عندما جاء شي جينبينج إلى باريس قبل خمس سنوات مضت لزيارة ثنائية وجَّه ايمانويل ماكرون الدعوة لإنجيلا ميركل المستشارة الألمانية وجان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية وقتها للانضمام إلى المحادثات. اجتمعوا برجل الصين القوي كفريق أوروبي. وفي الأسبوع قبل الماضي استضاف ماكرون الرئيس الصيني شي مرة أخرى. لكن هذه المرة كانت أورسولا فون دير لاين، خليفة يونكر، هي الألمانية الوحيدة على طاولة المحادثات.

فالمستشار الألماني أولاف شولتس اختار البقاء بعيدا.

كان ذلك شيئا مؤسفا. فغياب شولتس عن قصر الإليزيه أضعف الرسالة حول إغراق الطاقة الإنتاجية المفرطة في الصين الأسواق الأوروبية، والتي تم نقلها إلى شي في عزم جديد بواسطة فون دير لاين ورئيس فرنسا. كما أظهر غيابه أيضا كيف يصعب لبعض القادة الأوروبيين استيعاب التغيرات الهائلة التي أحدثتها جائحة كوفيد 19 والحرب على أوكرانيا.

حتى عام 2022 اتبعت فرنسا وألمانيا سياسة الترضية نفسها تجاه روسيا. لكن الدروس التي استخلصها الآن قادة البلدين من تلك الأخطاء مختلفة.

لقد تم الترحيب عن حق برد الفعل الفوري لبرلين تجاه هجوم موسكو على أوكرانيا في فبراير 2022 الذي انعكس في خطاب نقطة التحول (زايتنفينده) الجريء الذي أدلى به المستشار وأشار فيه إلى مجيء «حقبة جديدة».

استثمرت ألمانيا الكثير في علاقتها بروسيا ولكن الآن من الممكن تصور قطعٍ تام للروابط معها رغم أن ذلك سيكون مؤلما.

خلال عام تخلصت ألمانيا من اعتمادها غير الصحي على الغاز الروسي. وثار سؤال هو: هل سيتبع أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي (اقتصاد ألمانيا) المنطق نفسه في علاقته مع الصين؟

سِجِلّ شولتس حتى الآن يقول بخلاف ذلك. ففي حين تشدَّد الاتحاد الأوروبي في موقفه تجاه الصين تبنى المستشار الألماني مقاربة العمل المنفرد والمستقل عن الآخرين رافضا اقتراح ماكرون بالقيام بزيارة مشتركة إلى بيجينج في عام 2022. وفي الشهر الماضي لم يقدم تنويرا لزملائه في المجلس الأوروبي حول زيارته الثانية إلى الصين عندما التقوا في بروكسل في اليوم الثاني من عودته. لقد اجتمع مع شي لأكثر من ثلاث ساعات لكنه أدلى بتصريحات قليلة اتسمت بنغمة تصالحية.

الغياب اللافت لوزيري الشؤون الخارجية والاقتصاد في وفد المستشار إلى الصين الذي ضم 12 ممثلا لكبرى الشركات الألمانية كان رسالة في حد ذاته. فالوزيران وكلاهما عضوان في حزب الخضر أكثر تشددا تجاه الصين وتجاه أوكرانيا. هذا يشير إلى الطبيعة السياسية للجدل حول السياسة الصينية في ألمانيا.

وكما هي الحال مع روسيا يبدو أن حزب الديمقراطيين الاجتماعيين (حزب شولتس) أو على الأقل جماعة مؤثرة فيه لم تبارح رؤية الارتباط عبر العلاقات الاقتصادية والتي تعود إلى القرن العشرين. هذه الرؤية موروثة عن رؤية المستشار الألماني ويلي براندت المعروفة باسم أوستبوليتيك (تعني السياسة الشرقية وتشير إلى مقاربة السياسة الخارجية التي انتهجتها ألمانيا الغربية بقيادة براندت تجاه بلدان أوروبا الشرقية وخصوصا الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة بهدف تطبيع العلاقات معها دبلوماسيا واقتصاديا وثقافيا وبسط الاستقرار في أوروبا- المترجم).

تقول ابيجيل فاسيلير المستشارة بمركز أبحاث الصين «ميريكس» ومقره في برلين: «الاعتماد الاقتصادي الهيكلي لألمانيا على الصين يتموضع في قلب هذه العلاقة. شولتس قاد هذه الزيارة وكأنما جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا لم يحدثا وكأن الاعتماد الاستراتيجي (على الصين) ليس قضية».

هذه الرؤية تغفل تغيرا هيكليا آخر يحدث في الاقتصاد العالمي. ففي تقرير نشر قبل أيام فقط من زيارة شولتس إلى الصين حذرت شركة التأمينات الألمانية «آليانز» من أن ألمانيا والصين تنتقلان من «التكامل إلى الإحلال» مع انتقال بعض الشركات الصينية إلى أعلى سلسلة القيمة وتفوقها على الشركات الألمانية.

هذا هو نوع التغيرات التي تدور في بال ماكرون عندما أعلن بطريقته المثيرة والمعتادة في خطاب الشهر الماضي أن الاتحاد الأوروبي في خطر «قاتل». فالزعيم الفرنسي مثله مثل شولتس وميركل كان يعتقد منذ فترة طويلة أن الارتباط بفلاديمير بوتين هو الوصفة الصحيحة إلى أن اضطرته الأحداث إلى مواجهة الواقع. واليوم يقول: هنالك حاجة لتحول أكثر جذرية، على كل الجبهات.

