عربي21:
2025-03-18@01:25:46 GMT

الإخوان والتعزية في رئيس إيران!!

تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT

لا تربطني بالإخوان المسلمين رابطة تنظيمية منذ سنوات، بعد أن كنت عضوا في مجلس شوراها في تركيا، وكنت عضوا في لجنة التحقيق بها، وقدمت استقالتي منها بعد قناعة تامة بأن مكاني الأهم والأفضل: العلم والدعوة العامة، بعيدا عن التنظيمات، مع تقديري لكل جهد جماعي يخدم الإسلام والمسلمين. وقد كان قراري قديما، قبل 2013م، ولكن لما جاءت الأحداث، رأيت وقتها أنه ليس من المروءة الاستقالة في هذا الظرف، ثم حدثت أحداث ليس مجال الحديث عنها الآن، جعلت قراري حين أوانه.

ومع ذلك فالصلة معقودة بيني وبين كل كيان يجمعني به مشتركات، سواء بالنصح أو التأييد فيما أراه صوابا، وأن من أخلاق العشرة الحسنة الوقوف معه فيه، خاصة فيما يتعلق بالمحن.

قدمت بهذه التقدمة، لأن الحال الذي تعيشه الجماعة حاليا، خاصة القُطر المصري، سواء في الداخل أو الخارج، يمر بأزمات، ومحاولة لملمة أطراف الجماعة، واستعادة بعض مكانتها، أو بعض علاقاتها، سواء أصابت في خطواتها أم لم تُصب، فهو سعي ومحاولات في إطار الاجتهاد، الذي لا يستغني عن النصح والتسديد.

من هذه المواقف ما حدث مؤخرا من موقف الإخوان من حادث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ثم تعزيتهم بعد إعلان وفاته، وهنا اختلف الناس حول موقفهم، في ظل جو عام محتقن من الموقف الإيراني في سوريا واليمن والعراق، وهو موقف يقدَّر ويحترَم لأنه نابع من أشخاص أضيروا في أعز ما يملكون من الأوطان والأهل والخلان، ولا يمكن لأحد أن يطلب منهم التناسي أو التعافي دون أن ينتهي الملف نفسه بحل عادل، وهؤلاء سيظل موقفهم مقدرا، ولا يمكن إغفاله.

هناك زوايا أخرى، لا يمكن للمتحرك في السياسة والعلاقات أن يقف عندها، ليس من باب إهمال الجانب القيمي والأخلاقي، بل لأن عالم العلاقات تحكمه موازين أخرى تضاف إلى ذلك، ومنها: باب المجاملات في المناسبات الحزينة أو المناسبات العامة، وليس معنى التعزية في وفاة رئيس دولة، أو في حادث لدولة معينة، أنه تماه مع مواقفها، أو مع أيديولوجيتها
لكن في المقابل هناك زوايا أخرى، لا يمكن للمتحرك في السياسة والعلاقات أن يقف عندها، ليس من باب إهمال الجانب القيمي والأخلاقي، بل لأن عالم العلاقات تحكمه موازين أخرى تضاف إلى ذلك، ومنها: باب المجاملات في المناسبات الحزينة أو المناسبات العامة، وليس معنى التعزية في وفاة رئيس دولة، أو في حادث لدولة معينة، أنه تماه مع مواقفها، أو مع أيديولوجيتها، وهو نفس الخطأ الذي تعالج به على مستوى آخر قضية مثل التهنئة لغير المسلمين بأعيادهم؛ بأن المهنئ راض عن عقيدة الآخر، أو عن تصرفاته كلها، فهنا خطأ في التعامل، وخطأ في التوصيف.

