ديفيد هيرست: الجنائية الدولية تبدد أسطورة أن تل أبيب فوق القانون الدولي
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
علق الصحفي البريطاني على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق كبار الشخصيات السياسية والعسكرية في "إسرائيل"، معتبرا أن "الجنائية" بهذا القرار سحبت رخصة ممارسة القتل من "إسرائيل".
وقال هيرست رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" في مقال ترجمته "عربي21"، إن المحكمة الجنائية الدولية بددت أسطورة أن تل أبيب فوق القانون الدولي، بعد أن ظلت لستة وسبعين عاماً تقدم سردية أمتن في حمايتها لها من أي قبة حديدية.
وشدد على أن الحرب على غزة مزقت ليس فقط سمعة إسرائيل على الساحة الدولية، وإنما أيضاً السمعة الدولية لكل من يستمرون في دعمها، والذين بات إخفاقهم مكشوفاً.
وتاليا نص المقال:
ظلت إسرائيل لستة وسبعين عاماً تقدم سردية أمتن في حمايتها لها من أي قبة حديدية.
تقول هذه السردية إنه بالنسبة لضحايا أسوأ قتل جماعي شهده التاريخ المعاصر، لم يكن تقرير المصير لليهود ما بعد المحرقة مجرد ضرورة، بل كان واجباً أخلاقياً. وتمضي الحكاية لتقول إن أي دولة تنشأ من ذلك سوف تتمتع بالحصانة من أي مساءلة، وبذلك غدت إسرائيل فوق القانون الدولي.
فقد سمح لها بأن تكون بلا حدود معرفة، وسمح لها بأن تحتل. سمح لها بأن تستوطن في المناطق التي تحتلها. وسمح لها بأن تشن بشكل منتظم هجمات استباقية على جيرانها. وسمح لها بأن تحتفظ بأسلحة نووية خارج سيطرة أي سلطة رقابية.
كان بإمكانها أن تمارس تمييزاً عنيفاً ضد الأقليات غير اليهودية فيها، وأن تبقى مع ذلك مقبولة ضمن أسرة الأمم الديمقراطية. ولم يسمح لها فقط بفرض حصار على غزة وتجويع سكان القطاع لستة عشر عاماً، بل حظيت في ذلك على مساعدة المجتمع الدولي.
وكل من عبر عن رفضه للمذهب القائل بأن هذه الدولة العنيفة لديها الحق في الوجود كان يناله إقصاء سياسي.
كانت إسرائيل بمثابة قارب نجاة لليهود الذين يواجهون معاداة السامية في مختلف أنحاء العالم. لم تكن السبب الأولي لموجات من معاداة السامية، بل كانت تحمي اليهود، ولم تكن تشكل تهديداً لهم.
على مدى ستة وسبعين عاماً، كان لدى إسرائيل رخصة للقتل، بكل ما تعنيه هذه العبارة. وذلك حتى يوم الإثنين.
قام مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان بأكثر من مجرد تقديم طلب بإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت. فقد أحدث خرقاً في الأسطورة التي تقول إن أي قائد إسرائيلي، سواء كان مسؤولاً أم جندياً، فهو فوق المساءلة أمام القانون الدولي.
فتح صندوق بندورا
حُق لنتنياهو أن يتوتر وأن يقلق إزاء التداعيات المحتملة، والتي من المؤكد أنها ستكون بعيدة المدى. فلقد تم فتح هذا الطلب صندوق باندورا.
نعم، إنه حتى هذه اللحظة مجرد طلب تم التقدم به لقضاة المحكمة الجنائية الدولية. ولقد حصل في مناسبات سابقة أن تم في البداية رفض مثل هذا الطلب، كما في حالة زعيم المليشيا الرواندية الذي كان مطلوباً بتهمة ارتكاب جرائم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أو كما في حالة عمر البشير، الرئيس السوداني السابق.
ولكن المطلوب من جلسة الاستماع التمهيدية المكونة من ثلاثة قضاة هو فقط أن يقنعوا أنفسهم بنقطتين – بأن هناك من المبررات ما يكفي للاعتقاد بأنه تم ارتكاب جريمة واحدة على الأقل مما يقع ضمن صلاحيات المحكمة النظر فيه، وأنه يبدو ضرورياً المضي قدماً في توقيف الأشخاص المعنيين لضمان مثولهم أمام المحكمة، وألا يصدر عنهم ما يهدد مسار التحقيق، وللحيلولة دون أن يتمكنوا من الاستمرار في ارتكاب نفس الجريمة.
