أتت الحرب الكبرى في غزة 2023 – 2024 م تتويجًا وخلاصةً لمائة عام من النضال الفلسطينيّ الذي انطلقت شرارته ولم تتوقف منذ بدأت أولى خطوات التطبيق الفعلي لوعد بلفور في ظل الحكم البريطاني الذي أعقب دخول فلسطين تحت انتدابه. كذلك فإن هذه الحرب تأتي نقطة ابتداء لحقبة ثانية من النضال الفلسطيني تتجلى للأفهام طلائعها لكنها – في مجملها – مطوية في لفافات الغيب المستور تنتظر أن تكشف عنها الأيام والسنون.
والسؤال: ماذا تغيّر في المشهد بين النضال الدائرة رحاه الآن والنضال قبل مائة عام؟، الجواب واضح: قبل مائة عام كانت الفكرة الصهيونية لم تزل مختصرة في ثلاثة أمور: دعاية، هجرة، عصابات تتجهز للقتال. وكانت راعيتها إمبراطورية تدخل طور الأفول، وهي بريطانيا.
رعاية كاملةوكان العرب – كلهم تقريبًا – تحت الاحتلال؛ أي لا يملكون إرادتهم بصورة كاملة كحكومات، لكنهم كشعوب كانوا ضد الفكرة الصهيونيّة. أما الآن فالوضع مختلف، إسرائيل قوة جذب إقليمي يتقرّب منها ويتودد لها كثير من حكّام العرب، في رعاية إمبراطورية عسكرية عاتية تكفل لها السبل الكافية لسحق المقاومة الفلسطينيّة. قبل مائة عام لم يكن الدور الأميركي بهذه القوة، فقط كان لها مشورة في ترتيب صدور وعد بلفور، ثم كان لها ترتيب في تمويل تدفق المهاجرين، ثم كان لها ترتيب في نصر العصابات اليهودية على العرب 1948م.
لكن هذه الكفالة الكاملة من أميركا لإسرائيل بلغت ذروتها مرتين: في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973م على الجبهتَين: السورية والمصرية، ثم حرب الإبادة ضد غزة 2023م. في المرتَين كان العرب في حرب مباشرة مع أميركا، بينهما خمسون عامًا هي الفترة التي تطوّرت خلالها أميركا من جمهورية دستورية إلى إمبراطورية عسكرية كونية فوق القانون الدولي، وهو الحقّ المكتسب الذي حصلت عليه إسرائيل لتكون قوة عسكرية إقليمية فوق القانون الدولي، وكلتاهما تحاربان العرب دون رادع من أي قانون دولي أو عرف إنساني أو مبدأ أخلاقي.
وفي خلال الخمسين عامًا ذاتها تغير وضع العرب، فقد سقطت أواخر بقايا المناعة الوطنية والروح الاستقلالية، ودخلوا تحت مظلة الإمبراطورية الأميركية تمامًا مثلما كان عرب الجزيرة ينضوون تحت سلطان الفرس، وعرب الشام تحت سلطان الروم. فقد العرب في آخر خمسة عقود كل مصادر الاستقلال التي حصنهم بها الإسلام، ثم مصادر الاستقلال التي حصنتهم بها الأفكار والحركات والنهضات القومية والوطنية الحديثة في فترات مقاومة الاستعمار الأوروبي، لهذا كانت لدى جميع العرب شرف المشاركة في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973م ثم بعد خمسين عامًا وصلوا إلى النقيض تمامًا بشأن حرب غزة أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023م.
العمل على ثلاثة محاورهذا التغيير الذي جرى في العقود الخمسة الأخيرة له جذوره في العقود الخمسة السابقة عليه؛ أي من بدء اندلاع الثورة الفلسطينية الأولى في عشرينيات القرن العشرين حتى السبعينيات منه؛ أي من ثورة البراق 1929 حتى توقيع أول اتفاقية سلام عربي مع إسرائيل 1979م، التاريخ وحدة واحدة مهما اتسعت أوانيه، ومهما تباعدت أراضيه يؤدّي بعضه إلى بعض.
في عشرينيات القرن العشرين كانت الصهيونية تعمل على ثلاثة محاور: الأول: الاستحواذ على الأرض واستبعاد أهلها. الثاني: وضع بذور الانقسام بين الفلسطينيين، ففريق يتزعّمه آل الحسيني، وفريق يتزعّمه آل النشاشيبي. الثالث: حصر الصراع مع الفلسطينيين فقط، والسعي لاتفاقيات سلام مع باقي العرب. وهي المحاور الثلاثة التي مازالت تمثل خُطة العمل الصهيوني.
يحكي الدكتور محمد حسين هيكل في الجزء الثالث من مذكراته أنّه – عندما كان يترأس تحرير صحيفتَي "السياسة" و "السياسة الأسبوعية" – جاءه كاتب يهودي وطلب منه صراحةً أن تُتيح الصحيفتان صفحاتهما لتأييد الحركة الصهيونية، في مقابل تمويل مادي كريم، فردّ عليه الدكتور هيكل بأنه من المستحيل أن يجد صحيفة مصرية تؤازر الصهيونيّة ضد العرب.