فالنصوص الشرعية في باب المعاملة مع المخالف في باب المواقف العامة، لاعتبارات ومصالح، موجودة ومتوافرة في الشرع الحنيف. ففي السيرة النبوية نرى موقف النبي صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن أبي بن سلول، وهو رأس النفاق، والذي خاض في عرض زوجته السيدة عائشة، وبهذا الموقف عاش بيت النبوة أصعب محنة، حيث النيل من عرض زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

ومع ذلك عندما توفي ابن سلول، ذهب ابنه عبد الله للنبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه قميصه كي يكفن فيه أباه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، وكُفن فيه. وكان ذلك لمكانة ابنه المؤمن، وردا لجميل سابق لابن سلول مع العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، حين أسر في غزوة بدر، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يُلبسوا كل أسير قميصا، فلم يجدوا قميصا على قدر بدن العباس سوى قميص ابن سلول، وأعطاه إياه ابن سلول هدية، فاعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك جميلا، رده له بعد وفاته بقميصه، ليكفن فيه.

أما من حيث الممارسة الحركية، فإن كثيرين من الإخوة الذين عبروا عن غضبهم ضد تعزية المصريين، لا لوم عليهم في غضب المحب، لكن البعض يشتط بشكل غير مقبول، وهو نفسه يمارس ما يلوم المصريين عليه، وكانت الحركة الإسلامية والإسلاميون المصريون من أكثر الناس تفهما لما يقوم به إسلاميو هذه البلدان في مواقف مماثلة، فقد صنفت دول عربية الإخوان المصريين كجماعة إرهابية، مثل: الإمارات، والسعودية، ودول أخرى، وظلت مكاتب وحركات إسلامية ومنها الإخوان في أقطار مثل سوريا واليمن وغيرهما تتعامل مع هذه الدول، ولم يكن من العقل أو الحكمة أو السياسة أن يطلب إخوان مصر من كل إخوان الأقطار الأخرى القطيعة مع بلدان موّلوا الانقلاب عليهم، وأعملوا آلة القتل والتنكيل فيهم.

بل إنه في فترة حافظ الأسد وصدام حسين، كان الإخوان العراقيون يتعاملون مع سوريا الأسد، والإخوان السوريون يتعاملون مع صدام والعراق، رغم موقف كل منهما من إخوان بلده، فالإخوان جماعة محظورة في العراق وسوريا.

مثل هذه المساحات التي يتحرك فيها العاملون بالسياسة هي مساحات متاحة، ومساحة التفاهم والتفهم فيها كبيرة، ما دامت لا تأتي على حساب خذلان الحق، وتأييد الباطل، أو الإضرار بالآخرين، فلم تعد العلاقات الآن أبيض وأسود تماما، وبخاصة في عالم السياسة، فما أكثر المساحات الرمادية والمساحات الملتبسة، ولو أن الإخوان كحركة توقفت في حراكها وعلاقاتها في هذه المساحات لخسرت وفاتها الكثير
وعندما أصيبت أسماء الأسد زوجة بشار الأسد بسرطان الثدي، دعا لها بالشفاء الأستاذ المرحوم عصام العطار، وهي تابعة لنظام قام بتصفية زوجته، وحاول اغتياله عدة مرات، وكان ذلك بعد مذابح الأسد في سوريا، بعد قيام الثورة السورية. وقد عد الإخوان ذلك من باب نبل الرجل.

وكذلك كان الإخوان المصريون لا يلقون باللوم مطلقا على إخوان فلسطين في تعاملهم مع النظام المصري، وبخاصة بعد الانقلاب العسكري والمجازر التي جرت على أيدي هذا النظام، لأنهك تفهموا أن هذا النظام هو أحد أهم المعابر المتاحة لغزة. ومن يتأمل في أحداث طوفان الأقصى سيجد أن أكثر المتضررين سياسيا منها جماعة الإخوان في مصر، إذ أتى وانتفع بها السيسي سياسيا واقتصاديا، بعد أن كان في حال سيئ ينذر بتأثر نظامه تأثرا كبيرا، فجاءت الأحداث لتعيد دوره، وينتفع ماليا بما لم ينتفع به طوال عمره، من دعم عربي وأوروبي وصهيوني. أما الفصيل الوحيد الذي سيخرج -بالمنطق المادي البحت- خاسرا فهم إخوان مصر، ومع ذلك كانوا من أعقل الناس في التعامل مع هذا الملف وغيره، وهذا ينطبق على المصريين من معظم التوجهات المعارضة، فقد نظروا إلى الملف الفلسطيني وأهميته، ولو كان على حساب ملفهم الشخصي المتعلق بالنظام المصري.

