اتهم المتحدث باسم قوات الدعم السريع الجيش السوداني بتدمير مصفاة الخرطوم للبترول، في حين قال القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان إن الحرب في السودان لا تزال في بدايتها.

فمن جهته، قال المتحدث باسم قوات الدعم السريع الفاتح قرشي إنّ سلاح الجو التابع للجيش السوداني دمّر بالكامل مصفاة الخرطوم للبترول، أكبر مصفاة للبترول في السودان، بعد قصفها بالبراميل المتفجرة، واصفا ذلك بالعمل الإرهابي.

ودعا البيان الرأي العام المحلي والعالمي لتصنيف من سماها بمليشيات البرهان وفلول المؤتمر الوطني جماعة إرهابية، يهدد وجودها أمن واستقرار السودان والإقليم والعالم، وفق تعبير البيان.

وتقع مصفاة الخرطوم للنفط على بعد 70 كيلومترا شمالي الخرطوم، وترتبط بخطوط أنابيب بمناطق الإنتاج في جنوب غرب البلاد، وموانئ التصدير في بورتسودان على البحر الأحمر.

بدوره، قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان إن الحرب في السودان لا تزال في بدايتها، وتوعد، أثناء تقديم العزاء في مقتل أحد ضباط الجيش السوداني، بملاحقة قوات الدعم السريع واسترداد حقوق السودانيين.

وأردف قائلا "المعركة في بدايتها ولن نترك للعدو أي فرصة للراحة، حتى تحقيق النصر، واستعادة كل ما فقده المواطنون".

دارفور

على صعيد آخر، أعلنت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور (أهلية غير حكومية)، أمس الثلاثاء، عن وفاة 110 نازحين بينهم 66 طفلا في مخيم "كلمة" للنازحين بولاية جنوب دارفور غربي السودان، جراء "الجوع وسوء التغذية وانعدام الأدوية المنقذة للحياة".

وناشد المتحدث باسم المنسقية، آدم رحال، في بيان على فيسبوك، الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة بإدخال المساعدات الإنسانية إلى معسكرات النازحين لمنع سقوط أرواح الأبرياء بسبب المجاعة".

ويقع المخيم في مدينة نيالا التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، وهو من أكبر المخيمات اكتظاظا بالنازحين الذين لجؤوا إليه بعد اندلاع الحرب في البلاد في أبريل/ نيسان العام الماضي، حيث يُقدر عدد النازحين فيه بأكثر من 90 ألفا.

وتقع 4 من عواصم ولايات دارفور الخمس (شمال دارفور، جنوب دارفور، غرب دارفور، شرق دارفور، وسط دارفور) تحت سيطرة قوات الدعم السريع، في حين تسيطر قوات الجيش على ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، وتشهد معارك بين الطرفين منذ أوائل أبريل/نيسان الماضي.

كارثة إنسانية

ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.

وتزايدت دعوات أممية ودولية إلى تجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 12 ولاية بالبلاد من أصل 18.

وبحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد بالسودان منذ بداية الحرب.

وكشفت المنظمة الأممية أن 20.3 مليون شخص، أي ما يعادل 42% من السكان كافحوا للعثور على ما يكفي من الطعام العام الماضي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع فی بدایتها الحرب فی

إقرأ أيضاً:

من يحارب من في السودان؟

في روايته الشهيرة "موسم الهجرة إلى الشمال"، يرسم الأديب السوداني الراحل الطيب صالح لوحة ساحرة لقرية واقعة على ضفاف النيل، حيث الحياة الهادئة والبشر الطيبون، والعشرة الحسنة.

كان هذا في زمن مضى، لكن في الوقت الحاضر، زادت معاناة هؤلاء "الطيبين" بشكل لم يتوقعه صالح في روايته، فالحرب الدامية التي عصفت بالسودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 تسببت في أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم بحوالي 14 مليون نازح، وصنعت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عبر التاريخ الحديث وفقا للأمم المتحدة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بيرَقدار والمُهاجر: مُسيَّرات تركيا وإيران ترسم ملامح القرن الأفريقيlist 2 of 2ما الذي تفعله أوكرانيا في حرب السودان؟end of list

ما يجعل الأمور أسوأ أن السودانيين لا يكادون يجدون مهربا بعدما اجتاح القتال بلادهم بطولها وعرضها، ووصل إلى مناطق ظلت تاريخيا حرما آمنا خلال أي نزاع مسلح في البلاد مثل الخرطوم، العاصمة المثلثة كما يعرفها السودانيون، و"ود مدني"، حاضرة ولاية الجزيرة وسلة غذاء السودان، وولاية سنار، حيث قامت قديما حضارة "السلطنة الزرقاء" العريقة.

وبشكل عام، امتد الصراع إلى معظم ولايات السودان الثماني عشرة تقريبا ما عدا تلك التي تقع في أقصى الشرق والشمال.

كارثة متعددة الأوجه

على مدار أشهر الحرب الطويلة، تسابقت المنظمات الإغاثية والأممية في إصدار تحذيراتها حول فداحة الأوضاع الإنسانية بسبب الحرب في السودان التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى وملايين المهددين. على صعيد أعداد الضحايا، تقول لجنة الإنقاذ الدولية إن عدد القتلى جراء الحرب وصل إلى 150 ألف شخص حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو رقم أعلى من الحصيلة المعلنة للأمم المتحدة التي تتراوح حول 20 ألف قتيل فقط.

