تونس.. السجن لاعلاميَين بسبب تصريحات انتقدت السلطة
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
قضت محكمة تونسية، الأربعاء، بسجن المحلل والمعلق السياسي، مراد الزغيدي، ومقدم البرامج التلفزيونية والإذاعية، برهان بسيّس، سنة لكل منهما على خلفية تصريحات منتقدة للسلطة، وفق ما أفاد متحدث قضائي وكالة فرانس برس.
وقال الناطق باسم المحكمة الابتدائية بتونس، محمد زيتونة، إن المحكمة قررت سجن الزغيدي وبسيّس "6 أشهر من أجل جريمة استعمال شبكة وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج وترويج وإرسال وإعداد أخبار وإشاعات كاذبة بهدف الاعتداء على حقوق الغير والإضرار بالأمن العام".
كما حكمت عليهما بالسجن 6 أشهر إضافية "من أجل جريمة استغلال أنظمة معلومات لإشاعة أخبار تتضمن نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير وتشويه سمعة والإضرار ماديا ومعنويا"، بحسب زيتونة.
ودافع الإعلاميان المعروفان عن نفسيهما، الأربعاء، خلال جلسة محاكمتهما وأكدا أنهما كانا يمارسان عملهما المتمثل في تحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس التي اعتبرت مهدا لما يسمى بالربيع العربي.
ومراد الزغيدي وبرهان بسيّس موقوفان احتياطيا منذ 12 مايو بسبب تصريحات ومنشورات على شبكات التواصل الاجتماعي اعتبرت منتقدة لسلطة الرئيس التونسي، قيس سعيد.
وتمت محاكمتهما بموجب المرسوم عدد 54 الذي أصدره الرئيس سعيد في العام 2022 ولقي انتقادات واسعة.
وقال الزغيدي خلال الجلسة "إن عملي كمحلل سياسي يتطلب مني التحدث في الشأن العام...أريد أن أعرف ما هي العبارة أو الكلمة التي حكم عليها بأنها مخالفة" للقانون، وفقا لصحفية في فرانس برس.
ويلاحق الزغيدي بسبب تصريحات إعلامية يعود تاريخها إلى فبراير 2024 ومنشور يدعم فيه الصحافي، محمد بوغلاب، المسجون والمعروف بانتقاداته للرئيس التونسي.
وأضاف "أنا لست معارضا ولا مؤيدا للرئيس، أحيانا أؤيد خياراته وأحيانا أنتقدها، وهذا يدخل في عملي الإعلامي".
وبينما انتقد محاميه، كمال مسعود، المرسوم عدد 54 ووصفه بأنه "غير دستوري"، داعيا إلى "تجنب استخدامه".
وشدد المحامي على أنه "إذا دخلت السياسة قاعات المحاكم فإن العدل يغادرها"، مطالبا رئيسة المحكمة بالاستقلالية في حكمها.
ويتهم معارضون وسياسيون وكذلك رجال قانون الرئيس باستغلال القضاء لاستبعاد الأصوات المنتقدة.
أما برهان بسيّس فقال خلال الجلسة "أنا منشط لذا يجب أن أطرح كل الآراء بغض النظر عن توجهاتها"، مستنكرا ظروف توقيفه "كما لو كنت مجرما خطيرا".
وتزامن توقيف الزغيدي وبسيّس وتوقيف المحامية والمعلقة التلفزيونية، سنية الدهماني، بالقوة من قبل رجال الشرطة في 11ايار/مايو.
وطلب محامو الصحفيين إسقاط الدعوى.
وقبيل الجلسة، تظاهر عشرات الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان أمام المحكمة للتنديد بالمحاكمة "القمعية" و"المفروضة" من قبل من هم في السلطة.
وعبرت دول غربية على غرار فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي عن "القلق" إزاء موجة التوقيفات، غير أن سعيد اعتبر ذلك "تدخلا سافرا" في الشؤون الداخلية للبلاد وكلف وزارة الخارجية بدعوة ممثلي هذي الدول للتعبير عن رفضه لتصريحاتها.
