بقلم / وضاح اليمن الحريري
تدخل كل مسألة أو قضية فكرية أو اجتماعية أو سياسية أو تحت أي مسمى كان، عند ذهابها أو اقترابها من الجانب التطبيقي في الواقع، في تناقضات يكشفها واقع التجربة العملية وانعكاساته في معايير الناس وقيمهم، بل وممارساتهم اليومية، فيما يبين الموقف من مصالحهم واستفادتهم من تلك التجربة أو التطبيق، لتحدث متغيرات عدة في السلوك أو الموقف العام تجاه تلك المسألة، يمكن قياسها بالمؤشرات مثل استبيانات الرأي العام وقياس الرأي من حين إلى آخر.


هذا أمر حدث ومازال يحدث على مدى التاريخ الانساني، إذ يلعب الزمن كبعد مهم دوره المؤثر في دورة حياة تلك المسائل، على مستواها الكلي أو الجزئي، الأساسي أو الفرعي، كذلك تتبدل الأدوار وتتأثر الأحوال، ليس بقدرة قادر ولكن بفعل التفاعلات المختلفة سلبا أو ايجابا في مدارات غير متوازية أو منفصلة تتقاطع كثيرا مع بعضها، في مسار تطور التجربة زمنيا ومكانيا، بالارتباطات المؤثرة عليها ذاتيا أو موضوعيا.
على ضوء التمهيد السابق كفرشة لموضوعنا اليوم، يمكن أن نتناول بعضا من تناقضات الواقع الاجتماعي للقضية الجنوبية، في سياقه التاريخي الذي يحدث الان أو هو وارد في حدوثه، عما قليل في المستقبل القريب، وإننا إذ نسعى للكشف عن التناقضات، لا نهدف أساسا لأن نقف لصف جهة ما من الناحية السياسية، مجازا، كي نحجب صفة التصنيفات والتحديات الى جانب احد هنا أو هناك، بقدر ما نتوخى الوصول الى السؤال، كيف يمكن تناول تلك التناقضات والاستفادة منها أو حلها، ففي الحالتين ستظهر نتائج وأثر لهذا الانكشاف، الذي يظهر أهم تناقضاته كما سيلي:
يظهر اول التناقضات فيما بين الحالة المعيشية لعامة الناس التي صارت تدعو وتنادي لحل مشاكلها المباشرة واليومية التي تواجهها في كل لحظة، وبين الخطاب السياسي المتمسك بمقولاته حول استعادة الدولة الجنوبية، صانعا حالة من الجفاء مع حقوق الناس التي يعوها ويلمسونها على صعيد حياتهم، هذا التناقض الذي وضح الالتباس القائم وجعل جانبيه في حالة عدم اتفاق، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية في بعدها السياسي، غالبا ما نتوقع أن الأثر هنا سيقود الى انخفاض شعبية الشعار السياسي لصالح المطلب الجماهيري الذي صار يتنافى معه.
ثاني التناقضات في الواقع الاجتماعي للقضية الجنوبية، ينبثق من حالة السيطرة على أرض الواقع، أي أن تكريس الجنوب كفكرة عقائدية وليس كمشروع سياسي، سيعكس نفسه في عملية التقييم في الوعي الجمعي للناس فإذا كان الجنوبيون هم من يسيطر في واقع الأرض فلماذا اذن لا يتحقق شئ من الشعارات المرفوعة، ليبرز السؤال هل استعادة الدولة الجنوبية يعني حل القضية الجنوبية أو أن اشكاليات أخرى ستعقد من حلها، هنا يظهر أن تباعدا من نوع ما حصل ما بين مشروع الدولة الجنوبية وحل القضية الجنوبية، وفق سياق واقع الحال وسلطانه.
التناقض الثالث، الذي لا مفر منه، هو مواجهة مشروع السلام، وتسوياته التي سيفرضها، السلام الذي سيتحقق وفق شروط، بل واملاءات خارجية غالبا ما تعلن تأييدها لدولة موحدة وفق المرجعيات الثلاث، سيتعارض بلا أدنى شك مع طموحات الجمهور المناصر لفكرة الانفصال، لأن أنصار الفكرة، لا يستطيعون أن يحاربوا منفردين من أجل تحقيقها، اي ان حالة ازدواجية عنيفة ستحدث، بين ما يمكن تحقيقه وما لا يمكن تحقيقه، بالقوة أو بغيرها.
أما التناقض الرابع، يمكن تسميته بلعبة المقابر، كيف يمكن السير بميت لدفنه، يتم السير به في جنازة مهيبة تلفت الانتباه وتشجع على استقطاب كثيرين، الى مسيرة الموكب الجنائزي، يمكن أن يحدث ذلك ببساطة، عليك فقط أن تتعلم، الا تحل المشاكل، بدلا عن السعي لحلها، عليك أن تعقدها أكثر، أن تكتسب مزيدا من الخصوم حولك وفي مواجهتك، من مختلف قوى وفئات الشعب، الذي أصبح في الأساس يرى أنك مسرع في موكب الدفن هذا، بهتافات عالية ومشي سريع لا يتوقف على الاقل ليلتقط أنفاسه.
أما أظرف التناقضات فهو الخامس، رغم اتساع الفكرة في نطاقها اليمني، أو الجنوبي حتى، تضيق قوى السيطرة عسكريا وأمنيا على هذا المشروع، لتتركز بأيدي محددة مناطقيا أو جهويا، كما يرى الرأي العام، من خلال تراكم الوعي لديه، بأن تجربة ما تكرر نفسها مع اختلاف الأسماء، الا أن تكريس التمايز الاجتماعي هو سمة مشتركة بينهما، قد لا يحتملها الجنوب فتقوده الى تهديدات وجودية حقيقية..والسلام ختام.

