رحلة نحو الهداية – من مارتن إلى مالك
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
#رحلة نحو #الهداية – من مارتن إلى مالك
ماجد دودين
تُعدّ الإمارات العربية المتحدة في نظر العالم واحة للتسامح والتعايش والسلام والأمن والأمان… فالإمارات من أوضح الأمثلة وأبرزها وأرقاها وأعلاها وأبهاها على مستوى العالم في التنوع الثقافي والحضاري والمعرفي والإنساني، حيث تحتضن على أرضها الطيبة المباركة أكثر من (200) جنسية يتكلمون أكثر من (100) لغة ممن يقيمون ويعيشون ويعملون من مختلف الثقافات والأديان والعرقيات، في تناغم وتعايش وانسجام فريد يضمن للجميع مجالا واسعا لحوار الثقافات والحضارات وتكاملها… مصداقاً لقول الحق جعل وعلا وتقدس في تتويج وحي السماء إلى الأرض في القرآن الكريم:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 13) سورة الحجرات الآية 13
مقالات ذات صلة في امكانية ما تترشحوا يا سادة يا كرام ؟؟ 2024/05/21إليكم قصّة واقعية عشتها بنفسي – وليس الخبرُ كالعَيان- وهي شهادة أسجّلها للتاريخ والحق والحقيقة تشهد على واقع ملموس عاينته وعشته بفرح غامر يفسّر ويوضّح بجلاء سبب الإنجازات التي تحاكي المعجزات والتي حققتْها وتحققها الإمارات في كل الحقول والميادين والمجالات وعلى وجه الخصوص في المجال الحضاري والثقافي والإنساني والعلمي والتقني.
في عام 2020 احتجت إلى إجراء بعض أعمال الصيانة الضرورية في منزلي، فاتصلت بشركةٍ تقدّم هذا النوع من الخدمات، فأرسلت لي ثلاثة شبان مع معداتهم لإنجاز المهمة التي استغرقت عدة ساعات مما أتاح لي الفرصة لتجاذب أطراف الحديث مع ضيوفي وتقديم واجب حسن الضيافة لهم وإكرامهم.
خلال استراحة الغداء سألني أحدهم عدّة أسئلة عن الإسلام، وكان جليّاً أنه مهتم ويبحث عن الحق والحقيقة وكانت أسئلته تنمّ عن ذكاء وفطنة… شرحت له وبيّنت بإيجاز أنّ الإسلام دينٌ يسوّي بين الناس ومقياس الكرامة فيه يقوم على التقوى لا على أساس الأجناس… وأنه الدين الذي لا يُقر الخرافة أو الجهل ولا يقبل الخُبث أو السم في النفس أو الجسم… الدين الذي يحث على العمل والتفكير في ملكوت العلي القدير… الدين السمح الذي لا يُكْره أحداً على اعتناقه ولا يسمح بعدوانٍ ولا يُبيح الفساد في الأرض.. الدين الذي يأمر بصلة الأرحام ويجعل من العمل إيماناً ويجعل طلب العلم فريضة وعبادة وإحساناً… الدين الذي يقدّم إجابات شافية وافية حول أي قضيّة من قضايا الحياة ومناحيها وشؤونها.
كما شرحت له معنى كلمة ” إسلام” وأنّها مشتقه من الجـذر ((سِلْم)) وهي كلمة تعني السلام والاطمئنان والخضوع والاستسلام التام لإرادة الله وأمر الله تعالى … وهذا المفهوم هو المحور الذي يقوم عليه الإيمان في العقيدة الإسلامية. وأنّ الله عز وجل هو الخالق والرازق والمهيمن والحافظ لهذا الكون ولا شريك له في الخلق والتدبير فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، نشد الإنسان معرفته سبحانه بفعل الفطرة التي أودعها الله برحمته في الإنسان، وحبّ الله لمخلوقاته عظيم وهو حب يقع وراء إدراكنا المحدود، ومن خلال نور الله نستطيع أن نرى ونلمس رحمته التي وسعت كل شيء ومغفرته لكل الذنوب إلاّ أن يُشرك به.
