بنطال مسحوب وامرأة حامل.. قصتان تم التراجع عنهما تشعلان جدلا حول هجوم أكتوبر والعنف الجنسي
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
سلطت وكالة "أسوشيتد برس" الضوء على بعض المزاعم التي انتشرت عن ارتكاب مسلحي حركة حماس عنفا جنسيا ضد إسرائيليات في هجوم السابع من أكتوبر، والتي أُثبت فيما بعد عدم صحة العديد منها، لكن بعد أن كانت قد تسببت بالفعل في إشعال خلاف عالمي حول الحرب بين إسرائيل وحماس.
وذكرت الوكالة في تقريرها، الأربعاء، أنه بعد هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس، التي تصنفها الولايات المتحدة إرهابية، انتشرت في وسائل الإعلام روايتان بالتحديد لواقعتي اعتداء جنسي ارتكبهما مسلحي الحركة، لكن تم تفنيد صحة الواقعتين فيما بعد.
وأوضحت الوكالة أن الروايتين اللتين انتشرتا في وسائل الإعلام بشأن العنف الجنسي وتبين فيما بعد عدم صحتهما، كانتا على لسان متطوعي زاكا" ZAKA، وهي منظمة بحث وإنقاذ إسرائيلية.
متطوعان بمنظمة زاكا نشرا قصتين خاطئتين عن ارتكاب حماس لعنف جنسي خلال هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل.القصة الأولى، كما أوضحت الوكالة، روى تفاصيلها شخص يُدعى حاييم أوتمازغين، وهو قائد متطوع في "زاكا"، مشيرة إلى أنه أثناء عمله في أحد الكيبوتسات التي دمرها هجوم حماس في 7 أكتوبر، شاهد أوتمازغين جثة مراهقة مقتولة بالرصاص ومنفصلة عن عائلتها في غرفة مختلفة، وكان سروالها مسحوبا إلى أسفل خصرها، ما جعله يعتقد أن ذلك دليل على العنف الجنسي.
وأوضحت الوكالة أن أوتمازغين روى للصحفيين تفاصيل ما رآه وهو يبكي في ظهور متلفز على المستوى الوطني في البرلمان الإسرائيلي، وبعدها ترددت شهادته في جميع أنحاء العالم، لكن اتضح فيما بعد أن هذه الادعاءات ليس لها أساس من الصحة.
وبعد ثلاثة أشهر تقريبًا، اكتشفت زاكا أن تفسير أوتمازغين كان خاطئًا، موضحة أنه وبعد التحقق من الاتصالات العسكرية، تبين أن مجموعة من الجنود الإسرائيليين قاموا بسحب جثة الفتاة عبر الغرفة للتأكد من أنها ليست مفخخة، وأثناء ذلك، كان سروالها قد نزل، بحسب الوكالة.
وأشارت الوكالة إلى أنه بعيداً عن الفظائع العديدة والموثقة جيداً التي ارتكبها مسلحو حماس في السابع من أكتوبر، فقد ثبت أن بعض الروايات من ذلك اليوم، مثل رواية أوتمازغين، غير صحيحة.
متطوعان بمنظمة زاكا نشرا قصتين خاطئتين عن ارتكاب حماس لعنف جنسي خلال هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل.وقال أوتمازغين لـ"أسوشيتد برس" في مقابلة: "الأمر ليس أنني اخترعت قصة"، موضحًا بالتفصيل أسباب ادعائه الأولي، قائلا: "لم أستطع التفكير في أي خيار آخر بخلاف تعرض المراهقة للاعتداء الجنسي. وفي النهاية، اتضح أن الأمر مختلف، لذا تراجعت عن شهادتي".
أما القصة الثانية الخاطئة والتي انتشرت في وسائل الإعلام العالمية، ذكرت "أسوشيتد برس" أنها كانت على لسان يوسي لانداو، وهو متطوع منذ فترة طويلة في زاكا، وقال إنه رأى امرأة حاملا مستلقية على الأرض، وجنينها لا يزال متعلقًا بالحبل السري المنتزع من جسدها.
