الميناء الأميركي بعيون أهل غزة: مريب ويستهدف ما بعد الحرب
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
غزة- تُثير مشاهد القطع البحرية الرابضة قبالة شاطئ وسط قطاع غزة، استغراب المُسنة أم فادي أبو صقر، التي لم يسبق لها أن رأت سفنا بهذه الضخامة.
وتراقب السيدة الفلسطينية البالغة من العمر (70 عاما)، 3 سفن كبيرة تقف ثابتة على بُعد حوالي 5 كيلومترات من شاطئ غزة، في حين تتحرك سفينة بحجم أصغر ذهابا وإيابا، متنقلة بين السفن الثلاث، وبين رصيف عائم مُثبّت على الشاطئ.
وتقول أم فادي للجزيرة نت إنها المرة الأولى في حياتها التي ترى فيها مثل هذه السفن الكبيرة. وتتبع السفن للجيش الأميركي، الذي أنشأ ميناء عائما ثبّته قبالة ساحل وسط القطاع، وبدأ في تشغيله يوم الجمعة الماضي.
وتقول الولايات المتحدة إنها أنشأت الرصيف العائم بغرض إيصال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، لكن الفلسطينيين يشعرون بالريبة الشديدة تجاهه. تقول أبو صقر "يريدون إغلاق كل المعابر (البرية) وإبقاء هذا الميناء، هؤلاء مجرمون.. يضحكون علينا".
كما ترى السيدة الفلسطينية أن مشروع الميناء العائم يهدف إلى "سرقة الغاز الفلسطيني"، في إشارة إلى حقلي الغاز الطبيعي "مارين 1″ و"مارين 2" اللذين يقعان في المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة شاطئ غزة.
وتسكن أم فادي بالقرب من المكان الواقع شمالي مخيم النصيرات وسط القطاع، وهو المكان الأقرب الذي يستطيع الفلسطينيون الوصول إليه لمشاهدة الرصيف البحري العائم.
ولا يستطيع الفلسطينيون الاقتراب من الميناء العائم الواقع في ما يعرف بـ"محور نتساريم" الذي يحتله الجيش الإسرائيلي ويفصل من خلاله بين شمالي القطاع وجنوبه. وخلال الأشهر الماضية، قتل جيش الاحتلال، وجرح عشرات الفلسطينيين الذين اقتربوا من هذا المحور.
ويوميا، يتجمع المئات من الفلسطينيين شمالي مخيم النصيرات بدافع الفضول لمراقبة حركة العمل في الرصيف العائم، من بعيد. وفي هذا الصدد، يقول أحمد عبيد إنه قدم كي يرى "البواخر الكبيرة التي وصلت إلى الشاطئ".
ويضيف للجزيرة نت "هذه مناظر جديدة على العين، لم أسافر من غزة سابقا، وأول مرة أرى هذه المناظر". وكغيره من الفلسطينيين، يعتقد عبيد أن وراء مشروع الميناء العائم أهدافا سرية، تختبئ خلف حجة "إدخال المساعدات الإنسانية".
وتابع "لا أصدق قصة المساعدات، إذا كانت صحيحة فلماذا لم يجبروا إسرائيل على فتح المعابر البرية". وأكمل "هذا طُعم، بعد فترة سيتحول (الميناء) لتهجيرنا من غزة إلى الخارج.. تهجير طوعي، لكن كل من يهاجر سيخسر".
ويفتش الجيش الإسرائيلي المساعدات في قبرص، قبل نقلها إلى الرصيف الذي يتكون من منصة عائمة تقع على بُعد 3 كيلومترات من الشاطئ، وكذلك من رصيف عائم "لسان بحري" تم تثبيته على الشاطئ.
ووافقت الأمم المتحدة، على استلام المساعدات من الرصيف عبر شاحنات تصل من شمالي وجنوبي القطاع، قبل تفريغها في مخازن تتبع لبرنامج الأغذية العالمي، حسبما نقل موقعها الرسمي عن فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام.
وقالت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، الاثنين الماضي، إنه جرى تسليم أكثر من 569 طنا من المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر الرصيف المؤقت حتى الآن.
وكشف مصدر فلسطيني مطلع للجزيرة نت أن المساعدات التي عبرت من خلال الميناء خلال الأيام الماضية، تتكون من مواد غذائية، بالإضافة إلى كميات من الخيام.
