هل تستطيع العدالة الدولية حماية نفسها من بلطجة أمريكا؟
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
في الأنظمة القضائية لكل دولة قواعد وقوانين تحمي هيئة الحكم وهيئة الادعاء العام من أي محاولة من الخصوم أو أي طرف ثالث لترهيب أو ترغيب هذه الهيئات. فلا يستطيع أي طرف من الأطراف تهديد أو رشوة أعضاء هذه الهيئات بهدف منعهم من القيام بواجباتهم وفق ما ينص عليه القانون، وكل من يحاول القيام بأي فعل من شأنه تعطيل العدالة فإنه يتعرض لأشد العقوبات.
تهديد القضاة والمدعين العامين لا يحدث إلا في بلاد "الواق واق" و"جمهوريات الموز" التي انفلت فيها عقد النظام والقانون، وتحكمها مافيات وبلطجية بشرعة أحط من شرعة الغاب فلا أمن ولا سلام ولا عدالة.
القوى التي تدعي أنها ديمقراطية في الغرب تطبق قواعد القانون بصرامة في الداخل فلا عدوان على حقوق الأفراد، ناهيك عن يجرؤ أحد على الاقتراب من هيئات الحكم والادعاء العام تهديدا أو ترغيبا، في المقابل تعيث هذه الدول فسادا على الصعيد الدولي، فالعدالة الدولية مفقودة عاجزة مشلولة أو أنها تُستخدم لتحقيق أجندات سياسية.
في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة؛ هبّت قوى الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتوفير كافة وسائل الدعم العسكري والسياسي، ووظفت كافة وسائل الإعلام الغربية لغسل جرائم إسرائيل وتبريرها فضلا عن تسويق الرواية الإسرائيلية الكاذبة للأحداث.
وصل حد بلطجة هذه الدول لممارسة كل أنواع التهديد ضد أي دولة أو هيئة أممية تحاول التدخل من أجل وضع حد لما يجري، وإيصال ما يلزم من مساعدات لإطعام الجوعى وإيواء المهجرين وعلاج المرضى والجرحى، بل وصل التهديد لأعلى هيئة قضائية دولية (المحكمة الجنائية الدولية) إن حاولت ملاحقة المتهمين في هذه الجرائم
وصل حد بلطجة هذه الدول لممارسة كل أنواع التهديد ضد أي دولة أو هيئة أممية تحاول التدخل من أجل وضع حد لما يجري، وإيصال ما يلزم من مساعدات لإطعام الجوعى وإيواء المهجرين وعلاج المرضى والجرحى، بل وصل التهديد لأعلى هيئة قضائية دولية (المحكمة الجنائية الدولية) إن حاولت ملاحقة المتهمين في هذه الجرائم.
التدخل السافر في التحقيق الذي يتعلق بالجرائم المرتكبة ليس حديثا، فهو يعود إلى اللحظة الأولى التي أحالت فيها فلسطين الجرائم إلى المحكمة، فانبرت العديد من الدول الغربية لتعارض ذلك، وعندما فتحت المدعية العامة السابقة تحقيقا رسميا قامت إدارة ترامب بفرض عقوبات عليها وعلى موظفين آخرين في مكتبها.
سلوك الدول الغربية في الملف الأوكراني كان على العكس تماما، فقد عملت على تجنيد المحكمة لتحقيق أجنداتها السياسية. 43 دولة أحالت الجرائم المزعوم ارتكابها إلى المحكمة وصبت في موازنة المحكمة الملايين، وهي نوع من الرشوة ليقوم مكتب الادعاء العام بتحقيقات سريعة ضد طرف واحد صدرت على إثرها وفي زمن قياسي مذكرات توقيف بحق الرئيس فلاديمير بوتين وعدد من المسؤولين الروس.
قام كريم خان بفتح تحقيق رسمي في الجرائم المزعوم ارتكابها من الجانب الروسي فقط بتاريخ 2 آذار/ مارس 2022، أي بعد أقل من شهر من بدء الحرب (24 شباط/ فبراير 2022)، وبعد سنة فقط وبتاريخ 17 آذار/ مارس 2023 أصدرت غرفة ما قبل المحاكمة مذكرات توقيف بحق بوتين ومسؤولة أخرى في مكتبه، وبتاريخ 5 آذار/ مارس 2024 أصدرت ذات الغرفة مذكرات قبض بحق شخصين اثنين.