وأوضحت الوكالة أن أوتمازغين كان يشرف على عمال زاكا الآخرين في بئيري عندما قال إن لانداو استدعاه وآخرين بشكل عاجل إلى المنزل. لكن أوتمازغين لم ير ما وصفه لانداو. وبدلاً من ذلك، رأى جثة امرأة ثقيلة الوزن وقطعة كبيرة غير معروفة مربوطة بكابل كهربائي. وأضاف أن كان كل شيء متفحما.
متطوعان بمنظمة زاكا نشرا قصتين خاطئتين عن ارتكاب حماس لعنف جنسي خلال هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل.وقال أوتمازغين إنه أخبر لانداو أن تفسيره كان خاطئًا، فهذه لم تكن امرأة حامل. ومع ذلك، صدق لانداو روايته، واستمر في سرد القصة للصحفيين وتم الاستشهاد بها في وسائل الإعلام حول العالم.
كما أخبر لانداو، بالإضافة إلى مسعفين آخرين، الصحفيين أنه رأى أطفالاً ورضعاً مقطوعي الرأس. ولم يتم نشر أي دليل مقنع لدعم هذا الادعاء، وقد كشفته صحيفة "هآرتس" وغيرها من وسائل الإعلام الكبرى، بحسب الوكالة.
وذكرت "أسوشيتد برس" أن الأمر استغرق بعض الوقت حتى تفهمت "زاكا" أن القصة لم تكن حقيقية، ثم طلبت من لانداو التوقف عن سرده. كما طلب أوتمازغين من لانداو التوقف عن رواية القصة، لكن ذلك لم يحدث إلا بعد حوالي ثلاثة أشهر من الهجوم عندما كانت زاكا تنهي عملها في الميدان. وقالت الأمم المتحدة إن ادعاء لانداو لا أساس له من الصحة.
وقال أوتمازغين إنه كان من الصعب كبح جماح لانداو، لأنه يؤمن بشدة بقصته ولأنه لا توجد طريقة لمنع الصحفيين من التعامل معه بشكل مباشر. وأرجع أوتمازغين إيمان لانداو المستمر بالرواية الكاذبة إلى تعرضه لصدمة شديدة بسبب ما رآه في أعقاب يوم 7 أكتوبر.
وحاول صحفيو وكالة "أسوشيتد برس" الوصول إلى لانداو عدة مرات. وبينما أجاب على الاستفسارات الأولية، لم يكن من الممكن الوصول إليه في النهاية.
متطوعان بمنظمة زاكا نشرا قصتين خاطئتين عن ارتكاب حماس لعنف جنسي خلال هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل.وأوضحت الوكالة أن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات قدمت أدلة موثوقة على أن مسلحي حماس ارتكبوا اعتداءات جنسية أثناء هجومهم. وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، الاثنين، إن لديه سببًا للاعتقاد بأن ثلاثة من قادة حماس الرئيسيين يتحملون مسؤولية "الاغتصاب وغيره من أعمال العنف الجنسي باعتبارها جرائم ضد الإنسانية".
ووفقا للوكالة، رغم أن عدد الاعتداءات غير واضح، إلا أن الصور ومقاطع الفيديو التي التقطت في أعقاب الهجوم أظهرت جثثًا بأرجل مبعثرة وملابس ممزقة ودماء بالقرب من أعضائهم التناسلية.
ومع ذلك، فإن الروايات المعلنة مثل رواية أوتمازغين تراها الوكالة أنها شجعت الشكوك وأثارت نقاشًا مشحونًا للغاية حول نطاق ما حدث في 7 أكتوبر، وهو النقاش الذي لا يزال يدور على وسائل التواصل الاجتماعي وفي احتجاجات الحرم الجامعي.
