حقبة جديدة للبشرية.. هل حقا توصل العلماء إلى موصل فائق في درجة حرارة الغرفة؟
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
خلال الأسبوع الأول والثاني من شهر يوليو/تموز، أعلن فريق من الفيزيائيين الكوريين الجنوبيين في ورقتين بحثيتين منفصلتين أنهم قاموا لأول مرة في التاريخ بابتكار مادة -ونحن هنا نقتبس حرفيا- "تُمثِّل حدثا تاريخيا يفتح حقبة جديدة للبشرية"، وهي موصل فائق في درجة حرارة الغرفة والضغط الطبيعي، وهو ادعاء جريء جدا في الحقيقة، حيث طالما كانت الموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة هي أقدس الكؤوس في فيزياء المادة المكثفة.
تتمتع جميع المواد التي نعرفها بقدر من المقاومة للتوصيل الكهربي، ما يعني أنها تقاوم تدفق الكهرباء بها بالطريقة نفسها التي يقاوم بها الأنبوب الضيق تدفق المياه، وبسبب هذه المقاومة فإن كمية من الطاقة المنقولة عبر الأسلاك في صورة كهرباء تُفقد في صورة حرارة، هذا هو السبب في أن أجهزة الحاسوب أو الهواتف المحمولة تصبح أسخن مع الوقت، وتحتاج الكثير من الأجهزة إلى مبردات داخلية.
أما الموصلية الفائقة(1) فهي خاصية لبعض المواد التي تقوم بتوصيل التيار الكهربائي المباشر دون مقاومة، وبالتبعية دون فقد في الطاقة عند تبريدها تحت درجة حرارة محددة، وتقوم هذه المواد أيضا بصد الحقول المغناطيسية في حالة التوصيل الفائق، وهي الظاهرة التي تُعرف باسم "تأثير مايسنر". اكتُشف هذا النوع من السلوك للمواد قبل أكثر من 100 عام في الزئبق المبرد إلى درجة حرارة حول 273 تحت الصفر، على يد الهولندي هايك كامرلينغ أونس.
بعد اكتشاف الموصلية الفائقة في الزئبق لوحظت هذه الظاهرة أيضا في مواد أخرى مثل النيوبيوم والتيتانيوم، التي يمكن بسهولة تحويلها إلى أسلاك. وخلال العقد الماضي، ظهرت مواد جديدة فائقة التوصيل في درجات حرارة معتدلة نسبيا (23 درجة تحت الصفر)، ولكن فقط في ظل الحاجة إلى ضغط شديد، ربما أكثر من 100000 مرة من الضغط الجوي العادي، ما يعني كذلك أنها لن تكون عملية كفاية للاستخدام في حياتنا اليومية.
ما الذي حصل بالضبط؟في الورقة البحثية الأولى(2)، أفاد سوكباي ليي وجي-هون كيم ويونج وان كون، وثلاثتهم يعملون باحثين في هذا النطاق، أنه في ظل الظروف اليومية العادية ومن دون تدخل برفع الضغط أو خفض الحرارة، نجحت عملية تعديل أحد أشكال مادة تسمى "أباتيت الرصاص المعدني"، وهو مركب من الرصاص والنحاس والفسفور والأكسجين، ليُظهر علامات على الموصلية الفائقة، مثل تدفق التيار دون مقاومة وطرد المجال المغناطيسي.
ولتعزيز هذه الادعاءات، ظهرت ورقة بحثية أخرى(3) بعد ذلك بوقت قصير شارك في إعدادها ثلاثة باحثين إضافيين. ثم في دليل أخير على صحة ادعاءاتهم، نشر الفريق مقطع فيديو يُظهر المادة التي أطلقوا عليها اسم "إل كي 99" (LK-99) وهي مرتفعة جزئيا أعلى مغناطيس. هذا النوع من العروض بالفعل دليل على الموصلية الفائقة بالنسبة لبعض المواد، لكنه ظهر في الفيديو بدون أي دلالة على التبريد أو الضغط المرتفع، أي في درجة حرارة قريبة من درجة حرارة الغرفة.
