يمكن للبشر الشعور بخمسة أذواق مختلفة: الحامض والحلو والمر والمالح والأومامي، وهذا باستخدام أجهزة استشعار متخصصة على ألسنتنا تسمى مستقبِلات التذوق. وإلى جانب مساهمتها في شعورنا بالاستمتاع بالأطعمة اللذيذة، فإنّ حاسة التذوق تسمح لنا بتحديد التركيب الكيميائي للطعام والمواد السامة مما يمنعنا من استهلاكها.
وبهذا الصدد شرع باحثون في كلية الطب بجامعة كارولاينا الشمالية في معالجة سؤال أساسي هو: "كيف نستقبل الطعم المر بالتحديد؟". ووفقاً لدراسة حديثة نشرت في مجلة نيتشر الشهر الماضي، فقد تمكن باحثون من التوصل إلى إجابة تفصيلية عن هذا السؤال، وذلك من خلال توصلهم لفهم عميق لبنية البروتين التفصيلية لمستقبِلات الطعم المر، وهذا بالإضافة إلى تحديد مكان ارتباط المواد ذات المذاق المر بهذه المستقبلات وكيفية تنشيطها.
وأشار يوجونغ كيم البروفيسور في علم الأدوية وأحد الباحثين المشاركين في هذه الدراسة، إلى أنّ العلماء في الحقيقة لا يعرفون سوى القليل جدا عن التكوين الهيكلي لمستقبلات التذوق الحلو والمر والأومامي، وأضاف أنه "باستخدام مزيج من الطرق الكيميائية الحيوية والحسابية، نعرف الآن بنية مستقبِل الطعم المر TAS2R14 والآليات التي تهيئ الإحساس بالطعم المر في ألسنتنا".
إشارات كهربائية من خلايا المستقبِل إلى الدماغ
ويُعد بروتين TAS2R14 أحد أنواع مستقبلات الطعم المر المقترنة بالبروتين ج (GPCR) والتي تلعب دوراً محورياً في استقبال الإشارات والمحفزات خارج الخلية ونقلها إلى داخلها، ويتميز بروتين TAS2R14 عن باقي المستقبلات بنفس الفئة بقدرته على تمييز ما يزيد عن 100 مادة مرتبطة بتذوق الطعم المر، وقد وجد الباحثون أنّه عندما تتلامس المواد الكيميائية المسؤولة عن الإحساس بالطعم المر مع مستقبِل TAS2R14 فإنهّا تستقر في بقعة معينة على المستقبِل تسمى الموقع التفارغي، مما يؤدي إلى تغيير شكل المستقبل وتنشيط البروتين ج المقترن به.
ويدفع هذا التغيير لحصول سلسلة من التفاعلات الكيميائية الحيوية داخل خلايا مستقبِلات التذوق تعمل على تنشيط المستقبِل وإرسال إشارات إلى الألياف العصبية الصغيرة والتي تنتقل بدورها عبر الأعصاب القحفية في الوجه لتصل إلى منطقة القشرة الذوقية في الدماغ، حيث يعالجها الدماغ ويترجمها إلى طعم المرارة الذي نشعر به، وبالطبع تتمّ عملية نقل الإشارات المعقدة هذه بسرعة فائقة.
ومن الجدير بالذكر أن الباحثين استعانوا بتقنية تصوير عالية الدقة تسمى الفحص المجهري الإلكتروني بالتبريد (cryo-EM) للكشف عن التفاصيل الهيكلية لمستقبلات TAS2R14 وذلك بدقة شبه ذرية.
وكشفت الصور المجهرية عن ميزات هيكلية فريدة لمستقبل TAS2R14 النشط، بما في ذلك جيبان يمكن للجزيئات الارتباط بها لتنشيط المستقبل، وقد فوجئ الباحثون عندما وجدوا أن الجيب الرئيسي على سطح الخلية المسمى موقع أورثو ستريك، كان يشغله جزيء كولسترول، في حين كان الجيب الثاني هو الموقع التفارغي المذكور سلفاً.