إعلان

في السياق ذاته، أصدرت كلية لندن للصحة العامة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تقريرا صادما كشف عن وفاة أكثر من 61 ألف شخص في الخرطوم وحدها منذ بداية الصراع في السودان وحتى يونيو/حزيران الماضي بزيادة بلغت نحو 50% عن معدل الوفيات قبل الحرب، من هؤلاء 26 ألف حالة وفاة نتيجة عنف مباشر متعلق بالحرب.

أكثر من ذلك، قدرت لجنة الإنقاذ أن هناك 18 مليون سوداني يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، منهم أكثر من 222 ألف طفل يواجهون خطر الموت جوعا خلال الأشهر المقبلة. وفي مستهل ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن نصف عدد السكان في السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يواجهون خطر "الجوع الحاد"، كما أعلن رئيس المجلس النرويجي للاجئين أن الأزمة الإنسانية في السودان أسوأ من الأزمات في أوكرانيا وغزة والصومال مجتمعة، وأن حياة 24 مليون شخص باتت على المحك.

يحدث ذلك في ظل انهيار غير مسبوق للنظام الصحي يضع المزيد من الحيوات على المحك. ففي سبتمبر/أيلول الماضي، عقد مدير منظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم غيبريسوس" مؤتمرا صحافيا من بورتسودان (العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد) أعلن خلاله أن النظام الصحي المتداعي في السودان "وصل إلى مرحلة الانهيار"، موضحا أن ما بين 70-80% من المؤسسات والمرافق الصحية توقفت عن العمل تماما.

يحدث ذلك في ظل انتشار الأمراض الوبائية، مثل الكوليرا والحصبة والملاريا وحمى الضنك، إضافة إلى خطر تفشي مرض جدري القردة، وقدّر تيدروس في المؤتمر الصحافي تكلفة الاحتياجات الإنسانية في البلاد بنحو مليارين و700 مليون دولار.

وقبل ذلك بشهر، أعلن وزير الصحة السوداني رسميا تفشي وباء الكوليرا في البلاد، بينما قدرت آخر إحصائية صادرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عدد إصابات الكوليرا المسجلة بنحو 43 ألف شخص، بينما وصلت الوفيات إلى 1,187 حالة.

إعلان

وكأن كل ذلك لا يكفي وحده، فقد ظهر استخدام العنف الجنسي والاغتصاب كسلاح حرب في السودان منذ بداية الصراع، حيث ذكر تقرير أممي صدر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن قوات الدعم السريع مسؤولة عن ارتكاب عنف جنسي على نطاق واسع أثناء تقدمها في المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي وخطف واحتجاز ضحايا في ظروف ترقى إلى مستوى الاستعباد الجنسي.

وتحدث "محمد شاندي عثمان" رئيس بعثة تقصي الحقائق بالتقرير قائلا: "لقد أذهلنا النطاق المهول للعنف الجنسي الذي نقوم بتوثيقه في السودان"، فيما صرحت مديرة وحدة العنف ضد المرأة والطفل "سليمى إسحاق" أن عدم توفر الخدمات الصحية يجعل من الصعب جدا تحديد أرقام دقيقة لحالات الاغتصاب والعنف، مشيرة إلى أن عدد الحالات الموثقة منذ بداية الحرب بلغ 309 حالات، وجدير بالذكر أن هذا الرقم يمثل قمة جبل الجليد فقط.

في السياق ذاته، أفاد "محمد الأمين"، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، عن تعرض حوالي 7 ملايين امرأة وفتاة في السودان لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما يشمل الاغتصاب الموثق في كثير من الحالات.

هذه الجريمة النكراء تسببت في وقوع حوادث أكثر مأساوية، آخرها ما نشرته منظمات حقوقية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن انتحار عدد من النساء في قرى ولاية الجزيرة بعد حملة اغتصاب جماعي ارتكبتها قوات الدعم السريع عقب انشقاق قائدها في الولاية أبو عاقلة كيكل وانضمامه إلى الجيش.

انتهاكات ممنهجة.. واقتصاد يتداعى

وبجانب الاغتصاب والعنف الجنسي، برزت ممارسات الحصار والتجويع والتعذيب كأسلحة يُعتقد على نطاق واسع أنها استخدمت بشكل ممنهج في الصراع، كما وُثِّق في منطقتي "الفاشر" و"نيالا" وفي مدينة الجنينة -عاصمة ولاية غرب دارفور- حيث وقعت مذبحة "أردامتا" عندما قامت قوات الدعم السريع بعد سيطرتها على المدينة بقتل أكثر من ألف شخص من قبيلة "المساليت" في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

إعلان

هذا فضلا عن مشاهد الإذلال والإهانة التي مارسها أعضاء الدعم السريع بحق المواطنين، مثل الفيديو المنتشر للقائد الميداني "عمر شارون" وهو يشد لحية بيضاء لشيخ سوداني طاعن في السن أثناء اجتياح قرية السريحة بولاية الجزيرة وسط السودان.

