لا يمر يوم فى مصر دون تصريحات وردية عن الاستثمار المحلى والأجنبي، تحمل فى الغالب دعوات مرحبة ومُيسرة من جانب الحكومة، ووعود مكررة حول الفرص المتاحة والمكاسب المفترضة لضخ الاستثمارات فى مختلف القطاعات.
وهذا أمر محمود يؤكد قناعة الحكومة بأنه لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية بدون استثمارات خاصة كبيرة ومتنوعة، لأن هذه الاستثمارات تعنى بالضرورة قيمة مضافة، وفرص عمل، ورفع مهارات، وتنمية مستدامة.
لكن المؤسف فى الأمر هو أن تبقى دائمًا الدعوة للاستثمار فى مصر مجرد طرح شفهى بدون إجراءات عملية موازية تعكس تهيئة الطريق، وتذليل المعوقات أمام المستثمرين.
ولا شك هنا أن المنظومة الضريبية بوضعها الحالي، ونظمها المعقدة، وسياساتها التشكيكية تمثل أحد المعوقات العتيدة أمام الاستثمار الأجنبى والمحلى.
وهكذا لم يكن غريبًا على مدى أكثر من عشر سنوات أن يتكرر مصطلح «الإصلاح الضريبي» على ألسنة المسئولين والمستثمرين وخبراء الاقتصاد باعتباره توجهًا لازمًا ضمن المشروع الوطنى للاصلاح الاقتصادى. ذلك إنه لا يمكن تحسين بيئة الاستثمار، وهناك آلة جباية تعمل ليل نهار، بهدف وحيد هو تحقيق مستهدفات سنوية بغض النظر عن الأسلوب المتبع، وحجم القاعدة الضريبية وآليات التحصيل والربط الضريبي، والآثار المترتبة على ذلك.
إن معنى الإصلاح دائمًا يقترن بأمر ناقص، أو فاسد، ويستلزم عملًا مُغيرًا ومبدلًا لسياسات وإجراءات معتادة، وهو ما لم يتم فى منظومة الضرائب رغم كثرة طرحه، وكان سببًا مباشرًا فى إحجام شركات عالمية وكبرى عن الدخول إلى السوق الذى يرفع شعار الإصلاح قولًا فقط دون عمل مصاحب.
وفى تصورى فإن اللحظة الآنية تمثل مفترق طرق فى مسيرة التنمية، إذ تلجأ الدول فى المنطقة، وخارجها أيضًا إلى منح المزايا التنافسية المختلفة لجذب الاستثمارات ومنها المزايا الضريبية العملية ذات الأثر الإيجابي، وهو ما يعد غائبًا عن تشريعاتنا الحاكمة للاستثمار.
وسبق أن تساءلت منذ أكثر من عام عن عدد الشركات التى استفادت بالفعل من المزايا الممنوحة للمستثمرين الجدد فى قانون الاستثمار، ولما عرفت أنه صفر، استغربت ألا يلتفت المسئولون إلى سؤال أنفسهم عن السبب فى عدم تقدم شركة واحدة للاستفادة من هذه المزايا، إلا إذا كانت المزايا غير واقعية وغير ممكنة.
وفى هذه الحالة، فإن العودة إلى المزايا الضريبية الواضحة ضرورة لتحفيز المستثمرين للدخول لمصر سعيًا لصناعة قصص نجاح حقيقية وعظيمة. وهذا ما يتطلب حوارًا مفتوحًا مع منظمات الأعمال.
وكما قلت مؤخرًا، ورغم تحفظى على رطيقة تشكيله الجديدة، فإن تفعيل المجلس الأعلى للضرائب يمثل نقطة انطلاق لإصلاح منظومة تعانى من ترهل وتشابك ومشكلات حادة. فليس منطقيًا أن تبقى منظومة الربط والتحصيل واعتماد الميزانيات الخاصة بالشركات فى الضرائب خاضعة لقواعد عتيدة وموروثات انقضى زمنها. وليس معقولًا أيضًا أن تخضع شركات لضرائب مزدوجة رغم وجود اتفاقيات لمنع الازدواج الضريبى.
وبالقطع فإنه ليس منافسًا أن تصل الضرائب المباشرة على الأفراد والشركات فى مصر إلى أكثر من 27.5 فى المئة، فى حين أنها أقل كثيرًا فى جميع الدول المجاورة.
وبالنسبة للمستثمر المحلي، فليس سرًا أن نسبة العبء الضريبى من إجمالى الدخل المحلى فى مصر تبلغ 17.5 فى المئة، فى حين تبلغ النسبة ذاتها فى دولة الإمارات 0.01 فى المئة، وهو ما يعكس الفجوة الكبيرة فى مزايا ومكاسب الاستثمار بين البلدين.
