الحردلو صائد الجمال (11) ديل الفي وريدن شولقن مرصوص..!!
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
يرى المترجم الأديب والأديب المترجم "عادل بابكر" أن شعر المجذوب يعير صوتاً للناقد والشاعر حمزة الملك طمبل (1897-1951) ودعوته لأدب سوداني جديد يكون أكثر تصويراً للثقافة المحلية..!
ودعوة طمبل هذه تمثل أهمية محورية في تطور الأدب السوداني..فقد أحدثت مفارقة لافتة في مفارقة المنحى التقليدي (المسكون والمهووس) بالنمط العربي القديم.
وهذا ما يمنح ميزة لافتة في هذا السياق لطمبل..وكذلك للشاعر الناقد صاحب (أعراس ومآتم) الأمين على مدني (1900-1926) في إرساء الإطار النظري لتيار أدبي جديد..وهنا يمكن بيسر تصنيف المجذوب بين الرواد الذين مهّدوا مجرى هذا التيار..!
لقد شكّل ثراء مخزون الشعر البدوي مصدر إلهام للشاعر محمد المهدي المجذوب، فالشعر البدوي بطبيعته الخاصة يمثل انعكاساً صادقاً للثقافة المحلية بصورة أقوى من أي فن آخر..من خلال الاستخدام المكثّف للمصطلحات والمرجعيات الشعبية، وبتصويره (البانورامي) للبيئة الطبيعية في السودان، واستخدامه للغة دراجة كوسيط للتعبير.
**
ونعود لشعر الحردلو العاطفي الرومانتيكي لنعرض ملامح أخرى من خلال استخدامه وتصويره للظباء وللنساء (بالتبادل) كرمز ومعيار لرؤيته الجمالية..!
ففي غمرة افتتانه بالنساء نجد صورة ومثال الظبية يغزو قلبه ولبّه..ونراه يهيئ استقبالاً فخيماً لفتاة تدعى (جزيره) تقيم في قريته الأثيرة (ريره):
بلاش لي غنانا ما ذكّرنا بيها جزيره
نار بيها البلد واتشرّفتبها ريره
ليّن فخدها المتل المخدّه سديره
فيها شويرة الولدتلو أمو محيره
تفسيرهذا التبادل بين استحسان النساء والظباء يبدو هكذا:
My verse is tasteless,
without a good mention of Gezira
Reira is thrilled to host such a beauty
Soft thighs and a cushioned breast,
And necklace like white streak on a young oryx
**
وفي مربوع آخر يربط الحردلو بين محظيته (التايه) وبين الظبية:
من ديفةَ الـ بغادرن درّت الكرّامي
اللحم انسلب رابن عليّا عُضامي
التايه أم شليخ حسرورها قلّ منامي
فيها مكمّلات خَلق الجدي البعّامي
ولقطة أخرى (snapshot) تقرن الظبي بفتاة مرتدية حليها..وهو بعد تشبيه الفتاة بالظبية يعود هنا ويشبّه الظبية بالفتاة:
خلّاهن علي حجر الصفيّه حُبوس
ولقى في الدهسريب قُمبار وعرق فقوس
في المخلوقه شن تشبه معيز أم روس (المخلوقة هي الدنيا بكل مخلوقاتها)
غير الـ في وريدن شولقن مرصوص
Are these fascinating oryxes any less in charm,
than necks with gold pendants studded
ومثال آخر:
درعاتاً علي عليو النعام مرّاقه
درجت عقلي في نجيم عقلتا ام براقه
تف ام ايد نفج حَرِبتو مي زرّاقه
حاده..بلا نفخ كوراً كتير وطراقه
سهامها وحرابها حادة لا تحتاج إلى نفخ كور وتطريق وتسنين:
Her spear, naturally sharp, needs no further grinding
وفي مربوع آخر يعطي الحردلو تمثيلات وتشبيهات أخرى لافتة بين محظية معتدة ومزهوّة بنفسها لا تستجيب بالقدر الكافي..وناقة شحيحة في در اللبن:
حمدية السرور ما ركّبوك فوق عَر
ما بتمجّدك تقطع قراك بالمَر
إن جادت عليك تديك مويخراً دَر
وعُقبان تربِعك لامن تضوق الشر
**
يواصل الشعر البدوي في سيرورة ملحوظة بناء خصائصه الثقافية وفلسفته الجمالية في السودان علاوة على مقدرته على توليد المعاني منذ تلك الأيام الخوالي للحردلو ورفاقه..!
**
تمجيد الطبيعة أمر بيّن الدلالة في غالب إشعار الحردلو؛ وهو يعلن عن بالغ احتفائه واحتفاله بمقدم مواسم الأمطار التي تمتزج عنده عندما يكون بعيداً عن البطانة بالحنين والنوستالجيا..!