ولم تنجُ قاعات التعليم من الحرب الدائرة، حيث أصبح أكثر من 10 ملايين طالب خارج مقاعد الدراسة، كما تم تدمير أو نهب أو إلحاق أضرار جسيمة بأكثر من 100 منشأة جامعية، وتحولت مئات المدارس في المناطق الآمنة إلى معسكرات تؤوي الفارين من القتال. ويهدد الدمار المتاحف والمواقع التراثية، بما في ذلك الحرم الجامعي الرئيسي لجامعة الخرطوم، وهو تحفة معمارية تضمنت مختبرا أنشأه قطب صناعة الأدوية "السير هنري ويلكوم" في بداية القرن العشرين.

وبجانب كل هذه المآسي الإنسانية والتداعيات الاجتماعية الواسعة، يبرز انهيار الاقتصاد السوداني بوصفه أحد التداعيات الكارثية للحرب. وتتجاوز خسائر الاقتصاد بفعل الحرب 200 مليار دولار، تشمل دمارا كبيرا في البنية التحتية التي تضم المباني والمنشآت، فضلا عن شبكات المياه والكهرباء والطرق والجسور وغيرها من المرافق الحيوية، ناهيك بنهب وإغلاق أكثر من 100 فرع بنكي و400 منشأة صناعية، وفق الإحصاءات التي يُعتقد أنها أقل بكثير من الواقع.

أبعد من ذلك، من المتوقع أن ينكمش اقتصاد السودان بنسبة تتراوح بين 12-18% خلال العام الحالي بحسب صندوق النقد والبنك الدولي، وقد توقع وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم أن يصل الانكماش في الاقتصاد السوداني إلى حوالي 28% في عام 2024. أما معدل التضخم فقد ارتفع إلى 218% في أغسطس/آب 2024 مقارنة بـ83% قبل الحرب، كما تم تسجيل هبوط حاد في قيمة الجنيه السوداني، حيث يتم تداول الدولار الواحد حاليا بأكثر من ألف جنيه في السوق الموازي، ما يعني فقدان العملة لنصف قيمتها تقريبا.

إعلان

هذا إلى جانب خسارة معظم الأسر السودانية مصدر دخلها لترتفع معدلات الفقر إلى أكثر من 60% وسط شح حاد في السلع الغذائية، بسبب الضرر الجسيم الذي أصاب قطاعات حيوية للاقتصاد السوداني مثل القطاع الزراعي الذي يُسهم بنسبة 40% في الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به 58% من القوى العاملة، والذي يعتقد أنه تم تدمير ثلثي مقدراته على أقل تقدير.

لم يكن القطاع الصناعي أفضل حالا، فوفقا لبيانات وزارة الصناعة، يسهم القطاع بنسبة 17% من الناتج المحلي الإجمالي في السودان، ونتيجة لتركز معظم المصانع في العاصمة "الخرطوم"، فإن حجم الضرر على هذا القطاع كبير للغاية، إذ ترتب على الصراع تدمير حوالي 80% من البنية التحتية للقطاع، والتي تقدر خسائرها بحوالي 50 مليار دولار، حيث دمرت الحرب حوالي 550 مصنعا في الخرطوم وأم درمان، الأمر الذي ترتب عليه تشريد حوالي 250 ألف عامل.

وبحسب بيانات وزارة الصناعة، تسببت المعارك الطاحنة في توقف خط تصدير النفط الرئيسي من حقول جنوب السودان، وهو ما أفقد الخرطوم عائدات دولارية مهمة وتسبب في أزمة اقتصادية طاحنة في جوبا.

صراع السودان.. نظرة عن قرب

يقودنا ذلك للحديث عن خارطة توازنات القوى في المشهد السوداني التي ترسم واقع الصراع الحالي ومستقبله. وتتميز هذه الخارطة بالتعقيد الشديد، ويشوبها التداخل بين أطراف خارجية دولية وإقليمية وحركات مسلحة متباينة التوجهات، وتحكمها تفاعلات ذات طابع إثني وقبلي أحيانا وسياسي وتنموي في أحيان أخرى.

فالسودان بلد يتمتع بأهمية جيوستراتيجية كبيرة، حيث يعتبر بوابة لأمن القرن الأفريقي والبحر الأحمر، كما أن له حدودا مع 7 دول أفريقية، وهو بلد -على فقره- غني بالثروات الزراعية والمعدنية، ما يجعله حلبة صراع للعديد من القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على النفوذ فيه، سواء بصورة مباشرة أو بالوكالة.

إعلان

كما أن السودان بلد مترامي الأطراف، وهو يحتل المرتبة الثالثة في قارة أفريقيا من حيث المساحة (كان يحتل المرتبة الأولى حتى انفصال الجنوب عام 2011). وتتميز التركيبة السكانية السودانية بالتنوع، وهي تضم طيفا واسعا من القبائل والقوميات العرقية تصل إلى 57 قومية عرقية و570 قبيلة ذات أصول متنوعة تتوزع على امتداد جغرافيا البلاد وعبر حدودها إلى الدول المجاورة في بعض الأحيان، إلى جانب 114 لغة مكتوبة أو مقروءة.

خريطة السودان (الجزيرة)

كما تتعدد التكوينات العسكرية في السودان نتيجة الحروب الأهلية الممتدة منذ الاستقلال عام 1956، حيث تشير عدة مصادر صحفية إلى وجود أكثر من 87 حركة مسلحة في عموم البلاد، 84 منها تنشط في منطقة دارفور وحدها. وتتنوع تلك التكوينات العسكرية بين مؤسسة رسمية من ناحية وفصائل مسلحة غير نظامية وميليشيات من ناحية أخرى، بعضها أُنشئ بواسطة السلطات الحاكمة عبر فترات مختلفة.

