لجريدة عمان:
2024-09-19@16:58:53 GMT

الذي يتبقى

تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT

«إنَّ بينكم قوما يقصدون الثرثار المهذار، ضجرًا من الوحدة والانفراد؛ لأنَّ سكينة الوحدة تبسط أمام عيونهم صورة واضحة لذواتهم العارية، يرتعدون لدى رؤيتها فيهربون منها.

ومنكم الذين يتكلمون، ولكنهم عن غير معرفة، ودون سابق قصد، يُظهرون حقيقة لا يدركونها هم أنفسهم. ومنكم الذين أُودِع الحق قلوبهم، ولكنهم يأبون أن يلبسوه حلة اللفظ، وفي أحضان هؤلاء تقطن الروح في هدوء وسكون».

النبي، جبران خليل جبران.لطالما مثل لي كتاب النبي لجبران خليل جبران فتحا أدبيا عظيما، فقبل سنوات وفي طريقٍ طويلة ترددت فيما أستمع إليه في تلك الدرب التي ستسرق مني بعض الساعات، كنت قد اكتشفت وقتها قناة يوتيوبية رائعة اسمها «اقرأ بودانك»، وبصوت تعلم فور الاستماع إليه أنه صوت قارئ مثقف وليس مجرد معلق صوتي «Voiceover» يقرأ مادة خاما لا علاقة له بها من قريب أو بعيد، ذاك هو صوت أماني عيسى الكاتبة والروائية المصرية ذات الستة وثلاثين ربيعا، وكانت قد قرأت هذا الكتاب مسجلا وهي في منتصف العشرينيات من العمر ولم تخض مضمار الكتابة بعد. حسنا، لم يكن من المخطط أن أتحدث عن أماني عيسى في سياق كهذا، لكنني ولأجل موضوع المقالة لا أستطيع تجاوز ذكرها بتاتا، فهي التي حوّلت كثيرا من روائع الأدب العربي والعالمي إلى مادة مسموعة نستطيع الاستماع إليها في أي بقعة جغرافية على سطح هذه المعمورة، أو في الفضاء حتى!. وما يميز أماني، أنها تجيد الوقوف عند ما يستدعي الوقوف، أو الانفعال أو السكوت أو خفض ورفع الصوت؛ في تقمُّصٍ مذهل للنص أو للشخصيات المتحدثة فيه.

يمثل لي كتاب النبي قيمة روحية وإنسانية صادقة، ففيه يتحدث جبران على لسان نبيٍّ يزور جزيرة أورفاليس ويعيش بين أهليها اثني عشر عاما، يعلمهم تعاليمه ويعيش عيشتهم؛ حتى أتت لحظة الوداع فخطب فيهم خطبة حاورهم فيها وحاوروه، ويمثل الكتاب كله رؤى جبران وآراءه في هذه الحياة، متجاوزا الديانات كلها، واضعا نصب عينيه الإنسان كما هو، مجردا من ديانته أو عرقه أو لونه. وهو ما يعيد إلى ذاكرتي حوارات يومية مع بعض الأصدقاء وكبار السن، والسؤال الأبرز دوما «ما الذي يتبقى منا بعد رحيلنا؟».

يُرجع كثير من الناس والمثقفين تلك النزعة إلى ترك الأثر الطيب، إلى رغبة الإنسان في الخلود، ولكن أليس الشر يمنح للإنسان خلوده أيضا؟ أعتقد أن الريف يمثل الحاضنة الإنسانية الأولى للإنسان، ولا أعني بالريف هنا تلك المنطقة الملأى بالأشجار والوديان فحسب؛ بل هي المنطقة المقابلة والنظيرة للمدينة. ففي حين كان الإنسان يعيش ليومه وغده القريب في ثقافته الريفية، علَّمته المدنية أن كل شيء سريع الزوال والقِدَم، لذلك عليه أن يكتنز أقصى ما يمكن اكتنازه ما دامت الرياح مواتية، وهو ما جعله ينظر بعد ذلك لأخيه الإنسان بتلك النظرة والتعامل الذي يتعامل به مع الماديات.

في هذه البقعة الجغرافية من العالم -أعني الشرق كله- دأبنا على تناول المائدة الغربية بعدما فرغت تلك الأخيرة منها، فنناصر الحداثة في عصر ما بعد الحداثة، ونحمل لواء النسوية بعدما انكشفت سوآتها للغرب وحاولت إرجاع مكانة الأسرة في مجتمعاتها، وندعو لأنسنة المدن بعدما دمرنا البساتين والأفلاج ومجاري الوديان.

