تستعد الولايات المتحدة الأميركية لإنهاء وجودها العسكري في منطقة الساحل بعد قرار إخراج قواتها من النيجر وإنهاء تعاونها العسكري مع تشاد. وفي حين تتهيأ روسيا لملء الفراغ، تبحث واشنطن عن بديل غير بعيد لقواتها، ورجح معهد دراسات الحرب الأميركي أن يكون هذا البديل غانا أو ساحل العاج.

وقد انتهت مطلع الأسبوع الجاري في العاصمة النيجرية نيامي مفاوضات استمرت 5 أيام بين مسؤولين عسكريين من النيجر والولايات المتحدة، لبحث آليات سحب القوات الأميركية استجابة لرغبة حكومة نيامي.

وفي بيان مشترك نشرته صفحة المجلس العسكري الحاكم في النيجر على منصة إكس (تويتر سابقا)، أعلن الجانبان مساء الأحد توصلهما إلى اتفاق ينص على أن سحب القوات الأميركية من النيجر الذي بدأ بالفعل يجب أن ينتهي بحلول 15 سبتمبر/أيلول المقبل.

ويؤكد الاتفاق على أن يتعاون الجانبان على حماية القوات المنسحبة وتسهيل إجراءات دخول وخروج الأفراد الأميركيين خلال عملية الانسحاب.

ويعني القرار أن حوالي ألف جندي أميركي، حسب وكالة رويترز، كانوا موجودين في قاعدتين عسكريتين بالنيجر لم يعد مرحبا بهم على الأراضي النيجرية.

فقدان مركز المراقبة

وتعتبر دراسة للمجلة البحثية الأميركية (Responsible Statecraft) نشرت في 26 أبريل/نيسان الماضي أن سحب القوات الأميركية من النيجر يعني فقدان أميركا لقاعدة عسكرية مهمة في مدينة أغاديز على بعد حوالي 920 كيلومترا من العاصمة نيامي، وقد كلف بناؤها 110 ملايين دولار، هذا إضافة إلى خسارة مئات الملايين من الدولارات كانت الولايات المتحدة استثمرتها في تدريب جيش النيجر منذ بدء عملياتها هناك في عام 2013.

وحسب المجلة، فإن القاعدة كانت تُستغل للعمليات المختلفة وبالخصوص الرقابة الجوية من خلال الرحلات المأهولة والطائرات بدون طيار، فكانت بمثابة مركز لمراقبة منطقة الساحل بأكملها، وبالتالي فإن فقدان القوات الأميركية لهذه القاعدة يمثل خسارة إستراتيجية كبرى.

وكان المجلس العسكري الحاكم في النيجر قد أعلن في 16 مارس/آذار 2024 عن إلغاء اتفاقيات التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة، وذلك في أعقاب زيارة إلى نيامي قام بها وفد أميركي يضم مولي في مساعدة وزير الخارجية الأميركي، وقائد القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال مايكل لانغلي.

وحسب تقرير أعده مركز "أبعاد البريطاني للدراسات"، فقد كان من اللافت خلال تلك الزيارة رفضُ رئيس المجلس العسكري النيجري الجنرال عبد الرحمن تياني مقابلة الوفد الأميركي، وبالرغم من ذلك مدد الوفد إقامته من 12 حتى 14 مارس/آذار الماضي بهدف إقناع النيجريين بالإبقاء على اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك بين البلدين.

إلا أن ذلك لم يجد نفعا، مما دفع الوفد الأميركي للمغادرة، وعقب ذلك أصدرت سلطات النيجر قرارها بإخراج القوات الأميركية من البلاد وإنهاء الاتفاق العسكري بين البلدين، باعتباره مجحفا بالنيجر ومفروضا عليها، وينتهك القواعد الدستورية والديمقراطية النيجرية.

محاولات البقاء

وحاولت أميركا لاحقا ثني النيجر عن قرارها، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن زيارة وفد ثان للنيجر نهاية أبريل/نيسان الماضي، وفي ذات الشهر صرح كريستوفر جرادي نائب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة لوكالة أسوشيتد برس بأنه لا قرار نهائيا بشأن سحب القوات الأميركية من النيجر وتشاد، وأن بلاده ما زالت تسعى لإقناع السلطات النيجرية بتمديد الاتفاق العسكري معهما.