وعلى الرغم من ملاحظة الباحثين أنّ ارتباط الكولسترول وحده بموقع الأورثو ستريك هذا لا يمكّنه من تنشيط المستقبِل بشكل كامل، إلا أنّهم أشاروا إلى إمكانية مساهمته في تهيئة المستقبل للوصول لحالة شبه نشطة تتيح له استعداداً أكبر للارتباط بالمواد المسؤولة عن الطعم المر في الموقع التفارغي والمسؤولة عن سلسلة الإشارات العصبية المتجهة للدماغ للإحساس بالطعم المر.
كيف يمكن لهذا أن يساعد في تطوير الأدوية؟من المتوقع أن يشكّل هذا الهيكل المكتشف حديثاً أساساً لتطوير وتصميم أدوية يمكنها التحكم بالبروتين ج مباشرة من خلال المواقع التفارغية، حيث قد يتمكن العلماء من القدرة على التأثير في أنواع فرعية محددة من البروتين ج، مثل بروتين ج ألفا أو بروتين ج بيتا، بدلاً من مسارات بروتين ج الأخرى المسببة لظهور آثار جانبية غير مرغوبة.
قد يساهم الفهم العميق لبنية مستقبلات الطعم المر في تصميم وتطوير أدوية جديدة تعتمد بشكل أساسي على التحكم بمواقع تنشيط هذه المستقبلات (شترستوك)على صعيد آخر، اقترحت دراسات سابقة أن الأحماض الصفراوية يمكن أن ترتبط وتنشّط مستقبلات الطعم المر، ولكن لم يكن يعرف حينها سوى القليل عن كيفية ومكان ارتباطها في المستقبلات. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأحماض الصفراوية التي يتم إنشاؤها في الكبد تمتلك هياكل كيميائية مماثلة للكولسترول.
وبالاعتماد على ما توصل إليه الباحثون حديثاً، اقترحوا أنّ مكان ارتباط الأحماض الصفراوية من المحتمل أن يكون بنفس جيب الأورثو ستريك مثل الكولسترول. وعلى الرغم من أن الدور الدقيق للحمض الصفراوي أو الكولسترول في مستقبلات TAS2R14 لا يزال غير معروف، فإنّه قد يلعب دوراً في عملية الأيض في الجسم، نظراً لأن الكولسترول والأحماض الصفراوية تساعد في التحكم في عملية التمثيل الغذائي في الجسم خصوصاً مع اكتشاف الباحثين وجود جينات لهذه المستقبلات في مناطق خارج الفم.
ولوحظ وجود مستقبِلات الطعم المر في الأمعاء والرئتين والقلب والدماغ والغدة الدرقية والبنكرياس، ويُعتقد أن مستقبلات الذوق في الأنسجة غير الفموية تعمل كمستشعرات للكولسترول والأحماض الصفراوية ومواد أيضية يمكنها إرسال إشارات لتنشيط عمليات أخرى في الجسم.
في الحقيقة، ربما تقود هذه الاكتشافات لأسئلة أكثر من تقديمها لإجابات واضحة، حيث لا تزال وظائف وأنشطة مستقبلات الطعم المر خارج الفم غير مفهومة بشكل جيد، لكنها تفتح باباً جديداً للاستفادة منها في بحوث مستقبلية ترتبط بإمكانية تقديم علاجات مرتبطة بالأمراض الأيضية والمزمنة مثل السمنة والسكري والربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن وغيرها.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
رئيس بدوام جزئي.. وجامعة بدوام الأزمة!
#سواليف
رئيس بدوام جزئي.. و #جامعة بدوام #الأزمة!