وما يلفت الانتباه أكثر أنه في معظم القضايا التي حقق ويحقق فيها مكتب الادعاء العام تناول كل أطراف الصراع، لكن الجرائم المرتكبة من قبل الجانب الأوكراني كانت استثناء، فالمدعي العام لم يذكر في أي من مذكراته الرسمية أنه سيحقق في جرائم ارتكبها الجانب الأوكراني، وهي كثيرة وفق منظمات حقوقية مستقلة.
وعلى صعيد الجرائم المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين وعلى وجه الخصوص حرب الإبادة في قطاع غزة، لم يتخذ كريم خان أي إجراء عملي منذ توليه منصبه في حزيران/ يونيو 2021، واقتصر موقفه بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على بيانات صحفية ومقابلات لذر الرماد في العيون.
نشط كريم خان في مختلف القضايا المعروضة على مكتبه ومنها السودان ليبيا وفنزويلا وغيرها، وبالطبع أوكرانيا كما أسلفنا، واستثنى فلسطين من أجنداته بداعي أنه لا توجد إمكانيات مادية لدى المحكمة لاستكمال التحقيق الرسمي في الجرائم المرتكبة.
ونحن نقترب من اكتمال عشر سنوات على إحالة الجرائم المرتكبة بأنواعها المختلفة، والذي يصادف 13 حزيران/ يونيو 2024، ظهرت تسريبات في الصحف الإسرائيلية وعلى لسان رئيس حكومة الاحتلال أن مكتب الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية ينوي إصدار مذكرات توقيف بحقه وبحق مسؤولين إسرائيليين آخرين، وتوعد وطالب دولا في مقدمتها الولايات المتحدة لكي تتدخل وتمنع ذلك.
وبتاريخ 20 أيار/ مايو 2024 أصدر المدعي العام بيانا خلص فيه إلى أن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وبناء عليه تقدم بطلب إلى الغرفة التمهيدية طالبا الإذن بإصدار مذكرات قبض ضد نتنياهو وغالانت والسنوار والضيف وإسماعيل هنية.
من الواضح أن خطوة المدعي العام جاءت متأخرة جدا، وهناك جرائم قبل أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر مثل الاستيطان؛ لو اتخذ المدعي العام فيها إجراء لأحدث فرقا، كما أنه بدا معنيا في طلب إصدار مذكرات التوقيف أن تشمل الطرفين حتى يبدو متوازنا ويخفف من حجم الهجوم عليه من الجانب الإسرائيلي وحلفائه، لكن أنّى له ذلك!
مشوار العدالة والانتصاف للضحايا طويل، فحتى لو صدرت مذكرات التوقيف فهذا لا يعني أن توقيف المشتبه بهم ومحاكمتهم ستتم على الفور، فنحن نعلم أن نتنياهو وغالانت لن يسلموا أنفسهم للمحكمة، ومع مبدأ المحاكمة الحضورية الذي تقوم عليه المحكمة فإن المحاكمة الغيابية غير واردة
لم يسبق أن أعلن المدعي العام الحالي أو المدعون العامون السابقون أن طلبوا إصدار مذكرات توقيف في أي من القضايا التي عُرضت عليهم، فما درج عليه مكتب الادعاء العام أنه يعلن عن مذكرات التوقيف حال صدورها، كما لم يسبق أن أعلن عن لجنه درست حيثيات القضية من خارج المحكمة كما بيّن في بيانه أمس، وهذا يؤشر إلى أن مكتب الادعاء العام يعامل هذه القضية بخصوصية بالغة، وهو ما يُخل بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها المحكمة وهي معاملة كافة القضايا المعروضة عليه بإجراءات واحدة.
والتساؤل الكبير يبقى: لماذا اقتصر طلب الادعاء العام على إصدار مذكرات توقيف بحق اثنين فقط من الجانب الإسرائيلي على الرغم من أن لائحة الأسماء المعروفة وترتكب بنشاط جرائم خطيرة في قطاع غزة طويلة منهم وزراء ورتب عسكرية، مثل رئيس الأركان هاليفي وأعضاء ما يسمى مجلس الحرب؟!
