وداعًا رئيسي ومرافقيه
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
سارة البريكية
sara_albreiki@hotmail.com
كان الضباب كثيفًا والهواء بارد والعاصفة قوية والرؤية شبه منعدمة، إلى أن حانت اللحظة الأخيرة فتلاشى كل شيء.
ارتطمت الطائرة وربما سقطت وسقطت معها أجسادنا بسرعة كبيرة جدا على الأرض التي كانت تجذبنا إليها بشدة، وشبت النيران من حولنا ولم يكن لنا حول ولا قوة.
هذا ما حدث عندما سمعنا أصوات المروحيات وأصوات الكلاب البوليسية وصوت الإسعاف من حولنا وكانت حالتنا الصحية سيئة جدا، ولم نستطع انتشال ما تبقى منا، بقينا تحت رحمة الله وتحت الثلوج المحيطة بنا في أرضنا العبقة بالتاريخ والمجد والعزة والكرامة والسلام.
تلك الأرض التي كانت يسكنها الحب والتفاؤل والتفاهم والأمل وهي التي تمنح الآخرين ذلك السلام الدائم أرضا وجوا وبحرا، وكم كانت مرآة للتعاضد والقوة ومثالا يحتذى به تلقن الدروس والعبر لكل من تسول له نفسه أن يتدخل في شؤون الغير وشؤون البلاد.
الأرض نفسها التي دفعنا حياتنا من أجلها كانت لها كلمة أخرى وشهدت الطبيعة والجبال والعواصف والضباب والمطر على المشهد الأخير، وشهدت الشطآن وحبات الثلج والأمواج والطيور المهاجرة ورائحة الزعفران الإيراني ومحطات الأمل على موت الأمل.
كانت القافلة الأخيرة التي تقل المسافرين إلى مثواهم الأخير سريعة جدا، وكانت ملطخة بدماء من فقدوا أرواحهم خدمة لوطنهم وخدمة لأرضهم وخدمة للشعوب العالم العربي والإسلامي كافة، ورغم أن الموت حق إلا أن الاحزان التي طالت شعوبنا وزنها كبير وضخم وعالي وحجمها أكبر بكثير من حجم أي خسارة أخرى، فرب رجل يكون وطن ورب وطن يكون رجل واحد ورب مستقبل على وشك الانهيار.
وعندما تكون هناك خيانة ما أو مؤامرة ما أو حكاية ما، يحسن الله عزاء البلاد والعباد في مصابهم الجلل وفي أحزانهم التي ستتوالى وفي نفوسهم الثكلى وفراقنا الأصعب.
الدولة لا تقام على الفساد ولا على الاتكال وإنما تقام الدولة على الثقة والحب والمودة والتفاهم والتلاحم واليد الواحدة والتعاون الذي يجمع كل الأطراف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ونحن كنا لحمة واحدة وضميرا متكلما واحد وكانت قوتنا محط أنظار الأشرار ومحط أنظار العالم أجمع، وكانت قوتنا وعزيمتنا عالية وكان بمقدورنا العطاء أكثر، إلا أن مشيئة الله قبل كل شيء كانت وحدثت، والأمر كله لله من قبل ومن بعد.
أصوات الإسعاف وأصوات البكاء وأصوات الوجع تنطلق من سماء حدود أذربيجان الإيرانية وتصل لأبعد نقطة في طهران وما يجاورها، لنسمع صوت انفجار كبير لحق بالطائرة المقلة لصوت الأمل الذي رحل.
إن الدول التي تبنى على التعاون والتضامن والاحترام المتبادل يسودها الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في كل المجالات الحياتية والحيوية المحيطة بواقع الأمم وواقع الشعوب تبنى على أسس سليمة ومتينة وقوية، ولايمكن أن يطالها أي شيء، ولكن إذا ما دخل المجتمع دخيل آخر فستكون هناك مرحلة جديدة من الصراع بين الطرفين، وهذا أمر طبيعي جدا بالنسبة لمن يريد البقاء والاستمرار والعطاء في خدمة وطنه ودينه ومجتمعه وعقيدته.
السلام عليكم أيها العالقون في أذهان العالم بعطائكم وخيراتكم، والسلام عليكم يوم تبعثون ويوم اللقاء العظيم، والسلام على أرواحكم الطيبة الشهيدة المناضلة، والسلام على مجدكم الباقي إلى يوم يبعثون، والسلام على الأمن والأمان الذي كان يسود قلوبكم الطيبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مركز الملك عبد الله للحوار ينعى البابا فرنسيس: رمزًا للحوار والسلام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ينعى مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات "KAICIID" ببالغ الحزن والأسى، وفاة البابا فرنسيس.
أكد أن يشارك المجتمع الدولي في تكريم البابا فرنسيس، الذي شكل رؤيته الثاقبة وتفانيه الثابت منارة للسلام، والحوار بين الأديان، والأخوة الإنسانية، والذي ترك إرثًا عميقًا سيبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة.
دعم مستمر لرسالة المركزوأضاف المركز، أن البابا فرنسيس كان له دور محوري في دعم رسالة "KAICIID"، من خلال مواصلة الرؤية التأسيسية التي أطلقها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، والبابا بنديكتوس السادس عشر، حيث كرّس جهوده لتعزيز الحوار، والرحمة، والعدالة بين الأديان والثقافات.
إرث حيّ من الحوار والسلاموأشار إلى أن إرثه في إلهامنا من خلال كل مبادرة تعزز الحوار والتضامن والسلام، نصلّي أن تستمر رسالته في العيش من خلال كل جهد يُبذل من أجل عالم أكثر وحدةً وإنسانية.