الجزيرة:
2024-11-17@18:41:01 GMT

ماذا تغيّر؟!

تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT

ماذا تغيّر؟!

أتت الحرب الكبرى في غزة 2023 – 2024 م تتويجًا وخلاصةً لمائة عام من النضال الفلسطينيّ الذي انطلقت شرارته ولم تتوقف منذ بدأت أولى خطوات التطبيق الفعلي لوعد بلفور في ظل الحكم البريطاني الذي أعقب دخول فلسطين تحت انتدابه. كذلك فإن هذه الحرب تأتي نقطة ابتداء لحقبة ثانية من النضال الفلسطيني تتجلى للأفهام طلائعها لكنها – في مجملها – مطوية في لفافات الغيب المستور تنتظر أن تكشف عنها الأيام والسنون.

والسؤال: ماذا تغيّر في المشهد بين النضال الدائرة رحاه الآن والنضال قبل مائة عام؟، الجواب واضح: قبل مائة عام كانت الفكرة الصهيونية لم تزل مختصرة في ثلاثة أمور: دعاية، هجرة، عصابات تتجهز للقتال. وكانت راعيتها إمبراطورية تدخل طور الأفول، وهي بريطانيا.

رعاية كاملة

وكان العرب – كلهم تقريبًا – تحت الاحتلال؛ أي لا يملكون إرادتهم بصورة كاملة كحكومات، لكنهم كشعوب كانوا ضد الفكرة الصهيونيّة. أما الآن فالوضع مختلف، إسرائيل قوة جذب إقليمي يتقرّب منها ويتودد لها كثير من حكّام العرب، في رعاية إمبراطورية عسكرية عاتية تكفل لها السبل الكافية لسحق المقاومة الفلسطينيّة. قبل مائة عام لم يكن الدور الأميركي بهذه القوة، فقط كان لها مشورة في ترتيب صدور وعد بلفور، ثم كان لها ترتيب في تمويل تدفق المهاجرين، ثم كان لها ترتيب في نصر العصابات اليهودية على العرب 1948م.

لكن هذه الكفالة الكاملة من أميركا لإسرائيل بلغت ذروتها مرتين: في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973م على الجبهتَين: السورية والمصرية، ثم حرب الإبادة ضد غزة 2023م. في المرتَين كان العرب في حرب مباشرة مع أميركا، بينهما خمسون عامًا هي الفترة التي تطوّرت خلالها أميركا من جمهورية دستورية إلى إمبراطورية عسكرية كونية فوق القانون الدولي، وهو الحقّ المكتسب الذي حصلت عليه إسرائيل لتكون قوة عسكرية إقليمية فوق القانون الدولي، وكلتاهما تحاربان العرب دون رادع من أي قانون دولي أو عرف إنساني أو مبدأ أخلاقي.

وفي خلال الخمسين عامًا ذاتها تغير وضع العرب، فقد سقطت أواخر بقايا المناعة الوطنية والروح الاستقلالية، ودخلوا تحت مظلة الإمبراطورية الأميركية تمامًا مثلما كان عرب الجزيرة ينضوون تحت سلطان الفرس، وعرب الشام تحت سلطان الروم. فقد العرب في آخر خمسة عقود كل مصادر الاستقلال التي حصنهم بها الإسلام، ثم مصادر الاستقلال التي حصنتهم بها الأفكار والحركات والنهضات القومية والوطنية الحديثة في فترات مقاومة الاستعمار الأوروبي، لهذا كانت لدى جميع العرب شرف المشاركة في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973م ثم بعد خمسين عامًا وصلوا إلى النقيض تمامًا بشأن حرب غزة أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023م.

العمل على ثلاثة محاور

هذا التغيير الذي جرى في العقود الخمسة الأخيرة له جذوره في العقود الخمسة السابقة عليه؛ أي من بدء اندلاع الثورة الفلسطينية الأولى في عشرينيات القرن العشرين حتى السبعينيات منه؛ أي من ثورة البراق 1929 حتى توقيع أول اتفاقية سلام عربي مع إسرائيل 1979م، التاريخ وحدة واحدة مهما اتسعت أوانيه، ومهما تباعدت أراضيه يؤدّي بعضه إلى بعض.

في عشرينيات القرن العشرين كانت الصهيونية تعمل على ثلاثة محاور: الأول: الاستحواذ على الأرض واستبعاد أهلها. الثاني: وضع بذور الانقسام بين الفلسطينيين، ففريق يتزعّمه آل الحسيني، وفريق يتزعّمه آل النشاشيبي. الثالث: حصر الصراع مع الفلسطينيين فقط، والسعي لاتفاقيات سلام مع باقي العرب. وهي المحاور الثلاثة التي مازالت تمثل خُطة العمل الصهيوني.

يحكي الدكتور محمد حسين هيكل في الجزء الثالث من مذكراته أنّه – عندما كان يترأس تحرير صحيفتَي "السياسة" و "السياسة الأسبوعية" – جاءه كاتب يهودي وطلب منه صراحةً أن تُتيح الصحيفتان صفحاتهما لتأييد الحركة الصهيونية، في مقابل تمويل مادي كريم، فردّ عليه الدكتور هيكل بأنه من المستحيل أن يجد صحيفة مصرية تؤازر الصهيونيّة ضد العرب.