مشوار العدالة والانتصاف للضحايا طويل، فحتى لو صدرت مذكرات التوقيف فهذا لا يعني أن توقيف المشتبه بهم ومحاكمتهم ستتم على الفور، فنحن نعلم أن نتنياهو وغالانت لن يسلموا أنفسهم للمحكمة، ومع مبدأ المحاكمة الحضورية الذي تقوم عليه المحكمة فإن المحاكمة الغيابية غير واردة، على خلاف ما هو معمول به في الإجراءات الجنائية الوطنية.
ومع ذلك فإن هذا لا يقلل من أهمية صدور مذكرات التوقيف وهو ما طالبنا به مرارا وتكرارا منذ سنوات، فاليوم ورغم أن الطلب جاء متأخرا كان له وقع الصاعقة على الجانب الإسرائيلي وبدأت تصدر التهديدات من هنا وهناك، لدرجة أن وزير خارجية إسرائيل أعلن عن تشكيل غرفة حرب لمواجهة المحكمة.
مذكرات التوقيف إن صدرت ستعمّم من خلال الشرطة الدولية "الإنتربول" على شكل نشرات حمراء، وهو ما يجعل نتنياهو وغالانت حبيسا الجغرافيا ولا تستطيع أي دولة من الدول الأطراف استقبالهما على أراضيها، وهو ما يوجب على الدول الداعمة لإسرائيل وفي نفس الوقت هي عضو طرف في المحكمة أن تراجع مواقفها من دعم حرب الإبادة، فهي بكل وضوح شريكة في الجرائم التي يرتكبها نتنياهو.
لا يجوز أن تقف المحكمة والدول الأطراف صامته في مواجهة التهديدات والعربدة التي تمارسها إسرائيل وحلفاؤها على المحكمة، فإن لم يكن للمحكمة أظافر وأسنان تحمي موظفيها بشكل حاسم فعلى العدالة الدولية السلام
طبعا الولايات المتحدة نددت بخطوة المدعي العام، وبريطانيا اعتبرتها "غير مفيدة"، ودول غربية قليله أيدته مثل أيرلندا وسلوفينيا وبلجيكا، ووصل الحد بالبلطجة أن أعلن عضو الكونجرس ليندسي جراهام أنه سيقدم مشروع قانون للكونجرس لفرض عقوبات على أعضاء المحكمة، وقبله وبتاريخ 24 نيسان/ أبريل 2024 وقع 12 سيناتورا رسالة موجهة إلى كريم يهددونه بفرض عقوبات عليه وعلى المحكمة.
فبالأمس كانوا يدعمون عمل المحكمة ووفروا لها كل الموارد في قضية أوكرانيا ضد روسيا واليوم هم يعارضون عمل المحكمة ويهددون باتخاذ إجراءات ضد العاملين في المحكمة لشل عملها، وهذا ما يحتم على مدعي عام المحكمة والداعمين لها وعلى وجه الخصوص الدول الأطراف اتخاذ إجراءات لردع هؤلاء.
المادة 70 (د) من اتفاقية روما تتيح للمحكمة ملاحقة أي شخص يحاول القيام بأي وسيلة ممارسة الترهيب على أحد من موظفي المحكمة بغرض منعه من القيام بواجباته، كما فرضت ذات المادة على الدول الأطراف ملاحقة كل من يرتكب جريمة إعاقة العدالة وفق قوانينها المحلية.
لا يجوز أن تقف المحكمة والدول الأطراف صامته في مواجهة التهديدات والعربدة التي تمارسها إسرائيل وحلفاؤها على المحكمة، فإن لم يكن للمحكمة أظافر وأسنان تحمي موظفيها بشكل حاسم فعلى العدالة الدولية السلام.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدالة إسرائيل الجنائية الدولية فلسطين نتنياهو إسرائيل فلسطين نتنياهو الجنائية الدولية العدالة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مکتب الادعاء العام الجرائم المرتکبة مذکرات توقیف بحق نتنیاهو وغالانت العدالة الدولیة الدول الأطراف المدعی العام إصدار مذکرات فی المحکمة وهو ما
إقرأ أيضاً:
إحالة21 عسكريا أوكرانيا إلى المحكمة بتهمة "ارتكاب عمل إرهابي" في مقاطعة كورسك
وافق مكتب المدعي العام العسكري لدائرة موسكو العسكرية على لوائح الاتهام ضد 21 عسكريا أوكرانيا متهمين بـ"ارتكاب عمل إرهابي" في مقاطعة كورسك، وأرسل إلى المحكمة سبع قضايا جنائية ضدهم.
