«الدبيبة» يستقبل سفيرة كندا لدى ليبيا
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
استقبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، سفيرة دولة كندا لدى ليبيا إيزابيل سافرد.
وخصص اللقاء “لمناقشة تطوير أوجه التعاون بين البلدين، والخطوات التي اتخذتها السفارة لاستئناف العمل من طرابلس”.
وأكدت السفيرة، “دعم بلادها للجهود الدولية لإجراء الانتخابات وفق قوانين عادلة ونزيهة”.
.المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: ليبيا وكندا
إقرأ أيضاً:
ملامح من الحياة في كندا (10)
ملامح من الحياة في كندا (10)
الي الصديقة لودميلا
في الحلقات السابقة تعرضتُ بشيئ من الأسهاب الي جزء من الحياة التي عشتها في كندا . تخللتها كثير من المشاق والمعاناة والفقر كغيرها من حالات المهاجرين الأوائل . مرتْ فيها العلاقات الأسرية بصعود وهبوط أوشك أن يؤدي الي الهزيمة وأنهيار التجربة . وبعودة الي الوراء قليلاً ، أري أن الألهام علي الصمود أمام هذه العقبات مرده الي عدة عوامل أولها التربية والمثل والأخلاق الشيوعية التي كانت منارة لي وجعلت مني سفيراً لوطني وثانياً الأرث العائلي الذي فرض علي عدم الرسوب في هذه التجربة علي المستوي الخاص والعام وثالثاً طفلّي العزيزين وفوق كل هذا صديقتي العزيزة ووالدة أطفالنا لودميلا التي كان لها الفضل في كل النجاحات المتواضعة التي تحققت .
التربية والنشأة في المجتمع الشرقي الذكوري ، لها عين ساهرة تقف بالمرصاد لكل من يخطر بباله مدح الزوجة أو ذكر محاسنها وفضائلها علي الملأ ، فما بالك من توثيقها الذي يُعد من المحرمات . علي الرغم من أن القرآن الكريم نزل بسورة كاملة أسماها سورة (النساء) ، علاوة علي الأحاديث النبوية عن الأم والوصية بها كما قال(ص) ، إضافة الي الشعر الجاهلي والمعاصر اللذين أسهما بقدر كبير في الغزل بدأً من المعلقات وأنتهاءً بالأغاني العاطفية ، برغم هذا الإرث الأ أننا لا زلنا في عالمنا العربي والأسلامي نعتبر الكتابة عن الزوجة ومدحها في الحياة قبل الممات نقيصة وللمفارقة نمجد ونعز الأم علي الرغم من علمنا أنه قبل أن تكون أماً ، كانت زوجه فاضله وهي التي أنجبتْ . وبناءً علي هذا الواقع الذي يتم تجاهله عمداً أو سهواً قررت أن يكون موضوع هذه الحلقة تكريماً وأعتزازاً وفخراً بزوجتي التي خاضت معي تجارب الحياة لفترة أوشكت أن تصل الي الأربعين عاماً .
