على العالم مواكبة التحول المزدوج تقنيا وبيئيا قراءات في تقرير اليونسكو للعلوم
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
مثلت الثورات الصناعية الثلاث السابقة قفزات كبرى في طريقة تعاطي البشرية مع محيطها وفي أساليب وتقانات العمل والإنتاج جاءت نتيجة لقفزات علمية كبرى كذلك، فكانت الثورة الصناعية الأولى مدفوعة باختراع المحرك البخاري، وكانت الكهرباء محرك الثورة الصناعية الثانية، ومن ثم جاءت التكنولوجيات الرقمية لتفتتح عصر الثورة الصناعية الثالثة.
ويشير تقرير اليونيسكو للعلوم إلى كون هذه الدراسات استوطنت في السابق مختبرات البحث العلمي في الجامعات وتتوجه حاليا نحو تطبيقها في المساحات الصناعية. يشدد التقرير أيضا على أن هذا يؤكد ضرورة امتلاك البلدان المختلفة للمقدرات العلمية والبنى التحتية البحثية في العلوم ذات الصلة لتتمكن من المشاركة في الثورة الصناعية الجديدة بشكل فعال.
وتصدر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تقريرها للعلوم حوالي كل خمس سنوات لتقدم من خلاله استعراضا لأوضاع وتوجهات العلوم والابتكار والتكنولوجيا في الكوكب. ويعد التقرير مصدرا مهما للبيانات والاستقراءات من قبل العاملين في المجالات ذات الصلة والمهتمين بتطور العلم بشكل عام وذلك لما يحويه من مسوحات تشمل مجالات البحوث العلمية المنشورة وأنماط الصرف على البحث العلمي وأعداد الباحثين على مستوى بلدان وأقاليم كوكبنا المختلفة وغير ذلك من معلومات. كانت اليونسكو قد أصدرت تقريرها الأخير للعلوم تحت العنوان الفرعي «سباق مع الزمن من أجل تنمية أذكى» في العام 2021. وركز التقرير على ثلاثة مجالات أساسية للبحث العلمي وهي مجالات مترابطة ومتداخلة تسعى الفقرات القادمة إلى استعراضها ألا وهي مجالات الثورة الصناعية الرابعة، والتكنولوجيات الاستراتيجية، والتحول المزدوج.
وقبل أن ندلف إلى التعريفات العلمية للمجالات المذكورة أعلاه لا بد من الإشارة إلى سمة عامة يمكن ملاحظتها في جميع أجزاء التقرير بدءًا بعنوانه. ويربط التقرير بين العلوم البحتة وبين انعكاساتها الاجتماعية مصداقا للعلاقة الديالكتيكية الوطيدة بين الجانبين، ونرى ذلك في اختيار التنمية الأذكى كهدف لسباقنا مع الزمن بدلا عن حصرها في «التطور العلمي الأذكى» على سبيل المثال. ولتفسير ذلك نقتبس من أحد مقالات التقرير والمعنون «ما كشفه كوفيد-19 عن تطورات مشهد النصح/الإرشاد العلمي» حيث أتى فيه أن «من المهم الاعتراف بأن العلم يحمل قيما مضمنة. يشمل ذلك اعتبارات تحديد أسئلة البحث وكيفية البحث فيها وكيفية الاستفادة من المعلومات المنتجة»، وبشكل متسق مع ذلك نجد أن تحليل وتقييم التقرير لأنماط البحث العلمي المختلفة يعتمد بشكل أساسي على آثارها الاجتماعية مثل قدرتها على الدفع بأهداف تنموية محددة آو مقدار مشاركة المجموعات البشرية المختلفة في إنتاجها أو مدى توفر البنى التحتية الداعمة لتطورها. في هذا المنظور لا يمكن الفصل بين الجانبين العلمي والاجتماعي، بل تتم قراءتهم بشكل متكامل بهدف إنجاز تطور علمي ذي قيمة إيجابية للبشرية، وينطبق ذلك بالتأكيد على المجالات العلمية الثلاثة التي يسعى المقال إلى استعراضها بشكل مختصر.