إذا ما أخذنا بالاعتبار التنمر الذي تعرضت له المحكمة، حيث هددت الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات عقابية ضد أعضائها، فلا ريب أن نقطة ثالثة غير مكتوبة سوف تحتل جزءاً من تفكيرهم، ألا وهي الحاجة لحماية استقلالية المحكمة الجنائية الدولية.
فلو خضعوا لهذا الضغط لتلاشت شرعية المحكمة الجنائية الدولية – ناهيك عن أن الأدلة على التهم السبع تكاد تكون دامغة.
صندوق بندورا كبير. ولو صدرت بحق نتنياهو وغالانت مذكرات توقيف، فإن كل واحد من أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية وآلتها العسكرية، من أعلى الرتب إلى أدناها، بما في ذلك جنود الاحتياط الذين رفعوا على الإنترنيت مقاطع فيديو صوروها بهواتفهم الآي فون، يمكن أن توجه له نفسهم التهم.
والنقطة الثانية التي ينبغي أن تؤخذ بالحسبان هي أن التهم تتعلق فقط بما حدث يوم السابع من أكتوبر أو ما بعده. فقد اعتمد خان في الطلب الذي تقدم به على تقرير لجنة من خبراء القانون الدولي حول سياسة التجويع والحصار التي تمارسها إسرائيل، والتي حالت من خلالها دون وصول متطلبات الحياة الأساسية إلى السكان بأسرهم. لم يتطرق هؤلاء الخبراء في تقريرهم إلى التداعيات القانونية للقتل الجماعي للمدنيين.
فيما لو نجح هذا الطلب، أو حتى فيما لو تم رفضه مؤقتاً، فإن القضية التي تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية تعود إلى اللحظة التي تم فيها قبول فلسطين عضواً في المحكمة في عام 2015. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد فتحت في عام 2021 تحقيقاً في مزاعم بارتكاب جرائم حرب في فلسطين المحتلة منذ يونيو (حزيران) من عام 2014.
أما الطلب الذي تم تقديمه يوم الإثنين فيتعلق بالوضع الراهن. وهناك طابور طويل من الطلبات التي تنتظر دورها حول كل شيء فعلته إسرائيل في المناطق المحتلة على مدى العقد الماضي.
تاريخ طويل
ثمة تاريخ مرير للذراع الطويلة لقانون المحكمة الجنائية الدولية. ولذلك فإن الطلب الذي تقدم به خان لم يكن نتيجة عمل لحظي، ومن المؤكد أنه لم يكن نتاج عمل رجل واحد لربما ظن أن أوكرانيا ستكون إرثه الرئيسي بعد أن تولى منصب مدعي عام المحكمة في عام 2021.
لكم ثار نزاع مرير حول صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية إزاء المناطق المحتلة، وكان لابد من التغلب على سلسلة من العقبات قبل أن يتسنى التقدم بمثل هذا الطلب. في البداية لم يكن معترفاً بفلسطين كدولة، ولذلك لم يكن مسموحاً لها بأن تكون جزءاً من المحكمة الجنائية الدولية. مورست ضغوط هائلة على السلطة الفلسطينية، بما في ذلك تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات، حتى لا تستخدم عضويتها لملاحقة إسرائيل.
ثم توجب على المحكمة الجنائية الدولية مناقشة ما إذا كانت لديها صلاحيات البت بشأن ما يجري داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم جاء القرار الذي اتخذته المدعية السابقة باتو بنسوده، والذي سمح للإجراءات الحالية بأن تمضي قدماً. ولكن استغرق هذا النقاش ست سنين، من عام 2015 وحتى عام 2021.
كان جلياً جداً أن ثمة حاجة ماسة لأن تتدخل المحكمة الجنائية الدولية وتتخذ إجراءً ما. فقد جرت عدة محاولات قانونية فاشلة لجلب المسؤولين الإسرائيليين للعدالة في الخارج بموجب الولاية القضائية الدولية.
رئيس الوزراء السابق أرييل شارون، ووزير الدفاع السابق شاؤول موفاز، ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، كلهم واجهوا احتمال إلقاء القبض عليهم فيما لو سافروا إلى لندن. إلا أن رئيس الوزراء السابق غوردن براون دافع عن تسيبي ليفني قائلاً إنه "يعارض تماماً" المذكرة التي أصدرتها محكمة بريطانية لتوقيفها بتهمة جرائم الحرب. أما وزير الخارجية السابق ديفيد ميليباند فهاتف نظيرته الإسرائيلية معتذراً لها عما حدث.