ذلك عندما تأتيه الأخبار الأكيدة عن (رشّة البطانة) وكيف أنها أصبحت ”ممطورة طوال الليل" وكيف ابتهج إنسانها بل حيواناتها وموجوداتها وحتى حشراتها وهوامها..كما رأينا عن هيجان فحول الصراصير..!
هاج فحل أم صريصر والمنايح بشّت..
وبت أم ساق على حَدب الفريق اتعشّت..!
**
هنا تتبرّج الطبيعة في لوحة نادرة على امتداد التاريخ الإبداعي للشعر الإنساني..والشعر منذ أن كان الشعر..!! إنها صورة حيّة وكاميرا عالية الحساسية مما لا تحلم به (كاميرات الديجتال)..!
تلامعت البروق في مجالي السماء العليا ودمدم الرعد ينقر على "الضمير" وليس الأثير..!! وهو ضرب وقرع متوالٍ وإرزام (كو كو)..وجاء سرب القطا يدور بين فضاءات مشارع المياه...أما بيوت وعرائش ومساكن البطانة المتناثرة في سهلها فقد بدت وكأنها قد تماسكت مع بعضها في الفضاء عبر أشعة الضوء التي تنطلق منها..! وهو المنظر الذي تتم ملاحظته عندما تتشبّع الأجواء بالرطوبة والرذاذ..وينتج عن ذلك تجميع أعمدة الأضواء من كل مكان في بؤرة واحدة مشعّة أعلى فضاء البيئة المحيطة..!
البارح بشوف شَلعن بروق النو
وحِس رعادا ينقر في الضمير كو كو
داك كير القطا دوّر مشارع الهَو
وفرقان البطانة اتماسكن بالضو..!
ينقل عادل هذه الصورة في تجلياتها العليا:
Last night flashes of lightning set the sky ablaze
Rumbling thunder played havoc with my homesick heart
A folk of grouse was cruising around the "Hau" water ponds
Lights threaded the Butana dwellings into a long embrace
**
أحد أبلغ مشاهد التوسّع في تصوير جمال الطبيعة نجده في مسدار الحردلو الشهير (مسدار الصيد)..تلك الرحلة الخيالية عبر أحراش البطانة وسهولها وتلالها في رفقة الظباء..(مخلوقاته الأثيرة)..!
وبما أن هذا المسدار قد أنشأه الحردلو في سنواته الأخيرة وهو في المنفى بعيداً عن البطانة..فإنه ينحو فيه إلى استدعاء الذكريات واستبطان المشاعر والتعبير عن الحنين الجيّاش لملاعب صباه....! إنه يصوّر فيه مشاهد حيّة للبادية تغذيها ذاكرته القوية الفوتوغرافية..! تلك الصور التي نسجها في أربعين مربوعاً شعرياً، كل واحدٍ منها يمثّل مشهداً مستقلاً...!
إنه بمثابة رصد شامل أو (فيلم تسجيلي) لمسيرة الظباء عبر العام..وهي تتلمّس المراعي ومواقع المياه ومساقط الغيث..إنها رحلة عبر المواسم..! المواسم بكل ما فيها وبها من “"وبَر ومدَر" ونبات وحيوان (flora and fauna)...وما بأودية وسهول البطانة من تلال وهضاب وتضاريس وأمكنة..
(فيلم تسجيلي) يتم فيه التقاط صور وخيالات الكائنات الحيّة في مسرح الطبيعة المفتوح بواسطة كاميرات عالية الحساسية مخبأة عبر الأحراش..!
هنا تتوفّر لهذه (القصيدة الملحمية الكبرى) كل عوامل التسجيل القوي الراصد؛ الشغف والتجسيد والإيقاع واستخدام التكنيك السينمائي مثل فتح زاوية الالتقاط والـ (close-up shot) والمقدرة الفائقة على التجميع الدقيق للقطات المُختارة ثم نسجها ببراعة في سرديات آسرة..!
ولكنها أيضاً رحلة (استرجاعية) للماضي المركوز في وجدان الشاعر وروحه التوّاقة للجمال..المفعمة بالحنين..!
هذه الصوَر والمشاهد والذكريات تم نسجها بمهارة معاً..في قصة حب وشغف باذخة للطبيعة والجمال البرّي ببراءته الساطعة..!
**
إنه يبدأ مسداره بمشهد آسر استهلالاً واستعداداً لاستقبال فخيم للموسم المطير..الضيف الذي طال انتظاره..!
الشم خوّخت برَدن ليالي الحِرّه
والبراق برق من "مِنّه" جاب القِرّه
شوف عيني الصقيربجناحو كَفت الفِرّه
تلقاها ام خدود الليله مرقت برّه
الحردلو خطير..!!