علوم الثورة الصناعية الرابعة
تطرقنا في افتتاحية هذا المقال إلى علوم الثورة الصناعية الرابعة وهي بلا شك تجلب معاها مساحات جديدة ومبشرة في البحث العلمي والإنتاج الصناعي، ولكنها كذلك تحمل مخاطر لم يغفل التقرير عنها، حيث تطرق إلى الآثار الاجتماعية للنظم السيبرانية الفيزيائية المنتجة عبر هذه العلوم، وهي النظم المكونة من عناصر فيزيائية مادية وأخرى افتراضية برمجية، ومن أمثلتها الأجهزة الطبية الصغيرة القابلة للزرع وتقنيات الزراعة الدقيقة (precision agriculture) والمركبات ذاتية القيادة والمباني الذكية. وتأتي مع هذه التقانات تحديات جديدة وتغيرات عميقة في إدارة أسواق العمل -لما تسببه من انخفاض حاد في الحوجة للوظائف ذات المهارات المنخفضة-، كما تفتح مجالات جديدة في الحوكمة والإدارة في التعامل مع البيانات الكبيرة وتقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي وتقاطعات المجالين. كما يشدد التقرير على ضرورة «عدم القفز قبل تعلم المشي» فيما يتعلق بتوجهات البلدان المختلفة نحو تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة مشيرا إلى ضرورة تجهيز العنصر البشري علميا وعمليا للتعاطي مع هذه التقنيات بشكل متوازن مع تطبيقها. ويشمل ذلك رفع المستوى العلمي في مراحل التعليم الأساسي وتدريب القوى العاملة الفنية الماهرة بالإضافة إلى الباحثين. ونضيف إلى ذلك ضرورة اتخاذ التوجه ذات -عدم القفز قبل تعلم المشي- فيما يتعلق بتشييد البنى الأساسية الضرورية المصنفة تحت الثورات الصناعية السابقة، ولا نعني بذلك أن نبدأ بالمحرك البخاري بالطبع، ولكننا نشير إلى أساسات التطور التقني المثمر مثل ضمان وصول الكهرباء والتعليم لتمكين جميع الأفراد من المساهمة في المسيرة التكنولوجية والاستفادة من ثمارها، وكذلك وجود بيئة صناعية مزدهرة توفر مساحة لتطبيقات التكنولوجيا وطلبا متزايدا عليها كما تدعم التطور نحو الصناعات الأكثر تعقيدا.
التكنولوجيات الاستراتيجية
تعود تسمية التكنولوجيات الاستراتيجية - أو التكنولوجيات الاستراتيجية الشاملة cross-cutting strategic technologies- إلى كونها تقانات ذات تطبيقات واسعة في مجالات عملية متعددة. تشمل التكنولوجيات الاستراتيجية -بناءً على ترتيب عدد الأبحاث المنشورة في المجال عامي 2018- 2019 وفقا لتقرير اليونيسكو(انظر شكل 1) - مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، والطاقة، وعلوم المواد، والنانو تكنلوجيا، والبصريات الإلكترونية والضوئيات (opto-electronics and photonics)، والتكنلوجيا الحيوية، والدفاع الاستراتيجي، والمعلومات الحيوية (bioinformatics)، وأنترنت الأشياء، وتكنلوجيا سلاسل الكتل (blockchain technology). بالنظر إلى أمثلة هذه التكنولوجيات نجد أنها تأتي من مسارات علمية مختلفة بينها علوم الأحياء والعلوم الفيزيائية والرقمية والهندسية مما يوضح أن ما يجمعها هو مساحة تطبيقها، كما نجد بينها مساحات للبحث العلمي تعتبر أساسية لتمكين الانتقال إلى الثورة الصناعية الرابعة المذكورة سلفًا. ويشير التقرير إلى زيادة ملحوظة في المنشورات العلمية في مجالات التكنولوجيات الاستراتيجية الشاملة عام 2019 مقارنة بعام 2015، حيث ازدادت عالميًا بنسبة 33% في هذه الفترة. ولم يقتصر هذا النمو العلمي على البلدان المتطورة، بل وجد التقرير أن الزيادة في هذه الأبحاث بين البلدان ذات الدخول المنخفضة وصلت إلى 170% في نفس الفترة. يمكن قراءة هذه التطورات إيجابيا في إطار تسارع الخطى نحو التقدم العلمي إلا أن من الضروري الانتباه لانعكاساتها الواقعية استرشادا بهدف تحقيق «التنمية الأذكى» ويندرج تحت ذلك تساؤلات عن كيفية ومقدرة هذه الأبحاث على حل مشكلات البلدان ذات مستويات التنمية المتدنية.