لكن يبدو من الإعلان المشترك بالاتفاق على جدول زمني لسحب القوات الأميركية أن كل محاولات الأميركيين باءت بالفشل، وصار همهم أن يتم الانسحاب بسلام، كما جاء في الإعلان المشترك.

وفي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست نشرت في 16 مايو/أيار الجاري، اتهم رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون بلاده، مضيفا أن المسؤولين الأميركيين حاولوا تحديد الدول التي يمكن أن تتعامل معها النيجر، وفشلوا في تبرير وجود القوات الأميركية في البلاد، في حين لم يفعلوا شيئا لمواجهة الإرهاب في المنطقة، حسب تعبيره.

البحث عن بدائل

ورجّحت دراسة للمعهد الأميركي لدراسات الحرب نشرت في التاسع من مايو/أيار الجاري أن تمثل ساحل العاج وغانا وبنين خيارات أخرى بديلة تنقل إليها القاعدة الجوية الأميركية لتضمن استمرار نفوذ واشنطن في المنطقة وقدرتها على المراقبة.

ومؤخرا قام قائد القيادة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) بزيارة لساحل العاج وبنين، ويرى مراقبون أن هذه الزيارة تتعلق بالبحث عن مكان بديل لقاعدة النيجر.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد ذكرت أن الولايات المتحدة قد بدأت بالفعل مناقشات أولية لإنشاء قواعد للطائرات بدون طيار في ساحل العاج وبنين وغانا في إطار بحثها عن بدائل لقواعدها في النيجر.

بيد أن تقرير "معهد دراسات الحرب" كشف أن هذه المواقع البديلة تواجه بعض التحديات، إذ لا يمكنها أن توفر نفس الوصول السريع إلى المناطق المستهدفة الذي تتيحه القواعد الأميركية في النيجر وتشاد، وبالتالي فلن تمكّن القوات الأميركية من استمرار مراقبتها لمنطقة الساحل والشمال الأفريقي.

روسيا تتمدد في الساحل

تدرك النيجر أنه من المستحيل الجمع بين استضافة وجود عسكري لكل من أميركا وروسيا، نظرا للعداء التاريخي البلدين. ولذلك لما استنجدت سلطات نيامي بالروسيين بات لزاما عليها إخراج الأميركيين، لتفادي التصادم.

وكان الجانبان قاب قوسين أو أدنى من الاحتكاك مطلع شهر مايو/أيار الحالي، فقد صرح مسؤول عسكري أميركي لوكالة رويترز أن أفرادا من القوات الروسية دخلوا قاعدة جوية في النيجر تستضيف قوات أميركية، محذرا من عواقب أي احتكاك بين الطرفين.

ولم يكابر الأميركيون هذه المرة حيث اعترفوا أن إخراجهم من النيجر وربما تشاد مكسب لروسيا وتراجع لنفوذهم في أفريقيا، فقد كرس مجلس الشيوخ في أبريل/نيسان الماضي جلسة له لتدارس التمدد الروسي في أفريقيا مقابل التراجع الأميركي.

وخلال الجلسة قال رئيس القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا الجنرال لانغلي إن روسيا تحاول السيطرة على وسط أفريقيا ومنطقة الساحل بوتيرة متسارعة، هذا فضلا عن نفوذها في ليبيا وفي جميع أنحاء المغرب العربي، تلك المنطقة التي تمثل الخاصرة الجنوبية لحلف الناتو.

وكانت هيئة الإذاعة والتلفزيون النيجرية، قد أعلنت خلال شهر أبريل/نيسان الماضي أن روسيا سلمت القوات النيجرية معدات عسكرية تتضمن أنظمة حديثة للدفاع الجوي.

وفي الوقت نفسه أفادت وكالة أسوشيتد برس بوصول مدربين عسكريين روس لتعزيز الدفاعات الجوية للبلاد مع معدات روسية لتدريب النيجريين على استخدامها، كما كشفت تقارير صحفية محلية عن بداية انتشار "فيلق أفريقيا" في النيجر، وهي تسمية جديدة لقوات فاغنر الروسية الموجودة في المنطقة.

وقد أكدت دراسة المعهد الأميركي لدراسات الحرب بدء انتشار القوات الروسية في النيجر، وإن رجحت أن حضور روسيا في النيجر سيظل محدودا في الأشهر المقبلة، لكنه سيخلق العديد من الفرص الإستراتيجية للكرملين "لتهديد أوروبا إستراتيجيا بالابتزاز في مجال الطاقة، وتدفقات الهجرة، والتهديدات العسكرية التقليدية".