وقال مسؤولون أميركيون إن الرصيف سيتعامل في البداية مع 90 شاحنة يوميا، لكن هذا العدد قد يصل إلى 150.
وتبدو قدرة الرصيف العائم الاستيعابية الحالية (90 شاحنة يوميا)، متدنية جدا، قياسا باحتياجات القطاع، الذي كان يستقبل قبل الحرب حوالي 500 شاحنة في اليوم، بالإضافة إلى متطلبات التعامل مع الآثار الكارثية لاجتياح جيش الاحتلال لمدينة رفح.
وتوقف إدخال المساعدات من معبر رفح الواصل بين القطاع ومصر، منذ بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي اجتياح المدينة الحدودية بداية مايو/أيار الجاري.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن العمليات العسكرية أدت إلى نزوح نحو 900 ألف شخص من محافظة رفح، ومن شمالي غزة أيضا، أي حوالي 40% من سكان غزة، خلال الأسبوعين الماضيين.
ويرى رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" في غزة محمد أبو جيّاب أن الأهداف الأميركية من بناء الرصيف العائم "المؤقت" تتجاوز مسألة إدخال المساعدات الإنسانية، معربا عن اعتقاده بتحوّله إلى ميناء دائم.
وقال للجزيرة نت "واشنطن تستطيع إجبار إسرائيل على إدخال المساعدات عبر المنافذ البرية إن أرادت، ولكن يبدو أن الغرض من الميناء العائم يتخطى المساعدات الإنسانية". ويعتقد أبو جياب أن واشنطن تخطط أن يكون الميناء جزءا من الحالة التي ترسمها لفترة "ما بعد الحرب".
وأضاف أن "استدامة هذا الميناء مطلب مهم لتمكين الجهة التي يخططون لتسليمها المسؤولية عن حكم غزة بعد الحرب، وهذا الميناء سيكون من أهم أدوات تثبيت أي نظام سياسي قادم لحكم غزة وفق الرؤية الأميركية الإسرائيلية".
ويتابع "من خلال هذا الميناء سيتم فتح الباب لتوريد متطلبات إعادة الإعمار (بعد الحرب) وتعزيز القطاع الخاص عبر الاستيراد والتصدير".
وباعتقاد أبو جياب، تسعى واشنطن بعد الحرب لتطبيع علاقات إسرائيل مع العرب وخاصة السعودية "وهذا يتضمن وقف دوامة العنف خاصة في غزة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال مشاريع كبيرة، ينشغل بها الفلسطينيون". وهذا دون أن يستبعد استخدام الميناء لسفر الفلسطينيين، بديلا عن المعابر البرية.
وذكّر أبو جياب، بمشروع وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي يسرائيل كاتس، والذي طرحه قبل عدة سنوات، حينما كان وزيرا للاتصالات، ويقضي بإقامة "ميناء عائم" أمام سواحل غزة، ويكون لإسرائيل الدور الأمني في مراقبة السفن وتفتيشها، بهدف "قطع الروابط مع القطاع واستمرار الهدوء ومنع أي حرب أو مواجهة عسكرية".
واعتبر أن "ما يجري حاليا قريب جدا من مشروع كاتس، حيث يخضع كل ما يدخل ويخرج من الميناء للرقابة الإسرائيلية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المساعدات الإنسانیة إدخال المساعدات المیناء العائم الرصیف العائم هذا المیناء للجزیرة نت بعد الحرب من خلال
إقرأ أيضاً:
علي بلحاج: ثروات الجزائر في سوق النخاسة الأمريكية.. صمت مريب من السلطة
شنّ القيادي في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، الشيخ علي بلحاج، هجومًا حادًا على تصريحات السفير الجزائري صبري بوقادوم في واشنطن، والتي تحدث فيها عن استعداد الجزائر للتفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الاستثمار في قطاع المعادن.
واعتبر بلحاج، في حديث خاص مع "عربي21" أن ما يحدث هو "بيع لثروات الجزائر في سوق النخاسة"، متسائلًا: "كيف يجرؤ سفير على عرض ثروات الأمة وكأنها ملك شخصي؟ وكيف يصمت الجميع: الرئاسة، وزارة الخارجية، الطبقة السياسية، والبرلمان؟!"
