن تركيا كانت الرابح الأكبر، بينما تضاربت المشاعر الإسرائيلية وأفضت إلى نشوة مؤقتة أعقبها قلق دائم، فالعداء بين إسرائيل وتركيا لا يقارن بالصراع الطويل والدموي بين إسرائيل وإيران ووكلائها، والتحديات التي تواجه العلاقات التركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط بعد الأسد تشير إلى تشكل منعطف حاسم في الجغرافيا السياسية الإقليمية، الأمر الذي يغير بصورة جذرية الديناميكيات التي طبعت العلاقات التاريخية بين تركيا وإسرائيل، والتي تأرجحت بين نسق من التحالفات البراغماتية والانقسامات الأيديولوجية، وقد أدى زوال عدوهما المشترك في سوريا إلى تحول في توازن القوى الإقليمي، وهو ما خلق تحديات جديدة وأخل بمرونة علاقاتهما الهشة.

إن انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت، فالدعم التركي العلني الذي يقدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأعداء إسرائيل وفي مقدمتهم حركة حماس، قد يتطور إلى آفاق بعيدة.

وبحسب تقرير لجنة "جاكوب ناجل" بشأن ميزانية الدفاع الإسرائيلية، الذي نُشر في السادس من كانون الثاني/ يناير 2025، فإن طموحات تركيا إلى "إعادة التاج العثماني إلى مجده السابق" تشكل تحديا أمنيا ملحا، وقد أوصت اللجنة في تقريرها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ضوء مخاوف متزايدة لدى تل أبيب من تحالف أنقرة مع الإدارة الجديدة في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد. ونبهت اللجنة في تقريرها إلى خطر التحالف السوري التركي، الذي ربما "يخلق تهديدا جديدا وكبيرا لأمن إسرائيل"، وقد يتطور إلى شيء "أكثر خطورة من التهديد الإيراني"، وفقا للجنة التي تم تشكيلها عام 2023، قبل بدء الحرب على غزة، لتقديم توصيات لوزارة الدفاع الإسرائيلية بشأن مواطن الصراع المحتملة التي تواجهها إسرائيل في السنوات المقبلة، ويترأس اللجنة يعقوب ناجل، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي.

إن التهديد الذي تشكله تركيا لإسرائيل يشكل تحديا جديا كبيرا لأمن إسرائيل في ضوء التحولات الجيوسياسية الدولية والإقليمية، وهو تحد بالغ الخطورة بالنسبة لإسرائيل، إذ يعد الجيش التركي أحد أكبر الجيوش وأكثرها قوة في الشرق الأوسط، ويتألف الجيش التركي من 425 ألف جندي نشط و380 ألف جندي احتياطي. ووفقا لمصادر أمنية، فإن النفوذ المتزايد لتركيا في سوريا كقوة مهيمنة يستلزم دراسة جدية لقدراتها العسكرية، وتشكل المليشيات العسكرية الموالية لتركيا في سوريا، مثل "الجيش الوطني السوري"، تهديدا محتملا لإسرائيل، وخاصة على طول الحدود السورية الإسرائيلية. ويمكن للرئيس أردوغان أيضا الاستفادة من مجموعات مثل هيئة تحرير الشام بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع ضد إسرائيل.

وقد أعلن الجولاني، في السابق ذات مرة أنه "بعون الله، لن نصل إلى دمشق فحسب؛ بل إن القدس تنتظرنا". وكان أردوغان قد أصدر تهديدات مباشرة لإسرائيل، ففي 28 تموز/ يوليو 2024، صرح في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية بالقول: "كما دخلنا قره باغ وليبيا، سنفعل الشيء نفسه مع إسرائيل".

إن السيناريو الإسرائيلي المفضل في سوريا هو التفتيت والتقسيم وخلق كيانات هشة ضعيفة على أسس عرقية ومذهبية، وهي الطريقة الوحيدة التي تجعل من إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة من خلال كيانها اليهودي العنصري. ففي سوريا تتحقق رؤيتها من خلال تأسيس دويلات هشة وضعيفة على أسس عرقية إثنية ومذهبية دينية، وهي ذات الرؤية الاستعمارية التقليدية، فأُمنية "إسرائيل" هي رؤية سوريا مقسمة إلى بضعة جيوب؛ الأكراد في الشمال الشرقي، والدروز في الجنوب، والعلويون في الغرب.

وكانت وكالة رويترز كشفت نقلا عن أربعة مصادر مطلعة أن إسرائيل تسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل بقاء سوريا ضعيفة ومفككة ودون سلطة مركزية قوية، بما في ذلك السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية لمواجهة ما سمته النفوذ التركي المتزايد في البلاد. وأضافت المصادر أن إسرائيل أبلغت واشنطن أن من سمتهم الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا، المدعومين من أنقرة، يشكلون تهديدا لحدودها. ووفقا لرويترز، فقد ذكرت ثلاثة مصادر أميركية أن إسرائيل تشعر بقلق بالغ إزاء الدور الذي تلعبه تركيا كحليف للإدارة السورية الجديدة.