فبما أن الشمس (مخوّخة) باهتة الإشعاع منكسرة بالغيم وأهداب السحاب..فلا بد من ترخيم اسمها وتقليم طرف مفردتها وحذف "حرف السين"..! ليس الشمس أو الشمش..بل (الشم)..هذا يكفي..! هذه هي لغة الحردلو الشعرية وشجاعته في التصرّف في اللغة...!
The sun called off its blaze
Nights traded their simoom for cold breeze
Lightning filled the sky, sending chills down
Wings of a darting falcon snapped a tiny bird,
and out of her hiding...
came the one with charming cheeks
**
تلقاها ام خدود الليله مرقت برّه..!
بهذه المقدمة وهذا المشهد الاستهلالي يدعو الحردلو مستمعيه إلى (جنته الضائعة)..!!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com
//////////////////////////
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
سيلينا غوميز بين الشهرة والصحة النفسية: رحلة تحديات ونجاحات
متابعة بتجــرد: على مدار سنوات طويلة، عاشت النجمة العالمية سيلينا غوميز تقلبات حادة بين المرض، العزلة، والعلاقات العاطفية المعقدة. فمنذ تشخيصها بمرض الذئبة عام 2015، ثم الاضطراب ثنائي القطب لاحقاً، أصبحت قصتها مصدر إلهام للعديد من الفتيات اللواتي وجدن في معاناتها مرآة لتجاربهن. في أحد لقاءاتها، صرّحت سيلينا:
“عانيت لسنوات من الأفكار التي تدور في رأسي، وشعرت بالضياع واليأس، حتى تم تشخيصي بثنائي القطب، فحصلت على الإجابات التي كنت أبحث عنها.”
نشأت سيلينا وهي تكافح من أجل إرضاء الآخرين، خاصة جمهورها الذي اعتبرها قدوة منذ طفولتها في ديزني. وسط هذه الضغوط، اختارت الابتعاد عن الأضواء لفترة، مركزةً على التعافي من القلق والاكتئاب، حتى انفصالها عن جاستن بيبر الذي زاد من معاناتها العاطفية. ومع ذلك، تمكنت من العودة بقوة عام 2021 عبر إطلاق منصة WonderMind للصحة النفسية، التي تهدف إلى توفير الموارد والدعم للأشخاص الذين يعانون من تحديات نفسية.
لكن المنصة لم تكن بمنأى عن الجدل، حيث رأى البعض أنها تستغل شهرة سيلينا لتحقيق النجاح التجاري. إلا أن مراجعات كبرى الصحف العالمية، مثل The New York Times وForbes، أكدت أن المشروع يقدم دعماً حقيقياً لمجتمع الصحة النفسية.
الجمال الحقيقي أم الترويج التجاري؟لم تكتفِ سيلينا بمبادرة WonderMind، بل أطلقت علامة Rare Beauty، التي تروّج لمفهوم “الجمال الحقيقي” وتعزيز الثقة بالنفس. وعلى الرغم من أن العلامة تدعو إلى التنوع والشمولية، إلا أن هناك من يرى تناقضاً بين هذه الرسالة ومعايير الجمال التي تروج لها صناعة التجميل عموماً. فهل يمكن لماركة مكياج أن تكون أداة لتحرير الجمال، أم أنها تبقى جزءاً من منظومة تجارية ضخمة؟
تناقضات على السوشيال ميديارغم دعمها العلني للصحة النفسية، وجدت سيلينا نفسها وسط جدل متكرر على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما في خلافاتها مع هايلي بيبر وكايلي جينر. يرى البعض أن تصرفاتها تتناقض مع رسائلها عن الإيجابية، بينما يعتبرها آخرون إنسانة طبيعية تعكس التحديات اليومية التي نواجهها جميعاً.
“My Mind & Me” – الحقيقة المجردةفي عام 2022، أطلقت سيلينا وثائقي “Selena Gomez: My Mind & Me”، الذي قدّم نظرة صريحة على معركتها مع الصحة النفسية. من خلال مشاهد حصرية ومقابلات مؤثرة، كشف الفيلم عن ضغوط الشهرة وتأثيرها العميق على حياتها الشخصية، كما سلط الضوء على أهمية كسر الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية.
لاقى الوثائقي إشادة واسعة، حيث اعتبره الجمهور رسالة صادقة عن تقبل الذات والتغلب على التحديات النفسية. وأكدت سيلينا من خلاله أنها ليست مجرد نجمة عالمية، بل إنسانة تواجه معركة شخصية، وتسعى لنقل تجربتها للآخرين ليجدوا فيها الإلهام والدعم.
الحقيقة أم التسويق؟يبقى السؤال مطروحاً: هل سيلينا غوميز حقاً سفيرة للصحة النفسية، أم أن هذه المبادرات مجرد امتداد لعلامتها الشخصية؟ وهل يمكن الفصل بين النية الحقيقية لدعم الصحة النفسية والاستفادة من الشهرة والترويج التجاري؟
main 2025-03-19Bitajarod