مواقف عربية سلبيةثم يشرح لنا الخطوط العريضة لمواقف العرب آنذاك، فيقول:
1- كانت البلاد العربية والإسلامية تعطف على عرب فلسطين أشد العطف.
2- لكن موقف الحكومات العربية والإسلامية كان سلبيًا بحتًا.
3- كان ساسة مصر – على اختلاف أحزابهم – يرون في هذا الموقف السلبي حكمةً غاية الحكمة.
4- لم تكن هذه الحكومات – وكانت خاضعة للنفوذ البريطاني – تستطيع أن تصنع شيئًا يُذكر.
5 – لهذا كان مجهود أبناء فلسطين – يقصد الثورة الفلسطينية في 1929م، ثم 1936م – مجهودًا قوميًا صادقًا، كانت ثورتهم ضد الهجرة اليهودية وبيع الأراضي لليهود عنيفة غاية العنف، ولم يخفّف منها ما حدث من انقسام بين زعماء العرب الفلسطينيين، بل لا يخطئ من يذكر أن هذا الانقسام أدّى إلى المزيد من عنف الثورة الفلسطينية 1936م.
الخلاصة: كانت الشعوب متعاطفة، كانت الحكومات عاجزة، كان الشعب الفلسطيني يحمل همومه منفردًا. هكذا كانت الخطوط العريضة للوضع قبل مائة عام مثلما هي – بالتمام – الملامح الرئيسية للمشهد في اللحظة الحاضرة، ما كان قبل مائة عام هو ما هو كائن الآن .
السؤال: إذن ما الذي تغير؟ الجواب: الذي تغير هو أنه في قلب المائة عام؛ أي في العقود الثلاثة – الأربعينيات والخمسينيات والستينيات – بلغ الفكر العربي ذروته في الاهتمام بالحق الفلسطيني، كانت طفرة تختلف عما قبلها وعما بعدها، أما لماذا تلاشت هذه الطفرة، فهذا مقال الخميس المقبل بمشيئة الله تعالى.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
إبنة نصرالله تكشف معلومات عن والدها... هكذا كانت حياته
نفت زينب نصرالله، ابنة الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله، مزاعم بأن والدها عاش في مخابئ تحت الأرض، ووصفتها بأنها "كاذبة تمامًا" في مقابلة مع قناة "برس تي في" الإيرانية.
وتابعت بأنه "لم يستخدم المساحات المبنية تحت الأرض أبدًا في حياته اليومية. لقد تم بناؤها للاستخدام في زمن الحرب، وحتى بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان في أيلول، كان يقيم في شقق عادية بطوابق مختلفة".
وأضافت: "عاش والدي مثل أي شخص آخر، في شقق عادية، رغم ذلك كان الاحتلال الإسرائيلي يروج إلى أنه عاش حياته تحت الأرض".
وبحسب زينب، فإن أسلوب حياة والدها كان عادياً رغم التهديدات الإسرائيلية. وأوضحت: "كان يقود سيارته برفقة رفاقه لمراقبة الوضع في الخارج. لم يكن مختبئاً أبداً. كان يقوم بجولات في الضاحية الجنوبية لبيروت للاطمئنان على الناس والمستشفيات والمساجد والمحلات التجارية، ويتأكد من أن كل شيء على ما يرام".
ومع ذلك، كشفت زينب نصرالله أن "المسؤوليات الهائلة والمخاوف الأمنية، التي كانت تثقل كاهل والدها حدت من لقاءات الأسرة".
وقالت: "كنا نراه بضع مرات في السنة فقط لكن هذه اللحظات كانت ثمينة".
وتابعت: "كنا نجتمع كعائلة أطفال وأحفاد ونقضي لحظات رائعة معًا. كان يسأل عن كل واحد منا ويتأكد من أننا بخير كان الأحفاد يتشاجرون أحيانًا على من يجلس بجانبه".
وفقًا لابنة زعيم حزب الله السابق، كانت مناقشات الأسرة تركز بشكل أساسي على الأمور الدينية، مما يترك مجالًا ضئيلًا للسياسة، ما لم تنشأ قضايا عاجلة وتسعى الأسرة إلى "فهم أفضل" لأحداث معينة.
وعند وصفه، أشارت زينب نصر الله إلى والدها كان "أبًا محبًا، ورجلًا متعلمًا جيدًا، وإنسانًا حنونًا للغاية".
وأضافت أنه عندما عُيِّن والدها أميناً عاماً لحزب الله بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في شباط 1992، شعرت الأسرة "بإحساس متزايد بالمسؤولية" لأنه أصبح الآن "زعيماً عابراً للحدود يتبعه ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم". (عربي 21)