المصدر: موقع حيروت الإخباري

إقرأ أيضاً:

العراق: تناقضات إحصائيات الإعدام.. وإعدام قانون العفو العامّ!

الإعدام هو النهاية اللائقة بكلّ مجرم وسفّاح وقاتل ومخرّب لا يحبّ الخير للوطن والناس، وهذا ممّا لا خلاف عليه بين الحكماء والعقلاء. فعقوبة الإعدام تُطبّق على جرائم القتل والمخدّرات والجرائم الكبرى الضاربة للأمن والمجتمع!

ويشترط في عقوبة الإعدام المتعلّقة بالقتل أن تكون عن عَمْد مع سبق الإصرار والترصّد وليس عن طريق الخطأ!

وعقوبة الإعدام أُقرّت في الشرائع السماويّة وغالبيّة القوانين الأرضيّة؛ إلا تلك التي تحاول تجميل الجريمة ومجاملة السفّاحين والمجرمين! وهنالك دول طبّقت عقوبة الإعدام بشَكْل تعسّفي، بحيث صارت بوّابة لتصفية الحسابات السياسيّة والشخصيّة.

وقد عانى العراق من مآسي عقوبة الإعدام، وكلامنا دفاع عن الأبرياء الذين انتزعت منهم الاعترافات في ظلمات الليل ودهاليز الخوف، ومراحل غياب العدالة وضياع الضمير، وليس دفاعا عن القتلة والإرهابيّين!

وعند محاولة متابعة إحصائيات الإعدام الرسميّة العراقيّة تجد نفسك في دوّامة من الإحصائيات المتناقضة! وسبق لوزير العدل خالد شواني أن أكّد في نيسان/ أبريل 2024 وجود ثمانية آلاف محكوم بالإعدام، من مجموع 20 ألفا من المدانين بقضايا تتعلّق "بالإرهاب" داخل سجون وزارته!

بعيدا عن مصداقيّة المعلومات الرسميّة، نلفت الانتباه إلى أنّ التناقض في الإحصائيات الرسمية يُثير القلق، ويفتح الباب على مصراعيه لضرورة التدقيق في أعداد المحكومين بالإعدام، ومصير الأحياء منهم!
وقبلها أعلنت وزارته في أيلول/ سبتمبر 2021 أنّ عدد الإرهابيين المحكومين لديها "أكثر من 50 ألف سجين تقريبا، ونصفهم محكومون بالإعدام"! وهذا يعني أن هنالك 25 ألف محكوم بالإعدام، ويعني كذلك أنّ الفرق بين تصريح وزير العدل ووزارته أكثر من 17 ألف شخص خلال عامين، ربّما نُفّذت فيهم أحكام الإعدام!

وحينما نحاول الدخول للبوّابات الرسميّة لأعداد الذين نُفّذت بحقّهم أحكام الإعدام نجد أنّهم بالعشرات سنويّا، وهذا يعني أنّ الكثير من الإعدامات نُفّذت دون الإعلان عنها!

ومع الساعات الأولى لعيد الأضحى المبارك قبل أسبوعين نشرت حسابات شخصيّة على مواقع التواصل الاجتماعيّ قوائم بأسماء "وجبة من الذين نفّذت بهم عقوبة الإعدام"، وقد أحدثت ضجّة كبيرة في الشارع العراقيّ! وأعلنت وزارة العدل، يوم 20 حزيران/ يونيو 2024، أنّه لا صحّة للأخبار حول تنفيذ أحكام الإعدام بحقّ مدانين!

وبعيدا عن مصداقيّة المعلومات الرسميّة، نلفت الانتباه إلى أنّ التناقض في الإحصائيات الرسمية يُثير القلق، ويفتح الباب على مصراعيه لضرورة التدقيق في أعداد المحكومين بالإعدام، ومصير الأحياء منهم!

وطالبت منظّمة العفو الدوليّة يوم 25 نيسان/ أبريل 2024 السلطات العراقيّة أنّ توقف "جميع عمليّات الإعدام فورا، وربّما هنالك العديد من الأشخاص أُعدموا سرّا"!

وقالت رئيسة بعثة الأمم المتّحدة لمساعدة العراق جينين بلاسخارت، يوم 16 أيار/ مايو 2024، إنّ "زيادة عمليّات الإعدام الجماعيّة غير المعلنة تُثير قلقا كبيرا"!