وكمدخل لفهم أبعاد الأزمة الحالية في السودان وتعقد ديناميكيات الصراع فيها، نتناول أبرز هذه التكوينات العسكرية السودانية، وفي مقدمتها الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي (رئيس الدولة)، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول "محمد حمدان دقلو" الشهير بـ"حميدتي"، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي؛ وهما الطرفان الرئيسيان للحرب الدائرة منذ أبريل/نيسان 2023، لكنهما ليسا الطرفين الوحيدين اللذين يحملان السلاح في السودان اليوم.

الجيش السوداني والدعم السريع

بموجب دستور البلاد، تعد القوات المسلحة السودانية هي المؤسسة العسكرية الرسمية في الدولة. ويحتل الجيش السوداني المرتبة الـ74 عالميا في قائمة أقوى جيوش العالم، من بين 145 دولة حسب المراجعة السنوية لـ"قوة النيران العالمية (Global fire power)" لعام 2024، وجاءت "القوات المسلحة السودانية" في المرتبة الـ10 على مستوى القارة الأفريقية.

إعلان

أما بخصوص القدرات البشرية والقتالية، يصل عدد أفراد الجيش السوداني إلى 194 ألف جندي، منهم حوالي 92 ألف جندي فاعل، إضافة إلى 85 ألف جندي في قوات الاحتياط، و17 ألف جندي قوات شبه نظامية. وتضم القوات الجوية السودانية 170 طائرة حربية، من بينها 45 مقاتلة، ويمتلك السودان 32 طائرة هجومية، و14 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 15 طائرة تدريب.

فيما يصل إجمالي المروحيات العسكرية التي يمتلكها الجيش السوداني إلى 64 مروحية، من بينها 35 مروحية هجومية، ولديه 67 مطارا صالحا للاستخدام العسكري.

ويمتلك الجيش السوداني 233 دبابة، و343 مركبة لإطلاق الصواريخ، و75 مدفعا ذاتي الحركة، و125 مركبة سحب يدوي، وأكثر من 3,600 مركبة عسكرية متنوعة، إلى جانب أسطول بحري صغير يتراوح بين 10-12 قطعة، ويقود القوات المسلحة السودانية الفريق أول "عبد الفتاح البرهان" رئيس مجلس السيادة الحالي.

قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان يشارك في تخريج طلاب الكلية الحربية بمعهد جِبيتْ شرقي السودان (الجزيرة)

وللمفارقة، فإن علاقة البرهان مع خصمه حميدتي كانت أكثر من جيدة، حيث سبق أن أشرف على ضم قوات الدعم السريع للجيش عام 2013، وشارك في حرب دارفور الثانية التي اندلعت في نفس العام، كما تولى "البرهان" قيادة القوات السودانية المشاركة في حرب اليمن عام 2015، والتي كان جزءا منها قوات الدعم السريع .

وفي عام 2018، أصبح البرهان قائدا للقوات البرية السودانية، وبعد ذلك بعام أصدر الرئيس السابق عمر البشير قرارا بتولي "البرهان" منصب المفتش العام للجيش وترقيته إلى رتبة "فريق أول"، وفي أعقاب الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان أصبح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ثم رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وهو المنصب الذي يشغله حتى اليوم.

على الجهة المقابلة، يقدر قوام قوات الدعم السريع بحوالي 100 ألف مقاتل، ولديها قواعد في كل ولايات السودان تقريبا، وتعد تطورا لميلشيا الجنجويد (ومعناها الجن الذي يركب الخيل) التي أسسها الرئيس السوداني المخلوع "عمر البشير" خلال حرب دارفور الأولى عام 2003 لمواجهة الحركات المسلحة التي كانت تطالب باستقلال الإقليم عن السودان بسبب التهميش السياسي والتنموي، وكانت هذه الحركات قوامها الأساسي من القبائل الأفريقية مثل "الزغاوة" و"الفور"، بينما تم تشكيل "الجنجويد" بشكل أساسي من القبائل العربية بقيادة "موسى هلال" (ابن عم حميدتي) زعيم قبيلة "الرزيقات"، التي تنقسم إلى ثلاثة فروع رئيسية، هي المحاميد والماهرية والنوايبة.

إعلان

استمرت حرب دارفور الأولى حتى عام 2008، وخلفت 300 ألف قتيل ومليوني نازح، واتهم ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية مسؤولين حكوميين وقادة الجنجويد بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب خلالها، وعلى إثر ذلك أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق الرئيس البشير عامي 2009 و2010.

خلال تلك الحرب، ظهر مقاتل متميز أثبت كفاءة ينتمي إلى فرع "الماهرية" من قبيلة "الرزيقات" ويدعى "محمد حمدان دقلو"، وكانت والدته تطلق عليه لقب "حميدتي" نظرا لوجهه الطفولي، وكان يتمتع ببأس وشدة اكتسبهما من حراسته لقوافل الجمال على الحدود مع تشاد وليبيا في مناطق نفوذ عائلته.

