سليم الحق.. الإمارات تكرّم أحد أهم رواد العمل المناخي العالمي
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
منح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، «حفظه الله»، عدداً من المسؤولين الدوليين «وسام زايد الثاني» من الطبقة الأولى تقديراً لمساهماتهم في العمل المناخي العالمي، وجهودهم لتعزيز التوافق الدولي وإقرار «اتفاق الإمارات» التاريخي وتنفيذ خطة عمل رئاسة مؤتمر الأطراف «كوب 28»، ولكن غاب عن المراسم أحد أبرز المكرَّمين، وهو البروفيسور الراحل سليم الحق، الذي كانت أسرته حاضرة لتلقي وسامه.
كان الدكتور سليم الحق رمزاً عالمياً للعمل المناخي، حيث بذل جهوداً استثنائية على مدار عقود لدعم الدول والمجتمعات محدودة الدخل الأكثر تضرراً من تداعيات تغير المناخ، وشارك في 27 مؤتمراً للأطراف، كما كان عضواً فعالاً في اللجنة الاستشارية لرئاسة «كوب 28» حتى وافته المنية عن 71 عاماً في 28 أكتوبر 2023، قبل انطلاق المؤتمر الذي استضافته الإمارات العام الماضي بنحو شهر. وكان لنبأ وفاة سليم الحق صدى عالمي من الحزن والمواساة، وأقر كثير من الشخصيات البارزة في مجال العمل المناخي بإنجازاته وبصمته المهمة على الساحة العالمية.
وأعرب الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة رئيس «كوب 28»، عن أسفه لفقدانه، وفي كلمته الافتتاحية أمام المؤتمر، التي تخللتها دقيقة صمت حداداً على وفاة البروفيسور الراحل، قال إن الراحل كرَّس مسيرته المهنية لإيجاد وسائل عملية لمعالجة تداعيات تغير المناخ في الدول والمجتمعات الأكثر تضرراً، مشيراً إلى استفادته شخصياً من استشاراته.
الدكتور سليم الحق كان عالماً بريطانياً من أصول بنغلادشية، وأستاذاً بالجامعة المستقلة في بنغلادش، واختير ضمن أهم 10 علماء في تصنيف مجلة «نيتشر» لعام 2022، كما حصل في العام نفسه على وسام الإمبراطورية البريطانية لعطائه في مجال مواجهة تغير المناخ.
أسس البروفيسور الراحل المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية في بنغلادش عام 2019، ومن خلال منصبه كمدير مؤسس للمركز، أصبح صوتاً رائداً يمثل الدول النامية في مختلف الفعاليات والمناسبات والمفاوضات المناخية، وساهمت جهوده في توافق العالم بعد وفاته على تفعيل وبدء تمويل الصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة تداعياته في اليوم الأول لـ «كوب 28»، مما أثبت جدية دولة الإمارات في مواجهة هذا التحدي العالمي البارز، وكفاءة رئاسة المؤتمر.
كان سليم الحق من أكثر علماء المناخ احتراماً على المستوى العالمي، ونادى بمسؤولية الدول المتقدمة عن انبعاثات غازات الدفيئة الرئيسية، وأهمية قيامها بتوفير التمويل اللازم للشعوب الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ في الجنوب العالمي.
وفي هذا الشأن قال الراحل: «يصل كل يوم أكثر من 2,000 نازح بسبب المناخ إلى دكا، سيراً على الأقدام وبالدراجات والقوارب والحافلات، ويختفون في أحياء المدينة، حيث لا يعتني أحد بهم، رغم أنهم أجبروا على النزوح بسبب تغير المناخ الناتج عن الممارسات البشرية».
كرسَّ سليم الحق حياته للدفاع عن حقوق المجتمعات الأكثر عرضة لتغير المناخ، ولاقى صعوبات بالغة، منها ضعف التمويل والوعي في الدول النامية، وبفضل جهوده استطاعت بنغلادش خفض عدد ضحايا الفيضانات من خلال نهج ساهم فيه المجتمع كله، وركّز على تحسين نظم الإنذار المبكر، وبناء الملاجئ، والتتبع والرصد باستخدام الأقمار الاصطناعية، لتصبح بنغلادش نموذجاً عالمياً في مواجهة تداعيات تغير المناخ.
نجح كذلك في وضع نهج سمّاه «التكيف التحويلي»، وتطبيقه بمدينة مونغلا في بنغلادش، التي تبنت توصيات المركز الدولي لتغير المناخ والتنمية، وأصبحت نموذجاً لإدارة الكوارث والتكيف والمرونة مع أزمة تغير المناخ.
كان سليم الحق يوصف بأنه صديق الصحفيين، إذ كان أول خبير يقصده الكُتّاب في مجال تغير المناخ للاستفادة من خبراته وسهولة التواصل معه، وفي حديث لبلومبرغ عقب وفاته، تقول راشيل كايت، مبعوثة الأمم المتحدة السابقة للمناخ، وعميدة مدرسة فليتشر في جامعة تافتس الأمريكية، إنه تميز بأسلوبه الرائع في تبسيط الحقائق العلمية وسردها بطريقة يفهمها الجميع، فيما يرى فرحان يامن، وهو محام وخبير قانوني في المجال المناخي، أنه أحد أهم رواد العمل المناخي المهتمين بخدمة البشر وتلبية احتياجاتهم.
