بيروت- يحتل عنوان "ترحيل اللاجئين السوريين" صدارة المشهد اللبناني، حيث صار مطلبا رسميا وسياسيا مدعوما من شرائح اجتماعية واسعة، لكن لبنان يعجز عن إعادة أكثر من 2 مليون لاجئ سوري مع تفاقم أزمته، وخلافاته مع المجتمع الدولي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بإدارة الملف.

وتعد القافلة الجديدة -التي أطلقها الأمن العام يوم 14 مايو/أيار الحالي- دليلا على عدم قدرة لبنان على اعتماد هذا الإجراء حصرا لإعادة جميع اللاجئين، إذ ضمت القافلة نحو 330 لاجئا سوريا فقط.

قوات الأمن اللبنانية تشرف على عملية عودة لاجئين سوريين مغادرين إلى بلادهم من منطقة عرسال (الفرنسية) صراع المفوضية والخارجية

كادت أن تنفجر أزمة دبلوماسية بين لبنان والمفوضية، الاثنين الماضي، حين استدعى وزير الخارجية عبد الله بو حبيب ممثل المفوضية الرسمي إيفو فرايسن، وطالبه بسحب رسالة بعثتها المفوضية إلى وزير الداخلية بسام مولوي، أعربت فيها عن قلقها من "عمليات الإجلاء القسرية للسوريين".

وأصدر بو حبيب بيانا دعا فيه المفوضية لاحترام التخاطب مع الوزارات، ومنح فرايسن مهلة شهر لتسليم جزء إضافي من بيانات السوريين، التي سلمت جزءا منها للحكومة سابقا، استنادا لاتفاقية موقعة في آب/أغسطس 2023، وبدورها استجابت المفوضية بسحب رسالتها التي لقيت اعتراضا سياسيا، وشددت على تعاونها مع الحكومة.

وتفيد مصادر الجزيرة نت بأن الحكومة تصر على الحصول على معلومات إضافية من السوريين، كتواريخ دخولهم إلى لبنان وأماكن إقامتهم، في حين تواصل المفوضية مباحثاتها بما يتماشى مع القوانين الدولية لحماية بيانات اللاجئين.

ويُذكّر رئيس مؤسسة "جوستيسيا" المحامي والأكاديمي بول مرقص -عبر الجزيرة نت- بمذكرة التفاهم التي وقعتها المفوضية مع وزارة الداخلية والأمن العام سنة 2003، والتي تؤكد أن لبنان ليس بلد لجوء، وتنص على عدم السماح لأي شخص دخل لبنان بطريقة غير شرعية أن يتقدم بطلب لجوء لدى المفوضية بعد شهرين على دخوله.

ويستند الجيش اللبناني في إجراءاته إلى قرار مجلس الدفاع الأعلى الصادر في أبريل/نيسان 2019، الذي يقضي بترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان دون المرور بالمعابر الرسمية.

مصير ملف اللاجئين

يعتبر مراقبون أن تذرّع لبنان بعدم توقيعه على اتفاقية اللجوء لا يتماشى مع حقيقة الأزمة وتاريخ العلاقة بين لبنان وسوريا، وما حل في البلدين بعد عام 2011، سواء من ناحية ما استفاده لبنان طوال 12 عامًا من مليارات الدولارات التي وصلته في صورة هبات دولية دعما لاستضافته اللاجئين، أو من ناحية الواقع الحدودي المنفلت، حيث ينشط التهريب بشتى أشكاله منذ عقود بين البلدين.

وفي حديث مع الجزيرة نت، يشير وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين إلى أن القافلة التي نُظمت أخيرا هي الأولى بعد تجديد التكليف لوزارته بإدارة ملف العودة قبل شهرين، وأنها جاءت "استجابة للضغط الشعبي والبرلماني والحكومي، ثم جاء القرار السياسي".

ويقول الوزير إن "أهمية القافلة ليس بعددها بل برمزيتها، وتدل أن الأمن العام اللبناني يقوم بواجبه، وأن الأمن الوطني السوري يتجاوب معه"، ويتهم شرف الدين المنظمات الدولية بممارسة الترغيب والترهيب لعرقلة قوافل العودة الطوعية، بالضغط على اللاجئين.

وأفاد بأن هناك قوافل ستنطلق بعد نحو أسبوعين، وأنها تسير وفق آلية أن تسلم وزارة المهجرين قوائم الراغبين في العودة إلى سوريا للأمن العام اللبناني، الذي بدوره سيسلمها للأمن العام الوطني السوري لنيل الموافقة على الأسماء.