وفي عام 2008، أُلحقت ميليشيا "الجنجويد" بجهاز المخابرات والأمن الوطني السوداني، وتم استدعاء "هلال" و"حميدتي" للخرطوم، حيث عُيّن الأول مستشارا "للبشير"، بينما منح الثاني رتبة "عميد" وكلف بقيادة مجموعة من "الجنجويد" في مهمة خاصة إلى "أنجمينا"، وهي القتال ضد نظام الرئيس "إدريس ديبي" الحاكم في "تشاد"، والذي كانت "الخرطوم" تتهمه وقتها بدعم حركات التمرد المسلح في "دارفور" والمنحدرين من قومية "الزغاوة" نفس قومية الرئيس "ديبي".

بحلول عام 2012، بدأت اكتشافات الذهب في "دارفور"، وتحديدا في "جبل عامر"، وعلى إثر ذلك اندلعت حرب دارفور الثانية عام 2013، فيما تغير اسم ميليشيا "الجنجويد" إلى "قوات الدعم السريع" بعد أن تم إضفاء الشرعية عليها، وأصبح "حميدتي" قائدا لهذه القوات ورُقّي إثر ذلك إلى رتبة لواء وهو لم يبلغ بعد 40 عاما ولم يكمل تعليمه الأساسي. قاد "حميدتي" خلال حرب دارفور الثانية حملتي "الصيف الحاسم 1″ و"الصيف الحاسم 2" عامي 2014 و2015، حيث قامت قوات الدعم السريع خلالهما بارتكاب جرائم حرب شملت القتل والتعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري، فضلا عن سلب ونهب الممتلكات.

إعلان

وبحلول عام 2017، تصاعد الخلاف بين "البشير" و"هلال" ليقوم الأول بالإطاحة بالثاني واعتقاله بمعاونة "حميدتي"، وفي نفس العام صدر قانون ينص على تبعية قوات الدعم السريع للقوات المسلحة وأن تأتمر بأمر القائد الأعلى "البشير" الذي قرب "حميدتي" وأطلق عليه "حمايتي". جدير بالذكر أن "البرهان" أطلق سراح "هلال" في مارس/آذار 2021 في خطوة وُصفت بأنها كانت بداية نشوب الخلاف بين قائد قوات الدعم السريع ورئيس مجلس السيادة، لاحقا وبعد اندلاع القتال في أبريل/نيسان 2023 سيعلن "هلال" وقوفه إلى جانب الجيش في الصراع.

بفضل ثقة البشير، والمكانة الكبيرة التي حصدتها قوات الدعم السريع في نظامه، أصبح حميدتي المتحكم الأوحد في مناجم الذهب في دارفور، وبات يتربح منها من خلال شركة "الجنيد للأنشطة المتعددة" المسؤولة عن إدارة المنظومة المالية للدعم السريع ولحميدتي، بينما يمتلكها رسميا ولداه الاثنان إضافة إلى شقيقه "عبد الرحيم دقلو"، في حين أن نائب قائد قوات الدعم السريع السابق "عبد الرحمن البكري" هو المدير العام للشركة.

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) (الأناضول)

وجدير بالذكر أن تجارة الذهب تمثل أهم مصادر دخل السودان، حيث بلغت صادرات الذهب عام 2021 حوالي 3 مليار دولار، ما جعل السودان يحتل المركز 28 على مستوى العالم. في غضون ذلك اتسعت مهام "قوات الدعم السريع" خارج حدود البلاد، حيث شاركت بفاعلية في حرب اليمن عام 2015، كما قاتلت أيضا في ليبيا إلى جانب اللواء "خليفة حفتر" في الشرق.

نتيجة لكل ذلك، ازداد ثراء ونفوذ حميدتي، وكبر معه حجم وتسليح "قوات الدعم السريع"، وعندما دفع "حميدتي" أكثر من مليار دولار لـ"بنك السودان المركزي" لمساندة الدولة -حسب زعمه- بعد الإطاحة بالبشير وسئل عن مصدر الأموال، قال نصا: "يسأل الناس من أين نأتي -نحن قوات الدعم السريع- بهذه الأموال، نحن لدينا رواتب جنودنا الذين يقاتلون في الخارج وأموالنا من الذهب والاستثمارات".

إعلان

في عام 2019، وبعد أن شارك حميدتي في الإطاحة بالبشير، عين نائبا لرئيس مجلس السيادة الانتقالي "عبد الفتاح البرهان" الذي رقّاه إلى رتبة "فريق أول" قبل أن يندلع القتال بينهما في 15 أبريل العام الماضي، ليقوم البرهان بعد ذلك بشهر واحد بإعفاء حميدتي رسميا من منصبه.

الحركات المسلحة في دارفور

بعيدا عن الجيش وقوات الدعم السريع، هناك عشرات الحركات والميليشيات المسلحة العاملة في السودان موجود معظمها في إقليم دارفور. لقد اتخذت قضية دارفور على مدار تاريخها طابعا ملحميا، وغذت الصراعات فيها عوامل تباينت بين الإثني والديني والسياسي، وما رسخ ضعف الثقة بينها وبين العاصمة الخرطوم أن دارفور كانت مملكة مستقلة تاريخيا، وهي مركز انطلاق الثورة المهدية أواخر القرن التاسع عشر، ومن ثم هناك اعتقاد سائد أن الإقليم تسوده بذور التمرد ويسعى دائما للاستقلال، وهو ما رسخ أساسا راسخا لحرب لا تكاد تهدأ حتى تشتعل مرة أخرى.