وتتوقع الدراسة أن تعمل القوات الروسية في النيجر على تعزيز سلطات المجلس العسكري الحاكم في البلاد، وهو ما سيمكن روسيا على الأرجح من تحقيق أحد أهدافها المتمثلة في تأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية للنيجر.

وتعتبر دراسة المعهد الأميركي أن عمليات نشر "المرتزقة" الروس مكنت من قبل من بناء هذا النوع من العلاقات الشخصية مع "أنظمة استبدادية" في بلدان أخرى، وذلك بهدف تعزيز النفوذ الروسي والحصول على امتيازات من الموارد الطبيعية لتلك البلدان.

ورأى معهد دراسات الحرب الأميركية أن استيلاء الروس على القاعدة الأميركية في أغاديز بالنيجر من شأنه تعزيز الارتباط بين القواعد الروسية في أفريقيا خصوصا بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، حيث تبعد قاعدة أغاديز حوالي 1100 ميل من القاعدة الجوية التي تسيطر عليها روسيا في ليبيا شمالا، كما تقع على بعد المسافة نفسها تقريبا من القاعدة الروسية الرئيسية في العاصمة المالية باماكو غربا.

وتعتبر الدراسة أن المكسب الكبير لروسيا من زيادة نفوذها في النيجر هو وصول الروس إلى احتياطيات اليورانيوم الكبيرة في شمال النيجر، وهو ما من شأنه أن يزيد حصة روسيا في سوق الطاقة النووية، فالنيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، حيث تنتج سنويا حوالي 5% من إنتاج العالم من هذه المادة، وكانت فرنسا تعتمد خلال العقد الماضي بنسبة 20% على يورانيوم النيجر لتشغيل منشآت الطاقة النووية لديها.

تشاد على خطى النيجر

وأصبح طرد القوات الغربية في منطقة الساحل ظاهرة ينتقل عدواها من دولة لأخرى، فبعد طرد القوات الفرنسية من مالي وبوركينافاسو وقرار النيجر بإخراج القوات الأميركية من أراضيها، ها هي تشاد تسلك السبيل ذاتها.

فقد أعلن المجلس العسكري الحاكم في تشاد برئاسة الجنرال محمد إدريس ديبي في 19 أبريل/نيسان 2024 التعليق الفوري للأنشطة العسكرية الأميركية في قاعدة "أدجي كوسي" الجوية المتاخمة للعاصمة التشادية نجامينا، مبررا ذلك بفشل الأميركيين في تقديم وثائق تبرر وجودهم العسكري هناك، حسب رسالة من قائد القوات الجوية التشادية أمين أحمد إلى الملحق العسكري بالسفارة الأميركية في نجامينا، ونشرتها وكالة رويترز.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس في 25 أبريل/نيسان 2024 عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الولايات المتحدة ستسحب غالبية قواتها من تشاد، والتي يبلغ عددها نحو 100 جندي، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل قال في مؤتمر صحفي مطلع الشهر الجاري إن الولايات المتحدة لا تزال في مفاوضات مع السلطات في تشاد حول مستقبل الشراكة العسكرية بين الطرفين، متوقعا تكثيف هذه المفاوضات بعد فراغ تشاد من الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد في السادس من مايو/أيار الجاري.

ويشار إلى أن المجلس الدستوري النيجري أعلن في 17 مايو/أيار الجاري فوز رئيس المجلس العسكري محمد إدريس ديبي بنسبة 61% من الأصوات، لكن منافسه سوسيس ماسرا أعلن رفضه لتلك النتائج معتبرا نفسه الفائز وداعيا أنصاره للاحتجاج.

وكانت تشاد ـ تلك الدولة ذات الرقعة الشاسعة الواقعة في وسط إفريقياـ تعتبر شريكا رئيسيا للجيوش الغربية في معركتها ضد ما تسميه الإسلام المتطرف في منطقة غرب أفريقيا المجاورة، لكن قرارها بتعليق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة يعتبر، إن تمادت عليه، بمثابة تموقع جديد.