أبلغ المؤلفون أيضا في الورقتين البحثيتين أنهم وجدوا أن المقاومة الكهربائية تنخفض انخفاضا حادا حول 378 كلفن، أي أكثر من 100 درجة سيليزية، ثم وصلت إلى ما يقرب من الصفر حول 333 كلفن (نحو 60 سيليزية).
هل هؤلاء الباحثون على حق؟
حسنا، هنا تحديدا نحتاج إلى التوقف قليلا وكبح جماح ثورة وسائل التواصل الاجتماعي المعتادة مع الإعلان عن ادعاءات من هذا النوع، فقد زعمت عدة فرق من الباحثين اكتشاف الموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة في مواد مختلفة في الماضي، لكنَّ أيًّا من الادعاءات لم تصمد أمام التدقيق. وأول ملاحظة تتطلب منا أن نتحسس أدواتنا النقدية هنا هي أن الورقتين البحثيتين لم تخضعا بعد لمراجعة الأقران، أي إنهما نُشرتا على أرشيف للأوراق البحثية وليس مجلة يقوم عدد من المتخصصين فيها بمراجعة تلك المعلومات والبيانات والنتائج وتأكيد صحتها.
أضف إلى ذلك أن الباحثين الكوريين كما يبدو قد اختلفوا فيما بينهم حول مَن يستحق الاعتراف به في هذا الكشف، فقد نُشرت الورقة الأولى بثلاثة باحثين فقط، ونشرها أحدهم كما يبدو دون علم البقية، ثم نُشرت الورقة الثانية التي شابهت في جزء كبير منها الورقة الأولى لكن مع ستة باحثين، وربما كان الاختلاف متعلقا بأن إثبات صحة هذا الادعاء يعني جائزة نوبل محققة لا شك فيها، وجائزة نوبل تُعطى لثلاثة باحثين فقط على الأكثر.
على جانب آخر، العرض الذي قدمه الباحثون في شكل فيديو لا يمكن أن يكون دليلا على أي شيء، فالموصلات الفائقة ليست الأشياء الوحيدة التي تطفو فوق المغناطيس بهذه الطريقة، الجرافيت على سبيل المثال يرتفع أيضا أعلى المغناطيس. (4،5،6)
أضف إلى ذلك أن بعض الفيزيائيين مثل دوغلاس ناتلسون من جامعة رايس بالولايات المتحدة سلَّط الضوء على بعض التناقضات في بيانات الورقتين حول القابلية المغناطيسية، الأمر الذي لا يشجع على الثقة في هذه النتائج. ولكن هذه التعليقات -مثلها مثل الورقتين البحثيتين- لا يمكن أن تكون مؤكدة، يجب أن تُنشر الأوراق البحثية في مجلات متخصصة وتخضع لمراجعة الأقران.
المؤكد أنه بينما تقرأ أنت هذه الكلمات، فإن فرقا بحثية عدة في مناطق متفرقة حول العالم تحاول إعادة التجربة التي أعلن عنها الفريق الكوري الجنوبي، وخلال عدة أشهر سيتأكد الأمر، فإما أن نكون بصدد فتح علمي غير مسبوق، أو يذهب الأمر -مثل غيره- إلى غياهب النسيان إذا فشلت التجارب.
ماذا لو كان ادعاؤهم صحيحا؟كما أسلفنا، فإن الموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة هي حلم كل فيزيائي يعمل في هذا النطاق، في الواقع فإن هذا الاكتشاف -إن تأكد- يعني جائزة نوبل مضمونة لهؤلاء الباحثين كما أسلفنا، هذا لأن تطبيقات هذا الاكتشاف واعدة لا شك، فالموصلات الفائقة تمتلك القدرة على توصيل الكهرباء بدون مقاومة، مما يعني أنها يمكن أن تحمل التيار الكهربائي دون أي فقد للطاقة ولأي مسافة، تسمح هذه الخاصية بالنقل والتوزيع الفعال للكهرباء وتقليل إهدار الطاقة وتحسين الكفاءة الكلية للطاقة في كل مكان بالعالم. (7،8)
أضف إلى ذلك أن الموصلية الفائقة تعني قدرة تحمل عالية للتيار، حيث يمكن للموصلات الفائقة أن تحمل تيارات عالية للغاية دون أي فقد للطاقة أو توليد حرارة، تجعلها هذه الخاصية مثالية للتطبيقات التي تتطلب كثافة طاقة عالية، مثل شبكات الطاقة والمحركات الكهربائية والمولدات.