تعرفت علي زميلتي في الدراسة بموسكو في أوائل عام 1985 حيث كانت الحياة سهلة ورخية في الدولة الأشتراكية قبل إنهيار المنظومة . كنا شهوداً علي أحداث تاريخية هزت العالم وشغلت الناس ، عاصرنا تجربة البرسترويكا والقلاسنست . " الحقيقة " و" أعادة البناء" التي قادها قرباشوف وكنا من مؤيديها. بعد أن أشترك والدها في الحرب العالمية الثانية أُرسل الي معسكرات الأعتقال تحت المادة 54 بتهمة "عدو الشعب" لفترة عشرة أعوام أعقبتها خمسة أعوام بدون حق العمل وكذلك والدتها التي زُج بها أيضاً لخمسة أعوام كحال الملايين الذين هزموا النازية كالقائد العسكري " جوكوف" و العالم النووي "سخاروف" الحائز علي جائزة نوبل للسلام . بعدها ظهرت "لودميلا" الي الوجود . قد يكون هذا التاريخ الستاليني الملئ بالأعدامات والمعسكرات الذي عاشت فيه زوجتي أحدي الأسباب التي جعلتها تبني حائطاً منيعاً بينها والسياسة . علي الرغم من كل هذا لم تحمل حقداً علي سلطة الدولة السوفيتيه ولا حتي علي الحقبة الستالينية . لا زالت تدافع في الصفوف الأمامية عن الأتحاد السوفيتي السابق وتفخر بأنها نتاج لتلك الحقبة التاريخية . عاشت وأسرتها في الجزء الشرقي من أوكراينا بمنطقة الدنباس التي تستعر فيها الحرب الأوكراينية الروسية الآن ، وأبتعثتْ للدراسة بموسكو حيث تعرفتُ عليها في الكلية . تم زواجنا في ديسمبر 1990 وأحيا الحفل صديقنا المرحوم مصطفي سيد أحمد عندما حضر للعلاج . وقد تكون هذه من الحفلات النادرة التي أقامها الفنان مصطفي تفضلاً منه لأصدقائه . ومن غرائب الصدف لا زلتُ أحتفظ بتسجيل هذا الحفل في قرصٍ اليكتروني يرافقني في حلي وترحالي .
بوصولنا الي كندا في خواتيم 1991 حيث هاجرنا اليها بعد أن أغلقت كل السبل والدروب في الحصول علي وطن . أستحالت العودة للسودان بعد إنقلاب الجبهة القومية الأسلامية ، بعدها طرقتُ أبواب الهجرة الي دول الخليج وبوصولي لدولة الكويت أندلعت حرب الخليج حينها كانت قوانين الأتحاد السوفيتي السابق لا تسمح ببقاء الأجانب حتي لو كانوا متزوجين من مواطنات سوفيتيات ، هذه هي الأسباب التي دعتني للهجرة الي كندا. العشرية الأولي بكندا كانت من أصعب المراحل وتم تدوين أجزاء منها في الحلقات السابقة . تفرغت "لودميلا" لتربية الأطفال وكان مطلبها الأساسي يتمثل في تقديم المساعدة المرجوة التي تتلخص في معاونتها في تجهيز الأطفال والخروج معهم من سكن الشقق الضيقة التي لا تسمح بالحركة الدؤوبة للأطفال الي براح الفضاء الواسع في الحدائق والشوارع العريضة تحت درجة حرارة تصل في بعض الأحيان الي عشرين تحت الصفر ومشاركة الأطفال في العابهم وأهتماماتهم ، أعباء النظافة وتوصيلهم الي المدارس مع عدم وجود سيارة . تشاركنا معاً مساعدتهم في مراجعة الدروس ، أهتمتْ بالحاقهم في المناشط الرياضة المختلفة وخضتُ معهم تجربة التزحلق علي الجليد في الجبال التي تعلمتها في سن متأخرة . كانت تدرك بحسها ، بأن توسيع مدارك الأطفال يتم بإخراجهم من المنزل حينما يتلمسون الأشياء علي الطبيعة ويشاهدون واقع الحياة اليومي . هذه الفترة أحتاجت الي تنازلات كبيرة من الطرفين تحملتْ كل هذا العبء إضافة الي محاولاتي اليومية في البحث عن عمل ومردودها السلبي الذي يفاقم الأحباط . هذا الظرف الذي يتطلب التنازلات ووضع الأولويات في المكان الصحيح ساعد في الحفاظ علي الوضع العائلي ، أطلقتُ عليه أسم (المساومة التاريخية) في تعبير شائع للزميل الشفيع خضر . في هذا المناخ يعصرك الألم وأنت تفكر وتجتهد في الكيفية التي تقدم فيها يد المساعدة لأفراد العائلة الممتدة الذين تركتهم خلفك في السودان . "لودميلا" كانت ولا زالت مدبرة للحد البعيد . ساعدها في ذلك الجو الأوكرايني حيث نشأت وترعرعت في منطقة زراعية ومناخ شتوي قاسي يجبر الجميع علي الزراعة وتخزين الحصاد لفصل الشتاء . هذه العقلية هي في مخزون ذاكرة المواطن السوفيتي الذي عاش في تلك الفترة قبل أن تأتي رأسمالية الدولة . أمرأة من طراز فريد ، قنوعة بما تيسر ، أهم الأشياء التي ورثتها من بيئتها هو تربية الأبناء وتعليمهم وغرس السلوك القويم فيهم . هذه هي أهدافها وقيمها في الحياة بعد الأنجاب ، إضافة الي قناعتها بأن هؤلاء الأبناء أتوا الي هذه الدنيا ليس بمحض إختيارهم وإنما برغبتنا لذا واجبنا كآباء وأمهات أن نلبي رغباتهم بقدر الأمكان .
