لجريدة عمان:
2025-04-07@03:38:56 GMT

كيف يغيّر الأدب دماغك وعلاقتك بالآخرين؟

تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT

كيف يغيّر الأدب دماغك وعلاقتك بالآخرين؟

تتعدّد الأسباب التي تدفعنا للقراءة. فنحن نقرأ الخيال الشعبي من أجل تسلية أنفسنا، والخيال الأدبي لجماليّة صياغته، والنصوص الوثائقية بهدف إثراء معارفنا، أكاديميةً كانت أم تقنية، وكُتب التنمية الذاتية لغايةٍ محّددة تُفصح عنها التسمية نفسها بشكل صريح (تنمية الذات)...

ثمّة أمر مؤكد هو أنه إذا صدّقنا النّسخة الثالثة من مؤشّر «الفرنسيّون والقراءة»، والتي صدرت عن المركز الوطني للكتاب في الثالث عشر من مارس 2019 فإن فرنسا مولعة بالقراءة: 88% من سكّانها يعلنون أنفسهم قرّاءً، مع ميولٍ واضح نحو الرواية.

وفي حين أن العديد من الدراسات العلمية قد عكفت على البحث في الآثار المترتّبة على المدى الطويل عن ممارسة التأمل أو الموسيقى على الدماغ، لا يُعرف سوى القليل عن آثار القراءة على الدماغ. والمثير للدهشة أن هذا الموضوع لم يحظَ بالكثير من البحث. لقد ركّزت معظم الأعمال الموجودة في الواقع على وصف ما يحدث في الدماغ عندما نقرأ، أو على تحديد هياكل الدماغ اللازمة لعملية القراءة.

غير أنه قد ثبت بوضوح أن القراءة تعود على صاحبها بفوائد جمّة، خاصّة فيما يتعلق بالتفكير، حتى لو لم تكن جميع فئات الكتب بنفس القدر من الأهمية في هذا الصّدد. لنُلق نظرةً على بعض الدروس الأساسية المستفادة من الدراسات النّادرة الموجودة.

«قراءة» الآخرين بشكل أمثل بفضل الأدب

إن النتيجة الأكثر إثارة للدهشة هي تلك التي حصل عليها الباحثان ديفيد كومر كيد (David Comer Kidd) وإيمانويل كاستانو (Emanuele Castano)، ونُشرت في مجلة ساينس المرموقة عام 2013، ثم أعاد فريق آخر تأكيدها عام 2018.

لقد أظهر كيد وكاستانو أن مجرّد قراءة مقتطفٍ من الخيال الأدبي (عمل حاصل على جائزة و/أو كتبه مؤلّف مرجعي، مثل باتريك موديانو (Patrick Modiano) أو جون ماري غوستاف لوكليزيو (Jean‑Marie Gustave Le Clézio))، تسمح لاحقا بالحصول على أداءٍ أفضل فيما يتعلّق بـ «نظرية العقل» (Theory of Mind) مقارنة بقراءة مقطعٍ من كتب الخيال الشعبي.

تُعرَّف نظرية العقل أنها القدرة على إسناد الأفكار والنوايا والعواطف للآخرين، وبالتالي القدرة على فهم سلوكهم والتنبّؤ به. قام كيد وكاستانو خلال أبحاثهما بتقييم هذه القدرة من خلال استخدام اختبار تفسير النّظرة، والذي يقضي باختيار الكلمة التي تتوافق مع الفكرة أو النية أو العاطفة التي تعبّر عنها نظرة فردٍ ما.

وفضلا عن هذا التأثير قصير المدى للقراءة، أظهر الباحثان أن ثمّة علاقة إحصائية مُوجَبة بين تجربة القراءة لدى الأشخاص الذين شملتهم الدراسة، والتي تم قياسها من خلال اختبار التعرّف على المؤلفين، والأداء في اختبار تفسير النّظرات، ممّا يشير هذه المرة إلى أثرٍ طويل المدى لممارسة القراءة فيما يتعلّق بنظرية العقل.