إلى جانب ذلك فإن من سمات الموصلات الفائقة أنها تطرد (أي تتنافر مع) المجال المغناطيسي (تأثير مايسنر)، تُمكِّن هذه الخاصية المواد فائقة التوصيل من التحليق في وجود مجال مغناطيسي، مما يخدم تطبيقات مثل قطارات الرفع المغناطيسي (ماج-ليف) إلى جانب إمكانية صناعة قطع هندسية منعدمة الاحتكاك، وهذا وحده يُعَدُّ ثورة في كل أشكال الهندسة من السيارات إلى البترول.
إضافة إلى ذلك، يمكن للمغناطيسات فائقة التوصيل أن تولد مجالات مغناطيسية أقوى بكثير مقارنة بالمغناطيسات التقليدية. تجد هذه المجالات المغناطيسية القوية تطبيقات في مختلف المجالات مثل التصوير الطبي (MRI) ومسرعات الجسيمات ومفاعلات الاندماج النووي، والأهم من ذلك كله أن الأمر سيتم بتكلفة منخفضة مقارنة بالتكلفة الحالية لاستخدام الموصلات الفائقة في التصوير الطبي والقطارات السريعة ومسرعات الجسيمات، التي تتطلب التبريد لدرجات حرارة منخفضة جدا، وبالتبعية تكلفة هائلة.
لا تقف المنافع عند هذا الحد، حيث يمكن للمواد فائقة التوصيل تخزين كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية في حالتها فائقة التوصيل وإطلاقها عند الحاجة دون أي خسائر بسبب المقاومة. هذه الخاصية تجعل الموصلية الفائقة مرشحا واعدا لأنظمة تخزين الطاقة المتقدمة، التي ستفيد في كل شيء بداية من السيارات الكهربائية ووصولا إلى السفر للفضاء.
وبالطبع تلعب الموصلية الفائقة دورا حاسما في تطوير أجهزة الحاسوب الكمومية، حيث تتمكن هذه المواد من حمل البتات الكمومية (كيوبت) بفاعلية كبيرة، وهو أمر ضروري لبناء أنظمة حوسبة كمومية موثوقة، وتُعَدُّ الحاسبات الكمومية أمل البشرية المستقبلي الذي سيفتح أبوابا لاستكشافات واعدة في نطاقات متنوعة مثل التشخيصات الطبية وابتكار الأدوية وفهم أصول الكون.
لهذه الأسباب مجتمعة، حصلت الإنجازات في هذا النطاق على ثماني(9) جوائز نوبل حتى الآن، بدأت عام 1913، حينما حصل الهولندي هايك كامرلينغ أونس على جائزة نوبل في الفيزياء نظير أبحاثه حول خواص المواد عند درجات الحرارة المنخفضة، التي أدت فيما بعد إلى إنتاج الهيليوم السائل، ومن ثم الموصلية الفائقة، وآخرها في 2003 حينما حصل عليها أليكسيي أليكسييفتش أبريكوسوف وفيتالي غينزبورغ وأنطوني ليجت لإسهاماتهم الرائدة في نظرية التوصيل الفائق والسوائل الفائقة.
لو صحّت هذه الادعاءات الخاصة بالباحثين الكوريين الجنوبيين، فلسنا فقط أمام جائزة نوبل إضافية لهذا النطاق، بل حقا كما قال هؤلاء الباحثون، سيكون ما حصل حدثا تاريخيا يفتح حقبة جديدة للبشرية!