ووفقا للوكالة، يزعم البعض أن روايات الاعتداء الجنسي تم تلفيقها عمدا. ويشكك مسؤولو زاكا وآخرون في ذلك. وبغض النظر عن ذلك، فإن فحص "أسوشييتد برس" لتعامل زاكا مع القصص التي تم نشرها حتى الآن يظهر كيف يمكن أن تكون المعلومات غامضة ومشوهة في فوضى الصراع.
وأوضحت الوكالة أنه باعتبارهم من أوائل الأشخاص الذين وصلوا إلى مكان الحادث، قدم متطوعو زاكا شهاداتهم عما رأوه في ذلك اليوم. وقد ساعدت هذه الكلمات الصحفيين والمشرعين الإسرائيليين ومحققي الأمم المتحدة على رسم صورة لما حدث خلال هجوم حماس.
وأوضحت أن الأمر استغرق أشهرًا من زاكا للاعتراف بأن بعض التقديرات والروايات التي انتشرت كانت خاطئة.
متطوعان بمنظمة زاكا نشرا قصتين خاطئتين عن ارتكاب حماس لعنف جنسي خلال هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل.ووفقا للوكالة، فإن زاكا هي مجموعة تطوعية، لا تقوم بأعمال الطب الشرعي. ومنذ تأسيسها في عام 1995، تعمل المنظمة بشكل ثابت في مواقع الكوارث الإسرائيلية والهجمات. وتتمثل مهمتها المحددة في جمع الجثث بما يتماشى مع الشريعة اليهودية.
وترى الوكالة أن تداعيات الروايات الخاطئة المنشورة تُظهر كيف تم استخدام موضوع العنف الجنسي لتعزيز الأجندات السياسية.
وأوضحت أن إسرائيل تشير إلى العنف الجنسي في 7 أكتوبر لتسليط الضوء على ما تقول إنه وحشية حماس ولتبرير هدفها في الحرب المتمثل في تحييد أي تهديد متكرر قادم من غزة. واتهمت المجتمع الدولي بتجاهل أو التقليل من الأدلة على مزاعم العنف الجنسي، بدعوى التحيز ضد إسرائيل. وتقول إن أي قصص غير صحيحة كانت بمثابة حالة شاذة في مواجهة الفظائع العديدة الموثقة.
وفي المقابل، ذكرت الوكالة أن بعض منتقدي إسرائيل استغلوا قصص زاكا الخاطئة، إلى جانب مزاعم أخرى ثبٌت عدم صحتها، للادعاء بأن الحكومة الإسرائيلية شوهت الحقائق لمواصلة الحرب قُتل فيها أكثر من 35 ألف فلسطيني، والعديد منهم نساء وأطفال، بحسب مسؤولي الصحة في غزة.
ووجد فريق تقصي الحقائق التابع للأمم المتحدة "أسبابا معقولة" للاعتقاد بأن بعض أولئك الذين نفذوا هجوم 7 أكتوبر ارتكبوا أعمال عنف جنسية، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي. لكن محققي الأمم المتحدة قالوا أيضًا إنه في غياب أدلة الطب الشرعي وشهادات الناجين، سيكون من المستحيل تحديد نطاق هذا العنف. ونفت حماس أن قواتها ارتكبت أعمال عنف جنسي.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی وسائل الإعلام الأمم المتحدة العنف الجنسی أسوشیتد برس فیما بعد أن بعض
إقرأ أيضاً:
ثلاث فتيات وامرأة غامضة.. ننشر الفصل الأول من رواية «البوشّيه»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق تنشر «البوابة نيوز» الفصل الأول من رواية «البوشّيه»، للكاتبة السعودية نوف أنور، والتي تصدر قريبا عن مؤسسة «الباشكاتب للسيناريو والنشر والسينما». وتتناول الرواية الواقعة في 140 صفحة تقريبا، بغلاف للفنان التشكيلي المصري محمد الشيمي، حكاية عن شبح امرأة غامضة يحيط بامرأة رقيقة -لكنها بائسة- تعافر من أجل إيجاد سلامها النفسي، في وقت تتعرض فيه لابتعاد الحبيب والغربة وخيانة أقرب صديقاتها. فيما تتشكل حولها حكاية صديقتي عمرها، واللتين لا تبدو حياتهما أفضل حالا.