وفي رسالة مفتوحة وجهها إلى رئيس «كوب 28»، قال سليم الحق إن له هدفاً واحداً، وهو إنشاء وتفعيل صندوق جديد مختص بالمناخ ومعالجة تداعياته خلال المؤتمر، ورغم رحيله قبل تحقق رؤيته، فإن جهوده ساعدت على تحقيق النتيجة الباهرة التي تم التوصل إليها في اليوم الأول من المؤتمر بتفعيل الصندوق وترتيبات تمويله الذي بلغ مبدئياً 792 مليون دولار من التعهدات الدولية، ضمنها 100 مليون دولار من دولة الإمارات.
ويشكِّل التقدم في موضوع «معالجة الخسائر والأضرار» ضرورة ملحة للعمل المناخي حتى في حال نجاح العالم في تحقيق أهداف التخفيف من الانبعاثات، وذلك بسبب المستوى الحالي للاحتباس الحراري الذي يؤدي لاستمرار معاناة المجتمعات المهددة بسبب التداعيات الشديدة لتغير المناخ.
وفي رسالته الأخيرة للدكتور سلطان الجابر، أعرب سليم الحق عن ثقته بأن «كوب 28» يدشن عهداً جديداً للعمل المناخي، بصفته أول مؤتمر للأطراف ينجح في معالجة موضوع «الخسائر والأضرار»، وبالفعل نجحت خطة رئاسة المؤتمر في تخليد جهود سليم الحق، لتمهِّد الطريق أمام تغيير إيجابي جذري في العمل المناخي يدوم أثره ومنافعه في حياة البشرية بأكملها.
(وام)
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: تسجيل الدخول تسجيل الدخول فيديوهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان المناخ الإمارات العمل المناخی لتغیر المناخ تغیر المناخ
إقرأ أيضاً:
بدور القاسمي: إدراج الفاية ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو يرسخ مكانة الإمارات الحضارية
نظمت إمارة الشارقة حفلاً رسمياً في العاصمة الفرنسية باريس الليلة الماضية احتفاءً بإدراج "الفاية" على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " يونيسكو" مسجلة بذلك علامة فارقة في تاريخ الإنجازات التي تضاف إلى رصيد الشارقة ودولة الإمارات والمنطقة العربية بأسرها، إذ كان "الفاية" الترشيح العربي الوحيد الذي نظرت فيه لجنة التراث العالمي بدورتها السابعة والأربعين.
يُعد "الفاية" ثاني موقع في دولة الإمارات ينال هذا الاعتراف العالمي بعد المواقع الثقافية في مدينة العين التي أُدرجت عام 2011 ليواصل بذلك ترسيخ مكانة الدولة على خارطة التراث الإنساني.
جمع الحفل نخبة من أعضاء لجنة التراث العالمي ودبلوماسيين وخبراء دوليين في لحظة احتفاء جماعي بهذا الإنجاز التاريخي الذي يعكس التزام الشارقة بحماية التراث الإنساني وصونه.
وأعربت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي السفيرة الرسمية لملف ترشيح (المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية) عن فخرها بجهود الشارقة المتواصلة لإدراج "الفاية"، وتسليط الضوء على دوره الجوهري في إثراء فهم تاريخ الإنسان الأول وتطوره.
وأكدت أهمية هذا المنجز التاريخي مشيرة إلى أن إدراج (الفاية) في قائمة التراث العالمي يُجسد التزام الشارقة الراسخ بصون هذا الإرث الإنساني للأجيال القادمة.
وقالت الشيخة بدورفي كلمتها الافتتاحية خلال الحفل إن "إدراج الفاية على قائمة التراث العالمي إنجاز جماعي نبارك للشارقة ولكل من وقف إلى جانبنا طوال هذه الرحلة الملهمة والقيمة".
وأضافت أن الفاية كانت هذا العام الترشيح العربي الوحيد الذي نظرت فيه لجنة التراث العالمي واليوم تصبح ثاني موقع في دولة الإمارات ينال هذا التقدير العالمي بعد المواقع الثقافية في مدينة العين التي أُدرجت عام 2011 إنه انتصار كبير للشارقة وانتصار لدولة الإمارات وانتصار للمنطقة بأسرها".
وأكدت التزام الشارقة بمواصلة جهودها في صون وحماية موقع الفاية والاستثمار في أعمال الحفاظ عليه وتوسيع نطاق البحث العلمي المرتبط به لضمان وصول قصته وتأثيره الحضاري إلى العالم أجمع.
من جانبه، أكد علي الحاج العلي المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى اليونسكو، التزام الدولة الراسخ بصون التراث منوها بدلالات هذا الإنجاز على مستوى أوسع.