____________________________________
مصادر
1- DOE Explains…Superconductivity 2- The First Room-Temperature Ambient-Pressure Superconductor 3- O showing levitation at room temperature and atmospheric pressure and mechanism 4- Viral New Superconductivity Claims Leave Many Scientists Skeptical 5- Have scientists in Korea discovered the first room-temperature, ambient-pressure superconductor? 6- Viral room-temperature superconductor claims spark excitement – and skepticism 7-Superconductivity: What Is It and Why It Matters to Our Future 8- Room-temperature superconductors could revolutionize electronics – an electrical engineer explains the materials’ potential 9- Nobel Laureates in Superconductivityالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هذه الخاصیة جائزة نوبل إلى ذلک دون أی فی هذا ذلک أن التی ت
إقرأ أيضاً:
الخطأ في نسبة الآراء إلى أصحابها في الكتب الكلامية
لطالما كان التدقيق في نسبة الأقوال إلى أصحابها من أصول البحث العلمي الرصين، إذ تُبنى على هذه النسبة الأحكام والاستنتاجات التي تؤثر في مسار الفكر والعلم.
وفي العلوم العقدية والكلامية تزداد أهمية هذا التدقيق، نظرا لما يترتب عليه من تبعات قد تصل إلى التخطئة أو التجريح أو حتى التضليل.
من هنا، جاء كتاب "الخطأ في نسبة الآراء إلى أصحابها في الكتب الكلامية: دراسة تأصيلية تحليلية نقدية" من تأليف عبد اللطيف عمر المحيمد، والصادر عن دار المقتبس، في طبعة جديدة مؤخرا، ليسلط الضوء على الأخطاء الواقعة في نسبة الآراء إلى العلماء في كتب العقيدة والكلام، في محاولة لتنقية التراث من الخلط والتأويلات غير الدقيقة، وإرساء منهج علمي منضبط يستند إلى الأمانة العلمية والتثبت في النقل.
والمؤلف عبد اللطيف عمر المحيمد حاصل على الإجازة في كلية الشريعة في جامعة دمشق بترتيب الأول على دفعته، وحاصل على الماجستير في جامعة دمشق أيضا باختصاص العقائد والأديان عن هذا الكتاب، وعلى الدكتوراه من كلية الدعوة الجامعية في لبنان، وله مجموعة من الأبحاث والكتب المنشورة، وقد اعتقلته قوات قسد بعد الاتفاق الذي كان منهم مع الحكومة السورية من مدينة الحسكة.
إعلانوهذا العمل كان الدافع له خدمة أشرف العلوم؛ علم العقيدة لما نسب فيه من أقوال لبعض العلماء لا تتناسب مع مبادئ هذا العلم الشريف.
فكان محركه الحاجة لتنقيح تراثنا من الخطأ سواء منه المتعمد وغير المتعمد، ولتنزيه علم العقيدة عن غير الأدلة الواضحة النقية الصافية، ولمواجهة منهج في التأليف ذي خطر بالغ سمته التحيز أو قلة العلم أو ضعف الثبت، لما له من أثر في اتخاذ الأحكام مع ما يبنى على تلك الأحكام عند البعض من تراشق للتكفير والتفسيق والتضليل.
ضوابط النقل والنسبة إلى العلماءفالكتاب يتعقب أمثلة لهذه الأخطاء مع تبيينه ضوابط للنقل والنسبة إلى العلماء.
والكتاب -كما أُشير- هو رسالة ماجستير أعدّت في اختصاص العقائد والأديان في كلية الشريعة في جامعة دمشق عام 2012، ولها قصة، لعلّ ذكرها يسلّط الضوء على أهمية هذا العمل، وعلى شيء من شخصية مؤلفه وروحه.
فالباحث مع انتمائه لمؤسسة علمية مغلقة فكريًّا ما خشي من قول الحق ولا من إظهار منهجه، وتلقيت هذه الرسالة في الكلية بالعداء والنفور لما فيها من خروج عن النمط التقليدي.
وكانت جلسة المناقشة وما تلاها، كما يذكر الدكتور ثائر الحلاق (مدرس العقائد والأديان في كليّة الشريعة في جامعة دمشق سابقًا)، الذي قدم لهذا الكتاب، أشبه ما تكون بمحاكم تفتيش فكرية، حوسب فيها الباحث على لفتاته الإبداعية وعلى منهجه الفكري، ونازعه المحكّمون -كما قال الدكتور ثائر- في مسائل أصاب فيها الباحث وما أخطأ، وأحسن وما أساء، وبعد أخذ ورد أجيزت الرسالة على استحياء شديد بدرجة ضعيفة لا تليق بالجهد ولا بالعمل المميز الذي قدمه الباحث.