وأضاف: "هذا الصمت مريب، ويجب أن نندد به! بدل أن تقاطع الجزائر أمريكا بسبب جرائمها في غزة، نجدها تمد يدها لها وتعرض عليها ثرواتنا النفيسة! أليس هذا تناقضًا صارخًا مع الشعارات التي يرفعها النظام؟"
وذكّر الشيخ علي بلحاج بأن الجزائر كانت حتى وقت قريب "ترتمي في حضن بوتين"، وأعطته كل شيء، والآن "لم يبقَ لهم إلا المعادن التي تكتنزها الجزائر".
وأضاف بغضب: "هذه ثروات الأمة والأجيال المقبلة، وهؤلاء لا يفكرون إلا في أنفسهم!"
كما هاجم بلحاج بوقادوم، معتبرًا أنه جزء من "العصابة الغالبة"، حيث قال: "بوقادوم كان وزيرًا للخارجية في عهد بوتفليقة، ثم أعطوه سفيرًا في أهم سفارة! كيف يُترك شخص كهذا ليقرر في مصير المعادن الاستراتيجية للبلاد؟"
وحذّر بلحاج من خطورة "حرب المواد الخام النادرة"، معتبرًا أن ما يجري قد يكون جزءًا من "صفقات سرية" تمت بين الجزائر وقيادة الأفريكوم، مستشهدًا بالاتفاق العسكري الذي وقعه رئيس الأركان سعيد شنقريحة مع الجانب الأمريكي.
واستنكر حالة القمع السياسي في الجزائر، متسائلًا: "يُمنع الشعب من التظاهر والمسيرات، وتُكمم الأفواه، وبينما الناس منشغلين في هذا الشهر الفضيل بالعبادة والصيام يتم بيع ثروات الجزائر في الخفاء دون أي محاسبة!"
وأنهى تصريحه بالمطالبة بـ "سحب السفير فورًا"، وفتح تحقيق شفاف في هذه القضية، مؤكدًا أن: "هذا النظام مستعد لبيع خيرات الجزائر فقط ليبقى في الحكم، بينما الشعب الجزائري يعاني، وأهلنا في غزة يموتون جوعًا!"، وفق تعبيره.
وكان السفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، قد كشف النقاب في تصريحات صحفية مؤخرا عن أن الجزائر والولايات المتحدة بصدد تعزيز شراكتهما الأمنية، مع إمكانية عقد صفقات تسليح، وذلك في إطار مذكرة التفاهم العسكرية الموقعة في يناير الماضي. وأوضح أن التعاون سيشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية البحرية، البحث والإنقاذ، ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، بالإضافة إلى تشكيل ثلاث مجموعات عمل لتنفيذ الاتفاقية.
كما أشار بوقادوم إلى أن الجزائر مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة في مجال الموارد الطبيعية والمعادن الأساسية، لافتًا إلى أن الجزائر توفر بيئة استثمارية مناسبة لهذا القطاع.
على الصعيد الجيوسياسي، أكد السفير أن الجزائر تدرك تزايد نفوذ الصين وروسيا في إفريقيا، مشيرًا إلى أن العامل البشري الجزائري يشكل ميزة إضافية في التعاون مع واشنطن.
وفيما يتعلق بالعلاقات السياسية، شدد بوقادوم على أن الجزائر تحافظ على علاقتها مع جميع الإدارات الأمريكية، وأعرب عن ثقته في استمرار التعاون خلال الولاية الثانية المحتملة لدونالد ترامب، رغم التوترات التي شهدتها العلاقات خلال فترة حكمه، خصوصًا بسبب موقف الجزائر الرافض للتطبيع مع إسرائيل ودعمها لقضية الصحراء الغربية.
يذكر أن الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الجزائري، كان استقبل في كانون ثاني / يناير الماضي، قائد القيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم)، الفريق أول مايكل لانغلي، بمقر أركان الجيش الوطني الشعبي.
ناقش الطرفان التعاون العسكري بين الجزائر والولايات المتحدة، وتبادلا وجهات النظر حول القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما في مجالي الدفاع والأمن.
تميزت الزيارة بالتوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارة الدفاع الجزائرية ووزارة الدفاع الأمريكية لتعزيز الشراكة العسكرية الثنائية.
وتأتي هذه التصريحات الخاصة بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تعيش العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية توترا متصاعدا، منذ دعم فرنسا لمطالب المغرب في قضية الصحراء الغربية ورفض الجزائر التعاون في ملف ترحيل مواطنيها. كما أسهمت قضايا أخرى، مثل اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، في تأجيج الخلافات.