حينذاك علق ميليباند على الحدث الذي جرى في عام 2009 قائلاً إنه يتوجب تغيير القانون البريطاني الذي يسمح للقضاء بإصدار مذكرات توقيف بحق كبار الشخصيات الأجنبية "بدون معرفة مسبقة أو مشورة من قبل نائب عام".
وبالفعل تم تغيير القانون. وبات مطلوباً الآن في أي إجراء من هذا القبول الحصول على موافقة مدير الادعاء العام قبل إصدار مذكرة توقيف.
الولايات المتحدة تربط نفسها في عقد
يمثل رد فعل الولايات المتحدة الحالي على توصية محكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرات توقيف مؤشراً آخر على خطورة الأمر. فقد تراوح رد الفعل ما بين توجيه تهديدات مباشرة لأعضاء المحكمة إلى بذل مساعي غايتها حرمان السلطة الفلسطينية من التمويل فيما لو استمرت في دعم القضية التي تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية.
أعرب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن عن غضبه الشديد لأن محكمة الجنايات الدولية ساوت بين إسرائيل وحماس، وذلك أنها طلبت أيضاً إصدار مذكرات توقيف بحق ثلاثة من زعماء حماس. وعن ذلك قال بايدن: "دعوني أقول بوضوح إنه أياً كان مقصد هذا المدعي العام، فليس هناك تكافؤ إطلاقاً بين إسرائيل وحماس. لسوف نقف باستمرار مع إسرائيل ضد التهديدات التي توجه لأمنها".
ومضى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إلى أبعد من ذلك حين قال إن النتائج المفضلة لدى واشنطن فيما يتعلق بقادة حماس هي الاغتيال أو المقاضاة أمام محكمة إسرائيلية. وقال: "يجب على الحكومة الإسرائيلية محاسبتهم في أرض المعركة، وإذا لم يكن ذلك في أرض المعركة، فليكن ذلك في قاعة المحكمة".
وبذلك تربّط إدارة بايدن، التي تقترب من انتهاء ولايتها، نفسها في عقد. فيما لو انقادت لغرائزها فمضت في معاقبة السلطة الفلسطينية، وسحبت عنها التمويل، أو مضت في تقويض شرعية المحكمة الجنائية الدولية من خلال فرض عقوبات على قضاتها ومدعيها، فإن الولايات المتحدة ستكون كمن يطلق النار على قدمه.
فيما لو اتفق بايدن مع وزير الخارجية الأمريكية السابق مايك بومبيو في اعتبار المحكمة الجنائية الدولية محكمة هزلية، وحاول تقويضها، فماذا سيحدث لإجراءات مقاضاة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب بغزوه أوكرانيا، وهي المقاضاة التي تؤيدها الولايات المتحدة؟ وماذا سيحدث لكل الإجراءات الأخرى التي تتخذها المحكمة الجنائية الدولية؟
والأهم من ذلك، ماذا سيكون مصير المساعي الأمريكية لإقامة سلطة مدنية تتسلم مقاليد الأمور في غزة بدلاً من حماس، فيما لو حرمت واشنطن الذراع الآخر الوحيد للحكومة الفلسطينية من التمويل؟
يقول بايدن إنه يريد أن يعيد بناء الدولة الفلسطينية بعد انتهاء هذه الحرب. ولكنه بدلاً من ذلك يشارك الإسرائيليين بالكامل في تدميرها.
لحظة فارقة
بالنسبة لحماس، لا يعتبر توجيه تهم لقادتها بنفس القدر من الإشكال. بعد أن رحبت حماس بإقامة الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية على المناطق الفلسطينية المحتلة، لم يكن منها إلا أن نددت بمطالبة المحكمة إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وقائد الحركة في غزة يحيى السنوار، وقائد كتائب القسام محمد الضيف، مؤكدة على أن المقاومة المسلحة ضد الاحتلال حق مكفول بقرارات الأمم المتحدة.
ولكن حماس مصنفة على أنها منظمة إرهابية في معظم دول العالم الغربي، ولذا لن يطرأ الكثير من التغيير على وضعها، فيما عدا أن هنية قد يرتاب فلا يقدم على زيارة مصر في الظروف الحالية.
أياً كانت الزاوية التي ينظر المرء فيها إلى الأمر، فإننا أمام لحظة فارقة. فقد حصل خرق في الحصانة التي كانت تتمتع بها إسرائيل، وفي هذا إحراج كبير لمن يناصرونها. كما أن في ذلك كشف غير مسبوق عن الطبيعة الاستعمارية للعدالة الدولية التي تطبق على الآخرين.