يقول الناشر: في روايتها الأولى، تقدم نوف أنور قصة ثلاث فتيات تبدأ في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، سحر وحصة وميسون، تربطهن صداقة قديمة بدأت منذ حرب الكويت واستمرت لسنوات مليئة بالتفاصيل والأسرار. سحر، التي تملك حدسًا قويًا، تعيش في فوضى بسبب امرأة غامضة تلاحقها، وتقلب حياتها إلى جحيم مليء بالألغاز. حصة تخفي سرًا كبيرًا يجعلها تبني عالماً من الأكاذيب، بينما ميسون، رغم حياتها الفوضوية وسعيها وراء الرفاهية، تمثل الأمان لصديقاتها.
ومع مرور الوقت، تتشابك أحداثهن، حيث تتداخل خيوط الخوف والحب والصراعات. مما يدفعهن لمواجهة تحديات قاسية، تكشف أسرارًا، وتغير مسار حياتهن إلى الأبد.
1
ارتفعت أصوات النساء بالأغاني والزغاريد، وهن يملأن المكان بالضجيج، تفرقن في ساحة منزل «بو علي» في مجموعات صغيرة يربطها الذهاب والمجيء والضحكات المرحة. يُزيدهن تألق تلك الأنوار التي تفترش النخيل، وأشجار اللوز. وتتلألأ على البيت أفواج من النساء، يلتحفن أجسادهن بـ«العباءة السوداء»، وهن في كامل زينتهن وأثوابهن المزرية بالخيوط الذهبية، والفتيات بأثواب النشل الملونة. بينما تفوح من المنزل رائحة الطيب من الدخون، والعود المخلوط برائحة المشموم، والياسمين والحناء.
امتلأ المكان بالأغطية المزخرفة بالزهور الملونة، وجلست صفوف من النساء بمواضع مختلفة بشكل منتظم، وخصص الوسط للرقص. وعلى الواجهة، كانت الجدران مغطاة بقماش أخضر من الزري، والأرائك الخضراء، وصينية دائرية تقليدية، مزينة بالمشموم والياسمين والنثور، ومعاصير الحنة الملفوفة بإحكام وتفوح منها الرائحة الخنينة.
كانت الفتيات قد صنعن دائرة حول المرأة العجوز التي ترسم الحناء ليُشاهدن الرسوم التي تُزيّن يد العروس، وتختلط أصواتهن ما بين الإعجاب والمطالبة بأن تكون كلٌ منهن هي التالية. وأخريات من النساء الكبار، الجالسات في وجود أم العروس وهي تتباهى بعطايا من سيصير في الليلة التالية زوج ابنتها. وطائفة ثالثة انهمكت في الغناء والرقص، صانعة أكبر قدر من الضجيج.
بكامل زينتها، كانت حصة تتوسط الجميع بجمالها الدافئ، ورغم رغبة والدتها الملحة بتغطية وجهها هذه الليلة -حتى لا يذهب نورها يوم زفافها- إلا إنها رفعت الغطاء عن وجهها، وسلّمت يديها الممتدتان للمرأة، لتقوم بنقشها بالأغصان المتفرعة بالأوراق والزهور.
كانت الفتيات يتراقصن بأثوابهن «النشل»، وشعور بعضهن مسدول على الأكتاف، وأخريات مجدلة ومزينة بالمشموم والريحان. وبالطبع لا تخلو أعناقهن وأياديهن من عقود الياسمين. إلا أن حرارة الجو زادت وجوههن احمرارًا ولمعانًا، وبالرغم من ذلك لم يمنعهن من التوقف عن الرقص، خاصة مع وجود فرقة «زبيدة» ودفوفها التي كانت تُلبي رغبة الفتيات بغناء أغاني سوق الكاسيت التي يرغبن بها، وفي الوقت نفسه، تُلبي رغبه الأمهات بالأغاني والأهازيج الشعبية.
