لجريدة عمان:
2024-12-26@03:50:51 GMT

كيف يغيّر الأدب دماغك وعلاقتك بالآخرين؟

تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT

كيف يغيّر الأدب دماغك وعلاقتك بالآخرين؟

تتعدّد الأسباب التي تدفعنا للقراءة. فنحن نقرأ الخيال الشعبي من أجل تسلية أنفسنا، والخيال الأدبي لجماليّة صياغته، والنصوص الوثائقية بهدف إثراء معارفنا، أكاديميةً كانت أم تقنية، وكُتب التنمية الذاتية لغايةٍ محّددة تُفصح عنها التسمية نفسها بشكل صريح (تنمية الذات)...

ثمّة أمر مؤكد هو أنه إذا صدّقنا النّسخة الثالثة من مؤشّر «الفرنسيّون والقراءة»، والتي صدرت عن المركز الوطني للكتاب في الثالث عشر من مارس 2019 فإن فرنسا مولعة بالقراءة: 88% من سكّانها يعلنون أنفسهم قرّاءً، مع ميولٍ واضح نحو الرواية.

وفي حين أن العديد من الدراسات العلمية قد عكفت على البحث في الآثار المترتّبة على المدى الطويل عن ممارسة التأمل أو الموسيقى على الدماغ، لا يُعرف سوى القليل عن آثار القراءة على الدماغ. والمثير للدهشة أن هذا الموضوع لم يحظَ بالكثير من البحث. لقد ركّزت معظم الأعمال الموجودة في الواقع على وصف ما يحدث في الدماغ عندما نقرأ، أو على تحديد هياكل الدماغ اللازمة لعملية القراءة.

غير أنه قد ثبت بوضوح أن القراءة تعود على صاحبها بفوائد جمّة، خاصّة فيما يتعلق بالتفكير، حتى لو لم تكن جميع فئات الكتب بنفس القدر من الأهمية في هذا الصّدد. لنُلق نظرةً على بعض الدروس الأساسية المستفادة من الدراسات النّادرة الموجودة.

«قراءة» الآخرين بشكل أمثل بفضل الأدب

إن النتيجة الأكثر إثارة للدهشة هي تلك التي حصل عليها الباحثان ديفيد كومر كيد (David Comer Kidd) وإيمانويل كاستانو (Emanuele Castano)، ونُشرت في مجلة ساينس المرموقة عام 2013، ثم أعاد فريق آخر تأكيدها عام 2018.

لقد أظهر كيد وكاستانو أن مجرّد قراءة مقتطفٍ من الخيال الأدبي (عمل حاصل على جائزة و/أو كتبه مؤلّف مرجعي، مثل باتريك موديانو (Patrick Modiano) أو جون ماري غوستاف لوكليزيو (Jean‑Marie Gustave Le Clézio))، تسمح لاحقا بالحصول على أداءٍ أفضل فيما يتعلّق بـ «نظرية العقل» (Theory of Mind) مقارنة بقراءة مقطعٍ من كتب الخيال الشعبي.

تُعرَّف نظرية العقل أنها القدرة على إسناد الأفكار والنوايا والعواطف للآخرين، وبالتالي القدرة على فهم سلوكهم والتنبّؤ به. قام كيد وكاستانو خلال أبحاثهما بتقييم هذه القدرة من خلال استخدام اختبار تفسير النّظرة، والذي يقضي باختيار الكلمة التي تتوافق مع الفكرة أو النية أو العاطفة التي تعبّر عنها نظرة فردٍ ما.

وفضلا عن هذا التأثير قصير المدى للقراءة، أظهر الباحثان أن ثمّة علاقة إحصائية مُوجَبة بين تجربة القراءة لدى الأشخاص الذين شملتهم الدراسة، والتي تم قياسها من خلال اختبار التعرّف على المؤلفين، والأداء في اختبار تفسير النّظرات، ممّا يشير هذه المرة إلى أثرٍ طويل المدى لممارسة القراءة فيما يتعلّق بنظرية العقل.