مثل هذه المساحات التي يتحرك فيها العاملون بالسياسة هي مساحات متاحة، ومساحة التفاهم والتفهم فيها كبيرة، ما دامت لا تأتي على حساب خذلان الحق، وتأييد الباطل، أو الإضرار بالآخرين، فلم تعد العلاقات الآن أبيض وأسود تماما، وبخاصة في عالم السياسة، فما أكثر المساحات الرمادية والمساحات الملتبسة، ولو أن الإخوان كحركة توقفت في حراكها وعلاقاتها في هذه المساحات لخسرت وفاتها الكثير، في ظل غياب كبير للإخوان المصريين بشكل مؤسف عن الأحداث والعلاقات المحلية والإقليمية والدولية.

x.com/essamt74
[email protected]

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الإخوان الإيراني السياسة إيران مصر الإخوان السياسة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النبی صلى الله علیه وسلم هذه المساحات لا یمکن

إقرأ أيضاً:

معركة بدر.. مدرسة محمد في صناعة التاريخ المكمل للكون

معركة بدر
مدرسة محمد في صناعة التاريخ المكمل للكون
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
1
التاريخ لا يصنع الرجال ، وإنما الرجال من يصنعون التاريخ .
وليس في الكون من رجل صنع التاريخ الإنساني بحذق واقتدار مثل سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .
فأول ما صنع ، صنع الرجال الذين يصنعون التاريخ للكون قاطبة .
ومن كان في ريب من قولنا هذا ، فالينهض واقفا أمام سيدنا عمر بن الخطاب ، مثالا من أمثلة الرجال الذين صنعهم الرسول بنفسه ليصنعوا معه التاريخ .
جاء في الأثر ، أن راعيين في شعاب الجبال فوق مكة ، قال أحدهما لصاحبه :
” أما علمت أن ذلك الأعسر الأيسر ، قد صار خليفة للمسلمين ؟ ”
” الذي كان يصارع الناس في سوق عكاظ ؟ ”
” نعم ، هو ذاك ”
فقال الراعي :
” أما والله ليوسعنهم خيرا أو ليوسعنهم شرا ”
قال الروائي الطيب صالح في تعليقه على ذلك الحوار :
( وقد أوسعهم خيرا ، حتى أصبح يضرب به المثل في تاريخ الإنسانية ، لأنه منذ أيامه تلك في سوق عكاظ ، حدثت له ثورة روحية زلزلت كيانه ، وثاب إلى المعلم الرباني الذي أدبه فأحسن تأديبه )
وأضاف قائلا :
صار كما وصف أبو عثمان النهدي ( والذي لو شاء أن تنطق قناني هذه نطقت ، لو كان عمر بن الخطاب ميزانا ، ما كان فيه ميط شعرة )
2
رووا أن ابنته حفصة أم المؤمنين قالت له :
” يا أمير المؤمنين . إنه قد أوسع الله في الرزق وفتح عليك الأرض وأكثر من الخير . فلو طعمت طعاما ألين من طعامك ، ولبست لباسا ألين من لباسك ”
فقال لها ” سأخاصمك إلى نفسك . أما تذكرين ما كان رسول الله صل الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش ؟ ”
فما زال يذكرها حتى أبكاها ، ثم قال :
” إني والله لئن أستطعت لأشاركنهما عيشهما الشديد ، لعلي ألقى معهما العيش الرخي ” .. عنى بذلك الرسول وأبا بكر .
كان جل همه أن يلحق بصاحبيه ، ويخرج من الدنيا ، كفافا لا له لا عليه وقد اختط لنفسه خطة ، لم يستطعها إلا القليلون ، حتى في ذلك الزمان ، والناس قريبو عهد بمنبع الضوء ، فكيف بنا في هذا الزمان .
وهيهات لنا أن نقترب من تلك الأعالي ! وفقا لتعبير الطيب صالح .
تعجب لذلك الإنسان ، وكل أحواله عجب ، ألا يستقر أبدا ؟
ألا يريح جسده ؟
ألا تغمض عينه ؟
يقفز من بين السطور في كتب التاريخ ، يركض على الصفحات ركضا .
بينما تراه واقفا يعظ في مسجد رسول الله ، إذ هو في بيت المال باركا على ركبتيه ، حاسرا عن رأسه ، مشمرا ساعديه ، يعد ويقسم . ثم إذا هو يجيش الجيوش الجرارة ، ويتابع سير المعارك على بعد آلاف الأميال ، لا تخفى عنه صغيرة ولا كبيرة ، والرسل يغدون ويروحون ، بينه وبين ساحات القتال ، وكأنه وحده ” غرفة عمليات ” .
