الجزيرة:
2025-02-07@08:46:25 GMT

فلاديمير بوتين.. ومستقبل العالم الجديد

تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT

فلاديمير بوتين.. ومستقبل العالم الجديد

وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطأ إستراتيجي قبل أكثر من 20 عامًا، عندما حوّل روسيا إلى حليف للغرب "بقيادة الولايات المتحدة الأميركية" في عدّة مسارات؛ منها "محاربة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001م، فعزّز بذلك هيمنة "القطب الواحد".

لكنه وبعد سنوات من التجربة، غدا يعترف بهذا الخطأ في سياق تعليقاته المتكررة على أحداث الأزمة الروسية – الأوكرانيّة، " فتحدث صراحة أنه أخطأ بتقديم ثقة مجانية في الغرب، عزّزت التغلغل الأميركي خاصة في ملفات العالم".

هذا الانصياع الروسي للأجندة الغربية، أفقد العالم التوازن المطلوب، وغابت روسيا عن الدور المحوري في ضبط الإيقاع الدولي العام، وخلق مسارات متوازنة للمصالح العالمية. "عشرون عامًا" من الثقة الروسية العمياء (من العام 2000 إلى 2020م)، خسرت روسيا فيها الكثير؛ ملفات دولية كانت بيدها، ومصالح مشتركة مع أطراف "بعيدة وقريبة" جغرافيًا، كما فقدت ثقة الدول النامية على المدى الإستراتيجي.، وفقدت هيبتها في المؤسسات الأممية.

وهي اليوم تبذل الكثير لتستعيد "الهيبة، والمكانة، والثقة، وشيئًا من الريادة، ومراعاة المصالح المشتركة، فجاءت استدارتها نحو الذات ثقيلة كالتفاف الضبع حول نفسه، لا رشيقة كالثعلب المراوغ.

والخلل الرئيسي في الانحياز الروسي للغرب على مدار نحو عشرين عامًا، هو غفلته عن مسألة داخلية مهمة، وهي مدى تقبّل "النخب الروسية" والمجتمع التقليدي عامة، للقواعد الغربية الليبرالية، التي تتناقض كليًا مع طبائع المجتمعات "الأهلية التقليدية".

البراغماتية التي انتهجها بوتين في انفتاحه على الغرب، لم تمنحه ثقة الشريك الغربي الذي كان يخطط لزرع المزيد من التوجهات الليبرالية في المجتمع الروسي، وكان يطمح إلى دفع بوتين لاتخاذ خطوات متسارعة لتفكيك السلطة الفردية للقيادة السياسية، وتفكيك التكوين الجمعي للمجتمع عبر إنشاء مؤسسات مجتمع مدني مستقلة تتناقض في مصالحها وأهدافها مع المجتمع الروسي، ودعم تغلغل النظام الرأسمالي، وإنهاك الدولة بخصخصة مقومات الاقتصاد الوطني الذي يمنح روسيا القوة.

خطأ البدايات

وإذا كانت بعض مقدمات الكتب أهم من متونها، فإنني أقف هنا عند مقدمة كتاب "روسيا بوتين" للكاتبة ليليا شيفتسوفا بتمويل من مؤسسة كارنيجي، إذ تشير هذه المقدمة إلى ظروف الانتقال السياسي التي جاءت بالسلطة إلى بوتين فيما يشبه "هدية رأس السنة"، بعد أن استبدّ المرض بالرئيس بوريس يلتسين الذي كان يسعى للجمع بين دورين متناقضين: "الزعيم الديمقراطي، وقيصر الكرملين"، فتحول من رجل يتقن فنون الصراع على السلطة والهيمنة ومواجهة الخصوم إلى عاجز عن مواجهة التحديات التي تواجهها روسيا، وعن تذليل العقبات لبناء دولة حديثة، وما يحتاجه ذلك من تأسيس "وحدة وطنية جديدة"، فتنحّى عن السلطة لشخصية غير معروفة.

وهكذا ورث بوتين تركة التناقضات الداخلية التي تركها له يلتسين، وأضيفت إليها التحديات الخارجية التي تراكمت خلال فترة "الانكفاء الروسي"، واحتاج الأمر إلى نحو 24 عامًا ليصل إلى النضج الروسي في إدراك الذات الوطنية ومتطلباتها، بعيدًا عن تأثيرات وإغراءات العالم الغربي، وسياقاته: السياسية، والاقتصادية، والقيمية.