وآخر حملات الإعدام المعلنة رسميّا نفّذت في 31 أيار/ مايو 2024 بحقّ ثمانية "مدانين بالإرهاب"!

وأكّدت أكثر من (16) منظّمة حقوقيّة عراقيّة وأجنبيّة، يوم 22 حزيران/ يونيو 2024، أنّها "ستتوجّه بشكاوى إلى الأجهزة الدوليّة المعنية، والمقرّر الخاصّ المعنيّ بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا، وسلوك كلّ الإجراءات القانونيّة والحقوقيّة لوقف عمليّات الإعدام التعسّفيّة والانتقائيّة"!

وقال خبراء الأمم المتّحدة الدوليّون المتخصّصون في مجال حقوق الإنسان في جنيف، يوم 27 حزيران/ يونيو 2024، إنّ "عمليّات الإعدام التي تُنفّذها الحكومة العراقيّة ضدّ السجناء المحكومين بالإعدام بناء على اعترافات مشوبة بالتعذيب، وبموجب قانون غامض لمكافحة الإرهاب، ترقى إلى مستوى الحرمان التعسّفي من الحياة بموجب القانون الدوليّ وقد ترقى إلى مستوى جريمة ضدّ الإنسانيّة"!

وتطبيقا للعدالة يفترض إيقاف تنفيذ عقوبات الإعدام لحين إقرار قانون العفو العامّ، وفسح المجال لإعادة محاكمة كلّ مَن يدّعي أنّ الاعترافات نُزِعت منه بالإكراه! وعليه، فإنّ تنفيذ عقوبات الإعدام بوتيرة متسارعة ستكون تداعياتها خطيرة لحاضر العراق ومستقبله!

ومعلوم أنّ حكم الإعدام ليس حكما بسيطا يمكن تدارك نتائجه، وهو حكم مفصليّ بين الحياة والموت، ولهذا يفترض التدقيق والتروّي في جملة من القضايا المفصليّة قبل لحظة التنفيذ ومنها: هل الاتّهامات حقيقيّة أم كيديّة؟ وهل كانت التحقيقات والمحاكمات سريعة وعاجلة؟ وهل حصل المتّهمون على تمثيل قانونيّ حقيقي؟ وهل تعرّض المتّهمون للتعذيب، وغيرها من صور الأساليب والضغوطات غير القانونية؟

المماطلة في إقرار قانون العفو العامّ والمسارعة في تنفيذ أحكام الإعدام تؤكّدان حالة التناقض الرسميّ في إدارة ملفّات المصالحة الوطنيّة، وتجفيف منابع الكراهية المجتمعيّة، وإعادة بناء المجتمع!
وبعد أن يُتأكد بأن المتّهم قد حصل على حقوقه القانونيّة، وثبوت ارتكابه للجريمة المتّهم بها، حينها يمكن تنفيذ الحكم بعدالة تامّة.

ثمّ هل يصّح تنفيذ الإعدام في الذين لم يباشروا القتل، وربّما كانوا من المغرّر بهم في تنظيمات سقيمة؟

ولتطبيق العدالة يفترض، أيضا، محاكمة كافّة المخبرين السرّيّين، وملاحقة أيّ موظّف رسميّ انتزع الاعترافات بالإكراه والتعذيب.

وينبغي التذكير بدور القوى السياسيّة السّنّيّة في ضرورة العمل على إقرار قانون العفو قبل إعدامه واقعيّا وعمليّا، وحينها لا يُنْتَفَع بالقانون!

المماطلة في إقرار قانون العفو العامّ والمسارعة في تنفيذ أحكام الإعدام تؤكّدان حالة التناقض الرسميّ في إدارة ملفّات المصالحة الوطنيّة، وتجفيف منابع الكراهية المجتمعيّة، وإعادة بناء المجتمع!

العدالة هي الركن الركين لبناء المجتمع العراقيّ! طَبّقوا القانون على القتلة والإرهابيين، وأطلقوا سراح الأبرياء وعوّضوهم عن سنوات الضياع والموت البطيء!

x.com/dr_jasemj67

مقالات مشابهة

  • حملة إسرائيلية – أمريكية للضغط على حزب الله… ما الهدف منها؟
  • الأنبا باخوم يلتقي أسر كنيسة العذراء بشبرا
  • العراق: تناقضات إحصائيات الإعدام.. وإعدام قانون العفو العامّ!
  • سيئول يمكن أن ترد نوويًا على بيونغ يانغ وموسكو
  • كوريا الجنوبية تفرض عقوبات على سفن روسية وعدد من الكوريين الشماليين.. تفاصيل
  • نائب محافظ القاهرة تقود حملة مكبرة بأحياء المنطقة الجنوبية لتفقد حالة النظافة 
  • السودان: إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه
  • الاستعلام عن شقق الاسكان الاجتماعي 2024
  • حالة من جونو.. ما بعد الإعصار
  • انتصار لبايدن.. المحكمة العليا تسمح بالضغط على الشبكات الاجتماعية لإزالة المعلومات المضللة