«سبق صحفي».. المقابلة الأكثر إثارة للصدمة
تاريخ النشر: 23rd, May 2024 GMT
علي عبد الرحمن (القاهرة)
أثبتت الكاتبة الإنجليزية سامانثا مكاليستر تفردها في العمل الإعلامي، وجدارتها المهنية كمنسقة للمقابلات التليفزيونية ببرنامج «نيوز نايت»، عبر هيئة الإذاعة البريطانية، وقامت بتوثيق كواليس المقابلات المتلفزة الصادمة والمثيرة للجدل، في رواية «الأنباء: ما وراء الكواليس.. من المقابلات الأكثر إثارة للصدمة على قناة بي بي سي».
وقام المخرج الإنجليزي فيليب مارتن بتسليط الضوء على المسيرة المهنية لـ «مكاليستر» من خلال فيلم «سبق صحفي»، المقتبس عن كتابها الوحيد، ورصد كواليس المقابلة الأشهر في القرن الواحد والعشرين مع الأمير الإنجليزي السابق أندرو، ثالث الأبناء والمفضل لملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية.
ووصف محللون بوسائل الإعلام المقابلة بـ «الكارثة» أو الطائرة التي اصطدمت بناقلة نفط، مما تسبب في حدوث تسونامي.
وأشارت وكالة «بلومبرغ» إلى أن المقابلة ألحقت أكبر ضرر بسمعة العائلة الملكية، والتي أدت إلى تخلي الأمير عن مهامه الملكية عقب كشف علاقته برجل الأعمال الأميركي «جيفري إبستاين»، والذي انتحر داخل محبسه شنقاً، على خلفية اتهامه بالعديد من الجرائم، وفشله خلال المقابلة في إعطاء مبررات مقنعة للرأي العام العالمي.
الاختلاف الفني
افتتحت الممثلة الإنجليزية «بيلي بايبر» الفيلم بالمقولة الشهيرة «إذا كانت الحرية تعني أي شيء على الإطلاق، فهي تعني الحق في إخبار الناس بما يريدون».
ولم يلتزم مخرج الفيلم بما ورد في نص الرواية، فكان الاختلاف واضحاً، فقد سلط الضوء على العلاقة بين أبطال العمل، وتعريف المشاهدين بالكاتبة مكاليستر، واهتماماتها بمظهرها الشخصي، والتباهي بالعلامات التجارية لملابسها وأحذيتها، بالإضافة إلى اصطحابها حيوانها الأليف إلى عملها، وسط تحديات قاتلة تواجه الإذاعة البريطانية في تسريح عدد لا بأس به من العاملين لديها تخفيضاً للنفقات.
وهذا ما جعلها في مرمي النيران لإثبات جدارتها المهنية، وفي محاولة جادة منها باتباع نهج إعلامي وصحفي مغاير، والعمل على مقابلة ضيوف من ذوي النفوذ وخلق قصص مثيرة عنهم، لاستعادة جزء كبير من النجاح المهني للصحافة التقليدية.
ورغم تركيز المشهد السينمائي على صالة التحرير وغرفة صناعة الأخبار، إلا أن المخرج غفل عن توثيق القوة التي تشهدها مكاتب واحدة من أعرق المنصات الإعلامية، وهذا ما ظهر واضحاً بشكل كبير لأعضاء فريق التحرير أثناء التحضير لمقابلة الشهيرة، بحضورهم الهادئ الخامل، البعيد عن الحماسة الصحفية.
خيبة أمل
وترى الناقدة الفنية منة عبيد أن أحداث الفيلم جاءت بخيبة أمل في مخرج مخضرم لأعمال السير الذاتية والوثائقية مثل فيليب مارتن، فغابت عنه الرؤية الفنية الواضحة للقضية الأساسية التي تناولتها صفحات المجموعة القصصية المقتبسة منها أحداث الفيلم، وهي مصير الصحافة وتنافسها مع الصحافة الإلكترونية وكيفية تغطية الصحافة لأخبار العائلة المالكة.
وقالت عبيد: إن الفيلم خلا من عناصر التشويق والإثارة الفاعلين أثناء التحضير للمقابلة الأهم مع الأمير الإنجليزي.
وأشارت إلى أن الفيلم لم يأت بجديد عما تناولته الصحف والإعلام منذ العام 2019، لكواليس تلك المقابلة، أو دعماً لقضية من القضايا الإنسانية والمجتمعية التي تمحورت حولها الأحداث.
وبينما يعرف المشاهدون أن جوهر الفيلم هو مقابلة دامغة، فإن حبكته السينمائية أشبه بتوفير خريطة طريق، تظهر خلالها الدوافع الشخصية لأبطال القصة الحقيقية، وهذا ما أوضحه المخرج خلال لقاء متلفز قائلاً: «ما يمكن أن تفعله الدراما، بخلاف الفيلم الوثائقي، أو المقابلة الأصلية، أنها يمكن أن تضعك في الفضاء العاطفي للشخصيات».