من الواضح إذن أن لقراءة الأعمال الأدبية نتائج إيجابية، ولكن كيف يمكن تفسيرها من الناحية العصبية؟

الأدب يغيّر الوصلات العصبيّة في الدماغ

لقد اهتمّت دراسات مختلفة باستكشاف الأساسات الدماغية لنظرية العقل. وقام الباحثون بجعل المشاركين يقرؤون نصوصا تهدف إلى تعبئة هذه القدرة (القراءة)، مع مراقبة نشاط أدمغتهم من خلال استخدام التصوير العصبي الوظيفي. وهكذا سلّط العلماء الضوء على وجود منطقتين محدّدتين في الدماغ تتدخّلان في هذه العملية: قشرة الفصّ الجبهي الإنسي والموصل الصّدغي الجداري. وكلاهما يلعب دورا في فهم نوايا الآخرين.

تعدّ هذه النتائج مثيرة للاهتمام، غير أنها لا تقدّم أي معلومات عن تأثير قراءة النصوص الأدبية في الدماغ. وحتى الآن، ثمّة دراسة واحدة فقط عملت على استكشاف هذا الجانب، وهي تلك التي أجراها بيرنز (Berns) وزملاؤه، والتي نُشرت عام 2013 في مجلة «Brain Connectivity». لقد طلب مؤلفو هذه الدراسة من مجموعة من الأشخاص الأصحّاء، وهم طلاب في جامعة إيموري حيث كان يعمل الباحثون، قراءة ثلاثين صفحة من رواية بومبي (Pompeii)، وهي رواية للكاتب روبرت هاريس (Robert Harris)، وذلك كل مساء طيلة تسعة أيام. وكانوا يقومون بقياس نشاط الدماغ أثناء الراحة بشكل منهجي في صباح اليوم التالي. ويهدف هذا البروتوكول إلى تحديد ما إذا كان تأثير القراءة على الدماغ يستمر مع مرور الوقت أم لا.

لقد أظهرت النتائج أنه خلال فترة القراءة التي استمرت تسعة أيام، زاد الاتصال الوظيفي بين قشرة الفصّ الجبهي الإنسي والموصل الصّدغي الجداري. إن التواصل المعزّز بين هاتين المنطقتين يمكن أن يفسّر سبب تحسّن مهارات قارئي الرواية فيما يتعلّق بهذه الوظيفة.

المضيّ أبعد من ذلك من أجل تحسين فوائد القراءة

تبدو القراءة إذن قادرة على تحسين بعض القدرات المعرفية المهمّة للحياة في المجتمع. غير أن هذه النتائج المثيرة للاهتمام تظلّ مجزّأة، وتتطلب إجراء المزيد من الأبحاث.

تستدعي الدراسة المثالية الجمع بين المقاييس المعرفية لنظرية العقل ومقاييس الدماغ الوظيفية والتشريحية. ولا بدّ أن يكون هدف هذه الدراسة هو تسليط الضوء على آثار القراءة على نظرية العقل في المديين القصير والطويل، بالإضافة إلى تحديد النشاط الدماغي المرتبط بها على نحوٍ أفضل.

لقد تمّ بالفعل دمج الأدب في بعض البرامج التي تهدف إلى تعزيز الروابط الاجتماعية، مثل تلك التي تعمل على تعزيز حسّ التعاطف عند الأطباء، أو تطوير مهارات السجناء.

إن فهمًا أمثل للآليات الدماغية الكامنة وراء الآثار المفيدة للقراءة على الدماغ من شأنه أن يجعل هذه المقاربات أكثر فعّالية، أو يسمح حتى بإبداع مقاربات جديدة.

فريدريك برنار أستاذ محاضر في علم النفس العصبي بجامعة ستراسبورغ (فرنسا)

المصدر: موقع The Conversation

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الدماغ فی الدماغ

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: الطاعة أن تعبد الله كما يريد بعيدا عن العقل والهوى

قال الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الطاعة أن تعبد الله كما يريد لا كما تريد، وهذه الحقيقة الواضحة يلتف عليها كثير من الناس، في حين أنها هي الأصل في عصيان إبليس الذي قص الله علينا حاله، وأكد لنا الإنكار عليه وعلى ما فعله في كثير من آيات القرآن الكريم.