واعتبر تقرير لمركز "أبعاد البريطاني" أن قرار السلطات التشادية قد يكون مُناورة للحصول على اتفاق أفضل يضمن مزيدا من الامتيازات والعائدات الاقتصادية، لكن مراقبين يعتبرون أن مضي النيجر قدما في إخراج القوات الأميركية من أراضيها قد يشجع اتشاد في التمسك بقرارها مع ما يعنيه ذلك من مكاسب أهمها مسايرة النقمة الشعبية المتزايدة ضد الغرب في الساحل، إضافة إلى إغراءات البديل الروسي.

واعتبر تقرير للمعهد الأميركي لدراسات الحرب أن تشاد تُعد الهدف الروسي الراهن في منطقة الساحل الأفريقي، وهو توجه يتقاطع مع سعي السلطات التشادية لتعزيز تقاربها مع موسكو الذي عكسته زيارة رئيس المجلس العسكري الحاكم محمد ديبي، إلى روسيا يناير/كانون الثاني 2024، إضافة إلى دخول المجلس العسكري الحاكم في نجامينا في تحالفات مع المجالس العسكرية الحاكمة في منطقة الساحل، والمدعومة من روسيا.

تثبت كل المعطيات، ومنها دراسة نشرتها مجلة "Responsible Statecraft" البحثية الأميركية في أبريل/نيسان الماضي أن إخراج النيجر للقوات الأميركية من أراضيها يعكس تنامي المشاعر المعادية للغرب وما يرتبط بها من تحولات إستراتيجية.

لكن الدراسة تكشف أن الرفض الجديد الخاص بالوجود العسكري الأميركي في منطقة الساحل مرده أن الولايات المتحدة لم تتقن لعبة التعامل مع الأنظمة في المنطقة، فلم تحل الديمقراطية بالقدر الكافي، ولم توفر الغطاء اللازم للمجالس العسكرية الحاكمة، وهو ما جعلها في نهاية المطاف تفقد كل شيء.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المجلس العسکری الحاکم فی سحب القوات الأمیرکیة القوات الأمیرکیة من أبریل نیسان الماضی الولایات المتحدة مایو أیار الجاری فی منطقة الساحل الأمیرکیة فی فی المنطقة فی أفریقیا فی النیجر من النیجر روسیا فی

إقرأ أيضاً:

إندونيسيا تعتزم طرح مقترح اتفاق تجاري مع أميركا وعينها على روسيا

جاكرتا – قال كبير وزراء الاقتصاد الإندونيسي إيرلانغا هارتارتو -في تصريح للجزيرة نت- إن فريق التفاوض الإندونيسي مع الجانب الأميركي سيتوجه إلى الولايات المتحدة يوم غد للتفاوض مع الجانب الأميركي ليس بخصوص نسب التعريفات الجمركية فقط، ولكن أيضًا بخصوص الاستثمار المتبادل بين البلدين.

وأضاف أن إندونيسيا تستضيف الكثير من الاستثمارات الإستراتيجية الأميركية، وهذا ما سيذكّر به الجانب الأميركي.

وأشار إلى أنه سيجري اتصالًا هاتفيا مساء اليوم الاثنين مع وزير التجارة الأميركي، أي قبل وصول الوفد المفاوض، موضحًا أن إندونيسيا ستطرح على الولايات المتحدة مقترح اتفاق تجاري ثنائي.

اتفاقيات التجارة الحرة المرتقبة

وعلى صعيد آخر، بخصوص اتفاقيات تحرير التجارة مع مناطق وكتل اقتصادية أخرى، قال الوزير الإندونيسي، في مؤتمر صحفي في ختام المنتدى التجاري الإندونيسي الروسي، إن أقرب الاتفاقيات المتوقعة في المستقبل القريب ستكون مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم روسيا وعددًا من دول آسيا الوسطى، ثم مع الاتحاد الأوروبي.

وأشار إلى أن المباحثات وصلت إلى جولاتها الأخيرة، وتشمل الاتفاقات التعريفات الجمركية البينية وضمانات الاستثمار، وذلك ضمن إستراتيجية آسيوية تسعى لتنويع وتعزيز الأسواق خارج الولايات المتحدة الأميركية.

إعلان المنتدى التجاري.. أهم المداولات

وبخصوص المنتدى التجاري الروسي الإندونيسي الذي عقد في جاكرتا اليوم الاثنين، قال الوزير هارتارتو -الذي يشرف على تنسيق عدد من الوزارات الاقتصادية- إنه يُنظم لأول مرة منذ عام 2018، ويرجى أن يُحقق تواصلًا واتفاقيات تجارية بين الشركات الروسية والإندونيسية.