وسط كل هذا كانت سحر جالسة في سكون، بدت كزهرة حائط وحيدة بجمالها اللافت رغم شحوب وجهها ونظراتها الشاردة، ترفض بلباقة كل محاولات الأخريات في جذبها نحو الدائرة الراقصة أو رسّمة الحناء، تدير عينيها في الحاضرات وتكتفي بهزة رأس بسيطة كلما قابلتها عين إحداهن، تتجنب النظر إلى النسوة الكبار ممن يرمقنها بنظرات هي مزيج بين الفضول والإشفاق، لأنها لم تتزوج بعد رغم حُسنها الواضح.
تعلم ما يُفكرن فيه، البعض يراها «منحوسة»، والأخرى «ممسوسة»؛ وغيرهن لقّبنها بـ «الحسناء التعيسة». تعرف هذا وتتجاهله، ولولا أن الليلة هي حناء «حصة»- أعز صديقاتها منذ الطفولة- لما غادرت منزلها لتصطدم بتلك الوجوه المُشفقة، فقط حصة هي الوحيدة القادرة على إخراجها من العُزلة مهما عبست أيامها أو انشغل ذهنها.
"ألا زلتِ تحلمين بتلك المرأة؟
قطع السؤال أفكارها، فرفعت رأسها لتجد حصة واقفة أمامها. تأملتها فوجدتها بارعة الحسن كما اعتدن أن يظهرن، أمسكت بيدها وتأملت الرسم في إعجاب، وجذبتها لتجلس بجوارها وأشارت حولهن..
-الجميع سعداء من أجلك، وأنا أولهّن.
=لا تتجاهلي ما أقول.. سألتك عن تلك المرأة. أهي سبب شرودك وقت زفافي؟
-لا شيء يؤخرني عنك.
=إذن.. احك لي.
-اليوم؟! يا لك من مجنونة يا فتاة!!
=هو اليوم نفسه الذين تكتفين فيه بالجلوس كنبات الزينة. دون أن تُشاركيني الرقص، أو تمتد يد العجوز على يدك المرمرية لتصنع لوحة تُزيد من فتنتك. احك لي، فربما يُذهب الحديث ثِقَل ذهنك، وتشاركيني فرحتي.
شعرت سحر بالخجل من قولها، لكنها أقرت في نفسها بأن ما تقوله صحيح. حصة هي الوحيدة التي لا تصف هواجسها وأحلامها بالجنون. منذ حكت لها عن تلك المرأة الغامضة التي تشاهدها منذ شهور وتستحوذ على أحلامها وخيالات اليقظة.
- تطاردني دومًا.. هي نفسها، بعباءتها السوداء الطويلة، وغطاء وجهها الذي لا يبدو منه سوى عينين فاتنتين. تثير الرعب فيَّ بنظرتها الثاقبة. ثم سُرعان ما تختفي. أراها في كل موضع، وتذوب مع فزعي.
= وتكتفي بالصمت؟
- ليس اليوم، ربما هذا ما جعلني أبدو في هذا الارتباك.
= لِمَ؟ ماذا حدث؟
- فيما بعد، لا أريد أن أبدو كطائر شؤم في يوم عرسك، دعينا نعود إلى النساء ثم أستكمل الحكي في يوم آخر.
= سأنشغل كثيرًا في الأيام المُقبلة.
- يا حبيبتي، أسعد الله وقتك وحفظ سرك، لا يوجد لديَّ أكثر من الوقت، ولا توجد حكاية أخرى تؤرق مضجعي. لا تهتمي، فسوف أنتظر.