ويحتكر الرئيس سعيد الذي انتخب في العام 2019، السلطات في البلاد منذ صيف 2021 وعمد الى تغيير الدستور. ومن المرتقب أن تنظم الانتخابات الرئاسية نهاية العام الحالي.
وتوجه منظمات حقوقية تونسية ودولية انتقادات شديدة لنظام سعيد مؤكدة أنه "يقمع الحريات في البلاد". لكن الرئيس التونسي يكرر أن "الحريات مضمونة".
ونددت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان صدر في 17 مايو الحالي بـ "تصعيد القمع الحكومي في الأسابيع الأخيرة والإجراءات التي تهدف إلى تكميم حرية التعبير".
ولا يزال نحو 40 شخصا بعضهم معارضون بارزون ورجال أعمال وناشطون سياسيون موقوفين منذ شباط/فبراير الفائت، ويتهمهم سعيد "بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
قيس سعيّد وتفجير الدولة من الداخل
«تفجير الدولة من الداخل» هو الاتهام الذي كثيرا ما ردّده الرئيس التونسي قيس سعيّد ضد معارضيه من بين قائمة طويلة من التهم مثل «التآمر والخيانة والارتماء في أحضان الخارج» وغيرها.
لو أردنا أن نفكّك مثل هذا الاتهام، فلن نجده ينطبق على أحد انطباقه على سعيّد نفسه بسبب ما أقدم عليه هو نفسه من تجريف وتجويف لركائز الدولة حتى غدت تونس صحراء قاحلة تعاني فراغا موحشا.
أولا، قام من خلال انقلابه صيف 2021 على الدستور والنظام السياسي الذي جاء به إلى الرئاسة، بتفجير السلطات المختلفة للدولة فحوّلها بمزاجه الانفرادي الخاص ودستوره، الذي كتبه بنفسه في سابقة عالمية لا مثيل لها، إلى مجرّد وظائف. تحوّلت السلطة التشريعية إلى «الوظيفة التشريعية»، والسلطة القضائية إلى «الوظيفة القضائية»، فبات أعضاء مجلس النواب مجرّد موظفين لديه لتمرير ما يريده، وكذلك القضاة، دون أدنى استقلالية أو شعور بالمسؤولية.
ثانيا، أقدم بعد ذلك على تفجير النخبة السياسية للبلاد وأحزابها من ألوان سياسية متعدّدة، تجلت آخر حلقاته في المحاكمة الأخيرة لقضية ما يعرف بـ«التآمر» والتي صدرت أحكامها الثقيلة والغريبة السبت الماضي لللتخلّص من رموز ديمقراطية، سلمية ومعتدلة. أعقب ذلك اعتقال المحامي والقاضي السابق الشهير أحمد صواب بنفس التهمة. لم يبق في الساحة السياسية من تيارات سوى أنصاره الشعبويين المتحالفين مع ما يسمى «اليسار الوظيفي» من ماركسيين وقوميين أعمتهم أحقادهم المختلفة فلم يروا غضاضة في دعم مشروع استبدادي مخيف.
لا إنجازات أبدا تسجّل للرئيس طوال هذه السنوات فزهاء التسعين بالمائة من وعوده لم تر النور،
ثالثا، عمل على تفجير قوى المجتمع المدني من نقابات وجمعيات مختلفة. نجح في تركيع نقابة العمال الكبرى (الاتحاد العام التونسي للشغل) الذي كان يفتخر منتسبوه بأنهم «أكبر قوة في البلاد» لكنه آثر السلامة بسبب قيادة عليها من المآخذ ما ترتعد لها فرائصها. أما نقابة أرباب العمل (اتحاد الصناعة والتجارة) فيعيش حالة جبن متأصّلة فيه على مر العهود، فيما تعرّضت الجمعيات العاملة في المجال الإنساني والاجتماعي إلى حملة شيطنة وتضييق مصحوبة باتهامات تلقي تمويلات أجنبية فتراجع أداء أغلبها واعتقل الكثير من نشطائها.