وقلت له: هل تعلم أنك مسلمٌ في جسدك …وهذا ينطبق على كل إنسان في هذا الوجود؟
قال: وكيف؟ أجبته من معاني كلمة “إسلام” الاستسلام لله تعالى والخضوع والانقياد …وأنت ككل البشر مستسلم لله سبحانه في الشهيق والزفير وفي طريقة هضمك للطعام وفي جريان الدم في عروقك وفي نبضات قلبك وكل خليّة من خلاياك … ولكن إسلام الجسد لا يكفي ولا ينفع حيث لا خيار ولا اختيار لك في ذلك، ولكن المهم إسلام القلب والعقل والروح لله طواعية واختيارا وقراراً منك فإذا حدث ذلك تكون قد استسلمت لله جسداً وعقلاً وقلباً وروحاً …وهذا الاستسلام التام يقود إلى السلام التام والسعادة والفوز والفلاح في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة برحمة الله وفضله وكرمه وهدايته فهو سبحانه السلام والجنّة دار السلام.
ثم أهديته ” قلنسوة (طاقيّة) بيضاء وقلت له: هذه الطاقيّة يُستحب لبسها عند إقامة الصلاة …وأنا أعتقد أنّ ما تمتاز به من ذكاء وحب المعرفة والبحث عن الحقيقة سوف يقودك إلى اعتناق الإسلام أو على الأصحّ – العودة إلى الإسلام – وارتداء هذه الطاقية في صلواتك… فـ”كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه” كما أخبرنا الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلّم … فقد خَلَق اللهُ عزَّ وجلَّ الإنسانَ في أحسَنِ تَقويمٍ، على الفِطْرةِ النَّقيَّةِ الخاليةِ مِن شَوائبِ الكُفرِ، ومِن دَنَسِ المعاصي، ومِن ذَمِيمِ العاداتِ.
الفِطرةُ هي النَّقاءُ الخالِصُ، والاستِعدادُ لقَبولِ الخَيرِ والشَّرِّ، فلو تُرِكَ المَولودُ على ما فُطِرَ عليه لاستمَرَّ على طُهْرِه، ولم يَخْتَرْ غَيرَ الإسلامِ؛ فهو يُولَدُ مُتهَيِّئًا للإسلامِ، ويَأتي بعْدَ ذلك دَورُ الأبَوَيْنِ والبِيئةِ التي يَنشأُ فيها؛ فالأبَوانِ قد يُعَلِّمانِه اليَهوديَّةَ ويَجْعَلانِه يَهوديًّا، أو يُعَلِّمانِه النَّصرانيَّةَ ويَجْعَلانِه نَصرانيًّا، أو يُعَلِّمانِه المَجوسيَّةَ ويَجْعَلانِه مَجوسيًّا يَعبُدُ النَّارَ مِن دونِ اللهِ، أو لكَونِه تَبَعًا لهما في الدِّينِ يكونُ حُكْمُه حُكمَهما في الدُّنيا، فإنْ سبَقتْ له السَّعادةُ أسلَمَ، وإلَّا مات على غير الإسلام.
أعطيت “مارتن” بطاقة عليها رقم هاتفي المحمول” الجوال” إذا رغب في الاستفسار عن أي شيء… وأخذت منه رقم جواله وأضفته على تطبيق ” الواتساب”… وانتهت مهمة الصيانة للمنزل …وغادر الفريق وقد حرصت على إكرامهم بكل ما أستطيع…قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ” مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ.”
أضفت اسم ” مارتن” إلى قائمة الأصدقاء وأرسلت له بعض الفيديوهات عن الإسلام وخاصّة ترجمة معاني القرآن الكريم، وبعض خواطري وقصائدي…وكل ذلك باللغة الإنجليزية طبعاً فهو لا يعرف سوى بضع كلمات دارجة باللغة العربية.
في زحمة الدنيا ومشاغلها والمشي في مناكبها، ومع تفشّي جائحة ” كورونا” وما تبعها من إجراءات ولقاحات وكمامات وتباعد اجتماعي وتجفيف لكثير من العلاقات، والعمل من المنزل، انقطع التواصل مع صديقي “مارتن” بل غيّرت الهاتف واختفى رقمه من قائمة الاتصال والتواصل لكنني لم أنسَ الحوار الذي دار بيننا وكنت أدعو الله سبحانه أن يشرح صدره للإسلام وأنْ يجعلني سبباً في هدايته.