يتجول في الأسواق يحمل درته ، ويطوف في البوادي ، يعطي بنفسه كل ذي حق حقه في يده .
ثم تجده يسعى في طرقات المدينة في جوف الليل ، مثل طيف رحيم يتصنت على بكاء الأطفال ، وآهات الأيامى ، وشكوى النساء اللائي غاب أزواجهن عنهن في ميادين القتال .
سيدنا عمر بن الخطاب مثال من أمثلة الرجال الذين درسوا في مدرسة باب الفاتح ، المعلم الرباني محمد صل الله عليه وسلم .
فإضاءوا الكون بأنوار التاريخ بإشراقة مظاهر الرقي البشري الجديدة في الكون .
فشرف الوجود لأول مرة بإنسان جديد متوهج بدين الإسلام ، قادر على التضحية النبيلة والجليلة من أجل إعلاء رايته في كل مكان .
3
في السابع عشر من رمضان ، العام الثاني من هجرة الرسول صل اللهعليهوسلم . اليوم الموافق 13 من مارس عام 624 م .
يضع كتاب التاريخ البشري في صفحته أول قاعدة من قواعد الحرب بين فئتين وذلك في موقعة بدر التي وقعت بين المسلمين بقيادة الرسول محمد صل الله عليه وسلم وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي .
وتعد بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة ، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها ، وبدر بئر مشهورة تقع بين مكة والمدينة المنورة .
وتستمد غزوة بدر أهميتها من أن عدد المسلمين في هذه المعركة قليلا جدا مقارنة بأعداد المشركين ، حيث كان عدد المسلمين 313 رجلا ، وعدد المشركين 950 رجلا ، وقيل أن عدد جيش قريش كان ألفاً ، وكان معهم مئتا فرس يقودونها إلى جانب جمالهم ، ومعهم القيان يضربون بالدفوف ، ويغنين بهجاء المسلمين كما ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية .
وانتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام ، وكان عدد من قُتل من قريش في غزوة بدر سبعين رجلاً وأُسر منهم سبعون آخرون ، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلاً ، ستة منهم من المهاجرين وثمانية من الأنصار ، وكان من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين .
4
التمعت في معركة بدر معجزة من ألمع معجزات التأييد والنصر للمسلمين ، فقد أمدهم الله فيها بملائكة يقاتلون معهم ، وقاموا بكل ما يمكن أن يكون سببا لنصر المسلمين ، من بشارتهم بالنصر ، ومن تثبيتهم بما ألقوه في قلوبهم من بواعث الأمل والاطمئنان والثبات ، وبما أظهروه للمسلمين من أنهم معانون من الله تعالى ، بل وبما قام بعض الملائكة من الاشتراك الفعلي في القتال ..
وفي ذلك قال الله تعالى : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ )
– الأنفال : 12 –
وقال تعالى : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ )
– آل عمران 126 : 123-
وعن سماك الحنفي ( أبو زميل ) ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول : حدثني عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: ( لما كان يوم بدر نظر رسول الله – صل الله عليه وسلم – إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ، فاستقبل نبي الله – صل الله عليه وسلم – القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة ( الجماعة من الناس ) من أهل الإسلام لا تُعْبد في الأرض ، فمازال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ، وقال :
يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عز وجل :
( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) – الأنفال : 9 – فأمده الله بالملائكة .