من أكثر الأشياء التي أزعجتها وأقلقتها طيلة هذه المدة ، السبهللية التي نتعامل بها مع المال ، ليس وحدي وإنما كل السودان ، وذلك مرده في رأيها للحياة السهلة التي كنا نعيشها . في علاقتها معي لم تستوعب أني أتيت من بيئة مختلفة ، مجتمع عشائري وشبه أقطاعي . قبل الوصول الي كندا لم تشغلني الحسابات البنكية وتعاملي مع البنوك كان محدوداً ولم تكن لي حتي محفظة . أتيت من حي في أمدرمان يسمي العباسية والمنزل الذي نشأت فيه كان عبارة عن داخلية و"مسيد" في آن واحد. الفرد الواحد يعول مجموعة أشخاص و العمل ليس حقاً وأنما فضلٌ للمحظوظين خاصة بعد وصول الأنقاذ . الفرد العامل مسؤول عن إعاشة الجماعة التي لم تتيسر لها سبل كسب العيش . بهذه الخلفية "الغير طبيعية" بالنسبة لها كان حسابنا البنكي في كندا مشترك تماشياً مع طبيعة البلد حيث كل أو معظم الأسر لها حساب واحد مشترك . كانت شاهدة عيان علي بعثرت الدخل المحدود من جانبي والديون التي صارت تنمو في الحساب من دون علمها وأستشارتها أو حتي أن تكون لها أدني معرفة بالأشخاص الذين تتم مساعدتهم والقيام بالواجب تجاههم . وبناءً علي هذا الوضع تقدمتْ بطلب رسمي لفصل الحساب المشترك حتي لا تتورط في دين لا شأن لها به . كنت أمني النفس بأن تزور السودان حتي تقف علي الحقيقة وتدرك معني " الله كريم " التي تقال صباح مساء مِن مَن لا يملك قوت يومه . قبل هذه الحرب اللعينة الجميع كانوا يعيشون في سلام وأمان الذي يعمل والذي بدون عمل . برغم هذه الظروف في عام 2005 شجعتني لأصطحاب الأطفال في زيارتي للسودان وأبتاعت لهم التذاكر لكي يرافقوني ويتعرفوا علي جذروهم . وقبل السفر وقفتْ علي تجهيز كل الحقائب حتي شنطة الأسعافات والمواد التمونية التي يحتاج لها الأطفال قبل أن يتعودوا علي الطعام السوداني . و حقيقةً كانت لها الرغبة بمرافقتنا الأ أن الظروف المالية لم تسمح بذلك حيث كانت تعمل بالمشاهرة . زيارة الأطفال الي موطن أجدادهم كانت مهمة ، تعرفوا فيها علي السودان ولا زالت الأنطباعات والمشاهد باقية في ذاكرتهم . ركبوا كل أنواع الدواب من حميرٍ وجمالٍ وزاروا البجراوية والمصورات وشاركوا في حولية الشيخ حمدالنيل وتشرفوا بزيارة قبة الجد الأمام المهدي . من المفارقات عن هذه الزيارة الي الآن يعتبرون (الأيسكريم ) الذي تناولوه في (عفراء مول) لا يوجد له مثيل . ووالدتهم تشهد بأن المانجو السوداني ليس له منافس من كل الأنواع التي تذوقتها .