وكانت المفاجأة المذهلة قبل شهر رمضان من عام 2022، حين رنّ هاتفي وظهر على الشاشة رقم لا أعرفه – رقم دون اسم المتصل – هل توقّعتم من هو؟! لقد كان عامل فريق الصيانة أوغنديّ الجنسيّة “مارتن” بشحمه ولحمه… سلّم وسألني عن أحوالي ثم قال بثقة وبنبرة ممزوجة بالسرور والفرح: ” أخي “ماجد” لقد أسْلمت… لقد نطقت بالشهادتيْن … الحمد لله ” … وبدأت أتعلم اللغة العربية وأساسيات الإسلام وأركانه من خلال دورات تعقدها مراكز رسمية متخصصة في العاصمة أبوظبي عبر الانترنت.
يا لها من مفاجأة جميلة!
يا لها من أخبار سارّة!
وعاد شريط الذكريات إلى العام 2020 وما جرى في ذلك اليوم من حوار وحديث ونقاش وزيت وزيتون وزعتر والموسيقى الصاخبة المنبعثة من ماكينة تنظيف السجاد وغسله … وتذكّرت أنني تنبأت وتوقّعت أن هذا الشاب سيعتنق الإسلام… سيعود إلى فطرته التي فطرها الله عليها …فرحت فرحاً عظيماً… وأعدت إضافة رقمه مجدداً إلى قائمتي …لمواصلة الرحلة معه فلم تنته القصّة بل بدأت.
كان ذلك قبل شهر رمضان بأيام معدودة وكان لا بد من أن ألتقي بالأخ “مارتن” فدعوته على الغداء وزوّدته بسجادة الصلاة وأهديته بعض الكتيّبات عن الإسلام دين السلام والحب والخير والجمال والعدل والنور ولهذا يزداد أتباعه كل يوم. المسلمون يزيدون على مليار ونصف مسلم ومسلمة في مختلف أنحاء المعمورة.. وتؤكد الاحصائيات في أوروبا وأمريكا والعالم وتبيّن أنّ الإسلام هو الدين الأكثر والأسرع انتشاراً في كلّ قارات الدنيا. إن الإسلام دين منطقي يقوم على الفضائل الخالدة ويصلح لكل زمان ومكان لأنه يُنظّم كل مجالات الحياة… وعندما يرى ويلمس ويعيش المقيمون في دولة الإمارات من أكثر من 200 جنسية عملياً هذه المعاني وهذا التناغم والتعايش والتسامح والوسطية والمعاني الإنسانية فإن عدداً لا بأس به يختارون ويقررون بمحض إرادتهم اعتناق الإسلام ويتوجهون إلى مراكز المسلمين الجدد المنتشرة في كل الإمارات… وإلى المحاكم الشرعية فيها ويشهرون إسلامهم ويحصلون على شهادات إسلام تثبت اعتناقهم له لحاجتهم إليها في أحوالهم الشخصية كالزواج على سبيل المثال لا الحصر.
هذا ما حدث مع ” مارتن” الذي اختار اسماً جديداً له وهو “مالك” ثم توجّه إلى المحكمة الشرعية في العاصمة الجميلة الراقية الرائعة عاصمة التسامح والمحبة والوسطية والسلام أبوظبي وحصل على شهادة اعتناقه للإسلام… وبدأ يتعلّم اللغة العربية والصلاة ويكثّف من قراءته عن أركان الإسلام والإيمان …الخ. وصام شهر رمضان …وشرع يكتب قصّة رحلته إلى الإسلام.