وإذا ما تفكرنا في السؤال الأول، ما الذي يتبقى؟ فإن الإنسان كائن قام بذاته، ولأنه كذلك فإن بيده إصلاح ذاته قبل إصلاح ذات بينه، وهو ما يتحقق بكلام جبران الأول عن الوحدة والتأمل والذات العارية.

قبل أسبوعين، كنت في عزاء لأحد كبار السن الفضلاء، وجلست مع أحد أبنائه؛ فطفق يخبرني عن أبيه وما كان يفعله ويخطط له. وفي اليوم ذات هالذي رحل فيه عن عالمنا، كان يخطط لغرس نخلة في بستانه، فحاوره بنوه «ما حاجتك لهذه النخلة وعندنا هذا البستان الكبير؟» فأجابهم «زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون».

ويبدو أننا لن نتعلم الاستفادة من تجارب الحياة الحقيقية ومن كبار السن خصوصا، إلا حينما يُسلَّط عليها الضوء مجددا. ومن سخرية الأمور أن الغرب نفسه بدأ العودة إلى الشرق وروحانياته منذ هيرمان هيسه ذلك الأديب الألماني العبقري منذ أواسط القرن العشرين، فهل سننتظر اختفاء حكمتنا الحية حتى نعيد اكتشافها بعد اندثارها؟ أم سنترك أثرنا الطيب لا لأجل الخلود هذه المرة، إنما ليصبح العالم مكانا أفضل.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كيف غلظ القانون الجديد عقوبة إيذاء كبار السن والإهمال في رعايتهم؟

أوجب مشروع قانون حقوق المسنين الجديد، الذي أقره مجلس النواب خلال دور الانعقاد الرابع، عددًا من العقوبات الرادعة لكل من يخالف أحكام هذا القانون ويقوم بتعريض حياة كبار السن للخطر، فقد نصت المادة (43) من القانون على أنه مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب على الأفعال الواردة في المواد الآتية بالعقوبات المبينة بها.

 


فقد نصت المادة (44) على أن يعاقب كل من عرض مسنًا لإحدى حالات الخطر المنصوص عليها في المادة (24) من هذا القانون بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

 


ونصت المادة (46) بأن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص مكلف برعاية شخص المسن أهمل في القيام بواجباته نحوه، أو في اتخاذ ما يلزم للقيام بهذه الواجبات، أو تحصل لنفسه على المساعدة المالية المقررة للمسن.

 

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مكلف برعاية المسن امتنع عمدا عن القيام بواجبات الرعاية أو استغل المسن.

 

فإذا ترتب على أي مما سبق جرح أو إيذاء شخص المسن تكون العقوبة الحبس، وإذا نشأ عنه عاهة أو وفاة المسن تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات.

 


وأفادت المادة (47) بأن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تحايل أمام الجهات المختصة للحصول على إحدى المزايا المنصوص عليها في هذا القانون، وتقضي المحكمة فضلا عن ذلك برد المزايا المالية أو العينية كافة أو ما يعادل قيمتها المتحصل عليها بالمخالفة لأحكام هذا القانون.

 


وألزمت المادة (48) بأن يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه كل من قام بإنشاء المؤسسات الاجتماعية المشار إليها في المادة (10) من هذا القانون دون الحصول على ترخيص.

مقالات مشابهة

  • كيف غلظ القانون الجديد عقوبة إيذاء كبار السن والإهمال في رعايتهم؟
  • خبير عسكري: قوات الاحتلال ستتكبد خسائر فادحة إذا شنت هجومًا بريًا على لبنان
  • خبير: قوات الاحتلال ستتكبد خسائر فادحة إذا شنت هجومًا بريًا على لبنان
  • النائب سيد حنفي يثمن نجاح الحكومة في الحفاظ على حقوق العمال
  • أكـثر 10 دول تضم كبار السن في العالم (إنفوغراف)
  • اللعب مع الأطفال صحي لكبار السن
  • مدبولي: الحفاظ على القيم والأخلاق حجر الأساس الذي تنطلق من خلاله مبادرة بداية
  • خطة عمل مديريات وزارة التضامن بمبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان»
  • وزير العمل يشهد اتفاقية جماعية تحفظ حقوق 1200 عامل في ميتالكو
  • وزير العمل يشهد اتفاقية جماعية تحفظ حقوق 1200 عامل في "ميتالكو"