غزة- تُثير مشاهد القطع البحرية الرابضة قبالة شاطئ وسط قطاع غزة، استغراب المُسنة أم فادي أبو صقر، التي لم يسبق لها أن رأت سفنا بهذه الضخامة.

وتراقب السيدة الفلسطينية البالغة من العمر (70 عاما)، 3 سفن كبيرة تقف ثابتة على بُعد حوالي 5 كيلومترات من شاطئ غزة، في حين تتحرك سفينة بحجم أصغر ذهابا وإيابا، متنقلة بين السفن الثلاث، وبين رصيف عائم مُثبّت على الشاطئ.

وتقول أم فادي للجزيرة نت إنها المرة الأولى في حياتها التي ترى فيها مثل هذه السفن الكبيرة. وتتبع السفن للجيش الأميركي، الذي أنشأ ميناء عائما ثبّته قبالة ساحل وسط القطاع، وبدأ في تشغيله يوم الجمعة الماضي.

وتقول الولايات المتحدة إنها أنشأت الرصيف العائم بغرض إيصال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، لكن الفلسطينيين يشعرون بالريبة الشديدة تجاهه. تقول أبو صقر "يريدون إغلاق كل المعابر (البرية) وإبقاء هذا الميناء، هؤلاء مجرمون.. يضحكون علينا".

كما ترى السيدة الفلسطينية أن مشروع الميناء العائم يهدف إلى "سرقة الغاز الفلسطيني"، في إشارة إلى حقلي الغاز الطبيعي "مارين 1″ و"مارين 2" اللذين يقعان في المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة شاطئ غزة.

مساعدات نقلتها السفن الأميركية إلى الرصيف العائم قبالة شاطئ غزة وتظهر في الأفق مدينة عسقلان (الجزيرة) أهداف سرية

وتسكن أم فادي بالقرب من المكان الواقع شمالي مخيم النصيرات وسط القطاع، وهو المكان الأقرب الذي يستطيع الفلسطينيون الوصول إليه لمشاهدة الرصيف البحري العائم.

ولا يستطيع الفلسطينيون الاقتراب من الميناء العائم الواقع في ما يعرف بـ"محور نتساريم" الذي يحتله الجيش الإسرائيلي ويفصل من خلاله بين شمالي القطاع وجنوبه. وخلال الأشهر الماضية، قتل جيش الاحتلال، وجرح عشرات الفلسطينيين الذين اقتربوا من هذا المحور.

ويوميا، يتجمع المئات من الفلسطينيين شمالي مخيم النصيرات بدافع الفضول لمراقبة حركة العمل في الرصيف العائم، من بعيد. وفي هذا الصدد، يقول أحمد عبيد إنه قدم كي يرى "البواخر الكبيرة التي وصلت إلى الشاطئ".

ويضيف للجزيرة نت "هذه مناظر جديدة على العين، لم أسافر من غزة سابقا، وأول مرة أرى هذه المناظر". وكغيره من الفلسطينيين، يعتقد عبيد أن وراء مشروع الميناء العائم أهدافا سرية، تختبئ خلف حجة "إدخال المساعدات الإنسانية".

وتابع "لا أصدق قصة المساعدات، إذا كانت صحيحة فلماذا لم يجبروا إسرائيل على فتح المعابر البرية". وأكمل "هذا طُعم، بعد فترة سيتحول (الميناء) لتهجيرنا من غزة إلى الخارج.. تهجير طوعي، لكن كل من يهاجر سيخسر".

ويفتش الجيش الإسرائيلي المساعدات في قبرص، قبل نقلها إلى الرصيف الذي يتكون من منصة عائمة تقع على بُعد 3 كيلومترات من الشاطئ، وكذلك من رصيف عائم "لسان بحري" تم تثبيته على الشاطئ.

ووافقت الأمم المتحدة، على استلام المساعدات من الرصيف عبر شاحنات تصل من شمالي وجنوبي القطاع، قبل تفريغها في مخازن تتبع لبرنامج الأغذية العالمي، حسبما نقل موقعها الرسمي عن فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام.

فلسطينيون يتجمعون شمالي مخيم النصيرات بدافع الفضول لمراقبة حركة العمل في الرصيف العائم (الجزيرة) كمية متدنية

وقالت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، الاثنين الماضي، إنه جرى تسليم أكثر من 569 طنا من المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر الرصيف المؤقت حتى الآن.