ومن تابع مراسم تنصيب بوتين لولاية رئاسية جديدة تمتد ست سنوات (حتى العام 2030م)، فسيدرك أن "روسيا بوتين" تخطُ خطًا لا رجعة وراءه تجاه الولايات المتحدة وحلفائها في صراع السيطرة، وحفظ المصالح الروسية، والعمل على رسم معالم المستقبل العالمي، وسيكون على العالم التعامل مع هذا الخط بحذر.

في هذا الخطاب أكد على مفهوم "الاستقرار" الذي لا يعني "الجمود"، بل التحرك وفق المصالح الروسية؛ بمعنى التعامل مع متغيرات العصر وفق رؤية مبنية على أن روسيا دولة ذات "حضارة موحدة وثقافة متعددة القوميات".

وقال في كلمته: "سوف نعمل على تحديد مصيرنا بأنفسنا من أجل مستقبلنا. وبالتعاون مع شركائنا، سنعمل من أجل تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب"، وفي هذا التزام ثقيل التبعات، ثم ختم كلمته برسالة مهمة: (نحن منفتحون للتعاون مع جميع الدول التي ترى روسيا شريكًا موثوقًا)، بما يؤكد أن روسيا ماضية في نهجها الجديد، وتحدد على أساسه تحالفاتها الدولية سياسيًا، وأمنيًا، واقتصاديًا.

وتواكَب مع هذه المراسم حدثان مهمان:

الأول: احتفالات عيد النصر على النازية، (9 مايو/أيار)، وفيه تحشد روسيا عادة قوتها العسكرية التقليدية، ولكنها في هذا العام لم تعرض سوى دبابة واحدة من طراز "تي 34″، ورأى المحللون في ذلك إشارة رمزية إلى أن روسيا تحشد كامل قواتها في حرب أوكرانيا المستمرّة منذ فبراير/شباط 2022. الثاني: الزيارة الرسمية للصين (16 ـ 17 مايو/أيار 2024م)، والتي ركزت على التعاون الصيني- الروسي في 3 ملفات: (أوكرانيا ـ الشرق الأوسط ـ آسيا)، وهي باستثناء أوكرانيا فضاءات التحرك الجديد "للجنوب العالمي" وما يمكن تسميته بـ "محور الشرق" بأدواته السياسية وممكناته الاقتصادية، ولذلك أثارت هذه الزيارة الصحافة الغربية فخرجت تحذر منها. تحديات النهج الجديد

وفي مسيرته لتحقيق أهداف نهجه الجديد، يواجه الرئيس الروسي عددًا من التحديات:

ملف أوكرانيا: 

وهو مهم للاستقرار العالمي، فهو محور الصراع "الروسي الغربي" الذي ينذر بمخاطر عالمية كبيرة، والأممُ المتحدة ومجلس الأمن عاجزان عن فعل شيء تجاهه، وقرارات "الناتو" بشأنه غير مستقرة، وخارج إجماع الأعضاء، واستمرار الحرب مؤثر بشكل سلبي وعميق على الاقتصاد العالمي.

إزاء هذا الملف يحدد بوتين ملامح السيناريو الذي لن يتنازل عنه؛ يقول: "سيكون هناك سلام عندما نحقق أهدافنا التي لم تتغير: إزالة النازية، نزع السلاح، وضع أوكرانيا على الحياد". وهو يؤكد على أن "كل مهام العملية الخاصة (في أوكرانيا) سيتم الوفاء بها"، وأنّ روسيا أُجبرت على تنفيذ هذه العملية: "كان الأمر صعبًا لكنه قسري وضروري واستند إلى ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن أمننا". هذه المضامين تلزم القيادة السياسية والعسكرية الروسية، أمام مواطنيها لإتمام ما بدأته مهما كانت التبعات.