وقال إن دولة الإمارات ستظل ملتزمة برسالة اليونسكو، وتفخر بأن تكون شريكًا فاعلًا ومشاركًا في الحفاظ على تراثنا الإنساني المشترك، لافتا إلى أن قائمة التراث العالمي ليست مجرد سجل للمواقع بل تجسيد لقصص البشرية المتنوعة وقيمها وهوياتها وأضاف أنها تذكرنا بأن التراث لا يعرف حدودًا، وأن لكل ثقافة ما هو جوهري لتضيفه إلى السرد الإنساني العالمي، وفي هذا السياق يشكل إدراج موقع الفاية خطوة متقدمة نحو توسيع تمثيل الأصوات والمناظر الطبيعية من العالم العربي وغيرها من المناطق التي ظلت لفترات طويلة على هامش هذا السجل، بما يعزز حضورها في قصة الإنسانية الجامعة.
أخبار ذات صلة
واستحضر الحضور خلال الحفل مسيرة التعاون المثمر التي أوصلت ملف "المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية" إلى هذه المرحلة المتقدمة، وشهد عرضًا بصريًا يوثّق أبرز محطات العمل والإنجازات ويستعرض تفاني الباحثين والخبراء والشركاء الذين شكلوا ركيزة أساسية في مسيرة الترشيح.
وأعرب عيسى يوسف المدير العام لهيئة الشارقة للآثار عن تقديره العميق لكل من أسهم في تحقيق هذا الإنجاز، مؤكداً أهمية مواصلة التعاون الدولي لحماية إرث الفاية وتعزيز دوره في توسيع فهمنا للتاريخ البشري المبكر.
وقال إن إدراج موقع (الفاية) على قائمة التراث العالمي لليونسكو ليس مجرد اعتراف عالمي بموقع أثري بل تتويج لعقود من الرؤية الحكيمة والدعم المتواصل لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي وضع الأساس لحماية تراثنا الثقافي وخلق بيئة علمية مستدامة لخدمة الإنسانية .
وثمّن القيادة الاستثنائية للشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، التي وقفت خلف هذا الإنجاز برؤية رصينة ومنهج علمي وشراكات راسخة محليًا ودوليًا قادها فريق الهيئة بتفانٍ لا يعرف الكلل.
وأضاف أن (الفاية) شهادة حيّة على عبقرية الإنسان الأول وقدرته على التكيّف والابتكار في مواجهة أقسى التحديات البيئية، لقد أعادت رسم خريطة فهمنا لرحلة الإنسان وأكدت أن شبه الجزيرة العربية لم تكن ممرًا عابرًا للهجرات، بل موطنًا أصيلاً ومركزًا للإبداع البشري المبكر، هذا الإدراج يُمثل بالنسبة لنا في هيئة الشارقة للآثار محطة فارقة تعزز التزامنا العميق بحماية التراث الثقافي لدولتنا ومنطقتنا، وتدفعنا لمواصلة الاستثمار في البحث والتوثيق والتعليم لضمان أن تبقى قصة (الفاية) حاضرة في وعي الأجيال القادمة ووجدان العالم .
وقال : "معا نجعل من (الفاية) منارة للمعرفة ورمزًا لتفانينا الجماعي في صون ماضي الإنسانية من أجل مستقبل أكثر وعيًا وارتباطًا بجذوره”.
يُعد المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في "الفاية" نافذة تطل على قدرات الإنسان القديم على التكيّف في واحدة من أقسى البيئات الصحراوية على وجه الأرض قبل أكثر من 200 ألف عام، إذ تكشف طبقات النشاط البشري المكتشفة في الموقع - والتي تعود إلى أكثر من 200 ألف عام - عن قصص غنية بالصمود والابتكار وتؤكد أن شبه الجزيرة العربية لم تكن مجرد ممر عابر في مسارات الهجرة بل كانت وجهة للاستقرار ومركزًا نشطًا للابتكار والتبادل الثقافي.
وخلال أكثر من ثلاثين عامًا من أعمال التنقيب الدقيقة التي قادتها هيئة الشارقة للآثار بالتعاون مع فرق دولية مرموقة جرى الكشف عن 18 طبقة جيولوجية متعاقبة، يوثّق كل منها فترة زمنية مختلفة من النشاط البشري، ما يمنح "الفاية" قيمة علمية استثنائية في رسم مسار تطوّر الإنسان في البيئات القاحلة ويواصل الموقع اليوم إعادة تشكيل فهمنا للماضي وصلته العميقة بالحاضر مؤكدًا أهمية صون هذا النوع من المعرفة ونقله للأجيال القادمة.
وكان المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في "الفاية"، ولأكثر من 11 عامًا، موقعًا محوريًا ضمن برنامج اليونسكو "HEADS" (التطور البشري، التكيّف، الانتشار والتطورات الاجتماعية)، إلى جانب مواقع أيقونية مثل كهوف نهر كلاسيس وكهف وندرويرك في إفريقيا ويؤكد هذا التعاون طويل الأمد أهمية "الفاية" في دعم الأبحاث العالمية في علم الإنسان القديم والدراسات البيئية وتعزيز التعاون الدولي في حماية التراث الثقافي العالمي.
المصدر: وام