كما قدم البرلمان اللبناني -في جلسته المنعقدة حول ملف عودة اللاجئين والهبة الأوروبية المقدرة بمليار يورو- يوم 15 مايو/أيار الجاري، نحو 9 توصيات للحكومة، كان عنوانها الأبرز "إعادة السوريين من لبنان إلى سوريا بمهلة أقصاها سنة واحدة".

وهنا، يتحدث وزير المهجرين عن 3 فئات من السوريين يمكن لهم البقاء للبنان، وهم العمال والحرفيون وأصحاب المؤسسات، شرط أن يكون بحوزتهم إقامات شرعية وإجازة عمل، و"هؤلاء لا يتجاوز عددهم 400 ألف سوري"، حسب قوله.

لكن النازحين الذين هربوا من الحرب والنازحين الاقتصاديين، وفق تعبير شرف الدين، "سيترتب عليهم العودة الطوعية"، وأضاف أن الوزارة تمتلك خطة لإعادة 15 ألف سوري كل شهر، إذ تمت الموافقة عليها من الجانب السوري والحكومة اللبنانية، "وننتظر القرار السياسي لتنفيذها" حسب قوله، وأضاف "كما لدينا ورقة تفاهم للبدء بتفكيك المخيمات".

أما اللاجئون السياسيون والمعارضون، فلديهم وفق الوزير 3 حلول:

الاستفادة من العفو الرئاسي السوري. الهجرة إلى دولة ثالثة بالتنسيق مع المفوضية لإعادة توطينهم هناك، وهو ما يرغب فيه غالبية السوريين. الذهاب إلى منطقة المعارضة في شمال شرق سوريا.

ويردف الوزير بأن أميركا وأوروبا تتبعان معايير مزدوجة مع لبنان، في ظل تصويتهما على بقاء السوريين في لبنان كأنهما أوصياء عليه، "خوفا من هجرة القوارب نحو أوروبا، التي تضم نحو 400 مليون نسمة، ولا تتحمل مليوني لاجئ سوري من لبنان الصغير جدا".

عودة وترحيل قسري

وفي السياق، تقول الناطقة الرسمية باسم المفوضية دلال حرب -للجزيرة نت- إن المفوضية تتعاون مع الأمن العام اللبناني، لتسهيل عودة السوريين الراغبين في ذلك والمسجلين لديه.

وتشير إلى أن الأمن العام، منذ 2018، يقوم بتسهيل رحلات العودة للسوريين الراغبين في العودة إلى سوريا، ومن بينهم لاجئون معروفون لدى المفوضية، لكن آخر رحلة مماثلة للقافلة الأخيرة كانت في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ووفق حرب، توجد المفوضية بنقاط الانطلاق المختلفة في اليوم المحدد لرحلة العودة، وذلك لمراقبة العملية، وتتولى فرق المفوضية القيام بمهمات مثل:

تقديم المشورة للاجئين بعد الاتصال بهم. التواصل مع الأمن العام بالنيابة عن اللاجئين. توزيع المنشورات التي توضح مراكز الخدمات المجتمعية المدعومة من المفوضية ومراكز المعلومات الأخرى في سوريا والخدمات المتاحة فيها. إحصاء الأعداد، والتواصل مع مكتب المفوضية بسوريا بشأن حجم العملية والتفاصيل اللوجستية، وتشارك معلومات خاصة باللاجئين العائدين، لتتصل بهم المفوضية في سوريا بعد عودتهم.

وتؤكد الناطقة باسم المفوضية أنها تتحفّظ على مشاركة أي معلومات عن الحالات الفردية، لأسباب تتعلق بالسرية والحماية الشخصية، "لأن الطوعية والسلامة والكرامة معايير دولية رئيسية عند عودة اللاجئين".

وقبيل كل رحلة عودة للاجئين السوريين، تتعالى أصوات المنظمات الحقوقية، التي تحذر لبنان والمجتمع الدولي من تداعيات ما تسميه "الترحيل القسري" للاجئين السوريين.

وهنا، يعتبر مدير مركز سيدار للدراسات القانونية المحامي محمد صبلوح أن ثمة علامات استفهام على رحلات العودة، لأنه يصعب تتبع حركتها ومدى ضمان سلامة اللاجئين العائدين، لضبابية الضمانات التي يقدمها النظام السوري.