بقلم: أ.د. #عزام_عنانزة
في مشهد عبثي لم تعهده الجامعات العريقة، وجدت #جامعة_رسمية نفسها أمام معضلة إدارية غير مسبوقة: رئيس جامعة بدوام جزئي في وقت تحتاج فيه إلى إدارة بدوام مضاعف، إن لم يكن على مدار الساعة! كيف لا، والجامعة ترزح تحت #أزمات متفاقمة، مالية وإدارية وأكاديمية وقانونية، تستدعي حضورًا دائمًا وإدارة يقظة تكرّس كل دقيقة من وقتها لحل المشاكل بدلًا من تبرير الغياب؟
مقالات ذات صلة بدء تقديم طلبات البكالوريوس للناجحين في تكميلية التوجيهي الثلاثاء 2025/01/31لكن بدلاً من مواجهة هذه الأزمات بجدية ومسؤولية، ابتكرت الإدارة الحالية نهجًا جديدًا في “القيادة عن بُعد”! فالرئيس الموقر، وفق الرواية الرسمية، “يداوم” يومي الأحد والخميس في مكتب الارتباط في عمّان، وكأن الجامعة مجرد فرع جانبي في مسيرته المهنية، بينما الحقيقة الصادمة أن هذا المكتب لم يحظَ بشرف استقباله إلا نادرًا.
أما الحرم الجامعي، حيث الطلبة والأساتذة والتحديات المتراكمة، فلا يستحق أكثر من زيارات خاطفة، أشبه بجولات سياحية، يترك بعدها الملفات تتراكم والمشاكل تتفاقم، وكأن الأزمات تحل نفسها بنفسها! هل إدارة جامعة بحجم جامعة رسمية تُدار من مكاتب العاصمة، بينما المشاكل تتراكم في إربد؟ هل يمكن لأي مؤسسة أن تزدهر ورئيسها يعتبر وجوده في الميدان ترفًا لا حاجة له؟
والأكثر إثارة للدهشة، أن الجامعة وفّرت لهذا الرئيس سكنًا وظيفيًا فاخرًا كلف مئات الآلاف من الدنانير، لكنه بقي خاليًا بلا أي استخدام، وكأن الوجود في إربد بات عقوبة غير محتملة! ترى، هل أصبحت عمّان “عاصمة القرار” التي لا يجوز مفارقتها، بينما تُترك جامعة رسمية لمصيرها المجهول؟ من يعتقد أن إربد لا تليق به، وأن الولائم والاجتماعات في العاصمة ستحل مشاكل الجامعة، فهو واهمٌ تمامًا!
أزمة جامعة رسمية لا تحتمل التأجيل ولا المعالجات السطحية، فهي بحاجة إلى رئيس يضع الجامعة في مقدمة أولوياته، يتواجد بين أسوارها، يشرف بنفسه على تفاصيل إدارتها، ويعمل بلا كلل من أجل إنقاذها من الأوضاع المتردية التي تعاني منها. لا مجال لإدارة الجامعة بأسلوب “الوصاية عن بُعد”، ولا يمكن أن تُترك مؤسسة وطنية بهذا الحجم رهينة لرئيس لا يرى فيها سوى محطة عابرة في مسيرته.
أما من يظن أن الدولة الأردنية ستقف متفرجة على هذا التهاون، فهو مخطئ. الأردن دولة مؤسسات، والعقلاء فيها كُثر، ولن يسمحوا بالتضحية بصرح أكاديمي بحجم جامعة رسمية من أجل شخص تقديره الأكاديمي لم يتجاوز “مقبول”! فمن لا يؤمن بأهمية الحضور اليومي، ومن لا يدرك أن الأزمات لا تُحل عبر الاجتماعات في الفنادق والمآدب الرسمية، فهو ليس مؤهلًا لقيادة جامعة بهذا الحجم والتاريخ.
إنها صرخة حق من أجل جامعة كانت يومًا نموذجًا أكاديميًا يُحتذى به، قبل أن تتحول إلى ضحية لسياسات ارتجالية ورئيس بدوام جزئي، بينما تحتاج إلى إدارة تعمل ليل نهار لاستعادة مكانتها. فهل آن الأوان لأن يكون لـجامعة رسمية رئيس يعمل من أجلها، بدلًا من رئيس يعمل من أجل نفسه؟