وكشف مصدر فلسطيني مطلع للجزيرة نت أن المساعدات التي عبرت من خلال الميناء خلال الأيام الماضية، تتكون من مواد غذائية، بالإضافة إلى كميات من الخيام.

وقال مسؤولون أميركيون إن الرصيف سيتعامل في البداية مع 90 شاحنة يوميا، لكن هذا العدد قد يصل إلى 150.

وتبدو قدرة الرصيف العائم الاستيعابية الحالية (90 شاحنة يوميا)، متدنية جدا، قياسا باحتياجات القطاع، الذي كان يستقبل قبل الحرب حوالي 500 شاحنة في اليوم، بالإضافة إلى متطلبات التعامل مع الآثار الكارثية لاجتياح جيش الاحتلال لمدينة رفح.

وتوقف إدخال المساعدات من معبر رفح الواصل بين القطاع ومصر، منذ بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي اجتياح المدينة الحدودية بداية مايو/أيار الجاري.

وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن العمليات العسكرية أدت إلى نزوح نحو 900 ألف شخص من محافظة رفح، ومن شمالي غزة أيضا، أي حوالي 40% من سكان غزة، خلال الأسبوعين الماضيين.

أحمد عبيد: الميناء طُعم وبعد فترة سيتحول إلى أداة لتهجيرنا من غزة (الجزيرة) مشروع لما بعد الحرب

ويرى رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" في غزة محمد أبو جيّاب أن الأهداف الأميركية من بناء الرصيف العائم "المؤقت" تتجاوز مسألة إدخال المساعدات الإنسانية، معربا عن اعتقاده بتحوّله إلى ميناء دائم.

وقال للجزيرة نت "واشنطن تستطيع إجبار إسرائيل على إدخال المساعدات عبر المنافذ البرية إن أرادت، ولكن يبدو أن الغرض من الميناء العائم يتخطى المساعدات الإنسانية". ويعتقد أبو جياب أن واشنطن تخطط أن يكون الميناء جزءا من الحالة التي ترسمها لفترة "ما بعد الحرب".

وأضاف أن "استدامة هذا الميناء مطلب مهم لتمكين الجهة التي يخططون لتسليمها المسؤولية عن حكم غزة بعد الحرب، وهذا الميناء سيكون من أهم أدوات تثبيت أي نظام سياسي قادم لحكم غزة وفق الرؤية الأميركية الإسرائيلية".

ويتابع "من خلال هذا الميناء سيتم فتح الباب لتوريد متطلبات إعادة الإعمار (بعد الحرب) وتعزيز القطاع الخاص عبر الاستيراد والتصدير".

وباعتقاد أبو جياب، تسعى واشنطن بعد الحرب لتطبيع علاقات إسرائيل مع العرب وخاصة السعودية "وهذا يتضمن وقف دوامة العنف خاصة في غزة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال مشاريع كبيرة، ينشغل بها الفلسطينيون". وهذا دون أن يستبعد استخدام الميناء لسفر الفلسطينيين، بديلا عن المعابر البرية.

وذكّر أبو جياب، بمشروع وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي يسرائيل كاتس، والذي طرحه قبل عدة سنوات، حينما كان وزيرا للاتصالات، ويقضي بإقامة "ميناء عائم" أمام سواحل غزة، ويكون لإسرائيل الدور الأمني في مراقبة السفن وتفتيشها، بهدف "قطع الروابط مع القطاع واستمرار الهدوء ومنع أي حرب أو مواجهة عسكرية".

واعتبر أن "ما يجري حاليا قريب جدا من مشروع كاتس، حيث يخضع كل ما يدخل ويخرج من الميناء للرقابة الإسرائيلية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المساعدات الإنسانیة إدخال المساعدات المیناء العائم الرصیف العائم هذا المیناء للجزیرة نت بعد الحرب من خلال

إقرأ أيضاً:

من محل إصلاح أحذية إلى الرصيف.. عم محمود رحلة إصرار لا تتوقف |شاهد

في أحد شوارع القاهرة، وتحديدًا في شارع المبتديان، يجلس "عم محمود" على الرصيف، بجواره صندوق تلميع الأحذية، وعيناه تحملان نظرة رضا وإصرار نادرين في هذا الزمن. 