لا يفوتني ذكر بعض المواقف المستعصية التي واجهتني في تعاملي مع زوجتي والتي لا زلت أجد صعوبة في أستيعابها . الآ وهي الأحتفال بأعياد الميلاد . أتضح أن جزءً مقدراً من هذه البشرية ملم بتاريخ ميلاده وبعضهم يعلم الساعة التي تم فيها أستقباله في هذه الدنيا . أما أنا فأتيت الي هذا العالم وليس لي معرفة بمكان ميلادي ، يقال أنها أحدي القري التي تقع علي النيل الأبيض ناهيك عن التاريخ والساعة . عيد الميلاد والأحتفال والتهنئة به يعتبر من الواجبات المقدسة في هذا الجزء من العالم . يفرحون بقدومهم الي هذا العالم العجيب رغم مصائب الدهر التي تأتيك من حيث لا تدري. زوجتي تتذكر تاريخ ميلاد جميع أفراد أسرتها وأصدقائها المقربين وأحياناً كثيرة تسألني عن تاريخ ميلاد أمي وابي وأخوتي فتجدني ليس لي معرفة حتي بالسنين التي ولدوا فيها . ليت المعضلة أنتهت بأستذكار هذا اليوم وأنما المطلوب مني أن أختار هدية لهذه المناسب وهنا تكمن الصعوبة . الهدية يحبذ أن لا تكون من مستلزمات المنزل وأنما تكون هدية شخصية تعبر عن معرفتك بأحتياجات الشخص المقدمَ له الهدية . يزيد الطين بلّه ، ليس لي معرفة بمقاسات زوجتي ولا بالألوان التي تفضلها ولا حتي بلون شعرها ، خاصة وأني من غمار الناس الذين لا يمشون في الأسواق . هي زوجتي والسلام ، أخترتها لمعايير تختلف عن كل هذا . أما بالنسبة للأبناء ، حينما عجزتُ عما يلزم تقديمه في أعياد ميلادهم تم أتفاق غير مكتوب أن تتولي هي مسألة الأختيار. رغم هذه العشرة والسنين ، لم يتاح لي حظي العاثر أن أشتري "للودميلا" أي من أنواع الثياب أو الحلي الذهبية بخلاف خاتم الزواج . أعاني من غصة في الحلق وذنبٌ يلاحقني بعدم الوفاء بالوعد الذي قطعته عليها بأن أزورها بيت المقدس وكل ما طلبته هو المرافقة . بعد أن تحسن وضعنا المالي نسبياً وشرعت في التفكير في الزيارة أندلعت الحرب في غزه وفلسطين ولبنان . أخاف أن يتبدد الوعد والحلم .
حرب السودان كان لها تأثير مادي كبير علي الميزانية التي يُدار بها أمر المنزل إضافةً للعامل النفسي . صديقتي وزوجتي "لودميلا" تفهمت الوضع المأساوي الذي يمر به السودان فأستقبلت الألتزامات المالية الجديدة التي فرضتها الحرب بروح أنسانية عالية بالرغم من أنها ليست من بنات عمومتي . لها الشكر والتقدير في جميل صنعها وفي تفهم بيئتي التي لم تنشأ فيها . التحية الي كل الزوجات اللاتي تفهمن هذا الظرف الأستثنائي واللأنساني الذي يمر به السودان .
وختاماً هذه هي الحلقة الأخيرة من سلسلة "ملامح من الحياة في كندا"
حامد بشري
12 نوفمبر 2024
hamedbushra6@gmail.com