التحول المزدوج
يشير تقرير اليونيسكو للعلوم 2021 إلى الأولويات التنموية الدافعة للبحث العلمي في الفترة التي يغطيها ويصفها بأنها تدمج أهداف التنمية المستدامة والتقنيات الصديقة للبيئة مع أهداف تحقيق التحول الرقمي الضروري للنمو الاقتصادي؛ منتجةً مفهوم التحول الأخضر والرقمي المزدوج. ويشدد التقرير على أن تحقيق هذا التحول يتطلب زيادة الاستثمار في البحث والتطوير بالإضافة إلى وضع استراتيجيات طويلة المدى فيما يتعلق بتحديد مجالات وأولويات البحوث العلمية. «والطاقة في قلب التحول المزدوج» كما يذكر التقرير، فالبحث عن مصادر طاقة أكثر استدامة يعتبر أحد المجالات الأهم لتمكين التحول الأخضر، كما أن توفر الطاقة يعتبر الأساس الذي لا يمكن من دونه التفكير في تطبيق تكنولوجيات التحول الرقمي.
ويحتوي التقرير على الكثير من المعلومات التي يمكن من خلالها استقراء التقدم والطلب المتسارع على علوم وتكنولوجيات التحول المزدوج، فعلى سبيل المثال نجد أن الأبحاث في مجال علم البيئة تأتي في المرتبة الثانية بين المجالات التي تشكل أعلى نسب تعاون علمي عابر للحدود في الفترة التي غطاها التقرير (انظر شكل 2) ويتسق ذلك مع الطبيعة الكوكبية للأسئلة البيئية. كما حفزت جائحة كوفيد 19 استخدام التقنيات الرقمية لتمكين العمل والطبابة عن بعد ومن الأمثلة المذكورة في التقرير عن ذلك تشغيل دولة البرازيل لما يفوق الـ140 مركزا للطبابة عن بعد والصحة الإلكترونية (telemedicine and e-health) واستخدام الطائرات بدون طيار من قبل المملكة العربية السعودية بهدف تحديد الأفراد المصابين بارتفاع درجات حرارة الجسم، وكذلك استخدامها في دولتي رواندا وغانا لتوصيل عينات الدم من المراكز الصحية في المناطق البعيدة عن مرافق الحفظ والتحليل. ونرى من الضروري الأخذ بالاعتبار أن شقي التحول المزدوج -التحول الأخضر والتحول الرقمي- مختلفان مفاهيميا واستراتيجيا، فبينما يجب النظر إلى التحول الأخضر كضابط وموجه للتكنولوجيات والعلوم نحو الأهداف الصديقة للبيئة، يكون التحول الرقمي على الجانب الآخر بمثابة الوسيلة والأداة المُمَكِنة للتقدم العلمي والتقني. من المهم استذكار هذه الفروقات لضمان عدم وضع الموجه مكان الأداة أو العكس؛ مما قد ينتج حراكًا علميا ذا آثار تنموية سلبية مضادة لأهداف التحول المزدوج.
ختامًا، ترتكز أهمية تقرير اليونيسكو للعلوم على ما يقدمه من استعراض لمساحات وتوجهات التقدم العلمي على مستوى الكوكب حيث حوت نسخة 2021 على ما يفوق الـ700 صفحة من المعلومات الإحصائية والمقالات التحليلية. وهي معلومات جوهرية للتحليل والتخطيط التنموي والاستراتيجي كما رأينا من قراءتنا المختصرة هذه. ويخصص التقرير جزء كبير منه لتقديم صورة من أوضاع البحث العلمي للدول، حيث نجد في الفقرات المخصصة لسلطنة عمان إشارة التقرير إلى تبني «رؤية عمان 2040»لأهداف التقدم العلمي كما يشير إلى مجلس البحث العلمي العماني كجزء من البنية الإدارية الأساسية الموجِهة لمسارات وأولويات البحث العلمي في الدولة. سعى هذا المقال إلى توفير تعريفات وقراءات علمية تمكن قارئه من استكشاف تقرير اليونيسكو هذا ونسخه القادمة بشكل يفيد تطوير الحوار العلمي وتحقيق أهدافه التنموية.
مزن النيل باحثة في السياسات الصناعية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الثورة الصناعیة الرابعة التحول الرقمی التحول الأخضر البحث العلمی التقریر على العلمی فی
إقرأ أيضاً:
قبيصي يترأس اجتماع الأمانة الفنية للتعليم والتدريب المزدوج بالفيوم
ترأس الدكتور خالد قبيصي، وكيل وزارة التربية والتعليم بالفيوم، اجتماع الأمانة الفنية للتعليم والتدريب المزدوج، بحضور عدد من مسؤولي المديرية وفريق العمل من GIZ.