اقترب موعد إجازته السنوية… عاد إلى وطنه قبل عيد الأضحى وتزوّج من فتاة مسلمة من قريته الوادعة الهادئة التي لم يستطع كل سكانها بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة أن يذبحوا أكثر من أربع أضاحي بعد صلاة عيد الأضحى وأيام التشريق … وأرسل لي صور حفل زفافه …كما أرسل لي صورة مسجد قريته في أوغندا … صورة المسجد أدمت قلبي فهو يشبه عريشة أو خيمة بسيطة أو ثكنة صغيرة من قضبان حديدية …وعلى وجه السرعة تواصلت مع أهل الخير في إمارات الخير مع مؤسسات الخير الخيريّة الرسمية وأرسلت لهم صورة المسجد … ولم أستغرب سرعة الاستجابة والاهتمام الكبير فأنا أقيم في الإمارات التي احتلت المركز الأول على مستوى العالم في المساعدات الإنسانية حيث اتصلت بي في نفس اليوم دار البر وطلبوا البيانات ورقم هاتف ” مارتن” واتصلوا عليه في نفس اليوم وعلى مندوبهم في أوغندا لإعداد الترتيبات الرسمية الضرورية لبناء مسجد جديد في أقرب فرصة وقد بدأت أعمال البناء والإعمار وتم إنجاز المسجد الجديد خلال فترة قياسية وهو المسجد الذي فرح به أهل القرية فرحاً عظيماً وبدأت تُعقَد فيه حلقات ودروس العلم والتجويد وتحفيظ القرآن الكريم فيه.
” من لا يشكر الناس لا يشكر الله” … أشكر جمعية “دار البر” على سرعة تلبية النداء حيث تقوم جمعية دار البر بعدد من المشاريع (الخيرية والتنموية والإنسانية) موزعة على نطاق واسع خارج دولة الإمارات وتشمل (جنوب شرق آسيا – الدول العربية – إفريقيا – شبه القارة الهندية – أواسط آسيا وأوروبا) حيث بلغ عدد الهيئات 56 هيئة في 39 دولة إضافة للتعاون مع 13 سفارة لدولة الامارات العربية المتحدة.
تقوم جمعية دار البر بتنفيذ الكثير من المشاريع الخيرية والإشراف عليها في العديد من الدول العربية والإسلامية ، وقد كان لها الأثر الكبير في نشر تعاليم الإسلام السمحة وبث روح التكافل الاجتماعي بين أفراد المسلمين على بعد المسافات بينهم، وهذه المشاريع كثيرة ومباركة كبركة الخير ومنها بناء المساجد والإشراف عليها، وحفر الآبار، وتخصيص الأوقاف الخيرية من المباني والأراضي، ومشاريع الأسر المُنتجة، وبناء دور للأيتام، وبناء المدارس والكليات لتعليم أبناء المسلمين الدين، وتأسيس مكتبات إسلامية، وتيسير أداء فريضة الحج والعمرة للمسلمين الفقراء غير المقتدرين، وذبح وتوزيع لحوم الأضاحي على فقراء المسلمين، وتنفيذ مشروع إفطار الصائم وغير ذلك من مشاريع الخير والعطاء والأيادي البيضاء.
بعد ما يقرب من سنّة رزق الله مالك وزوجته بمولودتهما الأولى ” ماجدة” وفي آخر إجازة له إلى قريته اعتنقت والدته الإسلام … وهو حريص على دعوة أخواته وإخوته وأصدقائه إلى نور الإسلام…إلى الصراط المستقيم… ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: 125]
هذه القصة نموذج بسيط من آلاف النماذج والأمثلة التي نعيشها ونلمسها ونعايشها ونقرأ عنها ونسمع بها ونراها رأي العين تتكرر كل يوم في إمارات الخير ومبادراتها الخيريّة والإنسانية التي تؤكد بأنّ حقيقةَ كوْن الناس مُختلفين في سجاياهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم وألوانهم وأعراقهم وأجناسهم، ليس سبباً للتنازع والتناحر والتدابر فيما بينهم بل على العكس يجب أن يكون الاختلاف سببا للتعارف والتآلف والتعاون المتبادل بينهم عملا بقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ * إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ركّزوا مليّا وتدبروا قوله تعالى وهو أرحم الراحمين وأعلم العالمين: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ” فالخطاب من الله إلى كل الناس في كل الكون وحتى يرث الله الأرض ومن عليها …وتأملوا قوله تعالى (( لِتَعَارَفُوا)) ولم يقل سبحانه: لِتَقاتَلوا – أو ليكره أو يظلم أو يقتل أو يسلب أو يحتلّ أو يدمّر بعضكم بعضا بل جعلنا الله سبحانه وهو أحكم الحاكمين وأكرم الأكرمين شعوباً وقبائل لنتعارف ونتآلف ونتعاون على كل خيـــــــــــر…{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ..}.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الهداية الدین الذی دار البر أکثر من
إقرأ أيضاً:
الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
#سواليف
أنا السجّان الذي عذّبك
#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️إنه #الحبيب_محمد ﷺ صاحب الخلق العظيم {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} آية 4 سورة القلم، وهو الذي بعثه ربه سبحانه ليتمم مكارم الأخلاق “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. ولأنه كذلك ﷺ فإنه أحب أن يكون المسلمون على نهجه وعلى خلقه ﷺ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} آية 21 سورة الأحزاب. لقد أحب الخير ودعا الناس إليه، وكره الشرّ ونهى الناس عنه، حتى أنه صنّف الناس إلى صنفين اثنين لمّا قال: “إن من #الناس #مفاتيح_للخير #مغاليق_للشر، وإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشرّ على يديه”.
