نتانياهو يختار ستيفانيك وترامب فلا تنخدع يا بايدن
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
لو أنكم تتابعون المباراة، فلا بد أنكم لاحظتم أن أهم اثنين من مسؤولي الدفاع في حكومة بنيامين نتانياهو الحربية -وهما وزير الدفاع يوآف جالانت ورئيس الأركان السابق بيني جانتس- قد نبَّها الأسبوع الماضي إلى أن نتانياهو يقود إسرائيل إلى هاوية كارثية برفضه أي خطة لحكم فلسطينيين غير منتمين إلى حماس لغزة ويبدو أنه يفكر في احتلال عسكري طويل الأجل لغزة بدلا من ذلك.
إليكم النتائج المحتملة بالنسبة لأمريكا مما يقوله هذان الوزيران: لقد أصبح نتانياهو لاعبا متطرفا، يقوض مصالح أساسية للولايات المتحدة والحلفاء العرب، ويتحول إلى هدية مستمرة إلى إيران.
حسبكم النظر إلى الخيارات السياسية التي اختارها نتانياهو ونبئوني وأعينكم في عيني بأنه لم يسمح لإيران بالتلاعب التام بإسرائيل. فقد قامت إيران -مستعملة حليفيها حماس وحزب الله- بتقليص إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، مرغمة عشرات آلاف الإسرائيليين على الابتعاد عن حدود إسرائيل الغربية والشمالية وعزلت البلد على المسرح العالمي في ما يتعلق بغزة، بينما أصبحت إيران على أعتاب التحول إلى قوة نووية وإلى أقوى قوة إمبريالية في المنطقة (في ضوء سيطرتها الفعلية على أربع دول عربية) وهي الآن أقل أنعزالا مما كانت قبل سنين. وكل ذلك جرى تحت عيني «بيبي» وأذنيه.
لكن نتانياهو مشغول الآن بعمل أمر أشد خطورة من ذلك على مستقبل إسرائيل، وأمريكا. فهو يلح على عقلية الشعب الإسرائيلي بأنه ما من فارق بين حماس التي تستلهم الإخوان المسلمين فتتفانى من أجل محو الدولة اليهودية من الخريطة مستبدلة بها دولة إسلامية، وبين السلطة الفلسطينية العلمانية التابعة لفتح في الضفة الغربية والتي تبنت اتفاقيات أوسلو في أواسط تسعينيات القرن العشرين الداعية إلى حل الدولتين وتعاونت مع إسرائيل على مدى ثلاثة عقود للحد من العنف في الضفة الغربية.
والسلطة الفلسطينية فيها مليون عيب، منها ما تسبب فيه عنف المستوطنين الإسرائيليين أو فاقموه. ولكن هناك سبب يجعل نتانياهو يصاب بالذعر كلما قال له رئيسها محمود عباس عمليا «حسن يا بيبي، أراغب أنت في حكم الضفة الغربية منفردا؟ إليك مفاتيحها». والسبب هو أن نتانياهو يعلم تماما مدى تعاون السلطة الفلسطينية مع الجيش الإسرائيلي وجهاز شين بيت الأمني لحفظ الأمن في الضفة الغربية، وحجم التكلفة التي سوف تتكبدها إسرائيل مالا وجنودا وشرعية في حال إدارتها منفردة للأمن والصحة والقطاعين المصرفي والتعليمي في الضفة الغربية.
ومع ذلك، لأن شركاء نتانياهو في مجلسه الوزاري اليميني المتطرف راغبون في ضم غزة، ولأن أصواتهم قادرة على إبقائه في السلطة وخارج السجن في حال إدانته في قضايا الفساد، فإن بيبي يردد معهم شعاره بأن حماس وفتح شيء واحد.
(هذه أهم الديناميات الفاعلة الآن، وقرار المحكمة الجنائية الدولية بالسعي إلى إصدار أوامر اعتقال لنتانياهو وجالانت وقادة حماس باتهامات ارتكاب جرائم حرب لا تفضي إلا إلى زيادة نتانياهو قوة في الداخل وقدرة على تشتيت الانتباه عن هذا).
والأدهى أن كثيرا للغاية من الإسرائيليين يتقبلون حجة نتانياهو الواهية، وقليل للغاية من زعامات المعارضة -ومنهم جانتز وجادي إيزنكوت- يقفون رافضين هذه الحجة. وإنها لكارثة مقبلة: فبيبي يقنع الإسرائيليين بأنه ما من بديل فلسطيني شرعي لحكم حماس. وذلك هو أثر الزعم بأن حماس وفتح متساويتان.
