ستائر السماء الملونة.. عواصف الشمس في الفضاء
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
يولد الإنسان وهو في وسط طبيعة جميلة بتفاصيلها، من جبال وكائنات حية ومناظر بديعة، لكنه قد يعتادها سريعا ولا يرى الجمال سوى في غيرها من الأماكن التي لم يألفها، وهذه هي أحد مقاصد السفر السياحي: أن ترى وجها مختلفا من الطبيعة. لكن ماذا إذا حصل العكس؟ أي سافرت إليك أحد المشاهد الطبيعية المذهلة التي لم ترها من قبل، ولم يخبرك عنها أحد أجدادك؟
«في ليلة الرابع والعشرين من ذي القعدة ظهرت بمكة، في الساعة الرابعة من الليل، حُمرة في السماء بين المشرق والشمال، إلى الساعة السادسة، وكانت مثل لهب النار، حتى فزع الناس والعساكر الشاهانية إلى جهة المعابدة لظنهم أنه من حريق بعض الدور».
هذه الفقرة استخلصها أستاذ الفلك الدكتور حسن باصرة -رحمه الله- من كتاب «التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم» لمؤلفه محمد طاهر الكردي المكي، والتي تروي: إنه في عام 1288هـ (1872م) شاهد سكان مكة المكرمة ظاهرة الشفق القطبي لأول مرة في حياتهم، ولم يعرفوا ماهيتها؛ لأنها ظاهرة لا يهنأ بها عادة إلا سكان المناطق القريبة من قطبي الأرض الشمالي والجنوبي، حيث أدت عاصفة شمسية قوية إلى ظهور الشفق في دوائر عرض منخفضة من كوكب الأرض، وفي شهر مايو الجاري حدث شيء مماثل لكن على مستوى أقل، حيث ظهر الشفق القطبي في مناطق واسعة من أوروبا وشمال إفريقيا والهند، وسببت اضطرابًا واسعًا في أنظمة الاتصالات اللاسلكية التي تستخدم بعض الترددات الراديوية حول العالم، فما هذه العواصف الشمسية؟ ولماذا تسبب ظهور الأضواء الجميلة في وقت الليل والمعروفة باسم الأضواء القطبية أو الشفق القطبي؟
نبدأ من المسبب الأساسي، الشمس، نجمنا الأم، وهي السبب الأوسع لوجود الحياة على الأرض، رغم أنها جرم لا يحمل من معاني الحياة شيء، لكن حرارتها هي التي تمنح الأرض الدفء اللازم لعيش المخلوقات الحية، والشمس تستمد طاقتها من فقد ذرات الهيدروجين لبعض كتلتها عند اندماجها معا وتحولها إلى ذرة هيليوم بسبب الضغط الشديد والحرارة الشديدة في باطنها، وهذا الفقد في الكتلة يولد حرارة هائلة حسب قانون آينشتاين البسيط: (الطاقة = الكتلة المفقودة × مربع سرعة الضوء)، لتسبب هذه الحرارة الهائلة -مع عوامل أخرى- في جعل سطح الشمس مسرحا للكثير من الظواهر الغريبة التي دأب العلماء على دراستها وتفسيرها لعقود طويلة، وأحد تلك الظاهر هي ما يعرف باسم «المقذوفات الإكليلية الشمسية» وهي عبارة عن صراع عنيف للمجال المغناطيسي للشمس يؤدي في بعض الأحيان إلى قذف ملايين الأطنان من مادتها كجزيئات مشحونة كهربائيا إلى الفضاء بسرعات كبيرة، وقد يكون كوكب الأرض -مصادفة- في مسار هذا المقذوف الإكليلي، لتتلقى جزءا منه خلال مدة يوم إلى ثلاثة أيام بعد أن يقطع مسافة 150 مليون كيلومتر تفصل الأرض عن الشمس، وعندما تصل هذه الجزيئات يتلقاها المجال المغناطيسي للأرض ليحميها منه، ويكون تأثيرها محدود ويتمثل في ظهور ستائر متوهجة وذات ألوان بهيجة تتدلى من سماء الليل في المناطق القطبية بسبب اصطدام هذه الجزيئات المشحونة بغازات الغلاف الجوي، وكلما كانت هذه المقذوفات أضخم، كان التوهج أقوى وانتشاره أكبر، ويقترب أكثر فأكثر من خط الاستواء، وهو ما حدث فعلا في الحادثة المذكورة في مكة عام 1872م، حيث إن دائرة العرض التي تقع عليها مكة لا تبعد عن خط الاستواء سوى 21 درجة، وهذا يعني أن العاصفة الشمسية التي حدثت في تلك الفترة كانت شديدة جدا، وضمن أعلى ما تم توثيقه تاريخيا.