ولقد نقل خان نفسه عن زعيم غربي لم يسمه أنه قال له بأن محكمة الجنايات الدولية إنما أقيمت "من أجل أفريقيا والبلطجية من أمثال بوتين". وكما لاحظ خان، يمثل هذا الكلام إدانة للمحكمة التي ولدت من رحم محاكمات نورمبيرغ ضد النازيين.
ولذا كانت إيباك محقة من هذا الجانب في تحذيرها الولايات المتحدة من أنه إذا نجحت مذكرات التوقيف التي طالبت بها المحكمة الجنائية الدولية، فإن نفس الأمر يمكن أن يطبق على القوات الأمريكية. وقالت إيياك في بيان صادر عنها: "تشكل هذه الإجراءات من قبل المحكمة تهديداً خطيراً: حيث أن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، السابقين والحاليين، وكذلك المواطنين من البلدين، يمكن أن يواجهوا بمذكرات توقيف أو استدعاءات صادرة عن المحكمة التي تلزم أعضاءها بتنفيذ ما يصدر عنها من قرارات".
لكل هذه الأسباب مجتمعة، ثمة حاجة ملحة إلى إجراء المحكمة الجنائية الدولية من أجل وقت هذه الحرب الهمجية، والتي تنظر المحكمة فيها.
التخلص من العادة
إنها حرب بلا نهاية. إنها حرب بلا غاية، فلا يوجد خطة ذات مصداقية تم وضعها لرسم مستقبل غزة. إنها حرب يساق فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة كالماشية من خيمة إلى أخرى، بينما تستمر إسرائيل في منع كل أنواع المساعدات. وكل هذا يحدث تحت مظلة الحصانة من المساءلة.
نجم عن تحرك محكمة الجنايات الدولية انقسام البلدان التي ظلت حتى عهد قريب تقف وراء إسرائيل في عدوانها المستمر منذ سبعة شهور. وغدت بريطانيا معزولة في أوروبا بسبب إصرارها على أن المحكمة ليست لديها ولاية قانونية على فلسطين. أما فرنسا وبلجيكا وغيرهما فقد عبروا عن دعمهم للتحقيق الذي تجريه محكمة الجنايات الدولية.
وكذلك فعل أيضاً جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي ذكر الدول الأعضاء في نظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية بأن عليها تنفيذ ما يصدر عن المحكمة من قرارات.
ولكن بالنسبة لأولئك الزعماء، من أمثال بايدن، الذين يجدون صعوبة في التخلص من عادة لازمتهم طوال حياتهم، بات دعم إسرائيل أمراً مكلفاً. فهو يعني نفي الأبارتيد، ونفي الإبادة، ونفي جرائم الحرب مثل التجويع الجماعي. ولائحة الاتهامات آخذة في النمو، وبات من الصعب الدفاع عنها.
لقد مزقت الحرب ليس فقط سمعة إسرائيل على الساحة الدولية، وإنما أيضاً السمعة الدولية لكل من يستمرون في دعمها – والذين بات إخفاقهم مكشوفاً.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الجنائية الدولية مذكرات توقيف القانون الدولي نتنياهو نتنياهو القانون الدولي الجنائية الدولية مذكرات توقيف دولة الاحتلال صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الجنائیة الدولیة محکمة الجنایات الدولیة الولایات المتحدة القانون الدولی هذا الطلب لها بأن فی عام على أن لم یکن من ذلک فی ذلک
إقرأ أيضاً:
د. كهلان الخروصي: القانون الدولي الإنساني يواجه ازدواجية المعايير في النزاعات المعاصرة
القوة الناعمة للجماهير سلاح جديد للضغط على صناع القرار
كان للمؤتمر الدولي «القانون الدولي الإنساني فـي ضوء الفقه الإسلامي»، الذي اختتم فعالياته أمس أثر بالغ فـي النفس، وذلك أنه جاء ليناقش قضية واقعية تجسدها معانات إخواننا فـي غزة وفلسطين جراء العدوان الغاشم الذي قام به الكيان الصهيوني وأعوانه فـي تدمير القطاع ومحاولة جعله مكانا غير قابل للعيش، إلا أن العزيمة الفلسطينية وتجذر حب الوطن والدفاع عن القضية التي تتجاوز المكان والزمان جعلتهم يعودون للعيش فـي قطاع غزة واستئناف الحياة فـيه وإعادة إحيائه.