ونتانياهو يفعل هذا كله بتوجيه من وزيرين عنصريين في حكومته منحهما سلطات غير مسبوقة، وهما وزير المالية بتسلئيل سموتريش ووزير الأمن القومي إيتامار بن جفير.
قال بن جفير خلال مسيرة أقيمت الأسبوع الماضي بمناسبة يوم الاستقلال: إن «علينا أن نرجع إلى غزة الآن. نرجع إلى الوطن في الأرض المقدسة» فلم يلق لوما من نتانياهو. ومضى بن جفير قائلا: «علينا أن نشجع الهجرة. نشجع هجرة سكان غزة الطوعية».
وما هو بالصوت المنفرد: فقد تردد أن السكرتير العسكري القادم لنتانياهو وضع خطته ـ دونما مشاركة من وزير الدفاع أو رئيس أركان الجيش- لاحتلال إسرائيلي دائم لغزة بإدارة عسكرية.
لقد بلغ الانزعاج من جالانت -الرئيس السابق للنسخة الإسرائيلية من قوات البحرية والوحيد الذي يمتلك الشجاعة والجاذبية السياسية في زعامة حزب الليكود التابع لنتانياهو- خلال الأسبوع الماضي حد أن ألقى بدون إذن من رئيس الوزراء خطبة قال فيها إنه يطلب من نتانياهو منذ أكتوبر خطة لمن سيحكم غزة بعد تفكيك حماس فلم «يتلق أي رد».
وبدون خطة، حسبما أضاف جالانت: «لا يبقى غير خيارين سلبيين: إما حكم حماس في غزة أو حكم الجيش الإسرائيلي في غزة... ولن يتحقق اليوم التالي لحماس إلا بسيطرة من كيانات فلسطينية على غزة، مصحوبة بفاعلين دوليين، مقيمين بديلا للحكم غير حماس».
برغم أن جالانت لم يأت على ذكر لمشاركة من السلطة الفلسطينية، فإنه لم يستبعد ذلك. أما نتانياهو فأوضح موقفه : «غزة لن تكون حماس ستان أو فتح ستان» حسبما قال في شتاء هذا العام. وفتح هي حزب الرئيس عباس.
تكرار نتانياهو شبه الدائم حاليا لقوله: إن السلطة الفلسطينية مماثلة لحماس يفضي بالبعض إلى التساؤل عما لو أنهم لا يحسنون فهم نتانياهو، حسبما قال الطبيب النفسي التنظيمي الإسرائيلي فيكتور فريدمان (وهو ليس بقريب لي).
قال لي فريدمان: إن «إذعان نتانياهو لليمين المتطرف، وسموتريتش وبن جفير، يعد بصفة عامة مدفوعا بحاجته إلى الحفاظ على تماسك ائتلافه والحفاظ على بقائه الشخصي خارج السجن. والآن يبدو أنه باع روحه طوعا لليمين المتطرف. ومن تفسيرات ذلك أن اليمين الديني المتطرف يخلع عليه صورة مشيحانية تتوافق مع إحساسه الشخصي بأنه المختار من أجل إنقاذ إسرائيل والشعب اليهودي. وهو لديه خطة لليوم التالي، وهي شديدة الوضوح لمن يسمعون النصر التام، وفي النهاية عودة المستوطنات الإسرائيلية إلى هناك. إسرائيل في طريقها إلى إعادة احتلال غزة».
في حال حدوث ذلك، سوف تصبح إسرائيل منبوذة دوليا وتتمزق المؤسسات اليهودية أينما هي بين اليهود الذين يستشعرون ضرورة الدفاع عن إسرائيل -في الحق والباطل- ومن يجدون هم وأبناؤهم أنه لا يمكن الدفاع عنها.
وللأسف، ليس نتانياهو وحده هو الذي قاد إسرائيل إلى ذلك الطريق المسدود الحالي. فعلى مدار سنوات عديدة حظي المشروع الاستيطاني والسياسات تجاه إيران بغطاء من منظمة آيباك، وهي جماعة ضغط أمريكية موالية لإسرائيل، ومن (مؤتمر المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى) ومن (اللجنة اليهودية) ومن الأنصار المعروفين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ومن سوء الحظ أن الرئيس بايدن -فيما أعتقد- لا يفهم «صديقه القديم» بيبي فهما تاما، فقد كانت حكومته أول من أعلن رسميا أن ضم الضفة الغربية هدف لها وحاولت فعليا نزع سلطات المحكمة العليا التي تسمح لها بإيقاف السعي إلى ذلك الهدف.