وإقليم دارفور له أهمية جيوستراتيجية بفضل غناه بالموارد المهمة، خاصة الذهب الذي أضاف بعدا مهما للصراع، هذا فضلا عن موقعه الكائن غربي البلاد في بؤرة اشتباك إقليمي واسع، حيث يحده إلى الشمال الغربي" ليبيا"، وإلى الغرب "تشاد"، ومن الجنوب الغربي "أفريقيا الوسطى"، ومن الجنوب دولة "جنوب السودان".

وينقسم الإقليم إداريا إلى 5 ولايات، هي "شمال دارفور" وعاصمتها "الفاشر"، وولاية "غرب دارفور" وعاصمتها "الجنينة"، وولاية "وسط دارفور" وعاصمتها "زالنجي"، وولاية "شرق دارفور" وعاصمتها "الضعين"، وولاية "جنوب دارفور" وعاصمتها "نيالا"؛ ويقدر عدد سكان الإقليم بحوالي 10 ملايين نسمة.

ويجمع إقليم دارفور خليطا معقدا من الطوائف العرقية، وأبرزها في منطقة "شمال دارفور": القبائل الأفريقية مثل "الفور" التي أعطت للإقليم اسمه، و"الزغاوة" المنحدرة من تشاد وتنتمي إليها عائلة الرئيس "إدريس ديبي"، والقبائل العربية مثل "الزيادية" و"الرزيقات".

إعلان

أما منطقة "غرب دارفور" فتستوطنها قبائل أفريقية أبرزها "المساليت" و"التاما" و"الزغاوة"، بجانب قبائل عربية مثل "التعايشة" و"البني هلبة" و"السلامات"، ما يسلط الضوء على التوازن العرقي الهش في الإقليم.

هذا المزيج من التاريخ المعقد والأهمية الإستراتيجية والتباين الواسع حوّل الإقليم إلى مرتع للحركات المسلحة متعددة الأهداف والتوجهات. إحدى أقدم هذه الحركات هي حركة تحرير السودان التي أسسها المحامي "عبد الواحد محمد نور" في عام 2002 باسم "جبهة تحرير دارفور" قبيل حرب دارفور الأولى، وكان قوامها الأساسي من قبائل "الفور" التي ينتمي إليها "نور". وفي عام 2003 تم تغيير اسم الحركة إلى "حركة تحرير السودان" بعد انفتاح الحركة على القبائل الأفريقية الأخرى في الإقليم مثل "الزغاوة" و"المساليت".

عانت الحركة عبر تاريخها من انقسامات متعددة، وقع أبرزها عام 2006 حينما انشق أمينها العام "ميني أركو ميناوي" المنتمي لقبيلة "الزغاوة" مؤسسا "حركة تحرير السودان-جناح ميناوي"، كما حدث انقسام لاحق بقيادة الناطق الرسمي نمر عبد الرحمن الذي أسس "حركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي" قبل أن يعتقل في عام 2017 بعد مواجهات مع الجيش و"قوات الدعم السريع" في "شمال دارفور"، ليخلفه الشاب "الهادي إدريس" أستاذ الاقتصاد والعلوم الاجتماعية.

جدير بالذكر أن "نور" عاش فترات من حياته خارج "دارفور" في"باريس" و"أسمرا" و"كمبالا"، وفي 2008 افتتح مكتبا للحركة في "تل أبيب"، كما طالب وقتها بفتح سفارة "لإسرائيل" في "الخرطوم". ويتركز وجود الحركة في مرتفعات "جبل مرة" الوعرة، ولم توقع "حركة تحرير السودان-جناح عبد الواحد محمد نور" على اتفاق جوبا للسلام عام 2020، واعتبرته اتفاق محاصصة على السلطة ولا يتطرق للقضايا الأساسية المتعلقة بالتنمية والاستقرار مكتفيا بتعليق العمليات المسلحة من طرف واحد آنذاك.

إعلان

وفي أعقاب اندلاع الصراع، أعاد جناح نور الانتشار في الإقليم بحجة حماية المدنيين، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أطلق "نور" تحذيرا لأهالي "دارفور" من قوات الدعم السريع واتهمهم باستهداف التنوع القبلي في الإقليم.

أما "حركة تحرير السودان-جناح ميناوي" و"حركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي" فقد انضمتا لاتفاق جوبا، وأصبح "ميناوي" حاكما لإقليم دارفور بولاياته الخمس، بينما أُفرج عن "نمر عبد الرحمن" وعُيّن واليا على "شمال دارفور"، فيما عُيّن "الهادي إدريس" عضوا بمجلس السيادة، قبل أن يتم عزله في نوفمبر 2023 من قبل البرهان إثر رفضه الاصطفاف إلى جانب الجيش السوداني في الحرب. وقد أعلن جناح ميناوي في الشهر ذاته الخروج من حالة الحياد التي تبناها في أول الحرب والانضمام للجيش السوداني في قتاله ضد قوات الدعم السريع.

بجانب حركة تحرير السودان، بأجنحتها المتعددة، يبرز اسم "حركة العدل والمساواة"، ومؤسسها هو الطبيب "خليل إبراهيم"، أحد كوادر الحركة الإسلامية في السودان، وهو من أبناء قبيلة "الزغاوة"، وشارك ضمن قوات "الدفاع الشعبي" في حرب جنوب السودان الثانية.

