لجريدة عمان:
2024-12-17@01:44:54 GMT

نجم الشعرى اليمانية وميكانيكا الكم

تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT

نجم الشعرى اليمانية وميكانيكا الكم

هنالك أمر يتفق عليه الجميع، وهو حب النجوم، أو بشكل أشمل، علم الفلك. لأنه وعلى عكس العلوم الباقية، أثره واضح أمام العيان. بل إن له نصيبًا من الأساطير اليونانية والمصرية وحتى الرومانية، فكان الأمر متداخلا بين الدين والفلسفة وعلوم الطبيعة والأدب. ذُكرت النجوم في القرآن، وذُكرت في الشعر العربي، وتدخلت فيها الكيمياء والرياضيات وفيزياء الكم، وأبدع في تصويرها الفنانون والرسامون، وكما أسلفت، اتفق الكل على حبها.

سبق المسلمون العالم في وضع أسس علمية موثقة لعلم الفلك في عصور الإسلام الوسطى، لتميزهم في الملاحظة والرصد والبحث والتفكير، وقد أقام المسلمون مراصد في تلك المرحلة مثل مرصد المأمون في بغداد ومرصد أولوغ بيك في سمرقند، ومن إنجازاتهم المشهودة الزيجات، أي الجداول الفلكية، والأسطرلاب، كما هو موضح في الشكل (1) . وقد تأثر المسلمون أيما تأثر بالبحث في هذا المجال لأسباب عديدة، منها وأهمها أهمية علم الفلك في حساب الوقت لأسباب دينية؛ فقد حث الدين الإسلامي على تحري الصدق في حساب الأشهر القمرية، كتحري هلال رمضان والحج وعيد الأضحى، فاجتهد العلماء أيما اجتهاد لوضع أساس علمي لذلك. ولسبب آخر امتد من قبل دخول الإسلام، وهو اعتمادهم على النجوم في السفر ليلًا في البر والبحر؛ فكانوا يهتدون ليلا إلى اتجاه الشمال بالنظر إلى نجم الشمال (القطب النجمي) من كوكبة الدب الأصغر. وكذلك استُخدمت لتحديد الفصول؛ فإن ظهور الثريا في الأفق الشرقي قبل شروق الشمس يُعد إشارة إلى بداية الربيع أو الخريف.

وقد طال الفضاء الشعر العربي؛ فالنجوم في الشعر العربي حاضرة بقوة، فلا يفوتنا ذكر بعضها. منها شعر الخنساء حين رأت في النجم صورة أخيها صخر، فقالت:

فبتّ ساهرة للنجم أرقبه

حتى أتى دون غور النجم أستار...

كذلك الثريا، كانت من أكثر النجوم ذكرًا في الشعر العربي لكونها مقرونة كثيرًا بتحديد المواسم، فإذا اقترن القمر وهو ابن خمس ليال بالثريا، دل ذلك على رحيل الشتاء. فقال في ذلك المبرد:

إذا ما قارن القمر الثريا

لخامسة فقد ذهب الشتاء...

كما ذكر الشاعر الأسود النهشلي النجوم في يوم مولده وربطها بمشاكله، فقال:

ولدت بحادي النجم يتلو قرينه

وبالقلب قلب العقرب المتوقد...

كان الهدف من هذه المقدمة الشاعرية هو الوصول إلى نجمنا الألمع -حرفيًا- وهو نجم الشعرى اليمانية، أحد نجوم المرزم، المسمى بالعبور أو النجم الزوجي أو سيريوس. ولكل اسم قصة؛ فقد سمي بالشعرى اليمانية لأنه يظهر فوق اليمن، فيستدل الرحالة على اتجاه اليمن باتباعه، ويطلق عليه بـ«النجم الزوجي» لأنه مكون من نجمتين. أما سيريوس، فمن شدة اشتعاله ولمعانه، كما في الشكل (2).