وقاعدتي هي: لا تنصت أبدا إلى ما يقوله لك بيبي سرا باللغة الإنجليزية، وراقبه فقط وهو يتكلم علنا بالعبرية. إن فريق بايدن يستجدي نتانياهو منذ شهور تحديد رؤية لما بعد غزة تشرك الفلسطينيين والعرب في السيطرة على غزة وتنطوي على مسار طويل الأجل وصولا إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح -فلا تضطر الولايات المتحدة إلى تسهيل احتلال إسرائيلي للضفة الغربية- وتمهد الطريق لاتفاقية أمنية أمريكية سعودية يمكنها أيضا أن تثمر علاقات تطبيعية بين إسرائيل والسعوديين.
رفض نتانياهو ذلك كله. وأظهر مع ذلك امتنانه لبايدن من خلال إعطاء أغلبيته البرلمانية لإيليس ستيفانيك ـ وهي من الصقور الجمهوريين في الكونجرس وليس ليدها موقف في السياسة الخارجية معروف وتتذلل لكي تصبح نائبة للرئيس مع دونالد ترامب- الشرف الاستثنائي بإلقاء خطاب يوم الأحد في الكينيست انتقدت فيه الرئيس الأمريكي وأثنت على ترامب.
ومن يكون هذا العسكري العبقري العظيم الذي يتوددون جميعا إليه؟ تعالوا لنرى: في 2015، توصل فريق أوباما إلى اتفاقية نووية مع إيران فرضت عليها عمليات تفتيش وقيودا أدت جميعا إلى خفض مخزونها من اليورانيوم المخصب فبات قدر ضئيل يصل تخصيبه إلى 3.67% من النقاء وهي نسبة بعيدة للغاية عن نسبة الـ90% من النقاء اللازمة للقنبلة. فحتى لو حاولت إيران أن تخرق الاتفاقية، كانت لتحتاج إلى عام على الأقل لإنتاج مادة انشطارية كافية لقنبلة، وذلك وقت كاف لإيقافها. عارض نتانياهو بشدة تلك الاتفاقية، برغم أن العديد من مسؤولي الجيش والمخابرات الإسرائيليين كانوا يناصرونها، وهو ما أخفاه بيبي عن الشعبين الإسرائيلي والأمريكي.
بعد أن وصل ترامب إلى السلطة حثه نتانياهو على تمزيق الاتفاقية، ففعل ترامب ذلك بطيش في عام 2018. والظاهر أن نتانياهو كان يعتمد على حقيقة أن إيران في حال خرق الاتفاقية سوف تبدأ التخصيب بهدف إنتاج قنبلة، فيقوم ترامب بضرب منشآتها النووية. وخرقتها إيران، ولم يكن ترامب أو بايدن مستعدين للهجوم على إيران.
والنتيجة؟ حسبما ذكرت رويترز الشهر الماضي: «إيران تقوم حاليا بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% من النقاء ولديها من المواد المخصبة إلى هذا المستوى والتي إذا زيد تخصيبها فسوف تكفي لصنع سلاحين نوويين، وفقا للتعريف النظري للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويعني هذا أن ما يسمى بوقت الاختراق الإيراني -أي الوقت الذي سوف تحتاج إليه لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لصنع قنبلة نووية- يقترب من الصفر، فهو على الأرجح أسابيع أو أيام.
وهذا من أكبر إخفاقات الأمن القومي الأمريكي الإسرائيلي على الإطلاق.
وعلى مدار العقد الماضي كان نتانياهو ـ الملقب بـ«رجل الأمن» ـ هو الذي سهل تحويل أكثر من مليار دولار من قطر إلى حماس، لتبني نفسها في غزة، واستخدم صوته لنزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية. وبهذه الطريقة أمكنه أن يقول للعالم إن إسرائيل ليس لديها شريك فلسطيني، وبالتالي يجب عليها أن تحتل الضفة الغربية إلى الأبد.