مواقف عربية سلبية

ثم يشرح لنا الخطوط العريضة لمواقف العرب آنذاك، فيقول:

1- كانت البلاد العربية والإسلامية تعطف على عرب فلسطين أشد العطف.

2- لكن موقف الحكومات العربية والإسلامية كان سلبيًا بحتًا.

3- كان ساسة مصر – على اختلاف أحزابهم – يرون في هذا الموقف السلبي حكمةً غاية الحكمة.

4- لم تكن هذه الحكومات – وكانت خاضعة للنفوذ البريطاني – تستطيع أن تصنع شيئًا يُذكر.

5 – لهذا كان مجهود أبناء فلسطين – يقصد الثورة الفلسطينية في 1929م، ثم 1936م – مجهودًا قوميًا صادقًا، كانت ثورتهم ضد الهجرة اليهودية وبيع الأراضي لليهود عنيفة غاية العنف، ولم يخفّف منها ما حدث من انقسام بين زعماء العرب الفلسطينيين، بل لا يخطئ من يذكر أن هذا الانقسام أدّى إلى المزيد من عنف الثورة الفلسطينية 1936م.

الخلاصة: كانت الشعوب متعاطفة، كانت الحكومات عاجزة، كان الشعب الفلسطيني يحمل همومه منفردًا. هكذا كانت الخطوط العريضة للوضع قبل مائة عام مثلما هي – بالتمام – الملامح الرئيسية للمشهد في اللحظة الحاضرة، ما كان قبل مائة عام هو ما هو كائن الآن .

السؤال: إذن ما الذي تغير؟ الجواب: الذي تغير هو أنه في قلب المائة عام؛ أي في العقود الثلاثة – الأربعينيات والخمسينيات والستينيات – بلغ الفكر العربي ذروته في الاهتمام بالحق الفلسطيني، كانت طفرة تختلف عما قبلها وعما بعدها، أما لماذا تلاشت هذه الطفرة، فهذا مقال الخميس المقبل بمشيئة الله تعالى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

ماتاريلا: "لا يمكن رفض القوانين إلا إذا كانت غير دستورية"

في تصريح مهم، أكد رئيس الجمهورية الإيطالية سيرجيو ماتاريلا أنه على الرغم من تَكرار توقيعه على قوانين لا يوافق عليها شخصياً، إلا أنه ملزم بذلك طالما كانت القوانين قد تم التصديق عليها من قبل البرلمان، ما لم تكن هناك شبهة دستورية واضحة. وأوضح أن مسؤوليته تقتضي التوقيع على القوانين ما لم تتعارض بشكل صريح مع الدستور، مضيفاً: "الشك الوحيد لا يكفي لرفض قانون".

جاءت هذه التصريحات خلال مشاركته في حدث "25 عاماً من المرصد الدائم للشباب والناشرين" في روما، حيث أشار إلى أهمية احترام التوازن بين السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، والقضائية)، محذراً من أن كل سلطة يجب أن تعرف حدود اختصاصاتها، مشدداً على أن الدستور يفرض التعاون بين هذه السلطات دون أن تكون بمثابة "حصون متقابلة".

ماتاريلا أكد أيضاً على دور رئيس الجمهورية كـ "حكم محايد" يروج لوحدة البلاد، مشيراً إلى أن التنوع السياسي يجب أن يُمارس ضمن إطار من التعاون والاحترام للمصلحة العامة. وأشار إلى القلق المتزايد بشأن تراجع المشاركة الانتخابية، خاصة بين الشباب، وهو ما وصفه "بالإشارة المقلقة" التي تتطلب اهتماماً أكبر من كافة القوى السياسية.

وفيما يتعلق بالقضايا العالمية، أبدى ماتاريلا قلقه من التحديات التي تفرضها التحولات التكنولوجية الكبرى، مثل الذكاء الاصطناعي، داعياً إلى ضرورة التأكد من أن هذه التقنيات تُستخدم بما يعزز الحرية ولا يقلل من الوعي البشري. وفيما يخص الهجرة الخارجية للشباب، شدد على ضرورة تحسين الظروف الداخلية لضمان عدم اضطرار الشباب للهجرة بحثاً عن فرص أفضل.

تحديات الديمقراطية والمشاركة السياسية في إيطاليا: خطاب ماتاريلا يثير النقاش حول مستقبل البلاد

مقالات مشابهة

  • مغردة مشهورة تزوجت من كويتي عمره 100 عاما وهكذا كانت النهاية!
  • أباظة: مصر كانت وستكون ملجا أمن لكل طالب الاستجارة
  • ماتاريلا: "لا يمكن رفض القوانين إلا إذا كانت غير دستورية"
  • الجزيرة ترصد آثار القصف الإسرائيلي على بعلبك
  • الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب
  • نازحون يكشفون عن مآسي النزوح من قرى شرق الجزيرة
  • مراجعة سرية لمجلس محلي بلندن بحثا عن التطرف.. ماذا كانت النتيجة؟
  • وليد الفراج : مانشيني كان واضح ” والبيئة كانت مسمومة “
  • برز في «فيرمونت وسفاح التجمع».. ماهو عقار GHP الذي كانت تتعاطاه الإعلامية الشهيرة؟
  • شرق الجزيرة.. بيت العزاء الكبير