في هذا السياق أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 شباط/ فبراير الماضي تحذيرا أشبه بإعلان حرب للإدارة الجديدة في دمشق، إذ قال: "لن نسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار جنوب دمشق"، وطالب بإخلاء جنوبي سوريا من هذه القوات بشكل كامل، وأكد نتنياهو على أن إسرائيل "لن تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية" في المنطقة. وتزامنت هذه التصريحات مع سلسلة هجمات واستهدافات عسكرية شنتها إسرائيل في ريف دمشق وجنوبي سوريا، ولاحقا شنت إسرائيل سلسلة هجمات في 25 شباط/ فبراير الماضي على مواقع عسكرية في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، كما توغلت برا في بلدات وقرى على الحدود الإدارية بين المحافظتين.

وقال وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان إن الهجمات "جزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سوريا من السلاح، والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سوريا أن يصبح جنوب لبنان".

وعقب حالة التوتر في الأول من آذار/ مارس 2025، جراء اشتباكات بين عناصر أمن تابعين للسلطة السورية الجديدة ومسلحين محليين دروز في ضاحية جرمانا قرب دمشق، أسفرت عن مقتل شخص وإصابة تسعة آخرين بجروح، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليمات للقوات الإسرائيلية "بالاستعداد للدفاع" عن مدينة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، وقال بيان صادر عن مكتب كاتس إن المدينة "تتعرض حاليا لهجوم من قبل قوات النظام السوري"، وقال كاتس: "لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز. إذا آذى النظام الدروز، فسوف نضربه". وأضاف: "نحن ملتزمون تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل ببذل كل ما في وسعنا لمنع إيذاء إخوانهم الدروز في سوريا، وسنتخذ كل الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامتهم".

تستند إسرائيل في سياساتها العدوانية في سوريا إلى دعم أمريكي عسكري وسياسي مطلق، فما تقرره القيادة الإسرائيلية كضرورة للحفاظ على أمنها القومي تصادق عليه الإدارة الأمريكية، وتعتبر واشنطن ممارسات إسرائيل العدوانية بداهة استراتيجية من باب حق الدفاع عن النفس، فالمستعمرة الاستيطانية الصهيونية حجر الزاوية الأساس في مشروع الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، والاشتراطات الأمريكية على القيادة السورية الجديدة هو الالتزام بأمن إسرائيل ومحاربة أي مجموعة أو كيانات تناهض إسرائيل، وهو ما عبرت عنه واشنطن بوضوح، فعندما التقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، بوفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى في دمشق في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كانت مسألة الحفاظ على أمن إسرائيل ومحاربة الجماعات التي تهدد أمن المستعمرة والتي تختزل بتسميتها بالإرهابية هي جوهر البحث والمداولة. فقد قالت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف عقب اللقاء:سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر إن أبو محمد الجولاني التزم خلال الاجتماع في دمشق بعدم السماح للجماعات الإرهابية بالعمل في سوريا وتهديد الولايات المتحدة والدول المجاورة (إسرائيل)، فالولايات المتحدة على مدى عقود، ترتكز في مقاربتها للمنطقة على ضرورة مكافحة الإرهاب (الإسلامي) وضمان أمن إسرائيل (الصهيوني).

خلاصة القول أن سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر يؤدي إلى تنامي النفوذ التركي المتصاعد، ويشير إلى عودة وإحياء الإسلام السياسي السني، الذي تخشى الولايات المتحدة من تداعيات انتشاره على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.

ولذلك لن تفلح تطمينات النظام الجديد في سوريا، وسوف يبقى تحت وطأة التصنيفات الأدائية السياسية للإرهاب، وسوف تبقى الإدارة الأمريكية مخلصة في تأمين وجود ومصالح الاستعمار الصهيوني في المنطقة، وتلبية المتطلبات الإسرائيلية الأمنية والسياسية. ومهما قولبت "هيئة تحرير الشام" من أيديولوجيتها وبعثت برسائل تطمينية للعالم ودول المنطقة، لن تحصل على الرضى والقبول الأمريكي الإسرائيلي، وسوف تبقى تحت وطأة الضغوطات والتخريب بذريعة "الإرهاب"، ولن ترضى الإدارة الأمريكية والإسرائيلية عن الحكم الجديد دون شرط الخضوع التام، ولذلك فإن أولوية سوريا الجديدة هي تعزيز روابط التحالف مع تركيا، والعمل بجد على تأسيس جيش موحد قوي، وإخضاع كافة النزعات الانفصالية. فالرد على الكيان الاستعماري الإسرائيلي يجب أن يكون داخليا أولا باتخاذ قرارات وإجراءات قانونية وعسكرية وسياسية حاسمة تجاه المكونات الانفصالية؛ بدءا بقوات سوريا الديمقراطية ثم الانعطاف إلى بقية الكيانات الموازية.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • حيدان يطالب المجتمع الدولي بموقف حازم لوقف تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • تحرك عربي جديد ضد الاحتلال أمام الجنائية الدولية
  • تحرك عربي جديد ضد إسرائيل أمام الجنائية الدولية
  • بِحُجة الظلم الذي تتعرض له إسرائيل .. تل أبيب وواشنطن تدرسان رسميًا الانسحاب من محكمة العدل الدولية
  • رئيس دفاع الشيوخ في حواره لـ« صدى البلد»: قانون الإجراءات الجنائية دستور جديد للحقوق.. مصر قادرة على إجهاض مخطط التهجير.. والقمة العربية الطارئة كشف حساب للمجتمع الدولي
  • دولة الاحتلال وأمريكا تدرسان الانسحاب من الجنائية الدولية
  • مطار الملك خالد الدولي يتصدر التزام الرحلات الدولية
  • ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟
  • إسرائيل تحذر النظام السوري من إلحاق الضرر بالدروز