ويتحدث المحامي عن عمليات ترحيل قسري يتعرض لها سوريون، عند مداهمة بعض المخيمات أو توقيف قوارب هجرة غير منتظمة، أو عند إنهاء بعض السجناء السوريين لمحكوميتهم، كما أن "مصير العشرات مجهول بعد تسليمهم للأمن السوري، إضافة لانقطاع الاتصال مع بعضهم".

ويفيد المحامي بأن الخوف تسلل إلى السجون اللبنانية، مع طرح الحكومة مشروع ترحيل السجناء السوريين وتسليمهم إلى النظام بحجة اكتظاظ السجون، ويذكر بما سبق أن أعلنه وزير الداخلية اللبناني بسام المولي أن نحو 80% من السجناء الموقوفين في لبنان لم تصدر أحكام بحقهم، مما يضاعف الخطر على السجناء السوريين في حال ترحيلهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأمن العام

إقرأ أيضاً:

عون: إسرائيل تعيق انتشار الجيش اللبناني في الجنوب

المناطق_متابعات

أكد الرئيس اللبناني، جوزيف عون، أن الجيش يقوم بواجباته كاملة في منطقة جنوب الليطاني، ويطبق القرار 1701 في البلدات والقرى التي انتشر فيها، “لكن ما يعيق استكمال انتشاره حتى الحدود هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي لخمس تلال لا أهمية استراتيجية لها”.

وأوضح خلال لقائه في القصر الجمهوري وفداً من الباحثين بمعهد الشرق الأوسط للدراسات في واشنطن – (MEI) برئاسة الجنرال الأمريكي المتقاعد جوزيف فوتيل، اليوم الثلاثاء، أنه “كان من المفترض أن ينسحب الإسرائيليون من هذه التلال منذ 18 فبراير الماضي إلا أنهم لم يفعلوا على الرغم من المراجعات المتكررة التي قمنا بها لدى راعيي الاتفاق، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، العضوين في لجنة المراقبة المشكلة بموجب اتفاق 27 نوفمبر الماضي”.
دعوة لواشنطن

أخبار قد تهمك منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة 29 أبريل 2025 - 9:26 صباحًا الشيباني: سوريا لن تشكل تهديداً لأي من دول المنطقة بما فيها إسرائيل 25 أبريل 2025 - 9:11 مساءً

كما كرر دعواته إلى واشنطن “للضغط على إسرائيل كي تنسحب من هذه التلال وتعيد الأسرى اللبنانيين ليتولى الجيش مسؤولية الأمن بشكل كامل بالتعاون مع اليونيفيل، ويبسط بذلك سلطة الدولة على كامل التراب الجنوبي”.

إلى ذلك أكد أن “قرار حصرية السلاح لا رجوع عنه، لأنه يلقى تأييداً واسعاً من اللبنانيين والدول الشقيقة والصديقة”.

وفقا للعربية : أشار أيضاً إلى “حاجة الجيش والقوى المسلحة للمساعدة العاجلة لتتمكن الوحدات العسكرية من تحمل مسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار في البلاد”، مشدداً على أن “من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن يبقى لبنان مستقراً وآمناً، وعليها أن تساعده لتحقيق ذلك”.
الحدود اللبنانية – السورية والنازحون

أما عن الوضع على الحدود اللبنانية – السورية فأكد أنه “يلقى متابعة مستمرة مني، والجيش موجود على هذه الحدود لمنع التهريب على أنواعه، ولضبط حرية التنقل بين البلدين”، لافتاً إلى الاتصالات التي تمت مع المسؤولين السوريين والتي أسفرت عن اجتماعات عقدت بين الجانبين اللبناني والسوري بهدف معالجة المواضيع العالقة.

كما تطرق إلى مسألة النازحين السوريين، مشدداً على أن “لبنان متمسك بإعادتهم إلى بلادهم، لا سيما أنه ليس قادراً على استيعابهم، خصوصاً أن الأسباب السياسية والأمنية لوجود غالبيتهم في لبنان قد زالت بعد التغييرات التي حصلت في سوريا”، معتبراً أن “رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا يحرك من جديد اقتصادها ويوفر فرصاً للنازحين للعودة إلى بلادهم بدلاً من أن يبقوا نازحين اقتصاديين في لبنان”.
الإصلاحات ومكافحة الفساد

في سياق آخر، أكد أن لبنان ماض في إجراء الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية، وأن اللقاءات التي عقدها في واشنطن الوفد اللبناني إلى اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كانت جيدة، “ونأمل أن تكون لها نتائج إيجابية على الصعيدين المالي والاقتصادي”.