روسيا والشرق الأوسط: 

المجال الجيوستراتيجي لروسيا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإيرانيين، من جانب، وبحالة الشرق الأوسط من جانب آخر، ما يعني أن عليه أن يحافظ على علاقة مع إيران وهي فاعل مؤثر في الشرق الأوسط، ويتعامل مع خصومها والمتضررين منها في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية، فكيف تتوازن في تعاملها مع طرفي النقيض، ولا سيما في ملفات تهم الأمن القومي العربي: كاستقرار العراق، عودة سوريا، التسوية اليمنية، لبنان، السودان، وغيرها؟

روسيا والدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي: 

تمثل هذه الدول المجال الحيوي لروسيا، لاعتبارات الحدود والتاريخ المشترك – الإيجابي والسلبي منه- منذ روسيا القيصرية وحتى نهاية الاتحاد السوفياتي مطلع 1990م، إضافة إلى الثقافة واللغة المشتركة والتحالفات والمصالح والمخاطر الإستراتيجية المشتركة.

فهل تستطيع روسيا في هذا الفضاء المتناقض، تحقيق المكاسب وتجاوز السلبيات التي يفرضها الجوار الصيني، والمصالح الغربية، والتغلغل الإسرائيلي، والدور الإيراني في تعميق التناقض الطائفي مع العموم السني في الشرق الأوسط بل وفي روسيا أيضًا؟

إزاء هذه المتناقضات تلاحقنا الأسئلة: هل لدى بوتين رؤية إستراتيجية للخروج منتصرًا وقيادة مستقبل العالم الجديد بسلام؟ هل التوجه الروسي للحد من النفوذ الغربي، يمثل خيارًا عالميًا مفيدًا؟ هل يستطيع "الجنوب العالمي" بقيادة روسيا والصين تحمل عبء الاقتصاد الدولي في حال نجاحهم في تحييد "الدولار" ومنظوماته المالية؟ كيف ستتفاعل "المؤسسات الأممية" مع التحولات التي تقودها روسيا؟ وأخيرًا: أين سيكون الخليج العربي من تلك التحولات؟ هل سيكون تابعًا أم متكيّفًا أم فاعلًا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الشرق الأوسط فی هذا

إقرأ أيضاً:

الديمقراطيات الأوروبية بين مطرقة الأوليجارشية الأمريكية وسندان الاستبداد الروسي والصيني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية مقالة عن النظام العالمى المضطرب، تصبح الديمقراطيات المتوسطة الحجم والمتحضرة فريسة سهلة للمتنمرين. حان الوقت لإعادة تأكيد قوة أوروبا.

وقال الكاتب «لورينزو مارسِلي» أننا فى عالم تسيطر عليه الأوليجارشية الأمريكية والاستبداد الروسى والصيني، تبدو الديمقراطيات الأوروبية وكأنها بقايا من عصر غابر.

الحماس الجماعى والتفكير القطيعى الذى صاحب تنصيب دونالد ترامب الشهر الماضى قد يكون إما نذيرًا بعصر ذهبى جديد للولايات المتحدة أو فقاعة مفرطة فى الغرور محكومة بالانفجار.

الصين قد تنجح فى إعادة تشكيل العالم على صورتها، أو قد تنهار تحت وطأة التراجع الديموغرافى والركود الاقتصادي.

أوروبا، رغم كونها ليست الوحيدة عند مفترق طرق تاريخي، إلا أنها تبدو الأكثر غرقًا فى التشاؤم واليأس والشك الذاتي.

فى عام ١٤٩٢، وبينما كان كريستوفر كولومبوس يكتشف العالم الجديد وإسبانيا تنطلق فى عصرها الذهبي، كانت القوات الإسبانية تستعد للسيطرة على أجزاء كبيرة من إيطاليا.

فى ذلك الوقت، كانت فلورنسا وميلانو والبندقية من أغنى مدن أوروبا، لكنها، رغم ازدهارها، كانت غارقة فى هوياتها المستقلة، رافضة تشكيل دولة موحدة، النتيجة كانت تقسيم شبه الجزيرة الإيطالية، إذ لم يعد هناك مكان لدول المدن فى عالم تحكمه الأمم.

الوضع اليوم ليس بعيدًا عن ذلك، فأوروبا تواجه عالمًا تهيمن عليه «دول الحضارة»، التى تُبنى على أسس ثقافية بدلًا من السياسة، لتحل محل الدول القومية التقليدية.

والاعتماد على أن التوسع العسكرى الروسي، أو الهيمنة الصناعية الصينية، أو التهديدات الجمركية الأمريكية، سيدفع أوروبا نحو الطموح والاستقلالية يبدو أمرًا واهيًا، إذ إن الخوف وحده لا يمكن أن يكون دافعًا للحركة.

