«إنَّ بينكم قوما يقصدون الثرثار المهذار، ضجرًا من الوحدة والانفراد؛ لأنَّ سكينة الوحدة تبسط أمام عيونهم صورة واضحة لذواتهم العارية، يرتعدون لدى رؤيتها فيهربون منها.
ومنكم الذين يتكلمون، ولكنهم عن غير معرفة، ودون سابق قصد، يُظهرون حقيقة لا يدركونها هم أنفسهم. ومنكم الذين أُودِع الحق قلوبهم، ولكنهم يأبون أن يلبسوه حلة اللفظ، وفي أحضان هؤلاء تقطن الروح في هدوء وسكون».
يمثل لي كتاب النبي قيمة روحية وإنسانية صادقة، ففيه يتحدث جبران على لسان نبيٍّ يزور جزيرة أورفاليس ويعيش بين أهليها اثني عشر عاما، يعلمهم تعاليمه ويعيش عيشتهم؛ حتى أتت لحظة الوداع فخطب فيهم خطبة حاورهم فيها وحاوروه، ويمثل الكتاب كله رؤى جبران وآراءه في هذه الحياة، متجاوزا الديانات كلها، واضعا نصب عينيه الإنسان كما هو، مجردا من ديانته أو عرقه أو لونه. وهو ما يعيد إلى ذاكرتي حوارات يومية مع بعض الأصدقاء وكبار السن، والسؤال الأبرز دوما «ما الذي يتبقى منا بعد رحيلنا؟».
يُرجع كثير من الناس والمثقفين تلك النزعة إلى ترك الأثر الطيب، إلى رغبة الإنسان في الخلود، ولكن أليس الشر يمنح للإنسان خلوده أيضا؟ أعتقد أن الريف يمثل الحاضنة الإنسانية الأولى للإنسان، ولا أعني بالريف هنا تلك المنطقة الملأى بالأشجار والوديان فحسب؛ بل هي المنطقة المقابلة والنظيرة للمدينة. ففي حين كان الإنسان يعيش ليومه وغده القريب في ثقافته الريفية، علَّمته المدنية أن كل شيء سريع الزوال والقِدَم، لذلك عليه أن يكتنز أقصى ما يمكن اكتنازه ما دامت الرياح مواتية، وهو ما جعله ينظر بعد ذلك لأخيه الإنسان بتلك النظرة والتعامل الذي يتعامل به مع الماديات.
في هذه البقعة الجغرافية من العالم -أعني الشرق كله- دأبنا على تناول المائدة الغربية بعدما فرغت تلك الأخيرة منها، فنناصر الحداثة في عصر ما بعد الحداثة، ونحمل لواء النسوية بعدما انكشفت سوآتها للغرب وحاولت إرجاع مكانة الأسرة في مجتمعاتها، وندعو لأنسنة المدن بعدما دمرنا البساتين والأفلاج ومجاري الوديان.
وإذا ما تفكرنا في السؤال الأول، ما الذي يتبقى؟ فإن الإنسان كائن قام بذاته، ولأنه كذلك فإن بيده إصلاح ذاته قبل إصلاح ذات بينه، وهو ما يتحقق بكلام جبران الأول عن الوحدة والتأمل والذات العارية.
قبل أسبوعين، كنت في عزاء لأحد كبار السن الفضلاء، وجلست مع أحد أبنائه؛ فطفق يخبرني عن أبيه وما كان يفعله ويخطط له. وفي اليوم ذات هالذي رحل فيه عن عالمنا، كان يخطط لغرس نخلة في بستانه، فحاوره بنوه «ما حاجتك لهذه النخلة وعندنا هذا البستان الكبير؟» فأجابهم «زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون».