وشدد على أن “مكافحة الفساد هي من أبرز الأهداف التي أعمل عليها بالتعاون مع الحكومة ومجلس النواب الذي أقر قوانين تصب في مصلحة المسار الإصلاحي المنشود، إضافة إلى الدور الأبرز الذي سيقوم به القضاء بعد التشكيلات القضائية التي ستصدر قريباً”.

من جهته، قال رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، إن “الاعتداء على الضاحية الجنوبية، والاعتداءات الإسرائيلية الأخرى، تشكل خرقاً لترتيبات وقف الأعمال العدائية”، مؤكداً أن “تفعيل آلية المراقبة أمر مطلوب لوقف هذه الاعتداءات”.

وأشار خلال استقباله وفداً من نقابة الصحافة، إلى أن “لبنان يريد وضع حد لكل هذه الانتهاكات، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للتلال الخمس ولكل الأراضي اللبنانية”.

كما شدد على أنه “إذا لم تنسحب إسرائيل بالكامل، فإن ذلك سيهدد الاستقرار”، مؤكداً أن “لبنان ملتزم بالاتفاق، وعلى الجانب الإسرائيلي أن يلتزم بدوره، ويهمنا بقاء الموقفين الأميركي والفرنسي إلى جانب لبنان لتحقيق ذلك”.
إعادة الإعمار

كذلك لفت إلى أن “الحكومة بدأت العمل على خطة لإعادة الإعمار، بدءاً من البنية التحتية، حيث تم إجراء مسح للأضرار، وبدأ العمل الآن على توفير الإمكانيات، وقد باشرت الحكومة التفاوض مع البنك الدولي، وتم تأمين مبلغ 325 مليون دولار حتى الآن، مع السعي لزيادته”.

فيما أردف أن “المساعي مستمرة لتأمين كل الأموال اللازمة للبنان، كما أن الجيش بحاجة لتعزيز عديده من خلال المزيد من عمليات التطويع، لا سيما في ظل المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه، وأبرزها الانتشار في الجنوب وتوسيعه، وعلى الحدود الشمالية الشرقية، بالإضافة إلى مؤازرته للقوى الأمنية في الداخل، وفي العديد من المرافق العامة، لا سيما المرفأ والمطار”.

يذكر أنه رغم سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل تم التوصل إليه بوساطة أميركية فرنسية عقب مواجهة لأكثر من عام، لا تزال إسرائيل تشن غارات على مناطق لبنانية خصوصاً في جنوب البلاد وشرقه، وهي تؤكد أنها لن تسمح للحزب بالعمل على ترميم قدراته بعد الحرب.

علماً أن الاتفاق كان نص على وقف الأعمال العدائية بين الطرفين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب بشكل تام، فضلاً عن انسحاب حزب الله من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني وتفكيك بناه العسكرية فيها، مقابل تعزيز الجيش وقوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) انتشارها قرب الحدود مع إسرائيل.

إلا أن إسرائيل لم تنسحب بعد من 5 نقاط استراتيجية في الجنوب، تشرف على جانبي الحدود، ملوحة بالبقاء إلى أجل غير مسمى.

مقالات مشابهة

  • وزير العدل يلتقي وفداً من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين
  • الاحتلال يراقب مسار التطورات في سوريا ولبنان لترتيب تحركاته
  • ولاية الخرطوم تبحث مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين توفيق أوضاع الأجانب
  • شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة
  • عون: إسرائيل تعيق انتشار الجيش اللبناني في الجنوب
  • الرئيس اللبناني:من غير المسموح العودة إلى لغة الحرب والسلاح بيد الدولة حصراً
  • أردوغان: لن نجبر اللاجئين السوريين على العودة
  • إسرائيل تشنّ غارة على ضاحية بيروت ولبنان يطلب "إجبارها"على وقف ضرباتها
  • عاجل. الرئيس اللبناني جوزاف عون: حصر السلاح بيد الدولة قرار اتخذ ومن غير المسموح العودة إلى لغة الحرب
  • أزمة التعليم تتفاقم في اليمن مع استمرار إضراب المدارس