قصة سينمائية
وصف الصحفي إخاء شعراوي الفيلم بأنه قصة سينمائية عن السلطة والامتياز، ووجهات النظر المختلفة حول القضية، وكيفية الحكم على ما هو حقيقي أم لا، بجانب تقديم رواية درامية متكاملة الأركان حول طبيعة عمل الصحفيين والإعلاميين، من خلال ثلاث نسوة استطعن اختراق مؤسسة قصر باكنغهام للحصول على السبق الصحفي، وتقديم صورة حسنة السمعة عن صاحبة الجلالة، وهدفها السامي في الوصول بصوتها إلى الحقيقة، مهما كانت الصعوبات والمعوقات. وكذلك التذكير بالأهمية العميقة لدور الصحافة والإعلام، والمجهود المبذول في إنتاج القصص الإخبارية الفعالة في المجتمع، وكما قالت مؤلفة المجموعة القصصية: «هذا ما تفعله الصحافة، فهي تحاسب الأقوياء والمتميزين، وتخضعهم للتدقيق».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: العائلة الملكية البريطانية السينما الأفلام السينمائية الأمير أندرو
إقرأ أيضاً:
الثقة النيابية تحصيل حاصل...فهل تستعيد الحكومة ثقة الناس؟
قد تكون الثقة التي نالتها حكومة "الإصلاح والإنقاذ"، وهي نسبيًا ثقة "حرزانة"، مقدمة لا بدّ منها للانطلاقة الحكومية في عملها الشاق، خصوصًا أن ما ينتظرها من صعوبات وعراقيل يتطلب إزالتها أكثر من ثقة 95 نائبًا، وأكثر من النوايا الحسنة، وأكثر من الوعود والالتزامات، وأكثر من الامنيات. وهذا لا يعني التشكيك بنوايا رئيس الحكومة نواف سلام أو التقليل من أهمية حماسة الوزراء الناجحين في مضامير حياتهم المهنية والأكاديمية، ولمعظمهم سجلات نجاح حافلة. ولكن النجاح في ميدان العمل الخاص لا يعني بالضرورة أن ينسحب على نوعية ما يمكن أن يعكسه هذا النجاح في ميدان العمل العام. فالأمر مختلف كثيرًا. ومن لم تكن له تجارب في العمل الإداري المتعلق بالشأن العام، وما فيه من بيروقراطية قاتلة للأحلام والطموحات لا يمكنه أن يراهن على نسب نجاح كبيرة. فالتوقعات شيء والوقائع شيء آخر. والفرق بينهما كبير جدًّا. فجميع الوزراء أو الذين تولوا مسؤولية عامة في الإدارات الحكومية بدأوا بتطلعات كبيرة وانتهوا بنتائج متواضعة.
الثقة التي نالتها حكومة "الإصلاح والإنقاذ" ضرورية كإطار عام لمسار طويل لن تكتمل حلقاته قبل استعادة هذه الحكومة أو أي حكومة أخرى ثقة الناس. وثقة الناس تختلف في مضامينها ومفهومها عن ثقة النواب المفترض بهم أن يمثّلوا هؤلاء الناس تمثيلًا صحيحًا، وليس تمثيلًا صوريًا. على هؤلاء النواب أن يكونوا صوت ناسهم في البرلمان، من خلال ما يصدر عنهم من تشريعات تصب فقط في مصلحة المواطن، ومن خلال المراقبة الفعلية، ومن خلال مساءلة السلطة التنفيذية في حال قصّرت بالقيام بواجباتها حيال مواطنيها، ومن خلال المحاسبة الجدّية وسحب الثقة عن الحكومة مجتمعة أو عن أي وزير تثبت الوقائع الدامغة بأنه لم يلتزم بما تعهدّت به حكومته في بيانها الوزاري وفي ما يتعلق بالشق الخاص بوزارته، انطلاقًا من مبدأ أن كل وزير إذا "نظّف" وزارته مما علق بها من ترسبات الماضي ومن كل أسباب الفساد، التي أصبحت في مرحلة من المراحل سمة "الشاطر يللي بيشيلها من تمّ السبع"، وذهب الموظف "الصالح بضهر الطالح".
يكون الإصلاح عن طريق مكافحة الفساد بدءًا بالرؤوس الكبيرة، التي تدير كل عمليات الغش والسمسرة والبرطيل والرشوة. ومتى تمّ تنظيف الدرج الإداري بدءًا من أعلاه يصبح تنظيف الأسفل أسهل من سريان المياه في المنحدرات.
فإذا لم تتصرّف الحكومة في ممارساتها اليومية وكيفية تعاطيها مع الشأن العام بما ينسجم مع ما ورد في خطاب القسم الرئاسي وفي البيان الوزاري بنسبة 10 في المئة في هذه الاربعمئة يومًا فإن الثقة الممنوحة لها نيابيًا ولأسباب كثيرة لم تعد خافية على اللبنانيين، الذين باتوا لكثرة تجاربهم السابقة يعرفون "البير وغطاه"، ربما أكثر من بعض النواب، الذين تلعثموا وهم يلفظون كلمة "سِقة"، وتفركشوا بـ خيال الميكروفون"، لن تحقق المعجزات، خصوصًا إذا ما انتزعت ثقة الشعب منها إن لم تتطابق ممارساتها في السلطة مع ما سبق أن أعلنته والتزمت به. وهذا الشعب الذي اعتاد على كل أنواع التجارب المخيبة للآمال غير متطلب، لكن جلّ ما يطالب به هو قليل من كثير. وهذا القليل لا يحتاج إلى معجزات لكي يتحقّق، وبالتالي فهو في الوقت الحاضر لا يأمل في أن تُعاد إليه أمواله بكبسة زر كما اختفت. هو يعرف أن هذه المسألة أكبر من قدرات حكومة عمرها قصير نسبيًا. لكن جلّ ما يطالبه به، وهذا من حقّه الطبيعي، بأن يضمن بأن ودائعه لن تُشطب في عملية حسابية سريعة، وألا تكون كلمة "عدم شطب الودائع يجب أن تُشطب من القاموس اللبناني" مجرد كلام سبق أن سمعه من رأى جنى عمره يتبخّر كالسراب أكثر من مرّة.
وما يطالب به هذا الشعب المسكين يجب أن يوضع على أجندة أولويات العمل الحكومي، التي اتخذت لنفسها شعار "الإصلاح والإنقاذ". فمن أين ستبدأ لكي تستعيد ثقة الناس بدولتهم؟ المصدر: خاص "لبنان 24"