يسعى البحث ظاهرا ومضمونا إلى التنبيه على وضع ضوابط مطّردة للنقل من كتب التراث، وللنسبة إلى علماء المذاهب، سواء منهم المخالفون أو الموافقون بغية تجنب الزلل.
ومن مسالك هذا الخطأ وطرق هذا النحل التي نبّه عليها المؤلف ما تتبعه من نماذج لهذه الأفعال؛ من مثل أن يعمد أحد الباحثين إلى نقل آراء خصومه من كتب إمام معروف بالتشدّد عليهم، أو بالاعتماد على بعض كتبهم دون الأخرى، أو بالاعتماد على كتاب من كتبهم دُسّ فيه ما ليس منه أو أنقص منه ما فيه، أو يعتمد على الكتب المتقدّمة دون المتأخرة، أو على المتأخرة دون المتقدمة، وقد يعمد يعض الشراح إلى بعض المخطوطات التي وقع فيها بعض التصحيف أو بعض التحريف، فيشرحها ظنا منه أنه القول الصحيح، ثم يحاسبهم على هذا الأساس.
وضع الكاتب مادته في 612 صفحة من غير قوائم الفهارس موزعة على مقدمة وفصول خمسة وخاتمة.
إعلانعنون الدكتور المحيمد الفصل التمهيديّ بـ"التعريف بالخطأ وأثرِه في العلوم الإسلامية"، وقسمه إلى مطلبين:
في المطلب الأول: تعريف بالخطأ لغةً واصطلاحًا، وحديث عن حرص العلماء على نقل القول الصحيح. وكان المطلب الثاني: عن تجلّي أثر الخطأ في نقل الرأي في العلوم الإسلامية من خلال تعقب هذا في عدد من العلوم الشرعية، وهي: علم الحديث، وعلوم القرآن، وعلم الفقه وأصوله. ثم تحدث عن تجلي أثر الخطأ في نقل الرأي في علم التاريخ.لينتقل بعدها إلى محطته الرئيسة وهي الآثار المترتّبة على الخطأ في نقل القول في العقائد، وقسم هذا إلى مطلبين أيضًا، هما:
التكفير بوصفه أثرًا من آثار الخطأ في نقل القول، وعن التكفير عن حديث افتراق الأمة ومواقف العلماء منه وتوجيههم له وأثره في شيوع التكفير. والمطلب الثاني كان عن تبادل الألفاظ المنبوذة كالجبرية والقدرية والمرجئة والمشبِّهة.وعنون المؤلف الفصل الأول بـ"صور الخطأ وجهاته"، وفيه ثلاثة مباحث:
كان المبحث الأول عن الخطأ الراجع إلى الزيادة والنقص في الكلام، ومن جهاته التي أوردها: التعميم الفاسد، حيث عرّف المصطلح وبيّن موقف الشارع منه، وذكر نماذج من التعميم الفاسد في المسائل الاعتقادية، موضحًا الفرق بينه وبين التعميم الصحيح.كما تناول مسألة الاعتماد على لازم المذهب، فناقش فكرة الاحتكام إلى لازم القول، وهل لازم القول يُعدّ قولًا لصاحبه أم لا، مع التعريف بدلالة الالتزام وأقسامها، واستعراض مواقف العلماء واختلافهم حول لازم المذهب، ليخلص في النهاية إلى ترجيح الرأي الذي دعمه الدليل الأقوى. أما المبحث الثاني، فتناول الخطأ الراجع إلى النقل من الكتب، ومن جهاته التي أوردها الاحتكام إلى الكتب المشكوك في نسبتها إلى مؤلفيها، وكذلك الاعتماد على بعض الكتب دون غيرها. كما ناقش الخلاف حول تحريف بعض الكتب، وتأثير نسبة ذلك المحرَّف إلى مؤلفه، مع تقديم نماذج متعددة لكل حالة. وجاء المبحث الثالث حول فهم كلام الخصم على غير مراده، حيث سعى المؤلف إلى توضيح فكرته من خلال دراسة أسباب اختلاف الفهوم. فتطرق إلى مسألتي الحقيقة والمجاز، وأثرهما في فهم ألفاظ الشرع، وخاصة في مسائل الأسماء والصفات، كما ناقش الخلاف بين العلماء حول وجود المجاز في اللغة.