أما من ناحية تأثير هذه العواصف على الحياة اليومية، فلم يكن لها ضرر يذكر في ذلك الزمان الذي لم تكن فيه الاتصالات اللاسلكية وخطوط نقل الكهرباء والأجهزة الكهربائية موجودة، لكن أول تأثير تم رصده على التكنولوجيا الحديثة كان في عام 1859م عندما لاحظ الفلكي الإنجليزي ريتشارد كارينجتون وميضا غريبا صدر من الشمس عندما كان يراقبها باستخدام مرشحات ضوئية خاصة، ولم يدرك ما هو تأثير هذا الوميض أو الانفجار على الأرض، لكن بعد يوم واحد بدأت الملاحظات ترد من مختلف أنحاء الكوكب، فقد وصلت ظاهرة الشفق القطبي إلى مناطق قريبة من خط الاستواء مثل بنما وكولومبيا، ويقال: إن الناس كانوا يستطيعون قراءة الصحف في الولايات المتحدة ليلا على أضواء الشفق القطبي، كما أن خطوط التلغراف، وهي أحدث وسيلة اتصالات في ذلك الوقف تعطلت تماما في أوروبا وأمريكا الشمالية بسبب التيار المستحث الزائد الذي تسببت به الجزيئات المشحونة القادمة من الشمس على الأجهزة الإلكترونية، ورغم أن المشغلين لتلك الخطوط فصلوها عن مصادر الطاقة لكن ثمة توثيق لمحادثة امتدت لمدة ساعتين وجرت بين مشغلين في مدينتي بوسطن وبورتلاند في الولايات المتحدة باستخدام خطوط التليجراف وهي مقطوعة عن مصدر الطاقة، أي أن الخطوط كانت تعمل فقط من خلال التيار الزائد نتيجة العاصفة الشمسية.
اليوم، يصنف الكثير من العلماء حادثة كارينجتون بأنها أعنف عاصفة شمسية يتم توثيقها أو ترد في المصادر التاريخية، ويتوقعون من خلال الدراسة المتواصلة للشمس أن الأحداث المماثلة تتكرر تقريبا كل بضعة قرون، ولم يقلل من تأثيرها سوى أنه في ذلك الوقت لم تكن التقنية الحديثة منتشرة بشكل واسع كما هو الحال اليوم، ويقولون: إنه لو حدثت حالة مشابهة في زماننا هذا فقد تؤدي لقطع كامل في خطوط نقل الكهرباء، وتعطل جميع الأقمار الصناعية، أي أننا سنجد أنفسنا -حرفيا- خلال يوم واحد وكأن الحياة رجعت بنا إلى سنين طويلة لم نكن نعتمد فيها على التقنية الحديثة، وقد يكلف إصلاح وإعادة تأهيل خطوط نقل الطاقة وإصلاح الكثير من الأجهزة مبالغ طائلة وموارد كثيرة، ومدة غير محددة.
أما الحل الذي يراه البشر اليوم لتجنب كارثة مماثلة، فهو يكمن في فهم هذا الجار النجمي الذي تستعين به الحياة على الأرض، ولكن مزاجه قد يتغير علينا في أي لحظة، فهناك حاليا الكثير من الأرصاد الشمسية المتواصلة منذ أكثر من 100 عام، والتي تلتقط صورا للشمس كل يوم أو كل ساعة، وهذا الأرشيف الطويل يساعد في فهم سلوك الشمس ودورات النشاط التي تمر بها على الفترات القصيرة والطويلة، كما أن هناك أقمار صناعية موجودة في الفضاء منذ عقود ومخصصة لرصد الشمس بشكل متواصل ، وهي لا تغمض كاميراتها عن الشمس أبدا، وأتاحت الوكالات التي أطلقت هذه الأقمار الصناعية صورها لجميع العلماء والمهتمين حول العالم من أجل دراسة الشمس، كما أن هناك مركبات فضائية أخرى أرسلت لتدور حول الشمس أو تقترب منها وتلتقط صورا لها من مختلف الزوايا كي ندرسها بشكل أفضل، وهذه الأقمار والمركبات بالإضافة للأرصاد الأرضية تهدف إلى تشكيل شبكة إنذار مبكر لأي عاصفة شمسية قادمة كي يستطيع المشغلون لخطوط الكهرباء والأقمار الصناعية وأجهزة الاتصالات حول العالم تخفيض الحمل الكهربائي لهذه الأجهزة أو إطفاءها مؤقتا حتى تمر هذه العاصفة بسلام.