الشعرى اليمانية ليست كما سابقتها؛ فقد امتدت معرفة البشر بهذه النجمة منذ العصور القديمة، ورافقتها أساطير عدة، أشهرها ما يؤمن به شعب الدوجون، وهم كما يعتقدون أنهم شعب هبطوا من السماء إلى مصر القديمة، وما بقي منهم الآن قبيلة الدوجون في مالي. ارتبطت شعوب مصر القديمة بالنجم الشعرى ارتباطًا وثيقًا؛ فقد عبدوه وأسموه إيزيس، وقد حددوا على أساسه وقت فيضان النيل والزراعة. والحقيقة أنه، كما ذُكرت الكثير من التفاسير في القرآن، فقد أقسم الله بهذا النجم في سورة النجم، في الآية 49 من سورة النجم: «وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى». وذلك بسبب أن الوثنيين اتخذوه إلهًا لهم، كما أسلفنا، وكذلك بعض العرب قديمًا.

سيريوس عبارة عن نجم زوجي؛ فهما النجم الأصغر، قزم أبيض، والنجم الأكبر، يدوران حول مركز الجاذبية، ويكملان دورانهما هذا كل 50 عامًا. يُسميان كذلك بالشعرى اليمانية أ والشعرى اليمانية ب، و«ب» هو الأكبر، وهو ضعف كتلة الشمس، وهذا يفسر وضوحه وضعف لمعان نجم سهيل، وكذلك يفسر لمعانه.

لماذا أطلق على الشعرى الأصغر وصف القزم الأبيض؟

قد تتساءل عن ماهية نجم القزم الأبيض ولماذا سُمي الشعرى الأصغر بالقزم الأبيض. لفهم ذلك، لابد لنا من معرفة دورة حياة النجوم التي تُقسم، شموليًا، إلى خمس مراحل تبدأ بمرحلة الولادة، وتتكون من سديم، وهي سحابة من الغبار والغازات التي تُكوِّن بشكل عام الهيليوم والهيدروجين نظرًا لوفرتهما في الكون، ثم تحدث عملية الاندماج النووي، وهي المرحلة الثانية التي تُسمى مرحلة النجم الأولي، وهي تحويل عنصر الهيدروجين إلى عنصر الهيليوم عبر اندماج نوى ذرتي هيدروجين على الأقل معًا لتجتمع البروتونات وتتحول إلى هيليوم، خلال هذه العملية، تُنتج طاقة كبيرة جدًا، وهذه الطاقة هي المسؤولة عن الهالة المضيئة حول النجم، ثم يدخل النجم المرحلة الثالثة، وهي التسلسل الرئيسي، وهي عبارة عن عمليات اندماج نووي طويلة المدى تصل إلى خمسة مليارات سنة.

هناك نجوم لم تستطع البدء بعملية الاندماج النووي فعلقت في المرحلة الثانية ذات كتلة ضعيفة ومصدر حرارتها فقط هو قوى الاحتكاك بين مكوناتها، ومنها الأقزام البنية. أما النجوم التي علقت في المرحلة الثالثة فهي الأقزام الحمراء والسوداء. ننتقل إلى المرحلة التالية وهي للعمالقة Old Age؛ المرحلة الرابعة هي للعمالقة الحمراء أو مرحلة الشيخوخة، حيث ينفد الهيدروجين فيبدأ الاندماج لعناصر أثقل، أي بروتوناتها أعلى، مثل الكربون، فيتوسع النجم ويصبح أكثر برودة، وبعد هذه المرحلة تأتي نهاية النجم، التي تعتمد على كتلة النجم، فتنقسم إلى ثلاث نهايات: إما نجم نيوتروني أو قزم أبيض أو ثقب أسود، ففي نهاية النجم، إما يكون سديما كوكبيا وهي نجوم صغيرة ومتوسطة تنفجر طبقاتها الخارجية لتكون أقزاما بيضاء أو أن كتلتها أكبر لتكون مستعرا أعظم لتكون إما نجما نيوترونيا أو إن كانت أكبر لتكون ثقبا أسود.