✍️نعم، إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ، فتجد أحدهم مثل الطيب والمسك لا تسمع منه ولا ترى منه إلا كل خير، ولا يكون منه إلا ما يسرّك، هيّن ليّن سهل متسامح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. إذا حدّثك اطمئن قلبك إليه، يشعر بشعور الآخرين، يتحدث عن الأمل والتفاؤل، يتنازل عن مصلحته الشخصية من أجل الصالح العام، إذا دُعي إلى فضيلة لبّى واستجاب، وإذا دُعي إلى رذيلة كأن في أذنيه صممًا.
✍️وبالمقابل، فإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير، فتجد أحدهم مثل نافخ الكير تتأذى منه كلما اقتربت منه، فظّ غليظ، فاحش في القول، يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، إذا حدّثك عرفته في لحن القول {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} آية 30 سورة محمد. فلا تطمئن لكلامه، وعندما تشعر بالريبة في كل ما يقول لا يهمّه إلا نفسه، شعاره في الحياة “أنا وليذهب غيري إلى الجحيم”، تجده دائمًا محبطًا سوداويًا متشائمًا، إذا دُعي إلى فضيلة تجاهل وتغافل، وإذا دُعي إلى رذيلة كان سبّاقًا إليها.
✍️إن الذين هم مفاتيح الخير مغاليق الشرّ يكون أحدهم كالعافية والبلسم لجراح الناس وآلامهم، إذا تكلّم نفع ورشد، وإذا طُلب منه النصيحة أخلص فيها وصدق. سبّاق لعمل الخير بما يرضي الله تعالى، هو مفتاح خير وسفير هداية، مغلاق شرّ، صمام أمان لأهله ومجتمعه، جنّد نفسه في حزب الرحمن لنشر الخير والفضيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
✍️وأما الذين هم مفاتيح الشرّ مغاليق الخير، يكون أحدهم كالداء والعلة، هو محضر سوء حيثما كان، إذا اجتمع بجلسائه شغلهم بما يضرهم ولا ينفعهم، يشقيهم بالقيل والقال، سيء المعاملة، إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، إذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالإثم، جعل نفسه جنديًا في حزب الشيطان لنشر الفتن والفساد والرذيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للشرّ مغلاقًا للخير.
????المسامح بطل
✍️وإن من أعظم الأخلاق التي إن وُجدت في شخص، فإنها تضعه في خانة مفاتيح الخير ومغاليق الشرّ، إنه خُلق العفو عن الناس والتسامح معهم. فالعفو هو أن تصفح عمن أخطأ بحقك وأساء إليك مع قدرتك أن ترد بالمثل، ولكن ولأنك مفتاح للخير، فإنك تعفو وتصفح وهذا يرفع قدرك بين الناس ويعوضك الأجر في الآخرة ربّ الناس سبحانه. يقول النبي ﷺ: “ينادي منادٍ يوم القيامة، ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، قال: ومن الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس”.
إنه مفتاح الخير محمد ﷺ يعلمنا خلق العفو بقوله: “صل من قطعك، واعف عمّن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك”.