ووصف التعاون الاقتصادي بين روسيا وإندونيسيا بالخيار الإستراتيجي في ظل حالة من عدم اليقين تسود الاقتصاد العالمي، معتبرًا أن هذا ما يجعل اتفاقية تحرير التجارة مع دول الاتحاد الأوراسي ذات أهمية خاصة.

التعاون الاقتصادي بين روسيا وإندونيسيا  خيار إستراتيجي في ظل حالة من عدم اليقين تسود الاقتصاد العالمي بحسب خبراء (رويترز) التحديات البنكية واللوجيستية

وأشار الوزير الإندونيسي إلى أن العلاقات مع روسيا ودول جوارها ظلت تواجه تحديات في النظام المصرفي والتحويلات والتعاملات المالية، ولهذا فإن بلاده تدفع نحو تعزيز التواصل بين مواطني البلدين، وتطوير خطوط طيران مباشر بين موسكو وبالي وكذلك جاكرتا، مما يتم التباحث بشأنه مع المسؤولين الروس خلال زيارتهم الحالية، بالإضافة إلى مدن روسية وإندونيسية أخرى.

ويهدف هذا التوجه إلى تعزيز التبادل التجاري بين أعضاء الغرف التجارية في البلدين، بما يشمل قطاعات النفط والغاز، والأمن السيبراني، ومحطات توليد الطاقة، والسياحة، والقطاع الصحي والتعليمي، ومن ضمنها ابتعاث طلبة إندونيسيين إلى روسيا، وكذلك الاستثمار الروسي في مشاريع إندونيسية إستراتيجية مثل الطاقة والألمنيوم.

القطاعات ذات الأولوية

وشهدت جاكرتا اليوم الاثنين انعقاد المنتدى التجاري الإندونيسي الروسي بمشاركة عشرات من المسؤولين ورجال الأعمال الروس والإندونيسيين.

ويأتي هذا الحدث في ظل توجه إندونيسي لتوسيع وتنويع الأسواق العالمية، خاصة في ظل الضغوط الناتجة عن التعريفات الجمركية الأميركية على المصنعين والمصدرين الإندونيسيين، وتوجه روسي موازٍ لتعزيز أسواق منتجاتها في جنوب شرق آسيا.

إعلان

وقال أليكسي غروزديف نائب وزير التجارة والصناعة الروسي إن حجم التبادل التجاري بين روسيا وإندونيسيا بلغ العام الماضي نحو 4 مليارات دولار، وشهد نموًا مستمرا خلال السنوات الثلاث الماضية بنسبة 12%.

وأشار إلى أنه رغم ظروف الحصار والضغوط المفروضة على روسيا، فإن هناك فرصًا واعدة لتنامي العلاقات التجارية بين البلدين.

وشدد غروزديف على أهمية استقلالية السياسات الاقتصادية لكلا الجانبين التي تدعم هذا الاتجاه، مؤكدًا أن روسيا تُعد شريكًا تنافسيا لإندونيسيا.

وأشار مشاركون في المنتدى إلى الأهمية الإستراتيجية للسلع المتبادلة مثل الفحم والمنتجات النفطية والأسمدة والمنتجات الزراعية وزيت النخيل والمكائن.

وأعربت شركة برتامينا النفطية عن تطلعها لإقامة شراكات مع شركات روسية في مجال تطوير المصافي في إندونيسيا.

وناقش المشاركون مساهمة روسيا المحتملة في مجالات مثل الصيدلة، والصناعات التحويلية والنفطية، والزراعة، والتقنيات الزراعية، والمكائن، والأسمدة، والطاقة النووية التي تسعى إندونيسيا لتطويرها في العقد المقبل.

انضمام إندونيسيا إلى مجموعة البريكس وبنك التنمية الجديد التابع لها يفتح آفاقا واسعة للتعاون بين جاكرتا وموسكو (الفرنسية)

 

السياحة والصناعات الإبداعية

وقال مسؤول لجنة روسيا-بيلاروسيا بغرفة التجارة والصناعة الإندونيسية ديديت راتام إن انضمام إندونيسيا إلى مجموعة البريكس وبنك التنمية الجديد التابع لها يفتح آفاقًا واسعة للتعاون بين جاكرتا وموسكو.