من الواضح إذن أن لقراءة الأعمال الأدبية نتائج إيجابية، ولكن كيف يمكن تفسيرها من الناحية العصبية؟

الأدب يغيّر الوصلات العصبيّة في الدماغ

لقد اهتمّت دراسات مختلفة باستكشاف الأساسات الدماغية لنظرية العقل. وقام الباحثون بجعل المشاركين يقرؤون نصوصا تهدف إلى تعبئة هذه القدرة (القراءة)، مع مراقبة نشاط أدمغتهم من خلال استخدام التصوير العصبي الوظيفي. وهكذا سلّط العلماء الضوء على وجود منطقتين محدّدتين في الدماغ تتدخّلان في هذه العملية: قشرة الفصّ الجبهي الإنسي والموصل الصّدغي الجداري. وكلاهما يلعب دورا في فهم نوايا الآخرين.

تعدّ هذه النتائج مثيرة للاهتمام، غير أنها لا تقدّم أي معلومات عن تأثير قراءة النصوص الأدبية في الدماغ. وحتى الآن، ثمّة دراسة واحدة فقط عملت على استكشاف هذا الجانب، وهي تلك التي أجراها بيرنز (Berns) وزملاؤه، والتي نُشرت عام 2013 في مجلة «Brain Connectivity». لقد طلب مؤلفو هذه الدراسة من مجموعة من الأشخاص الأصحّاء، وهم طلاب في جامعة إيموري حيث كان يعمل الباحثون، قراءة ثلاثين صفحة من رواية بومبي (Pompeii)، وهي رواية للكاتب روبرت هاريس (Robert Harris)، وذلك كل مساء طيلة تسعة أيام. وكانوا يقومون بقياس نشاط الدماغ أثناء الراحة بشكل منهجي في صباح اليوم التالي. ويهدف هذا البروتوكول إلى تحديد ما إذا كان تأثير القراءة على الدماغ يستمر مع مرور الوقت أم لا.

لقد أظهرت النتائج أنه خلال فترة القراءة التي استمرت تسعة أيام، زاد الاتصال الوظيفي بين قشرة الفصّ الجبهي الإنسي والموصل الصّدغي الجداري. إن التواصل المعزّز بين هاتين المنطقتين يمكن أن يفسّر سبب تحسّن مهارات قارئي الرواية فيما يتعلّق بهذه الوظيفة.

المضيّ أبعد من ذلك من أجل تحسين فوائد القراءة

تبدو القراءة إذن قادرة على تحسين بعض القدرات المعرفية المهمّة للحياة في المجتمع. غير أن هذه النتائج المثيرة للاهتمام تظلّ مجزّأة، وتتطلب إجراء المزيد من الأبحاث.

تستدعي الدراسة المثالية الجمع بين المقاييس المعرفية لنظرية العقل ومقاييس الدماغ الوظيفية والتشريحية. ولا بدّ أن يكون هدف هذه الدراسة هو تسليط الضوء على آثار القراءة على نظرية العقل في المديين القصير والطويل، بالإضافة إلى تحديد النشاط الدماغي المرتبط بها على نحوٍ أفضل.

لقد تمّ بالفعل دمج الأدب في بعض البرامج التي تهدف إلى تعزيز الروابط الاجتماعية، مثل تلك التي تعمل على تعزيز حسّ التعاطف عند الأطباء، أو تطوير مهارات السجناء.

إن فهمًا أمثل للآليات الدماغية الكامنة وراء الآثار المفيدة للقراءة على الدماغ من شأنه أن يجعل هذه المقاربات أكثر فعّالية، أو يسمح حتى بإبداع مقاربات جديدة.

فريدريك برنار أستاذ محاضر في علم النفس العصبي بجامعة ستراسبورغ (فرنسا)

المصدر: موقع The Conversation

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الدماغ فی الدماغ

إقرأ أيضاً:

نظرية جديدة لتفسير آلية اختزان الذكريات في العقل البشري

توصل باحثون من أميركا إلى أنه من الممكن اختزان الذكريات في ذاكرة المدى الطويل مباشرة دون الحاجة لمرورها على ذاكرة المدى القصير أولا.