ووفقًا لدورة حياة النجوم، فإن الشعرى اليمانية (أ) تندرج ضمن نجوم التسلسل الرئيسي، بينما الشعرى اليمانية (ب)، وهو قزم أبيض، يُعتبر ضمن نجوم المرحلة النهائية. يقع هذا الثنائي على خط واحد مع نجمي الكلب الأكبر بيتا وجاما.

ولكن ما علاقة ميكانيكا الكم والفيزياء النووية بدورة حياة النجوم؟

إن كنت من محبي السينما، فإنه لابد وأن سمعت باسم «أوبنهايمر» خلال الأشهر الماضية، وهو العالم الذي قاد مع طلابه إحدى أولى الدراسات النظرية التي طرحت أن النجم ذا الكتلة الكبيرة يمكن أن ينهار تحت جاذبيته الخاصة بعد استنفاد وقوده النووي، وهو العنصر الكيميائي المسؤول عن الاندماج النووي للنجم (الهيدروجين)، ليكون بعد هذا الانهيار الثقب الأسود. هذا يقودنا لأمر، وهو أن ميكانيكا الكم تحكم العمليات الأساسية للاندماج النووي بالتعاون مع النظرية النسبية، على سبيل المثال، عندما تنفد وقود النجم. بالنسبة للنجوم الصغيرة، تؤدي الكمية المتبقية من الضغط، الناتج عن مبادئ إحصاءات الكم مثل ضغط تنافر الإلكترونات، إلى تكوين الأقزام البيضاء. بالنسبة للنجوم ذات الكتل الكبيرة، قد تؤدي الظواهر الكمومية إلى تشكيل نجوم نيوترونية أو حتى ثقوب سوداء.

أما النسبية العامة فتصف الجاذبية كنتيجة لتحوير الزمان والمكان بواسطة الكتلة والطاقة. في هذا النموذج، الزمكان هو نسيج رباعي الأبعاد يجمع بين الأبعاد المكانية الثلاثة محور الأفقي (x) والرأسي (y) والعمق أو الارتفاع (z) والزمان كبُعد رابع. الكتلة والطاقة تسببان في انحناء هذا النسيج، وهذا الانحناء هو ما ندركه كجاذبية.

وذلك يعني أن نجما ذا كتلة كبيرة سيحدث انحناءً كبيرًا في الزمكان من حوله، مما يؤدي إلى جذب الأجسام المحيطة به بقوة. هذه الفكرة توضح أيضًا كيف يمكن للثقوب السوداء، التي هي نتيجة لانهيار النجوم الضخمة، أن تمتلك قوة جذب قوية لدرجة أن حتى الضوء لا يمكنه الإفلات منها.

في الشكل (٣)، ستجد إشارة لمصطلحي «الشعرى اليمانية» و«الشعرى الشامية»، اللذين يعرفان بالمرزمين أو الشعريين عند العرب. وقد أُطلقت تسمية «اليمانية» لتمييزها عن «الشامية»، المعروفة بالغميصاء. يعود أصل هذه التسميات إلى أسطورة عربية تروي أن نجم سهيل انفصل عن الشعريين، فانطلق إلى الجنوب. تبعته الشعرى اليمانية، مجتازةً نهر المجرة، في حين أن الشعرى الشامية حاولت متابعتهم لكنها لم تقوَ على عبور نهر المجرة، فظلت في مكانها تندب حظها حتى غمصت عيناها من البكاء، ولذا نُسب إليها اسم «الغميصاء». التشابه في الأسماء بين الشعريين لا يعني أنهما واحد، إلا أن الشعرى الشامية، مثل اليمانية، هي زوج من النجوم، أحدهما قزم أبيض كذلك.

المرزم في الصورة السابقة يُشار إليه ببيتا الكلب الأكبر، إلا أن المرزم اسم يُطلق على العديد من النجوم، منها الشعريان ومرزم الذراع، أو عند العامة «طباخ الرطب»، وذلك لأنه يدل على اشتداد حرارة الجو. سيظهر المرزم أو طباخ الرطب، كما هو متوقع، في 11 أغسطس 2024. بينما يزين السماء الشعرى اليمانية في فبراير، ويوم رؤيته بالعين المجردة في الأفق الجنوبي الشرقي بداية الليل، أو الجنوبي الغربي فجرًا في ليالي الشتاء وحتى منتصف الربيع. أما في فصل الصيف، فسيكون النجم مختبئًا خلف الشمس، وسيظهر في الأفق الشرقي قبيل الشروق في أواخر الصيف.