وقد أسر رجل قصير من الأنصار العباس بن عبد المطلب ، فقال العباس : ( يا رسول الله إن هذا والله ما أسرني ، لقد أسرني رجل أجلح (انحسر الشعر عن جانبي رأسه ) من أحسن الناس وجها ، على فرس أبلق – به سواد وبياض – ما أراه في القوم ، فقال الأنصاري :
أنا أسرته يا رسول الله ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ اسكت فقد أيدك الله تعالى بملك كريم ) رواه البخاري .
وعن أبي داود المازني ـ رضي الله عنه ـ وكان شهد بدرا قال : ( إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه ، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري )
رواه أحمد .
وعن معاذ بن رفاعة عن أبيه ، وكان أبوه من أهل بدر ، قال :
( جاء جبريل إلى النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ ، قال : من أفضل المسلمين ـ أو كلمة نحوها ـ قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة )
رواه البخاري .
5
يرى المفسرون أن الآيات والأحاديث الواردة والمؤكدة لنزول الملائكة يوم بدر كثيرة ، ومن ثم فإن تحاشي وحرج بعض المسلمين ـ من كُتاب وغيرهم ـ من الإشارة أن الملائكة شاركت المسلمين في بدر في قتال المشركين ، ما هو إلا صورة من مظاهر الهزيمة أمام الفكر المادي الذي لا يؤمن إلا بالمحسوسات .
فالإيمان بالملائكة ركن من أركان إيماننا بالله ، والله ـ عز وجل ـ أعلم بكيفية قتال الملائكة وأدوات حربهم وأفراسهم ، وليس علينا إلا الإيمان والتسليم بما أتانا به الخبر الصادق من كتاب أو سنة .
فإن قيل : ما الحكمة في نزول الملائكة مع أن جبريل وحده قادر على إهلاك المشركين جميعا بأمر الله عز وجل ؟!
أجاب السبكي بقوله :
” وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي ـ صل الله عليه وسلم ـ وأصحابه ، وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش ، رعاية لصور الأسباب وسننها التي أجراها الله تعالى في عباده ، والله تعالى هو فاعل الجميع ” ..
فالإسلام يحفز المسلمين إلى أن يباشروا بأنفسهم إزهاق الباطل والجهاد في سبيل الله ، وأن يهيئوا الأسباب المادية والإيمانية لتحقيق النصر : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ )
– التوبة : 14 –
إن نزول الملائكة من السموات العُلَى إلى الأرض لنصر المؤمنين حدث عظيم ، وثبات راسخ للمؤمنين حينما يوقنون بأنهم ليسوا وحدهم في الميدان ، وأنهم إذا حققوا أسباب النصر واجتنبوا موانعه فإنهم أهل لمدد السماء ، وهذا الشعور يعطيهم جرأة في مقابلة الأعداء ، لبُعد التكافؤ المادي بين جيش الكفار الكبير عدداً القوي إعداداً ، وجيش المؤمنين القليل عدداً الضعيف إعداداً .
وتلك مدرسة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم المعلم الرباني الذي أوضح لنا أول شرط من شروط الإنتصار على العدو هو الإنتصار لله في نفسك .

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • معركة بدر.. مدرسة محمد في صناعة التاريخ المكمل للكون
  • «المفتي»: غزوة بدر مدرسة في التخطيط والشورى والإيمان الراسخ
  • داخل أنفاق لـ حزب الله.. هذا ما عثر عليه الجيش السوري (صور)
  • ما فضل التسبيح بعد الصلاة؟.. أمين الفتوى يجيب
  • دعاء ليلة 17 رمضان بالقرآن الكريم 2025
  • متى وقت السحور في رمضان 2025؟.. الرسول حدد موعده بهذه الساعة
  • فى يوم 16 رمضان.. النبي صلى الله عليه وسلم يصل بدر ووفاة السيدة عائشة
  • شخصيات إسلامية.. أم المؤمنين جويرية بنت الحارث
  • محاضرة حول السكينة في القرآن الكريم والسنة النبوية
  • عقوبة عقوق الوالدين معجّلة في الدنيا