رابعا، نجح باقتدار في تفجير الساحة الإعلامية عبر ترهيبها فاختفت المنابر التعددية والجريئة الواحد تلو الآخر، بعد أن زج ببعض الصحافيين المنتقدين في السجن وانسحاب آخرين اتقاء لشرور لم تنفع معها بينات «نقابة الصحافيين» فيتجنّبها. أراد من «السلطة الرابعة» أن تكون «وظيفة إعلامية» هي الأخرى فتبخّرت البرامج السياسية في وسائل الإعلام تاركة المجال لبرامج «مونولوج سياسي» سمجة مع برامج ترفيه تافهة وأخرى لبيع أواني الطبخ، فيما عاد الإعلام العمومي إلى التسبيح بحمد الرئيس لا غير ونقل أنشطته وبياناته وجلّها ساعات الفجر!!
خامسا، نجح في خلق بيئة خانقة لنخبة البلاد الفكرية والجامعية من جهة، وأخرى طاردة لكفاءاتها في مجالات عدة فازدادت أعداد المهاجرين من أطباء وكوادر صحية ومهندسين وغيرهم. سٌدّت الأبواب أيضا في وجه الفئات المهمّشة التي كانت تجد في قوارب الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، خلاصها الوحيد بعد أن أصبحت تونس عمليا حارسة لحدود إيطاليا بعد الاتفاق الذي وقّعه الرئيس مع الاتحاد الأوروبي، فضلا عن القبول بترحيل مذل لتونسيين من أوروبا وإعادتهم على تونس.
وفوق كل ما سبق، لا إنجازات أبدا تسجّل للرئيس طوال هذه السنوات فزهاء التسعين بالمائة من وعوده لم تر النور، وفق جرد دقيق قامت به منظمة «أنا يقظ» المراقبة لأداء السلطة، فضلا عن التردّي الكبير للخدمات العامة المختلفة، حتى باتت جدران المدارس المتداعية تسقط على التلاميذ فتقتلهم. عادة ما «يشفع» للأنظمة المستبدة إنجازاتها أقلّها في تطوير البنية التحتية من جسور وطرقات ونقل عام وبناء مستشفيات، في حين أن النتيجة هي صفر في تونس فلا ديمقراطية ولا تنمية بل المزيد من التداين وتراجع كل مؤشرات الاقتصاد.
أما الشعب فحائر ومنهك، ليس فقط بسبب غلاء المعيشة وتدهور مقدرته الشرائية وغياب الكثير من الأدوية والسلع، وإنما أيضا بسبب ما يراه من عجز شامل على تحسين الأحوال. ظن هذا الشعب أن ثورته عام 2011 ستفتح له أبواب الرخاء فأصيب بخيبة أمل استفحلت أكثر بعد تبدد وهم أن يكون الرئيس هو المنقذ لكنه لم يفعل سوى بعث «شركات أهلية» يلفّها الكثير من الغموض والريبة.
كل ذلك أدّى إلى تراجع مكانة تونس عربيا ودوليا فهذه الأيقونة التي كانت محمّلة بآمال عريضة بعد ثورتها وما فرضته من صيت دولي واسع لم يعد يزورها أحد تقريبا، عدا بعض المسؤولين الجزائريين، ولا رئيسها يزور أحدا أو يحضر مؤتمرات أو لقاءات عربية أو دولية.
وللحقيقة، ما كان للأوضاع أن تصل إلى هذا الدرك لولا حالة الإنهاك والاستسلام التي أصابت شرائح عديدة من المجتمع، ولولا موقف الجيش الذي لم يعد ذاك الجيش الذي عرفته تونس لعقود، ولولا موقف المؤسسة الأمنية التي عادت للتغوّل مرة أخرى، ولولا جوار إقليمي ودولي لم يرتح إلى التجربة الديمقراطية التونسية ولم يعد يهمّه كثيرا إن ازداد الوضع فيها انحدارا.
هل عرفنا الآن كيف ومن فجّر الدولة وحوّلها إلى شظايا؟!
المصدر: القدس العربي