وتوقع قرب توقيع اتفاقية تجارة حرة بين إندونيسيا ودول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

وأكد أن من أبرز تحديات التعاون الاقتصادي بين البلدين هو العوائق المرتبطة بالتحويلات المصرفية والتعاملات المالية، وهي تحديات أشار إليها كذلك دينيس مانتوروف النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، متحدثًا عن ضرورة تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة البينية، والسعي لحلول من خلال الاستثمارات والعملات الرقمية وغيرها.

إعلان

أما التحدي الآخر، فيكمن في البُعد الجغرافي بين البلدين، وهو ما تم التطرق إليه خلال المنتدى، حيث أشار المشاركون إلى أن اللقاءات الحالية تمثل بداية مسار طويل نحو علاقات تجارية أقوى بين بلدين يتجاوز عدد سكانهما 430 مليون نسمة.

وأوضح جيرمان ماسلوف نائب رئيس شركة "فيسكو" للنقل والخدمات اللوجيستية الروسية، أن منطقة جنوب شرق آسيا تُعد الأهم بالنسبة للتبادل التجاري مع روسيا خلال المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى وجود سفن شحن روسية في 18 ميناء في شرق وجنوب شرق آسيا، وأن عملية شحن البضائع بين روسيا وإندونيسيا تستغرق نحو 21 يومًا.

من جانبهم، عبّر مسؤولون في شركات صناعية إندونيسية، مثل "بيو فارما" المتخصصة في الأدوية والتطعيمات، عن اهتمامهم بالتعاون مع المصنعين الروس، سواء في قطاع الأدوية أو الصناعات الغذائية.

ويمكل البلدان إمكانات وفرصًا يمكن ترجمتها إلى منافع اقتصادية واجتماعية وصناعية كبيرة، إذ تُصدر إندونيسيا زيت النخيل والفحم ومواد غذائية أخرى، بالمقابل تُصدر روسيا الحبوب والمنتجات النفطية وسلعًا إستراتيجية أخرى.

كما أن هناك اهتماما من الشركات المتخصصة في الشحن والخدمات اللوجيستية بتسهيل حركة البضائع رغم المسافات البعيدة.

ولا يقتصر التعاون في القطاع السياحي على جذب السياح الروس إلى الجزر الإندونيسية -كما حدث خلال السنوات القليلة الماضية- فقط، بل يشمل أيضًا الترويج للسياحة الإندونيسية في روسيا، خاصة في المناطق ذات الغالبية المسلمة مثل قازان وداغستان والشيشان، لتكون هذه المناطق محطات للإندونيسيين نحو آسيا الوسطى.

أما المجال الإبداعي، فقد كان حاضرًا في النقاشات بين الشركات، لا سيما في مجالات الرسوم المتحركة والألعاب الإلكترونية، حيث يُعد كلا البلدين من الأسواق المنتجة والناشطة في هذا القطاع، ويضمان عشرات الملايين من الشباب الشغوفين بهذه المنتجات.

إعلان

وفي خطوة لتمكين المنتجات الروسية من دخول السوق الإندونيسي، افتتح مركز التصدير الروسي مكتبًا تمثيليا له في جاكرتا مؤخرًا لدراسة السوق المحلي والانطلاق في حملات ترويجية.

وقد شاركت أكثر من 150 شركة روسية خلال الأسابيع الماضية في ندوات وجلسات متخصصة لتعزيز هذا التوجه.

مقالات مشابهة

  • روسيا تطلب من أميركا السماح بشراء طائرات بوينغ بأصولها المجمدة
  • انخفاض إنتاج النفط الأفريقي.. السياسات الأميركية تفرض تحديات جديدة
  • ألف جندي فقط..أمريكا تتجه لتقليص وجودها العسكري في سوريا
  • عاجل:- الجيش الأميركي يخطط لخفض قواته في سوريا إلى النصف
  • فريق من وزارة الدفاع يتفقد جبهات القتال في الساحل الغربي ويشيد بجاهزية القوات
  • رويترز: الجيش الأميركي يستعد لخفض قواته في سوريا
  • منطقة «الساحل الغربي» تؤكد ضمان رفع مستوى الجاهزية والانضباط
  • التسلح ومحاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي.. محاور نقاش بمنتدى أنطاليا
  • اختتام فعاليات التمرين العسكري المشترك «إينوخوس» 2025
  • إندونيسيا تعتزم طرح مقترح اتفاق تجاري مع أميركا وعينها على روسيا