يتحدث قادة الاتحاد الأوروبى عن «استجابات قوية» للتهديدات الأمريكية، لكن الحقيقة أن أوروبا لم تتجاوز مرحلة جلد الذات والخضوع للقوى الكبرى، المطلوب اليوم هو استعادة الجرأة والطموح، والتخلى عن بعض المجاملات فى عالم لم يعد يُبد أى احترام للأدب الدبلوماسي.

نعم، يجب أن تظل أوروبا مخلصة للمبادئ الأخلاقية التى نادى بها الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانط، وأن تؤمن بعالم تسوده القوانين والمساواة. لكن فى الوقت نفسه، يجب أن تحتفل بإنجازاتها المشتركة وتدافع عنها بكل قوة.

فى حين تستعد الولايات المتحدة لاستعمار المريخ، تتجاهل مسئوليتها فى الحفاظ على كوكب الأرض وسط أزمة مناخية متفاقمة.

وفى حين يستثمر العالم فى الذكاء الاصطناعي، تعانى المدن الأمريكية من أزمات الإدمان والفقر المدقع.

رغم هذه التحديات، لا تزال أوروبا متقدمة فى عدة مجالات، فهى رائدة فى الطاقة المتجددة، والسياسات المناخية، والاقتصاد الاجتماعى الذى يحد من تجاوزات الرأسمالية المتوحشة.

صحيح أن الإنتاجية الاقتصادية تتراجع، وأوروبا تخسر سباق التكنولوجيا أمام الصين والولايات المتحدة، كما أنها تعانى من ضعف عسكرى واعتماد طاقي، لكن كل هذه العقبات يمكن تجاوزها من خلال خطوة واحدة: تعزيز الوحدة الأوروبية.

إذا تمكن الاتحاد الأوروبى من استغلال أسواقه المالية الضخمة والمجزأة، فسيكون قادرًا على تمويل نهضته الاقتصادية والتكنولوجية والحد من التأثير الأجنبى على ديمقراطياته.

وعلى الصعيد العسكري، فإن التعاون الدفاعى بين الدول الأوروبية يمكن أن يحولها إلى قوة لا يُستهان بها؛ إذ أنفق أعضاء الاتحاد الأوروبى ٣٢٦ مليار يورو على الدفاع فى ٢٠٢٤، مقارنة بـ ١٤٥ مليار يورو فقط أنفقتها روسيا لعام ٢٠٢٥.

وإذا تحدثت أوروبا بصوت واحد، فإنها ستكون قادرة على إبرام اتفاقيات دولية، كما حدث مع تكتلات مثل «ميركوسور» فى أمريكا الجنوبية والمكسيك، بما يعزز مصالحها ومصالح العالم.

على سبيل المثال، يمكن لأوروبا التعاون مع الصين فى وضع خطة تمويل مشتركة لدعم التحول البيئى فى البلدان النامية، مما يسهم فى نشر توربينات الرياح الأوروبية وأنظمة البطاريات الصينية فى دول مثل فيتنام وإندونيسيا وكينيا وبيرو، مثل هذه الشراكات قد تُحقق مكاسب للطرفين وتساعد فى إنقاذ الكوكب.

مقالات مشابهة

  • السفير الروسي في اليابان: روسيا سترد على العقوبات اليابانية ضدها بطريقتها
  • الديمقراطيات الأوروبية بين مطرقة الأوليجارشية الأمريكية وسندان الاستبداد الروسي والصيني
  • روسيا تكشف الموعد المحتمل لقمة بوتين وترامب
  • المشهداني لمبعوث بوتين: لدينا ملاحظات كثيرة على الوضع السوري الجديد
  • بوتين يؤكد أن القوات الروسية تقاتل بقوة وكفاءة وجرأة في كورسك
  • “الدوما” الروسي: وكالة USAID الأمريكية شبكة إجرامية موّلت الإرهاب والمخدرات
  • بوتين: القوات الروسية تقاتل بقوة في منطقة الاشتباك
  • ممثل بوتين يلتقي وفد البرلمان العربي ويؤكد دعم روسيا لموقف مصر والأردن
  • إشادة أوروبية بالتقدم في إنشاء محكمة خاصة لمقاضاة فلاديمير بوتين بسبب حرب أوكرانيا
  • ممثل الرئيس بوتين يلتقي وفد البرلمان العربي ويؤكد دعم روسيا للموقف المصري الأردني الرافض لتهجير الشعب الفلسطيني