بعد 43 عامًا من العمل داخل محل لإصلاح الأحذية، اضطر لمغادرته بسبب ارتفاع الإيجارات، لكنه لم يستسلم، وواصل عمله على الرصيف المقابل، متمسكًا بمصدر رزقه الحلال.

رحلة كفاح بدأت منذ الصغر

يعود أصل عم محمود إلى محافظة أسيوط، لكنه انتقل للعيش في القاهرة منذ عقود، حيث استقر في حي السيدة زينب. بدأ عمله في إصلاح الأحذية منذ صغره، واكتسب خبرة كبيرة جعلته وجهًا مألوفًا لزبائن المنطقة. 

ومع تغير الظروف الاقتصادية وارتفاع تكلفة الإيجار، وجد نفسه مضطرًا لمغادرة المحل، لكنه لم يتوقف عن العمل.

العمل على الرصيف بدلًا من البطالة

رفض عم محمود الاستسلام للظروف أو انتظار المساعدة، فقرر أن يأخذ صندوقه الصغير، ويجلس على الرصيف المقابل لمواصلة عمله. 

يبدأ يومه في العاشرة صباحًا ويواصل العمل حتى الرابعة عصرًا، قبل أن يعود إلى منزله في حلوان، حيث ينتظر استلام وحدته السكنية في مشروع "روضة السيدة".

إصرار وقناعة رغم قلة الدخل

لدى عم محمود ثلاثة أبناء، جميعهم أنهوا تعليمهم وتزوجوا، لكنه لا يعتمد عليهم في مصاريفه، بل يفضل أن يعتمد على نفسه. رغم أن دخله اليومي لا يتجاوز 80 إلى 100 جنيه، إلا أنه قانع وسعيد برزقه، مؤمنًا بأن البركة في القليل.

الرزق بيد الله.. والرضا مفتاح السعادة

خلال لقائه في برنامج "ساعة الفطار" الذي يقدمه الإعلامي هاني النحاس على قناة صدى البلد، سئل عم محمود عما إذا كان يشعر بالحزن بعد مغادرته المحل الذي عمل به لعقود، فأجاب بثقة: "الزعل مش هيجيب حاجة.. الرزق بيد الله، وأنا راضي بحالي وسيبتها على الله."

مساعدة الآخرين رغم ضيق الحال

بأخلاقه الرفيعة، لا يرفض عم محمود تلميع أحذية من لا يملكون المبلغ كاملاً، فهو يراعي ظروف الناس كما راعت الظروف حاله، بابتسامة هادئة، يقول: "لو حد قال لي ما معاييش غير 5 جنيه، همسحهاله.. المهم إنه يكون رايح شغله بشياكة."

قصة عم محمود ليست مجرد حكاية رجل يعمل على الرصيف، بل هي درس في الإصرار والرضا، ورسالة أمل بأن العمل والاعتماد على النفس هما السبيل للحياة الكريمة، مهما كانت الظروف.

مقالات مشابهة

  • صيام دون إفطار.. الأزمة الإنسانية في غزة تتفاقم مع منع دخول المساعدات منذ بداية رمضان
  • ترامب يعلن الحرب على الحوثيين ويطالب إيران بالتوقف عن دعمهم (شاهد)
  • ترامب يجتمع بشركات النفط الأمريكية وسط الحرب التجارية
  • مجموعة السبع تدعو لإعطاء أمل السلام في غزة وإيصال المساعدات
  • من محل إصلاح أحذية إلى الرصيف.. عم محمود رحلة إصرار لا تتوقف |شاهد
  • ضرورة وجود أفق سياسي للشعب الفلسطيني.. تطورات الأوضاع في قطاع غزة| تفاصيل
  • عودة شبح المجاعة بقطاع غزة مع استمرار إغلاق المعابر ومنع المساعدات
  • شبح المجاعة يهدد غزة وإغلاق المعابر يمنع المياه عن 90% من السكان
  • باكستان تطالب بمحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب ضد الفلسطينيين
  • انقطاع الكهرباء عن غزة.. شلّ كافة مرافق الحياة