وختاما، نجد في رسالة ابن فضلان هذا الوصف لتعجبه ومن معه من مشهد الأضواء القطبية التي رآها في مملكة الصقالبة (تقع ضمن دولة روسيا حاليا) في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي): «ورأيتُ في بلده من العجائب ما لا أُحصيها كثرة. من ذلك: أن أول ليلة بتناها في بلدهِ رأيتُ قبل مغيب الشمس بساعة قياسية أفق السماء وقد احمرّت احمرارًا شديدًا، وسمعتُ في الجوّ أصواتًا شديدة وهمهمة عالية، فرفعتُ رأسي فإذا هو غيمٌ أحمر مثل النار قريب مني، وإذا تلك الهمهمة والأصوات منه، وإذا فيه أمثال الناس والدواب... ففزعنا من ذلك، وأقبلنا على التضرع والدعاء، وهم يضحكون منّا ويتعجّبون من فعلنا».
عيسى سالم آل الشيخ مؤسس مبادرة ناسا بالعربية، عضو مجلس إدارة الجمعية الفلكية العمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشفق القطبی
إقرأ أيضاً:
مصر وجنوب إفريقيا تتصدران الدول الأفريقية التي رفعت قدراتها من إنتاج الطاقة الشمسية في 2024
قامت الدول الأفريقية بتثبيت 2.5 جيجاوات من الطاقة الشمسية الجديدة في عام 2024، وهو ما يمثل انخفاضًا كبيرًا مقارنة بـ 3.7 جيجاوات تم تثبيتها في عام 2023، وفقًا لتقرير توقعات الطاقة الشمسية في أفريقيا 2025 الصادر عن جمعية صناعة الطاقة الشمسية الأفريقية.
ويصل إجمالي القدرة الشمسية المركبة في القارة إلى 19.2 جيجاوات، وهو الرقم الأدنى منذ عام 2013.
وبحسب التقرير الذي أورده موقع «زووم إيكو الأفريقي»، هناك 29 دولة أفريقية أضافت قدرات شمسية تعادل أو تفوق 1 ميجاوات، في حين أضافت دولتان فقط قدرات تفوق 100 ميجاوات، وهما جنوب أفريقيا ومصر.
وفي جنوب أفريقيا، الدولة الأكثر استخداما للطاقة الشمسية، دفعت أزمة الطاقة المستمرة المرتبطة بشركة إسكوم «شركة إمداد الطاقة الوطنية» الأسر والشركات إلى الاستثمار بكثافة في حلول الطاقة الشمسية.
وتمثل الطاقة الشمسية الآن أكثر من 5% من مزيج الكهرباء في 21 دولة أفريقية، مع معدلات قياسية في جمهورية أفريقيا الوسطى (43.1%)، وموريتانيا (20.7%)، وناميبيا (13.4%).
ويرى الخبراء في مجال الطاقة أنه رغم أن إمكانات الطاقة الكهروضوئية في أفريقيا تقدر بنحو 60% من الموارد العالمية، فإن القارة تكافح من أجل استغلال هذه الثروة على أكمل وجه.
ويعكس الانخفاض في القدرة الشمسية المركبة في عام 2024 التحديات المستمرة مثل الافتقار إلى الاستراتيجيات، وعدم كفاية التمويل، والبنية الأساسية الضعيفة.
وتظهر المبادرات مثل تلك التي نفذت في مصر وجنوب أفريقيا أنه في ظل إطار سياسي واضح واستثمارات مستهدفة، يمكن للطاقة الشمسية أن تصبح رافعة استراتيجية لمعالجة العجز في الطاقة.
ومع تركيب 2.5 جيجاوات فقط من الطاقة الكهربائية في عام 2024، فإن أفريقيا متأخرة بشكل مثير للقلق في التحول في مجال الطاقة.
ومع ذلك، فإن ديناميكية بعض البلدان تظهر أن زيادة الاستثمارات والسياسات المتماسكة يمكن أن تعكس هذا الاتجاه وتحول الطاقة الشمسية إلى محرك للنمو المستدام للقارة.
وفي تقريرها الأخير الذي ركز على الطاقة، أشارت مؤسسة بروكينجز إلى أن القارة الأفريقية حققت أداء ضعيفا في مجال الطاقة، حيث لا يستفيد سوى 43% من السكان من إمكانية الوصول الموثوق إلى الكهرباء. وهذا يشكل عائقا حقيقيا أمام التنمية الاقتصادية للقارة في سياق عالمي يهيمن عليه اعتماد التقنيات الجديدة.
اقرأ أيضاًوزيرة التخطيط: مصر نافذة الصادرات اليابانية إلى السوق الأفريقية والشرق الأوسط
بنك الاستثمار الأوروبي يخصص 160 مليون يورو لنفاذ خدمات الطاقة الشمسية للأفراد ببولندا
انطلاق برنامج "معارف" التدريبي بجمعية مستثمري الطاقة الشمسية ببنبان في أسوان