✍️فإذا كنت تريد أن تكون من هؤلاء الذين أجرهم على الله، فاعف واصفح عمن أساء إليك أو أخطأ بحقك أو قصّر معك، ألم يقل الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى.
سامح صديقك إن زلّت به قدم فليس يسلم إنسان من الزلل
✍️فأن تصبر على من أخطأ بحقك، وأن تعفو عمّن ظلمك، وأن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك، هذه أخلاق الرجال الأبطال مفاتيح الخير، وهي التي توصل أصحابها إلى أعلى الدرجات يوم القيامة.
✍️ إن الناس الطيبين هم مفاتيح الخير والعملة الذهبية الأصيلة وليست المزيفة، هم الذين إذا أسيء إليهم فيتوعّدون بالانتقام، ولكنهم سرعان ما تخبو ثورة غضبهم فيعودون إلى أصالتهم، فعندما تأتيهم فرصة الانتقام ممن أساء وتطاول عليهم، تصرخ في ضمائرهم وفي قلوبهم نزعة الخير تنادي {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. وأي تسامح أعظم من تسامح الخالق عز وجل عندما يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} آية 22 سورة النور.
✍️ إن مفاتيح الشرّ مغاليق الخير من الناس، هم الذين في أقوالهم وأفعالهم وحديّتهم بين الناس يشيعون أن العفو والتسامح هو سلوك الضعفاء والجبناء، ويزرعون هذا في سلوك أبنائهم ومن حولهم، ويتجاهل هؤلاء سلوك وهدي أشجع الرجال سيّدهم محمد ﷺ يوم فتح مكة وقد أصبح رجالات قريش الذين ظلموه وأساءوا إليه وشتموه وطعنوا في عرضه وسلبوا ماله وهجّروه من بيته، وكان بإمكانه أن يُعمل السيف في رؤوسهم، لكن ولأنه كان مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ فما كان منه إلا أن قال: “يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء”.
✍️ يروى أن أعرابيًا جيء به إلى السلطان يحاكمه على تهمة اتهم بها، فدخل على مجلس القضاء وهو يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} آية 19 سورة الحاقة. فقيل له: إن هذا سيقال يوم القيامة وليس في الدنيا، فقال: والله إن هذا اليوم شرّ من يوم القيامة، ففي يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي وأنتم اليوم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي.
✍️ نعم، ما أجمل وأعدل أن لا ترى في الآخرة أنه كومة من الشرّ والسلبيات، وأنه رغم ما فيه من سلبيات وسيئات، لكن لعلّ فيه حسنات وفضائل تُذكر بها. وما أجمل أن يكون هذا منطق وروح التعامل مع ابنك ومع زوجتك ومع جارك ومع الناس أجمعين، فإن كان منهم ما يسيء، فتذكر أن فيهم كثيرًا مما يفرحك. وما أجمل ما قاله في ذلك الإمام الشافعي:
سامح أخاك إذا خلط منه الإصابة والغلط
وتجاف عن تعنيفه إن زاغ يومًا أو قسط
واعلم بأنك إن طلبت مهذبًا رمت الشطط
من الذي ما ساء قطّ ومن له الحسنى فقط
✍️وما أجمل ما ورد في قصة المسيح عليه السلام مع تلاميذه يوم مرّ على كلب أسود مّيت على جانب الطريق، فقال أحدهم: ما أنتن ريحه. وقال آخر: ما أطول مخالبه. وقال ثالث: ما أشد سواد شعره. فقال لهم عيسى عليه السلام: وما أشدّ بياض أسنانه”. أي أنه بجانب ما تأذيتم به منه فإن فيه ما يُمدح.
✍️قال ابن القيم رحمه الله: “يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوبًا لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها الله لك، فإذا أردت أن يغفرها الله لك، فاغفر أنت لعباده، وإذا أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده”.
