لجريدة عمان:
2025-02-22@19:56:40 GMT

ستائر السماء الملونة.. عواصف الشمس في الفضاء

تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT

ستائر السماء الملونة.. عواصف الشمس في الفضاء

يولد الإنسان وهو في وسط طبيعة جميلة بتفاصيلها، من جبال وكائنات حية ومناظر بديعة، لكنه قد يعتادها سريعا ولا يرى الجمال سوى في غيرها من الأماكن التي لم يألفها، وهذه هي أحد مقاصد السفر السياحي: أن ترى وجها مختلفا من الطبيعة. لكن ماذا إذا حصل العكس؟ أي سافرت إليك أحد المشاهد الطبيعية المذهلة التي لم ترها من قبل، ولم يخبرك عنها أحد أجدادك؟

«في ليلة الرابع والعشرين من ذي القعدة ظهرت بمكة، في الساعة الرابعة من الليل، حُمرة في السماء بين المشرق والشمال، إلى الساعة السادسة، وكانت مثل لهب النار، حتى فزع الناس والعساكر الشاهانية إلى جهة المعابدة لظنهم أنه من حريق بعض الدور».

هذه الفقرة استخلصها أستاذ الفلك الدكتور حسن باصرة -رحمه الله- من كتاب «التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم» لمؤلفه محمد طاهر الكردي المكي، والتي تروي: إنه في عام 1288هـ (1872م) شاهد سكان مكة المكرمة ظاهرة الشفق القطبي لأول مرة في حياتهم، ولم يعرفوا ماهيتها؛ لأنها ظاهرة لا يهنأ بها عادة إلا سكان المناطق القريبة من قطبي الأرض الشمالي والجنوبي، حيث أدت عاصفة شمسية قوية إلى ظهور الشفق في دوائر عرض منخفضة من كوكب الأرض، وفي شهر مايو الجاري حدث شيء مماثل لكن على مستوى أقل، حيث ظهر الشفق القطبي في مناطق واسعة من أوروبا وشمال إفريقيا والهند، وسببت اضطرابًا واسعًا في أنظمة الاتصالات اللاسلكية التي تستخدم بعض الترددات الراديوية حول العالم، فما هذه العواصف الشمسية؟ ولماذا تسبب ظهور الأضواء الجميلة في وقت الليل والمعروفة باسم الأضواء القطبية أو الشفق القطبي؟

نبدأ من المسبب الأساسي، الشمس، نجمنا الأم، وهي السبب الأوسع لوجود الحياة على الأرض، رغم أنها جرم لا يحمل من معاني الحياة شيء، لكن حرارتها هي التي تمنح الأرض الدفء اللازم لعيش المخلوقات الحية، والشمس تستمد طاقتها من فقد ذرات الهيدروجين لبعض كتلتها عند اندماجها معا وتحولها إلى ذرة هيليوم بسبب الضغط الشديد والحرارة الشديدة في باطنها، وهذا الفقد في الكتلة يولد حرارة هائلة حسب قانون آينشتاين البسيط: (الطاقة = الكتلة المفقودة × مربع سرعة الضوء)، لتسبب هذه الحرارة الهائلة -مع عوامل أخرى- في جعل سطح الشمس مسرحا للكثير من الظواهر الغريبة التي دأب العلماء على دراستها وتفسيرها لعقود طويلة، وأحد تلك الظاهر هي ما يعرف باسم «المقذوفات الإكليلية الشمسية» وهي عبارة عن صراع عنيف للمجال المغناطيسي للشمس يؤدي في بعض الأحيان إلى قذف ملايين الأطنان من مادتها كجزيئات مشحونة كهربائيا إلى الفضاء بسرعات كبيرة، وقد يكون كوكب الأرض -مصادفة- في مسار هذا المقذوف الإكليلي، لتتلقى جزءا منه خلال مدة يوم إلى ثلاثة أيام بعد أن يقطع مسافة 150 مليون كيلومتر تفصل الأرض عن الشمس، وعندما تصل هذه الجزيئات يتلقاها المجال المغناطيسي للأرض ليحميها منه، ويكون تأثيرها محدود ويتمثل في ظهور ستائر متوهجة وذات ألوان بهيجة تتدلى من سماء الليل في المناطق القطبية بسبب اصطدام هذه الجزيئات المشحونة بغازات الغلاف الجوي، وكلما كانت هذه المقذوفات أضخم، كان التوهج أقوى وانتشاره أكبر، ويقترب أكثر فأكثر من خط الاستواء، وهو ما حدث فعلا في الحادثة المذكورة في مكة عام 1872م، حيث إن دائرة العرض التي تقع عليها مكة لا تبعد عن خط الاستواء سوى 21 درجة، وهذا يعني أن العاصفة الشمسية التي حدثت في تلك الفترة كانت شديدة جدا، وضمن أعلى ما تم توثيقه تاريخيا.