حضر الاجتماع كل من محمد عبدالسلام، مدير عام إدارة التعليم الفني بالمديرية، و سوسن مصطفى على، مدير إدارة التعليم والتدريب المزدوج بالمديرية، كما حضر الاجتماع فريق العمل من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، الذي ضم الدكتور محمود بركة، والدكتور مصطفى شرف، و أحمد جنيدي.
تم خلال الاجتماع مناقشة القرار الوزاري رقم 191 لسنة 2024م بشأن تشكيل المجلس التسييري لنظام التعليم والتدريب المزدوج، بالإضافة إلى استعراض موقف تسليم العقود التدريبية للمدارس وتسكين الطلبة في المنشآت التدريبية، كما تم التطرق إلى الفرص المتاحة في المجالات الصناعية، التجارية، الفندقية، والزراعية، وكذلك التوسع الجغرافي في تطبيق نظام التعليم المزدوج.
أكد الدكتور خالد قبيصي، وكيل وزارة التربية والتعليم بالفيوم، على أهمية تحقيق التنمية المهنية والتثقيفية لدى طلاب التعليم الفني في المجالات المتنوعة مثل الملابس الجاهزة، والسياحة، والنباتات الطبية والعطرية. وأضاف أن هذه المجالات تعد من أهم القطاعات التي يمكن أن تساهم في تحسين فرص العمل والتنمية المستدامة في المجتمع المحلي بالفيوم، مشيرًا إلى ضرورة تدريب الطلاب وتزويدهم بالمهارات اللازمة للانخراط في سوق العمل بشكل فعّال.
وشدد وكيل الوزارة على ضرورة توفير برامج تدريبية متخصصة، بالتعاون مع المؤسسات التعليمية والمهنية، لتطوير مهارات الطلاب في هذه المجالات الحيوية، وأكد أن التعليم الفني يجب أن يتماشى مع متطلبات سوق العمل ويشمل تدريباً عملياً يساعد الطلاب على اكتساب الخبرات العملية.
كما أشار إلى أهمية التعاون مع شركات ومؤسسات القطاع الخاص، لفتح آفاق جديدة لطلاب التعليم الفني في مجالات العمل المختلفة، وذلك لتأهيلهم للوظائف المستقبلية في هذه القطاعات المبتكرة.
يأتي هذا الاجتماع في إطار الجهود المستمرة لتحسين وتطوير نظام التعليم الفني والتدريب المزدوج، بما يساهم في توفير فرص تدريبية متميزة للطلاب في مجالات متنوعة تتماشى مع احتياجات سوق العمل.
استقبال لجنة الثانوية العامةومن جهه اخرى استقبل الدكتور خالد خلف قبيصى وكيل وزارة التربية والتعليم بالفيوم، لجنة مقابلات رؤساء لجان الثانوية العامة بالفيوم في إطار الاستعدادات لامتحانات الثانوية العامة 2025.
بحضور ريحاب عريق وكيل المديرية، وأعضاء لجنة المقابلات الشخصية بالوزارة، مصطفى يوسف ، وهبة حسني بالإدارة العامة للامتحانات ، و إسماعيل مأمون بالإدارة العامة للمراجعة الداخلية والحوكمة، و أحمد عبدالمنعم بالإدارة العامة للشئون القانونية ، و محمد فتحي مدير عام التعليم العام ، ومحمد عيد مدير إدارة شئون الطلبة والامتحانات، و عبدالتواب عبدالظاهر مدير إدارة التعليم الثانوي بالمديرية.
وقد تم عقد المقابلات الشخصية بمسرح مدرسة الشهيد مصطفى أحمد على بغرب الفيوم ، حيث تم اختيار أفضل العناصر من رؤساء اللجان والمراقبين الأوائل الذين سيتولون مسؤولية الإشراف على امتحانات الثانوية العامة للعام 2025 لضمان سيرها بشكل منظم ودقيق ومنضبط.
وبلغ عدد المتقدمين للمقابلات الشخصية بمديرية التربية والتعليم بالفيوم 165 متقدمًا للعمل (97 رئيس لجنة - 68 مراقب أول).
تأتي هذه الخطوة في إطار حرص وزارة التربية والتعليم على توفير أفضل العناصر المتميزة للمشاركة في أعمال امتحانات الثانوية العامة، وضمان بيئة امتحانية مناسبة تضمن تكافؤ الفرص للطلاب وتحقيق العدالة والشفافية المطلقة أثناء الامتحانات.
1000078188 1000078190 1000078192