تبادلتا الابتسام، وقامت أم العروس وأمسكت بيدها، تصاعدت الزغاريد، وارتفعت أصوات النساء بالغناء وكأن طاقتهن تضاعفت مع مشاركة سحر التي طافت ترقص حول حصة، ورسمت على وجهها ابتسامة لتُخفي توترها الزائد من تلك المرأة التي لا تنفك عن مطاردة ذهنها.
"قلت أوقفي لي وارفعي البوشيه... خليني أروي ضامر العطشاني
شفت الجدايل وأحسبك رومية.. ثاري الزلوق مقرضة ياخواني
الخد ياضي لي برق وسميه.. والعين تشبه ساعة الربان"..
لم تقاوم النساء الرقص على هذه الأغنية رقصة «الخماري»، فالفتيات وضعن الأكمام الواسعة لثوب النشل على الرأس، والنساء استعّن بالبوشيه لتغطية جزء من وجوههن؛ وبدأن يتمايلن بأجسادهن جانبًا بهدوء وبعدت خطوات إلى الوراء.
صنعت مع الفتيات دائرة كبيرة، توسطها العروس والمرأة العجوز، التي ما انفكت تصيح مُباركة العروس بكلمات لم تتبين أكثرها. أصرت العروس على والدتها أن ترقص لأنها تعرف أن والدتها تتقن «الخماري»، لكنها كانت تخشى من أحاديث النساء، فعادة أم العروس لا ترقص وتكون أقرب إلى الرصانة والثقل؛ إلا أن حصة أصرت قائلة «الزمن تغير يما»، بينما قامت سحر لتمسك بيدها وترقصان سويًا.
بعد قليل، اندمجت سحر مع الفتيات، وبدأت صورة المرأة تنزاح عن ذهنها فشعرت أنها أكثر حيوية، خرجت من الدائرة وأمسكت بيد والدة حصة واندمجتا في الرقص، حركت جسدها أكثر فزاد انطلاقها، بدأت تدور حول نفسها في مرح.
فجأة شعرت وكأن كل ما حولها اختفى، بدأت الدنيا في الإظلام لكنها لم تستطع أن توقف جسدها عن الدوران، بدت الأصوات من حلوها كأنها تأتي من بئر سحيقة، فارتجف جسدها بقوة لكنها لم تتوقف.
ثم ظهرت المرأة..
بدت تمامًا كما تراها من بعيد، عباءتها السوداء الطويلة والغطاء الشفاف الذي لا تُدرك ماهيته بينما عيناها لمعان من خلف الغطاء اقتربت منها المرأة فارتعبت وحاولت الصراخ لكنها لم تستطع، بدت في عيناها اللامعتين جذبة غريبة، أطبقت فمها وهي تتساءل كيف تراها في كل الاتجاهات رغم دوران جسدها.
شعرت بيد ثقيلة توضع على كتفها والأضواء تعود إلى بصرها شيئًا فشيء، انتفض جسدها وهي تسمع همسات تتعالى باسمها لتجد حصة أمامها ترمقها بنظرة قلقة، انتفضت مرة أخرى ثم أطلقت صرخة عالية وسقطت فاقدة الوعي.
«لم أشعر بنفسي إلا والنساء يُحطن بي وهن فزعات، كانت حصة أكثرهن فزعًا، لمحت في عينيها الخوف واللهفة لا الضيق والغضب رغم أني- بشكل ما- أفسدت ليلتها الجميلة. تلفت حولي لأجدنني مُستلقية على الأريكة وقد ابتل وجهي وغرق أنفي في مزيج من العطور استُخدمت لإفاقتي، نهضت مُرتبكة بعد تلك الفوضى التي أثرتها وشكرت حصة وكررت أسفي عشرات المرات قبل أن أستقل سيارتي وأغادر. أعلم أنها ليست غاضبة، فنحن أصدقاء منذ كنا في الثانية عشرة من عمرنا، لكني لا أستطيع منع نفسي من الضيق والخجل؛ ولا أستطيع كذلك أن أمحو من ذهني تلك المرأة الغامضة».