ومن أبرز الكلمات التي تركت فـي ذاكرتي انطباعا خاصة هي كلمة لفضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، مساعد المفتي العام لسلطنة عمان والتي أشار فـيها إلى مفارقة مؤلمة تتعلق بمؤتمر مشابه عقد قبل عشر سنوات فـي الجامعة الإسلامية فـي غزة، حيث كان من بين المشاركين ممثل للجنة الدولية للصليب الأحمر، وقال فضيلته: إن قاعة ذلك المؤتمر قد تعرضت للتدمير، وأن العديد من الباحثين المشاركين فـيه قد قضوا نحبهم، مما جعل صوت المؤتمر خافتاً وغير مؤثر على ضمير الإنسانية، حيث تجاهل العالم أصواتهم وصمّت آذانه وأغمض عينيه عن معاناتهم، مؤكدا على ضرورة أن لا تتكرر هذه التجربة المؤلمة، بل يجب أن يكون هذا المؤتمر الحالي صادعاً بالحق، موضحاً أسس العدالة، ومبيناً قواعد القانون الدولي الإنساني وضوابطه، بما يُمكن من تطبيقه وتنفـيذه بما يحقق العدالة والسلام فـي العالم.
وأكد فضيلته أن المؤتمر يمثل فرصة للعلماء والباحثين لتقديم اجتهاداتهم العلمية، ودراسة القضايا الإنسانية وفق أصول الشريعة الإسلامية المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، بهدف تقديم حلول قائمة على أسس علمية رصينة، تسهم فـي معالجة التحديات الإنسانية المعاصرة،
وأشار إلى أن التراث الإسلامي يزخر بالكثير من الكنوز الفقهية المتعلقة بفقه الدولة والقانون الدولي الإنساني، والتي لم ينفض عنها الغبار بعد رغم الحاجة الملحة إليها، كما أوضح أن آيات القرآن الكريم تزخر بنصوص تتصل بالقانون الدولي الإنساني، إذ يدعو الإسلام إلى تحقيق السلم والسلام، ومنع النزاعات المسلحة، وتقليل أضرارها فـي حال وقوعها، مع ضمان حقوق غير المقاتلين، وحماية المؤسسات والمرافق المدنية، وتقديم العناية بالأسرى والنساء والشيوخ والأطفال وكل من لا علاقة لهم بالنزاعات المسلحة، وأن الأمل معقود على أن يخرج المؤتمر بخلاصات علمية جديدة تسهم فـي تطوير هذا المجال وتعزز مبادئ القانون الدولي الإنساني من منظور الفقه الإسلامي.
يتقاطع مع مبادئ الفقه الإسلامي
وأوضح أن ما توصل إليه المجتمع الدولي من قوانين تهدف إلى حفظ كرامة الإنسان، وتقليل آثار النزاعات المسلحة، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، يتقاطع فـي كثير من جوانبه مع مبادئ الفقه الإسلامي، الذي أسس قواعد راسخة فـي هذا المجال، وأن عُمان تمتلك رصيداً حضارياً غنياً يمكن أن تقدمه للعالم، مستمدّاً من تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن التجارب التاريخية لأئمة وحكام عُمان الذين رسّخوا مفاهيم السلم، والعلاقات الدولية المبنية على المصالح المتبادلة، وحسن الجوار، ورفع الظلم، وإغاثة الملهوف، والتصدي لكل أشكال العدوان والطغيان.
وأشار إلى أهمية دراسة هذا الرصيد الحضاري وتقديمه كنموذج يُحتذى، بدءاً من وصية الإمام الصلت بن مالك لقائد جنده عند تحرير جزيرة سقطرى، مروراً بوصايا الأئمة والحكام لقادة جنودهم، والمواثيق والعهود التي أبرموها مع الدول المجاورة والبعيدة، والتي هدفت إلى ضبط الأمن والسلم، وتقليل النزاعات المسلحة، وتعزيز التعاون الدولي.
مؤكدا أن القيادة العمانية الحديثة تسير على النهج ذاته، مستلهمةً مبادئ القرآن الكريم والسنة النبوية، ومستندةً إلى التراث الفقهي والتجارب التاريخية، مع الاستفادة مما أفرزه العالم المعاصر من اتفاقيات وعهود دولية تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف النبيلة.
وتساءل مساعد المفتي، عن مدى فاعلية القانون الدولي الإنساني فـي مواجهة الجرائم والانتهاكات التي يشهدها العالم اليوم، لا سيما فـي الأرض المقدسة بفلسطين، حيث تتعرض غزة لعدوان صارخ تتجلى فـيه أبشع صور التطهير الجماعي والفصل العنصري، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تشمل استهداف المدنيين الأبرياء، والأسرى، ودور العبادة، والمرافق المدنية والحيوية، بل وحتى مقرات الأمم المتحدة ومنظماتها.