أما من ناحية تأثير هذه العواصف على الحياة اليومية، فلم يكن لها ضرر يذكر في ذلك الزمان الذي لم تكن فيه الاتصالات اللاسلكية وخطوط نقل الكهرباء والأجهزة الكهربائية موجودة، لكن أول تأثير تم رصده على التكنولوجيا الحديثة كان في عام 1859م عندما لاحظ الفلكي الإنجليزي ريتشارد كارينجتون وميضا غريبا صدر من الشمس عندما كان يراقبها باستخدام مرشحات ضوئية خاصة، ولم يدرك ما هو تأثير هذا الوميض أو الانفجار على الأرض، لكن بعد يوم واحد بدأت الملاحظات ترد من مختلف أنحاء الكوكب، فقد وصلت ظاهرة الشفق القطبي إلى مناطق قريبة من خط الاستواء مثل بنما وكولومبيا، ويقال: إن الناس كانوا يستطيعون قراءة الصحف في الولايات المتحدة ليلا على أضواء الشفق القطبي، كما أن خطوط التلغراف، وهي أحدث وسيلة اتصالات في ذلك الوقف تعطلت تماما في أوروبا وأمريكا الشمالية بسبب التيار المستحث الزائد الذي تسببت به الجزيئات المشحونة القادمة من الشمس على الأجهزة الإلكترونية، ورغم أن المشغلين لتلك الخطوط فصلوها عن مصادر الطاقة لكن ثمة توثيق لمحادثة امتدت لمدة ساعتين وجرت بين مشغلين في مدينتي بوسطن وبورتلاند في الولايات المتحدة باستخدام خطوط التليجراف وهي مقطوعة عن مصدر الطاقة، أي أن الخطوط كانت تعمل فقط من خلال التيار الزائد نتيجة العاصفة الشمسية.

اليوم، يصنف الكثير من العلماء حادثة كارينجتون بأنها أعنف عاصفة شمسية يتم توثيقها أو ترد في المصادر التاريخية، ويتوقعون من خلال الدراسة المتواصلة للشمس أن الأحداث المماثلة تتكرر تقريبا كل بضعة قرون، ولم يقلل من تأثيرها سوى أنه في ذلك الوقت لم تكن التقنية الحديثة منتشرة بشكل واسع كما هو الحال اليوم، ويقولون: إنه لو حدثت حالة مشابهة في زماننا هذا فقد تؤدي لقطع كامل في خطوط نقل الكهرباء، وتعطل جميع الأقمار الصناعية، أي أننا سنجد أنفسنا -حرفيا- خلال يوم واحد وكأن الحياة رجعت بنا إلى سنين طويلة لم نكن نعتمد فيها على التقنية الحديثة، وقد يكلف إصلاح وإعادة تأهيل خطوط نقل الطاقة وإصلاح الكثير من الأجهزة مبالغ طائلة وموارد كثيرة، ومدة غير محددة.