وتنقسم ذاكرة العقل البشري إلى شقين رئيسيين، أولهما ذاكرة المدى القصير التي تعرف أيضا باسم "الذاكرة النشطة"، ويتمثل دورها في اختزان كمية محدودة من المعلومات في العقل دون مراجعة، على أن تظل متاحة للاسترجاع لفترة زمنية محدودة، وهناك ذاكرة المدى الطويل، وهي التي تقوم بمعالجة الذكريات والاحتفاظ بها إلى أجل غير مسمى.

ويقول العلماء إن من بين خصائص ذاكرة المدى الطويل أنها تتميز بسعة غير محدودة، وتحتفظ بالذكريات لفترات طويلة دون أن تفقدها، ويسهل استدعاء هذه الذكريات عند الاحتياج إليها.

وعادة ما تنقسم ذاكرة المدى الطويل إلى أنواع عدة، مثل الذاكرة الصريحة التي تختزن الذكريات والمعلومات التي يتم استرجاعها بوعي، والذاكرة العرضية التي تحتفظ بمعلومات عن الأحداث التي تمر بالإنسان على امتداد حياته، والذاكرة الدلالية التي تختزن معلومات يتم استخدامها في الحياة اليومية، مثل معاني الكلمات وطريقة التعامل مع مختلف المعطيات في البيئة المحيطة.

وتضم ذاكرة المدى الطويل أيضا الذاكرة الإجرائية التي تتعلق بالمهارات الحركية للإنسان، مثل ركوب الدراجة أو الكتابة بالقلم أو السباحة وغيرها، وهناك أيضا الذاكرة الترابطية التي تسترجع ذكريات محددة من خلال ارتباطها بسلوكيات أو مواقف قديمة بغرض تطويرها واكتساب خبرات جديدة.

إعلان

وعند تعامل العقل مع المدخلات اليومية فإنه يقوم باختزان المعلومات في البداية على ذاكرة المدى القصير لبرهة محدودة من الوقت، ثم يتخلص من المعلومات غير المهمة تباعا لإفساح المجال لإدخال معلومات جديدة، علما بأن الذكريات المهمة تنتقل من ذاكرة المدى القصير إلى المدى الطويل حيث يتم الاحتفاظ بها لاسترجاعها عند الحاجة إليها.

ممر سري

لكن فريقا من الباحثين من معهد ماكس بلانك في ولاية فلوريدا الأميركية توصل إلى نظرية جديدة تقول إنه من الممكن اختزان الذكريات في ذاكرة المدى الطويل مباشرة دون الحاجة لمرورها على ذاكرة المدى القصير أولا، مما يفتح مجالا جديدا لفهم آلية عمل ذاكرة الإنسان ومعرفة الظروف التي تحيط بمنظومة اختزان الذكريات في العقل البشري.

ويقول رئيس فريق الدراسة الباحث ميونغ يون شين إن "هذا الاكتشاف يماثل العثور على ممر سري يفضي إلى الذاكرة الدائمة داخل العقل".

وأضاف شين في تصريحات للموقع الإلكتروني "سايتك ديلي" المتخصص في الأبحاث العلمية أن "النظريات السائدة تشير إلى وجود ممر واحد لانتقال المعلومات من ذاكرة المدى القصير إلى الطويل، ولكننا الآن لدينا دلائل قوية تشير إلى وجود مسارين على الأقل لتكوين الذكريات يمر أحدهما عبر ذاكرة المدى القصير، ويفضي الآخر إلى ذاكرة المدى الطويل مباشرة، وهو ما يدل على أن العقل البشري أكثر مرونة عما كان يعتقد من قبل".

وتركز الدراسة على إنزيم معين داخل الخلايا العصبية يطلق عليه اسم "سي إيه إم كي 2″، ويرتبط بتكوين ذكريات المدى القصير، وكان العلماء في السابق يعتمدون على علم البصريات الوراثي لتعطيل عمل هذا الإنزيم بشكل مؤقت.