وأشار إلى أن هذه الوقائع تثير تساؤلات جوهرية حول تعريف القانون الدولي الإنساني، وما إذا كان يخضع لمعايير مزدوجة تميز بين الشعوب، فـيطبق على الضعفاء بينما يُستثنى منه أصحاب القوة والجبروت، كما تساءل عما إذا كان تعريف «الإنسان» ذاته يختلف باختلاف الدول والكيانات، وما إذا كان القانون وُجد لخدمة أغراض سياسية ضيقة بدلاً من تحقيق العدالة الشاملة.
وأكد أن القانون الدولي قائم، لكن مخالفاته لم تعد خافـية على أحد، مما يفرض على عقلاء العالم واجب التحرك لإعادة إحياء مبادئه وبسط سلطته بعدالة تضمن حقوق جميع البشر دون تمييز، كما طرح فكرة الاستفادة من منصات الإنترنت كوسيلة لحشد أصوات العقلاء، وتكوين قوة ناعمة تضغط على أصحاب القرار والسلطة للالتزام بالقانون الدولي الإنساني، بحيث يكون العدل حقاً مشتركاً بين جميع بني البشر، وتُحفظ للإنسان كرامته، بغض النظر عن هويته أو انتمائه.
الضمانات اللازمة
وطرح فضيلته، خلال كلمته تساؤلاً جوهرياً حول الضمانات التي يمكن أن تضمن الالتزام الفعلي بالقانون الدولي الإنساني، خصوصاً فـي ظل النزاعات المسلحة التي يشهدها العالم، حيث دعا العلماء والباحثين إلى مناقشة آليات يمكن من خلالها تحقيق السلم، ومنع الاقتتال، والحد من آثار الحروب والنزاعات.
وأكد على أهمية إيجاد وسائل ضامنة تحفظ كرامة الجرحى والأسرى، وتضمن حماية مؤسسات المجتمعات والأوطان، وتُسهم فـي تقديم الخدمات الأساسية التي تكفل حياة الناس، كما أشار إلى ضرورة العمل على تعزيز مفهوم الصلح والسعي نحو استتباب الأمن، من خلال ضمانات فعّالة فـي مجال القانون الدولي الإنساني.
وأعرب عن أمله فـي أن يسهم المؤتمر فـي إضافة أطر جديدة ومفاهيم موسعة تساهم فـي توضيح وتطوير أحكام هذا القانون، عبر تحديد دقيق للمصطلحات والتعريفات الواردة فـيه، مع التأكيد على أنه يجب أن يُطبّق كوسيلة لتحقيق العدالة والرحمة، بما يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تضع القسط حقاً للناس جميعاً.
كما شدد فضيلته على أن الدين الذي اختاره الله للإنسان هو دين عدالة ورحمة وإحسان، وأن كرامة الإنسان هي منحة إلهية لا يمكن لأحد التنقص منها، فهي حق من حقوق الإنسان، تم منحه من قبل الخالق القدير سبحانه وتعالى.
وأضاف أن من أهم الإضافات التي يرجو أن يخرج بها المؤتمر المبارك هي ضرورة توجيه رسالة إلى القائمين على القانون الدولي وهيئاته ولجانه ومؤسساته، داعياً إياهم إلى ضرورة إيجاد ضمانات قوية تُسهم فـي نشر العدالة بين الجميع، مع التأكيد على أن هذه الضمانات يجب أن تُوظف بكافة الوسائل والإمكانات المتاحة.
وأشار إلى أن استخدام القوة قد لا يكون متاحاً فـي العديد من المواقف، إلا أن العالم اليوم يشهد تنامياً كبيراً لقوة مؤثرة، وهي قوة الجماهير عبر الإنترنت، والتي لا يمكن تجاهلها أو الاستهانة بها، وأوضح أنه إذا كانت هذه الجماهير تملك صوتاً كبيراً فـي التأثير على مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة والفكر، فكيف لا يكون لها دور بارز فـي توجيه مسار القانون الدولي، وبسط العدالة، وإرساء أسس السلم والتعايش السلمي، وحماية كرامة الإنسان،
كما دعا فضيلته إلى الاستفادة من هذه القوة الجماهيرية فـي إيصال أصوات المستضعفـين والمظلومين إلى العقلاء فـي أنحاء العالم، مع البحث عن وسائل عملية لتحقيق كل ذلك، وضمان حقوق الإنسان وكرامته فـي شتى أنحاء المعمورة.