اتخاذ موقف يتسم بالمزيد من التشدد أكثر سهولة لفرنسا التي لدى شركاتها وجود أقل شأنا هناك من الشركات الألمانية. لكن موقف ماكرون تجاه الصين وروسيا كلتيهما الذي يتسق جدا مع وجهات النظر الحالية للمفوضية الأوروبية ينطلق من الفلسفة نفسها وهي أن العالم قد تغير وفي الغالب إلى الأسوأ وأوروبا بحاجة إلى أن تكون أكثر تشددا لمواجهة تلك الاتجاهات السلبية.

تندرج في مثل هذه الاتجاهات قوتان كبيرتان «ما عادتا تحترمان قواعد» التجارة الدولية وهما الولايات المتحدة والصين.

ينادي ماكرون باتباع «الغموض الاستراتيجي» تجاه روسيا، طارحا إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا. ويروِّج لفكرة دفاع أوروبي أقوى يمكن تمويله بسندات اليورو.

يجب أن تحمي أوروبا نفسها وتفكر استراتيجيا.

معظم ذلك يعارضه بشدة شولتس وبعض القادة الأوروبيين الآخرين. هنالك مجال للنقاش حول أفكار ماكرون. وفي حين أن فرنسا قوة نووية إلا أنها لا تملك الرافعة الاقتصادية لألمانيا. لكن التشبث بنمط تفكير فات أوانه لن يثير انطباعا حسنا عند بوتين أو شي أو ترامب المتحرِّرِين من نير نظام عالمي قديم.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وزير خارجية الصين يؤكد التزام بلاده بموقف موضوعي ومنصف من القضية الأوكرانية

 

أكد وزير الخارجية الصيني وانج يي،أن بلاده التزمت دوما بموقف موضوعي ومنصف من القضية الأوكرانية، وأيدت إجراء محادثات السلام، وانحازت بحزم إلى السلام .

الأسهم الأوروبية ترتفع مدفوعة باستمرار صعود أسهم الشركات المنكشفة على الصين ارتفاع الأسهم الأوروبية مدفوعة بالتفاؤل باقتصاد الصين

وقال وانج - خلال اجتماع وزاري لمنصة "أصدقاء السلام" بشأن الأزمة الأوكرانية حسبما ذكرت شبكة تليفزيون الصين الدولية (سي جي تي إن) اليوم السبت إنه مع دخول الأزمة الأوكرانية عامها الثالث، فإن نيران الصراع ما زالت تنتشر، وخطر اتساعه يزداد، كما تبعث مستجدات الوضع على القلق .

وأكد وزير الخارجية الصيني أنه عند الاختيار بين الحرب والسلام، ينبغي أن يختار العالم بحسم السلام، مضيفا أن المجتمع الدولي يجب أن ينحاز إلى جانب السلام ويهيئ الظروف لتحقيقه ويناضل لتعزيز الآمال في إحلال السلام .

وأضاف وانج، أنه عند الاختيار بين المصالحة والكراهية، فإن العالم ينبغي أن يختار المصالحة؛ وعندما يتعلق الأمر بالاختيار ما بين الحوار والمواجهة، يجب أن يختار العالم الحوار، معبرا عن أمله في أن تدرس الأطراف المعنية استئناف محادثات السلام في وقت مناسب .

ولفت إلى أن منصة "أصدقاء السلام" بشأن الأزمة الأوكرانية ليست معنية بالانحياز لأي طرف في الصراع، أو تعزيز المواجهة بين التكتلات، أو استبدال منصات قائمة بالفعل؛ داعيا إلى الاعتماد على الأمم المتحدة وإلى تعاون المزيد من دول الجنوب العالمي لإعلاء أصواتها الموضوعية والمتوازنة والعقلانية . 

جدير بالذكر أن مجموعة "أصدقاء السلام" عقدت أمس /الجمعة/ أول اجتماع لها في نيويورك تحت قيادة الصين والبرازيل، والرسالة الرئيسية للمجموعة هي الحاجة الملحة لبدء مفاوضات سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

مقالات مشابهة

  • أوربان يحشد دعم الصين والبرازيل في مبادرة جديدة لصنع السلام في أوكرانيا
  • "فتح": الصين حاضنة آمنة للقضية الفلسطينية وقضايا التحرر في العالم
  • الإمارات كان الأولى لها إدانة إحتلال المليشيا لمقر سفيرها وإتلافه وسرقة سياراته وتحويله لثكنة عسكرية
  • الخارجية الألمانية:  أوكرانيا يجب أن تمتلك صواريخ بعيدة المدى
  • ألمانيا تجمع أبطال «مونديال 2014»
  • «الصحة» تنظم برنامجا لأطباء الصدرية لتأهيلهم لاختبار «المتخصصين الأوروبيين»
  • وزير خارجية الصين يؤكد التزام بلاده بموقف موضوعي ومنصف من القضية الأوكرانية
  • الخارجية الإيرانية: نتائج تقاعس المجتمع الدولي تجاه جرائم الصهاينة ستنعكس على العالم قريبًا
  • الصين تعلن عن «خطة» لإيجاد تسوية سياسية لأزمة أوكرانيا
  • مشادة بين غانتس والمستشار الألماني شولتس بسبب توريد الأسلحة