وبالطريقة نفسها، اعتمد الفريق البحثي في معهد ماكس بلانك على الضوء لتعطيل آلية تكوين ذكريات المدى القصير داخل عقول الفئران.

ومن المعروف أن الفئران تفضل الأماكن المظلمة، وإذا ما أتيحت لها الفرصة فإنها تتجه إلى المكان المظلم بدلا من المكان المضيء، لكن إذا تعرض الفأر لتجربة مخيفة في مكان مظلم فإن هذه الذكرى المرعبة سوف تعدل سلوكياته وتجعله يتجنب الاتجاه إلى الأماكن المظلمة في المستقبل.

إعلان

وبحسب موقع "سايتك ديلي"، لجأ الفريق البحثي إلى تعريض فئران التجارب إلى تجربة مفزعة في أماكن مظلمة، ثم استخدموا الضوء للحيلولة دون اختزان هذا الحدث في ذاكرة المدى القصير لدى الفئران.

وتبين من التجربة أنه بعد انقضاء ساعة عادت الفئران للولوج إلى الأماكن المظلمة دون خوف، بمعنى أن الفريق البحثي نجح بالفعل في منع تخزين هذا الحدث في ذاكرة المدى القصير.

لكن الأمر الذي أدهش العلماء بعد ذلك أنه بعد مرور أيام عدة أو أسبوع أو شهر تغيرت سلوكيات فئران التجارب وأصبحت تمتنع عن دخول الأماكن المظلمة نفسها التي سبق أن تعرضت فيها لتجربة مخيفة، وهو ما يدل بشكل قاطع على أن الشعور بالخوف من الظلام -والذي لم يتم اختزانه على ذاكرة المدى القصير بعد تدخل العلماء- قد انتقل بشكل مباشر إلى ذاكرة المدى الطويل لدى الفئران، وهو ما أتاح لهذه الحيوانات استرجاع الشعور بالخوف بعد أيام عدة أو أسابيع أو حتى أشهر.

عملية متوازية

ويقول الباحث شين "في البداية شعرنا بالدهشة من هذه الملاحظة لأنها لا تتفق مع أفكارنا المسبقة بشأن طريقة تكوّن الذكريات، ولم نكن نعتقد أنه من الممكن اختزان المعلومات في ذاكرة المدى الطويل دون الاحتفاظ بها لفترة في ذاكرة المدى القصير، لكن عندما قمنا بتكرار التجربة مرات عدة باستخدام أدوات بحثية مختلفة استطعنا التحقق من صحة هذه النتيجة وأصبحنا على قناعة".

وأوضح "لقد تبين لنا أن تكوّن الذكريات طويلة المدى ليس عملية خطية تتطلب مرور المعلومة على ذاكرة المدى القصير أولا، إنما هي عملية متوازية تسمح بتجاوز ذاكرة المدى القصير في بعض الأحيان".

ويقول الباحث ريوهي ياسودا عضو فريق الدراسة في معهد ماكس بلانك إن "هذه النتائج جعلتنا نعيد النظر في فهمنا لتكوين الذكريات، ونعكف الآن على محاولة فهم الظروف التي تؤدي إلى تكون ذكريات المدى الطويل مباشرة، علما بأن هذا البحث العلمي قد يساعد في إيجاد طرق للاحتفاظ بالمعلومات على ذاكرة المدى الطويل في حالة تضرر ذاكرة المدى القصير لدى البعض جراء تقدم السن أو بسبب مشكلات صحية تؤثر على الإدراك العقلي".

إعلان

مقالات مشابهة

  • إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»
  • نظرية جديدة لتفسير آلية اختزان الذكريات في العقل البشري
  • بدور القاسمي: نفتح قنوات جديدة للتبادل الثقافي
  • القراءة للجنين
  • النقد في خطر
  • الحرية الفكرية
  • دراسة: تباطؤ حاد في شيخوخة الدماغ خلال العقود القليلة الماضية
  • نحو منظور جديد للديمقراطية التمثيلية
  • رواية محيرة تستحق القراءة
  • فيديو | 27.000.000 يتابعون محمد بن راشد .. صوت العقل