وأضاف أن التراث الإسلامي والعماني الإباضي، كما هو الحال فـي التراث الفقهي للمذاهب الإسلامية الأخرى، يحتوي على العديد من التجارب النافعة التي يجب إبرازها وتقديمها للعالم، لما فـيها من حلول ومفاهيم يمكن أن تسهم فـي تعزيز القانون الدولي الإنساني، وتحقيق العدالة لجميع الشعوب.
نتائج المؤتمر
وتوصل الباحثون فـي هذا المؤتمر إلى مجموعة من النتائج التي تسلط الضوء على العلاقة المتينة بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي فـي إطار النزاعات المسلحة، وأكد الباحثون أن الأصل فـي علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم وليس الحرب، حيث لم تكن الحرب خيارًا أوليًا فـي تعاملاتهم، بل كان السلام هو المبدأ الأساسي الذي يوجه تصرفاتهم. وأظهر المؤتمر تفوق الفقه الإسلامي على القانون الدولي فـي العديد من الجوانب، خاصة من خلال إقرار منظومة فقهية مدعمة بآليات تطبيقية تجعل من السلم واقعًا معاشًا، بينما تعتبر الحرب فـي هذا السياق طارئة ومقيدة، مما يضمن تحقيق السلام فـي المجتمعات الإسلامية، كما أكدت الشريعة الإسلامية على حماية المرضى والضعفاء، وأرست مجموعة من الأحكام الشرعية التي تضمن الرعاية الطبية لهم فـي حالات النزاع.
من جانب آخر، تطرق الباحثون إلى الحماية القانونية للمنشآت المدنية فـي حالات الصراع المسلح، فقد نصت الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني على تحريم الاعتداء على المستشفـيات، الأدوات الطبية، وسيارات الإسعاف، ما يعكس الاهتمام المشترك بالحفاظ على هذه المنشآت الحيوية التي تقدم الدعم للفئات المتضررة، وفـي السياق نفسه، أكد الباحثون على أهمية الحق فـي الأمن الغذائي، الذي أكدت الشريعة الإسلامية على تعزيزه فـي السلم والحرب، واعتبرته جزءًا أساسيًا من استقرار المجتمعات الإسلامية، من خلال فرض سياسات وأحكام شرعية ملزمة وغير ملزمة لتحقيق هذا الحق. أما فـي المجال الدولي، فقد أشار الباحثون إلى أن الحق فـي الأمن الغذائي يُعتبر جزءًا من القانون الدولي الإنساني رغم عدم ذكره بشكل صريح فـي النصوص القانونية، حيث نظم القانون الدولي هذا الحق عبر منع التجويع وتقديم المساعدات الغذائية فـي أوقات النزاع، وذلك من خلال الاتفاقيات والبروتوكولات ذات الصلة، ولفت الباحثون أيضًا إلى أهمية الوصايا والرسائل التي كان يرسلها أئمة عمان لقادة الجيوش أو الأطراف المتحاربة، حيث جسدت هذه الرسائل مبادئ الإسلام فـي الحفاظ على حياة المدنيين، وحماية الممتلكات العامة، ورعاية الأسرى، ما يعكس حرص الشريعة على احترام القيم الإنسانية حتى فـي أوقات الحرب.
انتهاكات الاحتلال
وتناول المؤتمر انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي الإنساني بحق الأسرى الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن الاحتلال يحرم هؤلاء الأسرى من أبسط حقوقهم فـي الحياة الكريمة، وهو ما يعد انتهاكًا صريحًا للاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق الأسرى، كما أوضح الباحثون أن القواعد الفقهية تزخر بالعديد من المبادئ التنظيمية والإدارية التي يمكن أن تساهم فـي ترشيد قرارات القادة العسكريين وضبط تصرفات الجنود، مما يساهم فـي حماية المدنيين وضمان سير العمليات العسكرية وفقًا للقانون. وتم التطرق إلى هيمنة الدول الكبرى على المؤسسات الدولية، حيث أشار الباحثون إلى أن هذه الهيمنة فـي كثير من الأحيان تحول دون قيام هذه المؤسسات بواجباتها تجاه القضايا الدولية المهمة، وقد أكد المؤتمر أيضًا على أن الشريعة الإسلامية تمنع استخدام القوة بين الدول الإسلامية وبينها وبين غيرها إلا فـي حالات الدفاع عن النفس وصد العدوان، مما يعكس مرونة فـي التعامل مع التحديات الدولية مع الحفاظ على مبادئ الإسلام.