وقد انشق خليل إبراهيم عن صفوف النظام الحاكم في مايو/أيار عام 2000، كما ينسب إليه إصدار "الكتاب الأسود" الذي احتوى على محاولة لرصد توزيع الوظائف القيادية في الدولة على العرقيات والمناطق المختلفة، وذهب فيه إلى أن مجموعة سكانية صغيرة تسيطر على البلاد، وأن سكان أغلب المناطق، وعلى رأسها إقليم دارفور، يعانون من تهميش ممنهج.

في ضوء ذلك، أعلن خليل إبراهيم تأسيس حركة العدل والمساواة عام 2003،  وفي عام 2008 نفذت الحركة "غزوة الخرطوم" الشهيرة، وهي محاولة غير مكتملة للاستيلاء على العاصمة. وفي عام 2011 اغتيل "خليل إبراهيم" بقصف جوي في شمال كردفان، وخلفه في رئاسة الحركة "جبريل إبراهيم"، الذي انضم لاتفاق "جوبا للسلام" عام 2020، وعُين وزيرا للمالية بحكومة "حمدوك" في فبراير/شباط 2021. وقد أعلنت "حركة العدل والمساواة " الحياد في بداية الحرب الحالية، ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني أعلنت انضمامها للقتال في صفوف القوات المسلحة.

إعلان

حركة أخرى لا يمكن إغفال ذكرها هي تجمع قوى تحرير السودان، المشكل من تحالف من مجموعة حركات مسلحة في دارفور، ويرأسه المحامي "الطاهر حجر" الذي انضم لاتفاق دارفور للسلام عام 2020 وعين إثر ذلك عضوا بمجلس السيادة الانتقالي قبل أن يتم إعفاؤه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي أيضا.

جدير بالذكر أن كلا من "الطاهر حجر" و"الهادي إدريس" بعد خروجهما من مربع السلطة انضما إلى تحالف القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وهما يدعوان إلى تشكيل حكومة سودانية في المنفى تدير الأعمال لا سيما في مناطق سيطرة الدعم السريع، في ظل معارضة معلنة للخطوة من قبل باقي قيادات التحالف خوفا من تعقيد المشهد المعقد بالفعل وفتح الباب أمام إمكانية تقسيم السودان.

الحركات المسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق

بعيدا عن الغرب، يبرز الجنوب السوداني بوصفه مركزا آخر للحركات المسلحة الفاعلة في السودان. تعود جذور معظم هذه الحركات إلى حرب جنوب السودان الثانية التي أشعلها العقيد يساري التوجه "جون قرنق" في عام 1983، والذي أسس "الجبهة الشعبية لتحرير السودان" وجناحها العسكري المسمى "الجيش الشعبي" للمطالبة بانفصال الجنوب بسبب التهميش من قبل الحكومات المركزية في الخرطوم.

جدل حول سد النهضة العملاق على النيل الأزرق (الجزيرة)

انضم لتمرد قرنق أبناء جبال النوبة/كردفان والنيل الأزرق ضمن الفرقتين التاسعة والعاشرة، وقاتلت مختلف فرق "الجيش الشعبي" لأكثر من عقدين قوات "الجيش السوداني"، إلى جانب ميليشيا "المراحيل" التي شكلتها حكومة الصادق المهدي في منتصف الثمانينات، وقوات الدفاع الشعبي، وهي قوات شبه عسكرية أسسها البشير، كما حضر الجنجويد أيضا. وبعد توقيع اتفاق نيفاشا للسلام عام 2005 الذي مهّد لانفصال الجنوب عام 2011، تم تجاهل مطالب الفرقتين "التاسعة" و"العاشرة"، فما كان منهم إلا الانشقاق وتأسيس ما عرف بـ"الجبهة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال" بقيادة "مالك عقار" ونائبه "عبد العزيز الحلو" وكبير المفاوضين "ياسر عرمان".

إعلان

في عام 2017 انقسمت الحركة مجددا إلى جناحين: "الجبهة الشعبية لتحرير السودان شمال-جناح عبد العزيز الحلو"، و"الجبهة الشعبية لتحرير السودان شمال-جناح مالك عقار) والذي انضم إليه ياسر عرمان. وفي أغسطس/آب 2022 انشق جناح "مالك عقار" مجددا وخرج نائبه "ياسر عرمان" الذي شغل منصب المستشار السياسي لحكومة عبد الله حمدوك مكونا "الحركة الشعبية لتحرير السودان-التيار الثوري الديمقراطي"، هذا وتتركز القوات العسكرية التابعة لمالك عقار في إقليم النيل الأزرق.

بعد انضمام "عقار" لاتفاق جوبا للسلام عُيّن عضوا بمجلس السيادة الانتقالي، وفي أعقاب اندلاع الصراع الأخير بين الجيش وقوات الدعم السريع جرى ترفيعه ليخلف "حميدتي" ويصبح نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وتزامنا مع ذلك أعلنت حركة عقار خروجها من الحياد الذي اختارته في أول الصراع والقتال إلى جانب قوات الجيش السوداني قبل عام تقريبا.