أما الحل الذي يراه البشر اليوم لتجنب كارثة مماثلة، فهو يكمن في فهم هذا الجار النجمي الذي تستعين به الحياة على الأرض، ولكن مزاجه قد يتغير علينا في أي لحظة، فهناك حاليا الكثير من الأرصاد الشمسية المتواصلة منذ أكثر من 100 عام، والتي تلتقط صورا للشمس كل يوم أو كل ساعة، وهذا الأرشيف الطويل يساعد في فهم سلوك الشمس ودورات النشاط التي تمر بها على الفترات القصيرة والطويلة، كما أن هناك أقمار صناعية موجودة في الفضاء منذ عقود ومخصصة لرصد الشمس بشكل متواصل ، وهي لا تغمض كاميراتها عن الشمس أبدا، وأتاحت الوكالات التي أطلقت هذه الأقمار الصناعية صورها لجميع العلماء والمهتمين حول العالم من أجل دراسة الشمس، كما أن هناك مركبات فضائية أخرى أرسلت لتدور حول الشمس أو تقترب منها وتلتقط صورا لها من مختلف الزوايا كي ندرسها بشكل أفضل، وهذه الأقمار والمركبات بالإضافة للأرصاد الأرضية تهدف إلى تشكيل شبكة إنذار مبكر لأي عاصفة شمسية قادمة كي يستطيع المشغلون لخطوط الكهرباء والأقمار الصناعية وأجهزة الاتصالات حول العالم تخفيض الحمل الكهربائي لهذه الأجهزة أو إطفاءها مؤقتا حتى تمر هذه العاصفة بسلام.

وختاما، نجد في رسالة ابن فضلان هذا الوصف لتعجبه ومن معه من مشهد الأضواء القطبية التي رآها في مملكة الصقالبة (تقع ضمن دولة روسيا حاليا) في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي): «ورأيتُ في بلده من العجائب ما لا أُحصيها كثرة. من ذلك: أن أول ليلة بتناها في بلدهِ رأيتُ قبل مغيب الشمس بساعة قياسية أفق السماء وقد احمرّت احمرارًا شديدًا، وسمعتُ في الجوّ أصواتًا شديدة وهمهمة عالية، فرفعتُ رأسي فإذا هو غيمٌ أحمر مثل النار قريب مني، وإذا تلك الهمهمة والأصوات منه، وإذا فيه أمثال الناس والدواب... ففزعنا من ذلك، وأقبلنا على التضرع والدعاء، وهم يضحكون منّا ويتعجّبون من فعلنا».

عيسى سالم آل الشيخ مؤسس مبادرة ناسا بالعربية، عضو مجلس إدارة الجمعية الفلكية العمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشفق القطبی

إقرأ أيضاً:

المنخفض الجوي آدم يدخل ذروته.. عواصف وثلوج تضرب الشرق الأوسط

أجواء شديدة البرودة تسيطر على حالة الطقس طوال فترات اليوم في مصر والدول العربية المجاورة لها وخاصة بلاد الشام: سوريا ولبنان وفلسطين، والتي تقع تحت تأثير المنخفض الجوي آدم، والمعروف بالجمود أيضًا والمتسبب في اضطراب الأحوال الجوية وعدم استقرارها في 8 دول عربية، إذ يدخل المنخفض الجوي آدم ذروته متسببا بعواصف وثلوج تضرب الشرق الأوسط.

المنخفض الجوي آدم يدخل ذروته 

وأصدرت هيئات الأرصاد الجوية بالدول العربية تحذيراتها من اضطراب الأحوال الجوية خلال الساعات المقبلة، بسبب ذروة المنخفض الجوي آدم، والمتسبب في عواصف وثلوج تضرب الشرق الأوسط، إذ حذرت هيئة الأرصاد الجوية المصرية من استمرار انخفاض درجات الحرارة وشدة تأثير الموجة الباردة ليسود طقس شديد البرودة ليلاً ونهاراً، ويصاحبه اضطراب الملاحة البحرية بسب سرعة الرياح التي تصل 60 كيلومترا في الساعة.

ويتأثر لبنان بانخفاض درجات الحرارة وكتل هوائية شديدة البرودة نتيجة تأثير منخفض آدم القطبي، لذا حذَّرت مصلحة الأرصاد الجوية اللبنانية من تكون الجليد والثلوج على الطرقات والمرتفعات الجبلية التي تزيد عن 700 متر، مشيرة إلى أن موجة الصقيع تستمر حتى الأربعاء.