وتناول الباحثون أحكام الشريعة الإسلامية فـي مجال حماية الممتلكات الثقافـية خلال النزاعات المسلحة، حيث أكدت الشريعة على العديد من المبادئ السامية التي تحظر المساس بهذه الممتلكات، مما يعكس حرص الإسلام على الحفاظ على التراث الثقافـي والحضاري للبشرية.
المسؤولية الجنائية الدولية الفردية
إحدى أهم القضايا التي تم تناولها هي إرساء مبدأ المسؤولية الجنائية الدولية الفردية، حيث أكد الباحثون على أن لهذا المبدأ أثرا بالغا فـي تحقيق حماية فعّالة للممتلكات الثقافـية من الانتهاكات التي تطولها، كما أن وجود محكمة جنائية دولية دائمة يعزز من مكافحة الإفلات من العقاب، من خلال ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، بما فـي ذلك تلك التي تستهدف التراث الثقافـي.
وفـيما يخص النزاعات المسلحة فـي العصر الحديث، أشار الباحثون إلى أن هذه النزاعات تسببت فـي تدمير البيئة وتلويثها، حيث أدت الأسلحة المستخدمة، مثل الكيميائية والبيولوجية، إلى اختلال التوازن البيئي، كما ظهرت ظواهر بيئية سلبية مثل الاحتباس الحراري والأمطار الحمضية والتصحر، وهو ما يشير إلى ضرورة وضع استراتيجيات لحماية البيئة فـي زمن الحرب.
وفـي هذا السياق، أكد المؤتمر على أن الاعتداء على البيئة محظور فـي الشريعة الإسلامية وفـي القوانين البيئية الدولية، فقد اهتم الإسلام بوضع تشريعات لحماية البيئة وكان له السبق فـي وضع القواعد العامة لحمايتها، مما يعكس التوجه الشرعي نحو المحافظة على الموارد الطبيعية.
من ناحية أخرى، أقر الفقه الإباضي الحماية التامة لكبار السن، باعتبارهم ضحايا حرب، وهو ما يتوافق مع مبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يؤكد على حماية هذه الفئة عبر الاتفاقيات الدولية، كما أشار المؤتمر إلى وجود فروق نظرية بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني، سواء من حيث الدوافع والأهداف أو من حيث الشمول والركائز التي يقوم عليها كل منهما.
أحد أبرز الموضوعات التي تم التطرق إليها فـي المؤتمر هو التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين فـي الفقه الإسلامي، فقد أكد الفقه الإسلامي ضرورة أن تكون الحرب أداة لحماية الدين والوطن، وليس وسيلة للانتقام أو الإبادة، وهو ما يعكس التزام الإسلام بمبادئ العدالة الإنسانية حتى فـي أوقات الحرب، كما تمت الإشارة إلى افتقار القانون الدولي الإنساني لآليات حازمة فـي تطبيق قواعده، مما يجعله فـي بعض الأحيان عرضة لتأثيرات المسارات والمصالح السياسية.
احترام الذات الإنسانية
وفـيما يتعلق بمراعاة حقوق الإنسان فـي النزاعات المسلحة، أكد الباحثون على ضرورة احترام الذات الإنسانية فـي الحروب والنزاعات المسلحة، مع التأكيد على ضرورة الاقتصاد فـي الأرواح البشرية، كما أشاروا إلى أن الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني يمتلكان أساليب ومنافذ لحماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة، وهو ما يعكس التزامهما بالحقوق الأساسية للطفولة.
وأبرز الباحثون فـي المؤتمر أن الطرق الوقائية فـي الفقه الإسلامي لا تقتصر على تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، بل تمتد لتشمل الطرق التي تمنع وقوع الحرب ابتداءً، مما يعكس التوجه نحو حفظ السلم وتجنب التصعيد العسكري، وفـيما يخص حرية أسير الحرب، فقد أكدت الشريعة الإسلامية على أن هذا الحق فـي ممارسة الشعائر الدينية مضمون، كما أقرته المواثيق الدولية، حيث تضمن التشريعات الإسلامية فـي نصوصها وقواعدها الحق للمعتقلين فـي ممارسة شعائرهم الدينية، وهو ما ظهر بوضوح فـي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأقرته المواثيق الدولية فـي موادها.
وأخيرًا، تمت الإشارة إلى الشيخ الرقيشي العماني الذي جمع عددًا من القواعد الكبرى فـي الإسلام وحرص على توظيفها بما يخدم موضوع النزاعات المسلحة، من أبرز هذه القواعد قاعدة: «لا ضرر ولا إضرار»، التي تعد من المبادئ الأساسية فـي الفقه الإسلامي وتساهم فـي الحد من الأضرار التي يمكن أن تنجم عن النزاعات.