كذلك تناول مسألة الأخذ بظواهر النصوص، موضحًا المراد منها عند العلماء، وهل يؤدي ذلك إلى تشبيه الله بخلقه أم لا. كما تعرّض إلى قضية نفي الكيفية في الصفات الإلهية، وبيّن مقصود أئمة السلف عند إطلاق هذا المصطلح، إلى جانب مناقشة فكرة إطلاق الألفاظ على غير معانيها. إعلان
وعنوَن الفصل الثاني بـ"الخطأ في نسبة الآراء في الإلهيّات" وقسمه إلى ثلاثة مباحث:
وكان أولها عن مسائل الإيمان والتوحيد والعالم. وثانيها عن مسائل الصفات الإلهية، وأتى فيه على مسائل الصفات الذاتية، والصفات الخبرية (التي توهم التشبيه؛ كاليدين والوجه والضحك)، وعن الصفات الفعلية (التي توهم الحدوث والتغير؛ كالاستواء والنزول والمعية). وثالثها عن مسائل الأفعال الإلهية، وفيه خلق أفعال العباد، ومناقشتها عند المعتزلة وعند الجويني، والصحيح الموجود في آخر كتبه، وما يجب نقله عنه بصفته مذهبًا له، وفيه مناقشة مسألة التكليف بما لا يُطاق، والتحقيق في مذهب الإمام الأشعري فيه، وبيان مذاهب العلماء في هذه المسألة أيضًا، وفيه مناقشة لمسائل التحسين والتقبيح، ومذاهب أهل السنة والجماعة وكذلك المعتزلة.وعنون الفصل الثالث بـ"الخطأ في نسبة الآراء في النبوات"، وقسمه إلى مبحثين:
أولهما النبوة ومكانتها واكتسابها، وفيه مناقشة لفكرة مكانة النُبوّة عند الفلاسفة، وعن رأي الفلاسفة في النبوة بين الاكتساب والتوقيف. وكان المبحث الثاني عن النبي صلى الله عليه وسلم من حيث مكانته (وفيه معجزاته، وعرض لمسائل التوسل، وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم ولغير ذلك) وفيه أدلة نبوته وحجيتها، وهو عن الأدلة العقلية والنقلية، وأهميتها عند الفرق الإسلامية.وعنون الفصل الرابع بـ"الخطأ في نسبة الآراء إلى أصحابها في السمعيّات" وقسمه إلى مبحثين:
أولهما شمل المسائل المتعلقة بعالمي الجن والملائكة، وما ينسب من إنكارهما إلى الفلاسفة والمعتزلة. وثانيهما في مسائل المعاد، وهو عن مسائل المعاد والبرزخ والمعاد الجسماني والنفساني، وعن مسائل اليوم الآخر وأحداثه؛ كالحساب ونطق الجوارح والميزان.إن أهمية هذا الكتاب تتجلى أنه يضع مسائل من التراث دار حولها إشكال تحت عدسة مجهر التحليل والنقد والإنصاف، وأنه يظهر النتائج الخطيرة المترتبة على هذه النقولات غير الصحيحة؛ مثل التكفير والتفسيق الذي كثيرا ما يكون ما يكون من علماء لعلماء آخرين بناء على أقوال منحولة.
وكذلك فالبحث قد يمكّن القارئ -من خلال ما فيه من تتبع وتحليل ونقد لأمثلة كثيرة – من ملكة تعينه على تمييز الصحيح من الخطأ من أقوال العلماء والفرق.
وجملة القول، إن الكتاب يسعى لحل بعض المسائل المشكِلة في التراث العقدي، مبينا ما يؤدي إليه الخطأ في النسبة من تجنّ ومن حيف عن الحق، ويحاول إكساب الباحث بالمقال وبالمثال أدوات التعامل مع التراث من حيث توخّي الدقة وامتلاك ضوابط النقل التي يحتاج إليها كل باحث عند نقله من كتاب أو عند نقله عن عالم آخر من المذاهب والفرق راسما ملامح منهج ضابط في النقل والنسبة.
إعلان