ويبدو أننا لن نتعلم الاستفادة من تجارب الحياة الحقيقية ومن كبار السن خصوصا، إلا حينما يُسلَّط عليها الضوء مجددا. ومن سخرية الأمور أن الغرب نفسه بدأ العودة إلى الشرق وروحانياته منذ هيرمان هيسه ذلك الأديب الألماني العبقري منذ أواسط القرن العشرين، فهل سننتظر اختفاء حكمتنا الحية حتى نعيد اكتشافها بعد اندثارها؟ أم سنترك أثرنا الطيب لا لأجل الخلود هذه المرة، إنما ليصبح العالم مكانا أفضل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بقرار عاجل من الحكومة.. سحب وحدات الإسكان الاجتماعي من هؤلاء
أعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية عن شروعها في سحب الوحدات السكنية من بعض الفئات التي لا تلتزم بشروط التعاقد الخاصة بالإسكان الاجتماعي.
يأتي هذا القرار في إطار جهود الدولة لتنظيم سوق الإسكان وضمان وصول الدعم إلى المستحقين، في ظل الحاجة الملحة لإقامة استثمارات سكنية تُلبي احتياجات المواطنين.
جدير بالذكر أن آخر طرح للإسكان الاجتماعى كان مشروع «سكن لكل المصريين 5»، حيث سبق وفتحت وزارة الإسكان باب الحجز لجميع المواطنين بمن في ذلك ذوو الهمم، حيث وفرت الوزارة كراسة شروط سكن لكل المصريين 5 في 358 مكتب بريد مميكن موزعة على مستوى الجمهورية.
حالات سحب وحدات الإسكان الاجتماعيكشفت الوزارة عن الحالات التي سيتم بموجبها سحب الوحدات السكنية، والتي تشمل ما يلي:
تأجير الوحدة السكنية: إذا تم تأجير الوحدة السكنية دون الحصول على موافقة كتابية من هيئة المجتمعات العمرانية، ستكون هذه المخالفة جسيمة وستؤدي إلى إخلاء الوحدة السكنية.
عدم استلام الوحدة في الموعد المحدد: عدم استلام الوحدة السكنية في الوقت المتفق عليه يعطي صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري الحق في اتخاذ إجراءات إلغاء التخصيص بشكل فوري.
تقديم مستندات مزورة: حال اكتشاف أي تزوير في المستندات المقدمة أثناء عملية التقديم، سيتم سحب الشقة على الفور دون أي استثناء، وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتورطين في التزوير.
استخدام الوحدة لأغراض غير سكنية: تحويل الوحدة السكنية إلى مقر تجاري أو إداري يعد من الأمور المرفوضة بشدة، وسيؤدي إلى سحب الوحدة.
التنازل عنها للغير دون إذن: في حالة التنازل عن الوحدة السكنية للغير دون الحصول على إذن كتابي من هيئة المجتمعات العمرانية، سيتم سحب الوحدة.
وأكدت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية أنه سيتم تشكيل لجان ضبطية قضائية تابعة للوزارة، ستقوم بحملات تفتيشية دورية على وحدات الإسكان الاجتماعي، وستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المخالفين، والتي قد تصل إلى سحب الوحدة السكنية واسترداد الدعم المالي المقدم.
نصائح للمستفيدين من الإسكان الاجتماعيبحسب وزارة الإسكان، ينبغي على المستفيدين من إعلانات الإسكان الاجتماعي الالتزام بالشروط التالية لتجنب سحب الوحدة السكنية:
الالتزام بشروط التعاقد: من الضروري الالتزام بجميع الشروط المحددة في عقد الإسكان لتفادي أي مشاكل مستقبلية.
الإقامة الدائمة: يجب على المستفيدين الإقامة في الوحدة السكنية بشكل دائم، وهذا يضمن تحقيق الهدف من المشروع.
عدم بيع أو تأجير الوحدة: يُحظر بيع أو تأجير الوحدة السكنية قبل انتهاء المدة القانونية، والتي تمتد إلى 7 سنوات من تاريخ الاستلام.
تقديم بيانات صحيحة: ينبغي على المستفيدين تقديم بيانات دقيقة وصحيحة عند التقديم للحصول على الوحدة السكنية، وعدم تغيير استخدام الوحدة السكنية عن الغرض المخصص لها.
تجدر الإشارة إلى أن الهدف من قواعد الإسكان الاجتماعي هو ضمان استقرار الأسر المستحقة ومنع تداول الوحدات المدعومة بشكل غير قانوني.