???? النبيل ليس ذليلًا
✍️ما أعظمه خلق العفو والتسامح الذي أحب الله سبحانه من يتخلّق به لأنه صفة من صفاته، فهو “العفو” جلّ جلاله، وهو “الغفور” سبحانه، وهو الذي يتخلّق به عباده. إنه أفضل دعاء في أفضل ليلة هي ليلة القدر، وقد قالت أمنا عائشة رضي الله عنها لرسول الله ﷺ: “يا رسول الله أرأيت إن أدركتني ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”. وقد ورد في صحف إبراهيم أن الله سبحانه يقول: “يا ابن آدم وعزّتي وجلالي لا بد لك من الورود إليّ والوقوف بين يدي، أعدد لك أعمالك وأحسن لك أقوالك، حتى إذا أيقنت بالبوار وظننت أنك من أصحاب النار قلت لك: لا تحزن يا عبدي فلأجلك أسميت نفسي العزيز الغفار”.
✍️ نعم، إن التسامح وإن العفو هو من سلوك وشيم أصحاب النفوس الكبيرة والعالية، بينما الحقد والانتقام هو من شيم أصحاب النفوس الدنيئة التي تتمتع بعيش الوحل والطين والأحقاد، حيث الانشغال بالأمور التافهة وتضييع الأوقات وهدر الطاقات على سفاسف الأشياء، بينما التسامح يفتح أبواب الراحة والطمأنينة وسكينة النفس، كما قال الإمام الشافعي:
لما عفوت لم أحقد على أحد أرحت نفسي من همّ العداوات
وقال أحدهم: “لا ينبل الرجل، أي لا يكون نبيلًا حتى يكون فيه خصلتان: الغنى عمّا في أيدي الناس، والتجاوز عمّا يكون منهم”.
✍️ إن أصحاب النفوس الكبيرة المشغولة بقضايا شعبها وأمتها ودينها، والمشغولة بهمّ الآخرة ودخول الجنة والنجاة من النار، لا يسمحون لأنفسهم أن يجرّهم إلى مستنقع الوحل والطين والأحقاد والعداوات أحد من الخلق، ولا يقع في فخ الأعداء ومخططاتهم باسم العائلية وغيرها من العصبيات. ولذلك فإن ديدنهم هو التسامح وعدم الوقوف عند انشغالات الصغار الذين لا يرون من الدنيا إلا أنفسهم، ولا ينظرون إلا إلى موطن أقدامهم، فهناك يبدأ التاريخ وهناك يتوقف.
✍️كان مما اشتُهر عن شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كان له خصوم حسّاد، فكان يقول: “من ضاق صدره عن مودتي وقصّرت يده في معونتي كان الله في عونه وتولى جميع شأنه، وإن كل من عاداني وبالغ في إيذائي، فلا كدّر الله له صفو أوقاته ولا أراه مكروهًا في حياته”.
✍️ وقبل شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه العظيم أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي الله عنه، فيروى أنه كان في مرض الموت فسمع رجلًا مسنًا على باب بيته يبكي كما تبكي النساء، فلمّا دخل على الإمام أحمد زاد من بكائه وقال: كنت أنا السجّان الذي عذّبك لمّا كنت في السجن في فتنة خلق القرآن، وإني أتيتك الآن راجيًا أن تسامحني وتعفو عني. فما كان من الإمام أحمد إلا أن بكى لبكائه ودعى الله أن يغفر له وإن كان مرّ على ذلك سنون طوال. فسأله ابنه كيف تستغفر له يا أبتي وهو الذي عذّبك وأهانك وآذاك؟ فقال الإمام أحمد: ماذا ينفعك يا بني أن يُعذَّب أخوك بسببك؟ ألا تعلم قول الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. ألا تعلم يا بني أنه إذا كان يوم القيامة وجثت الأمم بين يديّ رب العالمين نودوا ليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا وإني لأرجو الله أن أكون واحدًا منهم.
✍️ هل هناك عطاء أعظم من عطاء الله لأصحاب خلق العفو والتسامح لما جعل جزاءهم ليس إلا جنّة عرضها السماوات والأرض، كما قال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آية 133- 134 سورة آل عمران.
✍️فكن ممن أجره على الله، وكن من العافين عن الناس، وكن من رهط محمد ﷺ {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} آية 29 سورة الفتح. وكن مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
كن مسلمًا وكفاك بين الناس فخرًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.