ونوه عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، أن إبليس لم يعترض على عبادة الله في ذاتها، ولم يكفر بوجوده، ولم يُشرك به غيره، بل إنه أراد أن يعبده سبحانه وحده وامتنع عن السجود لآدم، والذي منعه هو الكبر وليس الإنكار.

هل يجوز الكذب خوفا من الحسد .. علي جمعة يوضح الموقف الشرعيعلي جمعة: كيف نبقي أثر شهر رمضان حيًا في حياتنا ؟كيف تكون مسرورا؟.. علي جمعة يصحح مفاهيم خاطئة عن السعادةعلي جمعة يعدد مواطن النفحات الإلهية المخفية خارج شهر رمضان

واشار  الى ان الكبر أحد مكونات الهوى الرئيسية، والهوى يتحول إلى إله مطاعٍ في النفس البشرية، وهنا نصل إلى مرحلة الشرك بالله، فالله أغنى الأغنياء عن الشرك. قال تعالى في هذا الحوار : (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ) .

ضل فريقان فى مسألة الطاعة

ولفت الى انه في مسألة الطاعة ضل فريقان : فريق أراد الالتزام فزاد على أمر الله وحرّف، وفريق أنكر وفرّط وانحرف.

فالأول أراد أن يعبد الله كما يريد هو؛ فاختزل المعاني وتشدّد وأكمل من هواه ما يريد، وقال: هذا معقول المعنى عندي.

والثاني أراد أن يتفلّت وأن يسير تبع هواه؛ وقال: إن هذا هو المعقول عندي، في حين أنه يريد الشهوات.

وذكر أن ربنا يحدثنا عن كل من الفريقين، وهما يحتجان بالعقل، ولا ندري أي عقل هذا؟ وما هو العقل المرجوع إليه والحاكم في هذا؟ وهما معًا يؤمنان ببعض الكتاب ويكفران ببعض آخر، والقرآن كله كالكلمة الواحدة. قال تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، وقال سبحانه : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) وقال سبحانه : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ).

أما الذين يدّعون العقل ويتبعون من حولهم من أصحاب الأهواء، ويغترون بكثرتهم، فهم يتبعونهم في الضلال، ولا ينبغي أن يغتر هؤلاء بالكثر؛ فدور العقل هو الفهم وإدراك الواقع ومحاولة الوصل بين أوامر الوحي وبين الحياة، واستنباط المعاني بالعلم ومنهجه، وليس دور العقل إنشاء الأحكام واختراعها؛ فإن هذا من شأن الله سبحانه وحده. قال تعالى : (إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).

مقالات مشابهة

  • مدرسة أثينا.. عندما جمع رفائيل الفلاسفة في لوحة واحدة
  • هذه قيمة الجوائز.. تفاصيل مسابقة القراءة الحرة للجميع بوزارة الأوقاف
  • سماحة شيخ العقل حمود الحناوي يؤكد خلال زيارته محافظ السويداء على وحدة الشعب السوري
  • «الأوقاف» تطلق مسابقة القراءة الحرة للجميع للعام المالي 2025 - 2026
  • الأوقاف تطلق مسابقة القراءة الحرة للجميع
  • علي جمعة: الطاعة أن تعبد الله كما يريد بعيدا عن العقل والهوى
  • غدا.. مؤتمر دولي حول "التقاطعية في الأدب واللغة والترجمة" بجامعة عين شمس
  • اليوم.. بدء تسجيل قراءة عدادات الغاز لشهر أبريل 2025
  • ترجمة الأدب الأجنبي.. تميّز ثقافي فرنسي تسعى دور نشر للحفاظ عليه
  • رمز المعاناة والنمو.. اليتيم في الأدب | من التهميش إلى البطولة