وهو الآن يروج للإسرائيليين وهْمًا مفاده أن بعض الفلسطينيين المثاليين سيتقدمون لإدارة غزة نيابة عن إسرائيل ويتحدون الكيانين الفلسطينيين الحاكمين الوحيدين اللذين يتمتعان بأي شرعية، أي حماس وفتح. فلو أنكم تصدقون ذلك، فأنتم ساذجون. وهذا من شأنه أن يقود إسرائيل، الحليف الرئيسي لأمريكا في الشرق الأوسط، إلى صراع مشوش ومستنزف ولا نهاية له.
حماس ليست السلطة الفلسطينية. وإذا التزمت إسرائيل بالعمل في حكم غزة مع سلطة فلسطينية يجري إصلاحها، وبتجميد المستوطنات والالتزام بإقامة شراكة معها من أجل إقامة دولة فلسطينية ذات يوم، فإن ذلك كفيل بتغيير كل شيء. فمن شأنه أن يمنح إسرائيل الشرعية العالمية لتفكيك حماس بالفعل، وتنظيم قوة فلسطينية/عربية تحكم غزة بحيث لا تحكمها إسرائيل أو حماس، ويفتح الطريق للتطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
لن يكون شيء من هذا سهلا أو مشفوعا بضمانة النجاح لرئيس وزراء إسرائيلي سليم النية. ولكن بدون محاولة على الأقل -ومحاولة أخرى وأخرى- فإن بقاء إسرائيل على المدى الطويل سيكون في خطر. ومن المؤسف أن إسرائيل يقودها اليوم رجل لا يهمه إلا البقاء على المدى القصير. وهو ناجح في ذلك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة فی حال
إقرأ أيضاً:
جزء فقط.. نتانياهو يعلن ماذا فعلت الضربة الإسرائيلية في إيران
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الاثنين، أن الهجوم الذي شنته إسرائيل أواخر أكتوبر على إيران ألحق أضرارا "بجزء" من برنامجها النووي.
وقال نتانياهو أمام البرلمان الإسرائيلي "لقد نُشر أن جزءا معينا من برنامجهم النووي أصيب في هذا الهجوم".
وأضاف أن "البرنامج نفسه وقدرته على العمل لم يتم إحباطهما بعد"، بحسب فرانس برس.
وفي تصريحات للإيرانيين قبل أيام وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي الثلاثاء، رسالة "مباشرة" للشعب الإيراني حول العالم قال فيها إن النظام الإيراني أطلق مئات الصواريخ الباليستية على إسرائيل. ووجه سؤالا: "هل أخبركم عن تكلفة هذا الهجوم؟ حسناً، لا أتكهن. إنها 2.3 مليار دولار. هذا هو المبلغ الذي بددوه من أموالكم الثمينة على هجمات بلا جدوى".
المزّة الدمشقية بقلب الصراع.. كيف أصبحت المنطقة الراقية هدفا؟ رغم أنها استهدفت بعدة غارات منذ بداية العام الحالي حَملت الضربة الجوية الأخيرة على ضاحية المزّة بالعاصمة السورية، دمشق، تفاصيل استثنائية، من زاوية توثيقها بالفيديو لأول مرة من جانب الجيش الإسرائيلي ومن منطلق الأجواء التي تبعتها، مما دفع سكان أصليين لاستشعار خطر "موقوت" بات يحدق بهم داخل المنازل، وحتى عند التنقل في الشوارع والأماكن العامة.وتابع: "لقد أحدثت الصواريخ أضراراً هامشية في إسرائيل، ولكن ما الضرر الذي تسببت فيه لكم؟ هذا المبلغ كان يمكن أن يضيف مليارات إلى ميزانية النقل الخاصة بكم، أو إلى ميزانية التعليم".
وحذّر كذلك في رسالته من أن أي "هجوم آخر على إسرائيل سيفاقم تدهور اقتصاد إيران، وسيحرم الإيرانيين مليارات أخرى".
واستخدم نتانياهو شعار "نساء، حياة، حرية" وقاله باللغة الفارسية كذلك "زن، زندگی، آزادی"، الذي رفعته حركة الاحتجاج الإيرانية قبل عامين، بعد مقتل الشابة العشرينية مهسا أميني متأثرة باعتداء عليها من قبل عناصر من "شرطة الأخلاق"، بسبب أنها لن تلتزم بقيود اللباس، ورح العشرات ضحية قمع قوات الباسيج الإيرانية لهذه الاحتجاجات التي بدأت من كردستان إيران، وتوسّعت في مدن أخرى.