عواصف وثلوج تضرب الشرق الأوسط

وحذرت إدارة الأرصاد الجوية الأردنية من انخفاض مستوى الرؤية الأفقية بسبب الضباب والغبار، والتجمد والصقيع فوق المرتفعات الجبلية العالية، وخاصة في ساعات الليل المتأخرة، وخطورة انزلاق المركبات على الطرق، مشيرة إلى أن الموجة الباردة سوف يزداد تأثيرها مع تعمق أكثر للكتلة الهوائية الباردة والقطبية على المملكة، لتسود انخفاض درجات الحرارة وأجواء غائمة وماطرة وخاصة في الشمال والوسط، مع احتمالية هطول الثلوج ولفترات قصيرة فوق المرتفعات الجبلية، لذا حذرت من الاقتراب من الأودية ومناطق تشكل السيول.

انخفاض درجات الحرارة لأقل من المعدل الطبيعي 

كما حذرت الأرصاد الفلسطينية من استمرار تأثير المنخفض الجوي وانخفاض درجات الحرارة ووصولها لأقل المعدل السنوي بـ4 إلى 6 درجات، وسقوط أمطار غزيرة وعواصف رعدية وبرد، وثلوج على المرتفعات الجبلية العالية.

وتوقعت مديرية لأرصاد الجوية السورية استمرار انخفاض درجات الحرارة لأقل من المعدل الطبيعي بـ2 إلى 6 درجات، مع وجود فرص سقوط أمطار وثلوج فوق المرتفعات التى تزيد على 1200 متر، وحدوث وعواصف رعدية وثلوج في المناطق الجنوبية والشرقية والقلمون والسويداء، ورياح شديدة تصل سرعتها إلى 50 كيلومترا فى الساعة.

صافرات الإنذار تدوي في السعودية وقطر بسبب انخفاض الرؤية

وحذرت إدارة الأرصاد الجوية القطرية من ارتفاع معدلات الرطوبة، ووجود فرص لتشكل الضباب خلال ساعات الليل، وأصدرت المديرية العامة للأرصاد بعمان تحذيراتها بشأن تشكل الضباب والسحب المنخفضة التي تؤدي إلى انخفاض مستوى الرؤية الأفقية في عدة محافظات والمناطق الساحلية.

وفي المملكة العربية السعودية أصدر المركز الوطني للأرصاد صافرات الإنذار بسبب الرياح الشديدة والغبار وتدني الرؤية فى المناطق الشمالية والشرقية والعاصمة الرياض، كما توقع توقع المركز الوطن الإماراتي للأرصاد طقسا غير مستقر، متأثرا بامتداد منخفض جوي من الجنوب الغربي، وامتداد مرتفع جوي سطحي من الغرب تصاحبه كتلة هوائية باردة.

مقالات مشابهة

  • المنخفض الجوي آدم يدخل ذروته.. عواصف وثلوج تضرب الشرق الأوسط
  • السعودية.. أول وجهة لـالسماء المظلمة بالشرق الأوسط.. من تريد استقطابهم؟
  • وداعا للزحام.. سيارة طائرة كهربائية تحلق فجأة في السماء لأول مرة
  • ما هو المكان الأخطر في الكون؟.. مفاجأة غريبة بشأن الأرض
  • احتياطي الذهب في لبنان.. هل ينجو من عواصف الاقتصاد؟
  • هل تهدد الطاقة الشمسية شبكاتِ الكهرباء؟
  • إيلون ماسك: حان الوقت لإنهاء برنامج المحطة الفضائية الدولية
  • نوة الشمس الصغرى تضرب الإسكندرية و5 محافظات أخرى.. عواصف وأمطار
  • عواصف تصريحات ترامب مزاعم مرسلة
  • ظاهرة فلكية نادرة تزين السماء آخر فبراير.. اصطفاف استثنائي لـ7 كواكب