نيويورك – (د ب أ)- قبل أسبوعين فقط وقفت وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا بجوار رئيس النيجر في عاصمة بلاده نيامي لتشيد بدور النيجر كشريك أساسي في الوقت الذي تعهدت فيه بتقديم مساعدات جديدة لها. واليوم أصبح الرئيس النيجري محمد بازوم محتجزا لدى قوات الحرس الرئاسي في أعقاب انقلاب عسكري ضد حكمه، لتنهار استراتيجية فرنسا الأفريقية التي تستند إلى محاولة إقناع دول منطقة الساحل الأفريقي بأن الوجود العسكري للقوة الاستعمارية السابقة يمكن أن يكون مفيدا لها.
وذكر تحقيق أعده سامي أدجريني وأنيا نوسباوم وكاترينا هوجي ونشرته وكالة بلومبرج للأنباء أن النيجر تعني الكثير بالنسبة لفرنسا، ليس فقط بحكم العلاقات الاقتصادية والثقافية الوثيقة بينهما، ولكن لأنها أصبحت قاعدة رئيسية للقوات الفرنسية التي تحارب المتطرفين الإسلاميين في
المنطقة بعد انسحاب هذه القوات من مالي قبل أيام من غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر شباط/فبراير من العام الماضي. ومع ذلك تواجه باريس احتجاجات وانتقادات محلية بسبب استمرار وجودها في مستعمراتها السابقة مع درجات نفوذ متباينة، في حين ترى النفوذ الروسي يتمدد في المنطقة التي تعتبر تقليديا جزءا من مجال نفوذها. يقول موسى مارا رئيس وزراء مالي في عهد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا حليف فرنسا الذي أطيح به في انقلاب عسكري عام 2020 إنه على الفرنسيين “الالتزام بالهدوء والصمت بأقصى قدر ممكن، فكل كلمة ينطقونها ستسخدم ضدهم… لكن للأسف لا يستطيع الفرنسيون التزام الهدوء”. وأضاف أن فرنسا أصبحت بمثابة كبش فداء يستخدمه حكام دول المنطقة لتسليط الضوء على أخطاء وتصرفات فرنسا لصرف الأنظار عن المشكلات الداخلية. كان ماكرون يراهن على النيجر لإعادة صياغة استراتيجيته في منطقة الساحل وهي منطقة قاحلة تمتد عبر عدة دول في غرب أفريقيا. كما أصبحت المنطقة مركزا لطموح الرئيس الفرنسي في إقامة جسور بين الدول المتقدمة وما يسمى بالجنوب العالمي. وبعد ساعات من انقلاب النيجر، هاجم المجلس العسكري باريس، واتهمها بالتخطيط للتدخل من أجل إعادة تنصيب الرئيس بازوم وبالعودة إلى ممارساتها في العقود الماضية بما في ذلك استخدام القوة المميتة، وهي الاتهامات التي تنفيها فرنسا. وردا على الانقلاب قررت فرنسا التي تنشر 1500 جنديا في النيجر، تعليق المساعدات التي بلغت في العام الماضي 120 مليون يورو (132 مليون دولار)، وهددت بالانتقام إذا تمت مهاجمة أي فرنسيين في النيجر. وبدأت فرنسا بالفعل أمس الأربعاء في إجلاء مواطنيها من النيجر فى ، حيث أقلعت أول طائرة تقل أكثر من 260 شخصًا من العاصمة نيامي. ويقول صديق آبا رئيس المركز الدولي للتفكير والدراسات لمنطقة الساحل إن شراكة النيجر مع فرنسا لم تحقق للنيجريين النتائج المتوقعة، رغم وجود آلاف الجنود والمنشآت العسكرية الفرنسية الكبيرة. وأشار إلى اختلاف المنهج والأهداف الفرنسية مقارنة بالولايات المتحدة . وقال “الفرنسيون على عكس الأمريكيين على سبيل المثال، جاءوا إلى هنا لاصطياد المتمردين… الولايات المتحدة تركز على الموقف في منطقة المغرب وتهريب المخدرات في الشمال وتدريب القوات الخاصة النيجرية”. وتقول ريم ممتاز الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بباريس إن هناك نمطا ظهر في المنطقة، حيث تلت الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والآن النيجر، مهاجمة سفارات فرنسا والمنشآت الفرنسية الأخرى، والمطالبة بسحب القوات الفرنسية المنتشرة في تلك البلاد بدعوة من الحكومات الشرعية، ورفع الأعلام الروسية. وفي مالي المستعمرة الفرنسية السابقة، تم التخلي عن استخدام اللغة الفرنسية كلغة رسمية في الأيام الأخيرة. وخلق الانقلاب الأخير في النيجر قطاعا من الدول المحكومة بمجالس عسكرية يمتد من المحيط الأطلسي حتى البحر الأحمر، وأغلبها تنحاز بوضوح إلى روسيا وليس للدول الغربية. وكانت النيجر صوتا نادرا في أفريقيا عندما صوتت في الأمم المتحدة لصالح إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. في الوقت نفسه ترتبط مجموعة فاجنر العسكرية الروسية بعلاقات أمنية مع مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهو ما يؤكد تزايد النفوذ الروسي في المنطقة. وبحسب مصادر مطلعة تجري مجموعة فاجنر محادثات مع الحكام العسكريين في بوركينا فاسو التي طردت أيضا القوات الفرنسية. وفي حزيران/يونيو الماضي حضر محمد بازوم قمة عقدها الرئيس الفرنسي ماكرون في باريس لإعادة التوازن في العلاقات المالية بين الدول الغنية والدول الفقيرة. ومنذ أسبوعين أشادت وزيرة خارجية فرنسا بالعلاقات مع النيجر باعتبارها “علاقات يجب أن تزداد قوة وتستمر”. وأخيرا، ينظر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى النيجر، وهي ثاني أكبر منتج لليورانيوم في أفريقيا، باعتبارها شريكا موثوقا فيه في منطقة الساحل التي تعاني من الاضطراب السياسي والاقتصادي. وفي حين نجح ماكرون في الوصول إلى شركاء جدد غير فرانكوفونيين في أفريقيا ويحث المجتمع المدني على الدفاع عن مصالحه هناك، فإن خسارته لشركائه التقليديين يمكن أن يضعف موقفه الدولي. وتقول ممتاز إن “انقلاب النيجر سيصبح في حال نجاحه عقبة مهمة أمام مشروع القوة الفرنسية في المنطقة … النيجر كانت واحة الديمقراطية في هذا الجزء من أفريقيا”.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
منطقة الساحل
فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
ماكرون يدعو بوتين ليكون "أكثر عقلانية" ويطالب الرئيس الصيني بـ"استخدام كل نفوذه" لتهدئة حليفه
حث الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، نظيره الروسي فلاديمير بوتين على أن يكون "أكثر عقلانية" بشأن أوكرانيا، متهما موسكو بأنها فأصبحت "قوة لزعزعة الاستقرار العالمي"، وذلك بعد أن خففت قواعدها بشأن استخدام الأسلحة النووية.
وفي حديثه للصحفيين بعد قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو، قال الرئيس الفرنسي: "أريد حقًا أن أدعو روسيا هنا للاستماع إلى صوت العقل" والامتناع عن إظهار "نهج عدواني تجاه المجتمع الدولي". وذلك باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنها تتحمل مسؤوليات.
وقال إنه طلب من الرئيس الصيني، شي جين بينج، خلال اجتماع في مجموعة العشرين "استخدام كل نفوذه" مع بوتين لمحاولة وقف التصعيد.
وقال ماكرون إن الصين، حليفة روسيا، لديها القدرة على التفاوض مع الرئيس بوتين حتى يوقف هجماته على أوكرانيا.
وأشار ماكرون أيضا إلى التورط المزعوم لحليف آخر للصين، كوريا الشمالية، التي يقال إنها نشرت آلاف القوات للقتال إلى جانب روسيا، كسبب لدفع بكين نحو التوسط.
وردت روسيا بغضب على قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن تغيير سياسته تجاه أوكرانيا والسماح لكييف باستخدام الصواريخ طويلة المدى التي زودتها بها الولايات المتحدة لضرب الأراضي الروسية للمرة الأولى. ومنذ ذلك الحين استخدمت أوكرانيا صواريخ "أتاكمز ATACMS" الأمريكية لضرب منشأة في منطقة بريانسك.
وطلب الرئيس الفرنسي من نظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء التراجع عن إطلاق التهديدات النووية بعد أن أبدت استعدادها شن ضربة نووية.
وأكد الرئيس الفرنسي أن قرار السماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ على روسيا جاء ردا على التحركات التصعيدية من موسكو، ولا سيما نشر جنود كوريين شماليين للقتال ضد القوات الأوكرانية.
وكانت روسيا قد كثفت ضرباتها على أوكرانيا في الأيام الأخيرة، وشنت أكبر هجوم جوي لها على البلاد منذ أشهر، مما تسبب في أضرار جسيمة ومقتل خمسة أشخاص على الأقل.
وفي حديثه للصحفيين في ريو دي جانيرو، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن موسكو "تؤيد بشدة بذل كل ما في وسعها لعدم السماح بحدوث حرب نووية،" لكنه ألقى المسؤولية عن أي تصعيد بشكل مباشر على عاتق الأمريكيين.
وأضاف: 'إذا تم إطلاق صواريخ بعيدة المدى من أوكرانيا إلى الأراضي الروسية، وسنرد وفقا لذلك”.
وحضر لافروف قمة مجموعة العشرين بدلا من بوتين بسبب مذكرة الاعتقال الدولية التي صدرت بحق الزعيم الروسي.
وأكد مجددا أن الحرب النووية لا يمكن الفوز بها أبدا ولا يجب خوضها أبدا.
وأضاف: "نحن مقتنعون بأن السلاح النووي هو، أولاً وقبل كل شيء، سلاح لمنع أي حرب نووية".