وقال مكتب المدعي العام الروسي: "إنهم متهمون بموجب البند 2 من المادة 205 من القانون الجنائي لروسيا الاتحادية (ارتكاب عمل إرهابي مخطط له سابقا من قبل مجموعة من الأشخاص، مما أدى إلى عواقب وخيمة)".
وأضاف: "جميع المتهمين الذين اعتقلهم العسكريون الروس محتجزون حاليا في مقاطعة بيلغورود، وتم إرسال القضايا الجنائية إلى المحكمة العسكرية للدائرة الغربية الثانية للنظر فيها".
وأكدت التحقيقات أن العسكريين الأوكرانيين قاموا في أغسطس من هذا العام بغزو أراض حدودية في مقاطعة كورسك بشكل غير قانوني لتنفيذ أنشطة إرهابية.
وأضاف مكتب المدعي العام أن العسكريين الأوكرانيين "من أجل حصار البلدات والقرى وإبقائها تحت السيطرة المسلحة، قاموا بتجهيز مواقع مراقبة وإطلاق النار في مزارع الغابات المتاخمة للمناطق، وأنشأوا نظاما موحدا للاستطلاع والإطفاء والاتصالات فيما بينهم، وقاموا بتلغيم الطرق، وفتحوا النار مرارا على العسكريين والمدنيين الروس ومنعوهم من التنقل ومنعوا إجلاءهم".
وكانت القوات الأوكرانية قد غزت مقاطعة كورسك الروسية صباح 6 أغسطس الماضي، وتم وقف تقدمها من قبل القوات الروسية وتحرير معظم الأراضي التي احتلتها.
وتكبدت القوات الأوكرانية خسائر فادحة في المقاطعة حيث أكدت وزارة الدفاع الروسية اليوم الجمعة أن مجموع خسائر الجيش الأوكراني في محور كورسك ارتفع إلى 44570 جنديا بعدما فقد أكثر من 600 جندي هناك خلال آخر 24 ساعة.
وزارة الصحة في غزة: الاحتلال يواصل استهداف المنشآت الصحية وتدمير المرافق الحيوية
أكدت وزارة الصحة في قطاع غزة ، اليوم ، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق المنشآت الصحية، حيث أضرمت النيران في مباني مستشفى كمال عدوان ودمرت جميع المولدات الكهربائية الخاصة به، ما أدى إلى توقف الخدمات الصحية في المستشفى بالكامل.
وأوضحت الوزارة في بيان لها، اليوم، أنها تواجه أزمة غير مسبوقة في تقديم الخدمات الصحية، لا سيما في شمال القطاع، ودعت المؤسسات الدولية إلى التدخل العاجل لإيجاد بدائل تضمن استمرار الخدمات الصحية للمواطنين الذين يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة.
وناشدت الوزارة المجتمع الدولي للتحرك الفوري لوقف الاستهداف المتكرر للمرضى والمنشآت الطبية، مشيرةً إلى أن مستشفى العودة تعرض خلال الثمانين يوماً الماضية لاستهداف مباشر من قبل قوات الاحتلال، مما يفاقم الوضع الصحي في المنطقة.
وأعربت الوزارة عن قلقها البالغ حيال مصير المرضى والكوادر الطبية الذين كانوا داخل مستشفى كمال عدوان عند استهدافه، مؤكدةً أنها لا تملك أي معلومات عن وضعهم الحالي في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي على المنطقة.
وشددت وزارة الصحة على أن المؤسسات الدولية على دراية تامة بما يجري في شمال غزة، خاصة في المستشفيات التي أصبحت غير قادرة على استيعاب المزيد من المرضى بسبب النقص الحاد في القدرة السريرية والخدمات الأساسية.
واختتمت الوزارة بيانها بالتأكيد على أن الوضع الصحي في غزة يمر بمرحلة خطيرة، في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية التي تهدد حياة المرضى وتعرقل عمل الطواقم الطبية، داعيةً إلى تحرك دولي عاجل لإنقاذ القطاع الصحي من الانهيار.