ولا شك أن تأسيس وتفعيل المجلس الأعلى للضرائب، ومنحه السلطات والصلاحيات الواسعة وإلزام كافة الجهات بتنفيذ قراراته وتوصياته، هو الحل الأسرع للتعامل مع موروثات المنظومة الأكثر تعقيدًا فى مصر، المسماة بمنظومة الضرائب.
وسلامٌ على الأمة المصرية
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د هانى سرى الدين مصر جانب الحكومة فى مصر
إقرأ أيضاً:
إلغاء ترامب للإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية يدمر الصناعات الأمريكية
حذرت دراسة حديثة من أن إلغاء إدارة ترامب للإعفاء الضريبي الفيدرالي للسيارات الكهربائية قد يكون له تأثير مدمر على صناعة السيارات في الولايات المتحدة.
ووفقًا لدراسة أجراها مشروع REPEAT، وهي مجموعة تابعة لجامعة برينستون المتخصصة في تحليل السياسات البيئية، فإن إلغاء الإعفاء الضريبي البالغ 7500 دولار قد يضر بشكل كبير بالطلب على السيارات الكهربائية ويهدد الوظائف المرتبطة بتصنيع هذه المركبات وبطارياتها.
تأثير الإلغاء على المبيعات والتصنيعتستند الدراسة إلى تقديرات تشير إلى أنه في حال تم إلغاء الإعفاء الضريبي، قد تنخفض مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 30% بحلول عام 2027، ومن المحتمل أن تصل إلى 40% بحلول عام 2030.
وقد يؤدي هذا التراجع في المبيعات إلى تقليص حصة السيارات الكهربائية في السوق الأمريكية من 18% إلى 13% في عام 2026، ومن 40% إلى 24% في عام 2030.
قد يؤدي هذا التباطؤ المتوقع في نمو مبيعات السيارات الكهربائية أيضًا إلى توقف أو إلغاء العديد من التوسعات المخطط لها لمصانع تجميع السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة.
تشير الدراسة إلى أن ما بين 29% و72% من طاقة تصنيع البطاريات في الولايات المتحدة الأمريكية قد تصبح فائضة عن الحاجة، مما يؤدي إلى إغلاق المصانع أو عدم بناء مصانع جديدة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى فقدان آلاف الوظائف.
وبحسب الدراسة، فإن الولايات الحمراء (الولايات ذات الاتجاه السياسي الجمهوري) قد تكون الأكثر تضررًا من هذه التغييرات في السياسات، حيث أن معظم مصانع السيارات الكهربائية الحالية والمخطط لها تقع في هذه الولايات.
وبهذا، سيكون تأثير إلغاء الإعفاء الضريبي ملحوظًا بشكل أكبر على الوظائف المحلية.
الإعفاء الضريبي: محرك أساسي للنمو
كان الإعفاء الضريبي البالغ 7500 دولار يُعتبر من العوامل الرئيسية التي ساعدت في زيادة مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة الأمريكية.
في عام 2023، توقعت شركة ستاندرد آند بورز جلوبال موبيليتي أن مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة ستتضاعف بحلول عام 2030، وذلك بفضل هذا الحافز الضريبي.
ومع ذلك، فإن إدارة ترامب كانت قد استهدفت هذا الإعفاء الضريبي، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير جذري في هذه التوقعات.
التأثيرات على السوق على المدى الطويلبعد الخسارة المحتملة للإعفاء الضريبي، قامت شركة JD Power بمراجعة توقعاتها لحصة التجزئة في سوق السيارات الكهربائية، حيث توقعت أن تظل ثابتة عند 9.1% من سوق التجزئة في الولايات المتحدة لهذا العام، على أن يستأنف النمو في السنوات التالية ليصل إلى 26% من السوق بحلول عام 2030.
تشير التوقعات إلى أن النمو في السوق سيكون مدفوعًا بشكل رئيسي بنماذج السوق الشامل من السيارات الكهربائية، مثل تلك التي تقدمها شركات مثل تسلا وريفان و لوسيد.
تُظهر هذه الدراسة التأثير المحتمل لإلغاء الإعفاء الضريبي للسيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، وتسلط الضوء على المخاطر التي قد تؤدي إلى تباطؤ نمو هذا القطاع الحيوي.
التأثير على التصنيع، الوظائف، والمبيعات قد يكون عميقًا، مما يتطلب إعادة النظر في السياسات الحالية لضمان استمرار النمو المستدام للسيارات الكهربائية في الولايات المتحدة.