أما جناح "عبد العزيز الحلو"، والذي تتركز قواته في جبال النوبة/جنوب كردفان، فإنه رفض الانضمام لاتفاق جوبا للسلام، وفي عام 2021 تم التوقيع على "إعلان مبادئ" بين "البرهان" و"الحلو" برعاية رئيس دولة جنوب السودان "سلفاكير ميارديت".

وقد التزمت "الحركة الشعبية لتحرير السودان-جناح عبد العزيز الحلو" الحياد في بداية الصراع، ولكن بعد حوالي شهرين قامت الحركة باستهداف معسكرات للجيش السوداني في مدينة "كادوقلي" عاصمة ولاية "جنوب كردفان" وإن توقفت بعد ذلك، مع العلم أن "الحلو" ينحدر من قبيلة "المساليت" التي تمتلك خلافات تاريخية مع قبيلة "الرزيقات"، القبيلة الأم التي ينتمي إليها حميدتي.

جدير بالذكر أن المناطق التي تنشط بها هذه الحركات وعرة التضاريس، لا سيما "جبال النوبة" المشكلة من 99 جبلا، ومن الصعب الوصول لها بواسطة السيارات. وتحظى هذه المنطقة بأهمية نسبية لطرفي النزاع المسلح، لقربها من الحدود مع دولة جنوب السودان، في وقت يزداد اهتمام قوات الجيش والدعم السريع بفرض السيطرة على الحدود، بغرض منع الطرف الآخر من استقدام إمدادات لوجستية وعسكرية من خلالها.

إعلان

بعد هذا العرض لأهم الحركات المسلحة في السودان، يمكن القول إن التساهل في حل المشكلات المجتمعية والتنموية من جهة، وتسييس الاختلافات الإثنية من جهة ثانية، وضعف الدولة في بسط سيطرتها على إقليمها من جهة ثالثة بل لجوئها إلى تشكيل ميليشيات أهلية مسلحة مثل "الجنجويد" و"قوات الدفاع الشعبي"، أسهم في تعميق الأزمة في مناطق الصراع المختلفة من دارفور إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتحولها لنزاع حاد ومزمن كان له تداعيات محلية وإقليمية خطيرة لا تزال تلمس آثارها حتى الساعة.

ورغم ذلك، يبدو أن قيادات مجلس السيادة الانتقالي الحاكم في السودان لا تزال تتبنى نفس المقاربة بل وتوسعها لمناطق جديدة من البلاد، ووفقا للمصادر تتصاعد وتيرة التسلح القبلي في شرق السودان منذ اندلاع الصراع في أبريل/نيسان الماضي، حيث تنتشر قبائل البني عامر والبجا والهدندوة على الحدود بين إريتريا والسودان، وظهر عدد من الحركات المسلحة بعضها تلقى تدريبا عسكريا من السلطات الإريترية.

وقد أعلنت إحدى هذه الحركات، وهي الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة بقيادة الأمين داوود، نشر قوات سميت بـ"الأورطة الشرقية" على حدود ولايات شرق السودان بالتعاون مع الجيش السوداني لحماية الحدود، ما رفع منسوب التوترات بين المكونات الاجتماعية بالإقليم، التي تعاني أصلا من صراعات تاريخية متجذرة فيما بينها.

ختاما، كانت الحركات المسلحة تاريخيا عاملا فاعلا في المشهد السوداني، وحاضرا أصبحت رقما مهما في معادلة القوة بين "البرهان" و"حميدتي"، وشكّل تحالف بعضها مع الجيش السوداني، مثل حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وجيش تحرير السودان بقيادة ميني أركو مناوي؛ تحولا مهما في ديناميات الصراع، وقيمة مضافة كبيرة كان لها أثر فعال في تحولات المشهد الميداني لصالح القوات المسلحة في الأشهر الأخيرة.

لكن الأمور لن تقف عند هذا الحد، فبعد أن تضع الحرب أوزارها، عاجلا أو آجلا، ليس مستبعدا أن يندلع الصراع مجددا بين هذه الحركات حول حصتها في كعكة المستقبل، فاتحة بابا جديدا لتدخل القوى الإقليمية المتنافسة، ما لم يجد السودانيون صيغة أخرى للتوافق السياسي بعيدا عن لغة السلاح التي قطعت أوصال البلاد خلال العقدين الماضيين.

مقالات مشابهة

  • قوات الدعم السريع بالسودان تعلن مقتل القيادي البارز "جلحة"
  • مرتزقة من 13 دولة يشاركون في الحرب بالسودان نهبت 27 ألف سيارة وسرقوا و26 بنكاً وقوات الدعم السريع تدمر المعلومات والأدلة
  • من يحارب من في السودان؟
  • الجيش السوداني يتقدم بمواقع جديدة والبرهان يتفقد مدينة شندي
  • رئيس أركان الجيش السوداني: وصلنا إلى نقاط فاصلة
  • عاجل الجيش السوداني يتقدم في ولاية الخرطوم والقوات الجوية تستهدف مواقع قوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يتهم الدعم السريع بالمسؤولية عن حريق مصفاة الخرطوم للنفط
  • البرهان يزور مقر قيادة الجيش السوداني ويتعهد “بالقضاء” على الدعم السريع
  • الجيش السوداني يعلن السيطرة على مصفاة البترول
  • رئيس مجلس السيادة السوداني: شعبنا يصطف خلف قواته المسلحة ضد الدعم السريع