علياء السعيدية أخصائية تطوير برامج أكاديمية أساس المعرفة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعر العربی النجوم فی قزم أبیض التی ت

إقرأ أيضاً:

الأربعاء.. عرض فيلم "أوغسطنيوس بن دموعها" بالثقافة السينمائية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ينظم مركز الثقافة السينمائية، التابع للمركز القومي للسينما، أمسية سينمائية يعرض خلالها  فيلم "أوغسطينوس بن دموعها" للمخرج الراحل سمير سيف، وذلك في السادسة من مساء الأربعاء المقبل، الموافق 18 ديسمبر الجاري، بمقر المركز بشارع شريف بوسط البلد.

والفيلم يتناول شخصية الفيلسوف والعالم الديني القديس أوغسطينوس، ومن بطولة عائشة بن أحمد، وأمين بن سعد، وعماد بن شندي، وبهية الراشدي، ونجلاء بن عبدالله، وعلي بن نور، ورؤية هنري عوني وقصة عماد دبور، وسيناريو وحوار سامح سامى، وموسيقي سليم دادة.

الفيلم تم تنفيذه فى 3 سنوات وتم تصويرة في الأماكن الحقيقية التي عاش فيها القديس أوغسطينوس بدولة الجزائر  وتونس وإيطاليا وفرنسا، ويتناول الفيلم شخصية الفيلسوف  أوغسطينوس من الناحية التاريخية ومدى تأثيره على العالم الغربي ويبرز  هوية أوغسطينوس الشمال أفريقية ويكشف أيضا عن حقائق وأسرار تاريخية لهذه الشخصية.

حاز الفيلم على جائزة  افضل إنجاز فني بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر الأبيض المتوسط في دورته 33، وحصل أيضا على جائزة الجمهور لأحسن فيلم بمهرجان وهران السينمائي بالجزائر، كما تم عرضه على هامش مهرجان أيام قرطاج السينمائية.

يعد المخرج سمير سيف أحد أهم مخرجى السينما المصرية، الذين قدموا أعمالا متميزة مع كبار النجوم مثل  النجم عادل أمام بفيلم"المشبوه"، و"النمر والأنثى" و"الهلفوت" و"احترس من الخط" و"شمس الزناتى"، وتعاون مع النجم الكبير الراحل محمود عبد العزيز فى فيلم "سوق المتعة"، ومع النجم الراحل أحمد زكى فى فيلم "معالى الوزير"، وتعاون مع النجم الكبير الراحل نور الشريف فى فيلمى "غريب فى بيتى" و"عيش الغراب".  

تقام الفعاليات تحت إشراف الكاتبة أمل عبدالمجيد مدير عام مركز الثقافة السينمائية، وتقدم جميع الفعاليات مجانا للجمهور من محبي السينما.

مقالات مشابهة

  • الأربعاء.. عرض فيلم "أوغسطنيوس بن دموعها" بالثقافة السينمائية
  • فيلم أوغسطنيوس بن دموعها .. موعد عرض بمركز الثقافة السينمائية
  • الشرطة ودهوك حبايب بدوري النجوم
  • الجوية يقفز للمركز الأول بفوز قاتل في دوري النجوم
  • محمد هنيدي يواصل تصوير مسلسله الجديد "شهادة معاملة أطفال".. صور
  • بعد مساهمته تهديفيًا أمام فولهام.. إنجاز جديد لصلاح مع ليفربول
  • مصطفى قمر يستقبل ياسر جلال بالأحضان فى حفله
  • جمال سليمان يستعد لتصوير "أهل الخطايا" رمضان المقبل
  • لأسباب غير متوقعة.. جيم كاري يعود بـSonic The Hedgehog
  • شوبير يلمح إلى اقتراب رونالدو من الأهلي