لجريدة عمان:
2025-04-30@12:36:43 GMT

كيف يغيّر الأدب دماغك وعلاقتك بالآخرين؟

تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT

كيف يغيّر الأدب دماغك وعلاقتك بالآخرين؟

تتعدّد الأسباب التي تدفعنا للقراءة. فنحن نقرأ الخيال الشعبي من أجل تسلية أنفسنا، والخيال الأدبي لجماليّة صياغته، والنصوص الوثائقية بهدف إثراء معارفنا، أكاديميةً كانت أم تقنية، وكُتب التنمية الذاتية لغايةٍ محّددة تُفصح عنها التسمية نفسها بشكل صريح (تنمية الذات)...

ثمّة أمر مؤكد هو أنه إذا صدّقنا النّسخة الثالثة من مؤشّر «الفرنسيّون والقراءة»، والتي صدرت عن المركز الوطني للكتاب في الثالث عشر من مارس 2019 فإن فرنسا مولعة بالقراءة: 88% من سكّانها يعلنون أنفسهم قرّاءً، مع ميولٍ واضح نحو الرواية.

وفي حين أن العديد من الدراسات العلمية قد عكفت على البحث في الآثار المترتّبة على المدى الطويل عن ممارسة التأمل أو الموسيقى على الدماغ، لا يُعرف سوى القليل عن آثار القراءة على الدماغ. والمثير للدهشة أن هذا الموضوع لم يحظَ بالكثير من البحث. لقد ركّزت معظم الأعمال الموجودة في الواقع على وصف ما يحدث في الدماغ عندما نقرأ، أو على تحديد هياكل الدماغ اللازمة لعملية القراءة.

غير أنه قد ثبت بوضوح أن القراءة تعود على صاحبها بفوائد جمّة، خاصّة فيما يتعلق بالتفكير، حتى لو لم تكن جميع فئات الكتب بنفس القدر من الأهمية في هذا الصّدد. لنُلق نظرةً على بعض الدروس الأساسية المستفادة من الدراسات النّادرة الموجودة.

«قراءة» الآخرين بشكل أمثل بفضل الأدب

إن النتيجة الأكثر إثارة للدهشة هي تلك التي حصل عليها الباحثان ديفيد كومر كيد (David Comer Kidd) وإيمانويل كاستانو (Emanuele Castano)، ونُشرت في مجلة ساينس المرموقة عام 2013، ثم أعاد فريق آخر تأكيدها عام 2018.

لقد أظهر كيد وكاستانو أن مجرّد قراءة مقتطفٍ من الخيال الأدبي (عمل حاصل على جائزة و/أو كتبه مؤلّف مرجعي، مثل باتريك موديانو (Patrick Modiano) أو جون ماري غوستاف لوكليزيو (Jean‑Marie Gustave Le Clézio))، تسمح لاحقا بالحصول على أداءٍ أفضل فيما يتعلّق بـ «نظرية العقل» (Theory of Mind) مقارنة بقراءة مقطعٍ من كتب الخيال الشعبي.

تُعرَّف نظرية العقل أنها القدرة على إسناد الأفكار والنوايا والعواطف للآخرين، وبالتالي القدرة على فهم سلوكهم والتنبّؤ به. قام كيد وكاستانو خلال أبحاثهما بتقييم هذه القدرة من خلال استخدام اختبار تفسير النّظرة، والذي يقضي باختيار الكلمة التي تتوافق مع الفكرة أو النية أو العاطفة التي تعبّر عنها نظرة فردٍ ما.

وفضلا عن هذا التأثير قصير المدى للقراءة، أظهر الباحثان أن ثمّة علاقة إحصائية مُوجَبة بين تجربة القراءة لدى الأشخاص الذين شملتهم الدراسة، والتي تم قياسها من خلال اختبار التعرّف على المؤلفين، والأداء في اختبار تفسير النّظرات، ممّا يشير هذه المرة إلى أثرٍ طويل المدى لممارسة القراءة فيما يتعلّق بنظرية العقل.

من الواضح إذن أن لقراءة الأعمال الأدبية نتائج إيجابية، ولكن كيف يمكن تفسيرها من الناحية العصبية؟

الأدب يغيّر الوصلات العصبيّة في الدماغ

لقد اهتمّت دراسات مختلفة باستكشاف الأساسات الدماغية لنظرية العقل. وقام الباحثون بجعل المشاركين يقرؤون نصوصا تهدف إلى تعبئة هذه القدرة (القراءة)، مع مراقبة نشاط أدمغتهم من خلال استخدام التصوير العصبي الوظيفي. وهكذا سلّط العلماء الضوء على وجود منطقتين محدّدتين في الدماغ تتدخّلان في هذه العملية: قشرة الفصّ الجبهي الإنسي والموصل الصّدغي الجداري. وكلاهما يلعب دورا في فهم نوايا الآخرين.

تعدّ هذه النتائج مثيرة للاهتمام، غير أنها لا تقدّم أي معلومات عن تأثير قراءة النصوص الأدبية في الدماغ. وحتى الآن، ثمّة دراسة واحدة فقط عملت على استكشاف هذا الجانب، وهي تلك التي أجراها بيرنز (Berns) وزملاؤه، والتي نُشرت عام 2013 في مجلة «Brain Connectivity». لقد طلب مؤلفو هذه الدراسة من مجموعة من الأشخاص الأصحّاء، وهم طلاب في جامعة إيموري حيث كان يعمل الباحثون، قراءة ثلاثين صفحة من رواية بومبي (Pompeii)، وهي رواية للكاتب روبرت هاريس (Robert Harris)، وذلك كل مساء طيلة تسعة أيام. وكانوا يقومون بقياس نشاط الدماغ أثناء الراحة بشكل منهجي في صباح اليوم التالي. ويهدف هذا البروتوكول إلى تحديد ما إذا كان تأثير القراءة على الدماغ يستمر مع مرور الوقت أم لا.

لقد أظهرت النتائج أنه خلال فترة القراءة التي استمرت تسعة أيام، زاد الاتصال الوظيفي بين قشرة الفصّ الجبهي الإنسي والموصل الصّدغي الجداري. إن التواصل المعزّز بين هاتين المنطقتين يمكن أن يفسّر سبب تحسّن مهارات قارئي الرواية فيما يتعلّق بهذه الوظيفة.

المضيّ أبعد من ذلك من أجل تحسين فوائد القراءة

تبدو القراءة إذن قادرة على تحسين بعض القدرات المعرفية المهمّة للحياة في المجتمع. غير أن هذه النتائج المثيرة للاهتمام تظلّ مجزّأة، وتتطلب إجراء المزيد من الأبحاث.

تستدعي الدراسة المثالية الجمع بين المقاييس المعرفية لنظرية العقل ومقاييس الدماغ الوظيفية والتشريحية. ولا بدّ أن يكون هدف هذه الدراسة هو تسليط الضوء على آثار القراءة على نظرية العقل في المديين القصير والطويل، بالإضافة إلى تحديد النشاط الدماغي المرتبط بها على نحوٍ أفضل.

لقد تمّ بالفعل دمج الأدب في بعض البرامج التي تهدف إلى تعزيز الروابط الاجتماعية، مثل تلك التي تعمل على تعزيز حسّ التعاطف عند الأطباء، أو تطوير مهارات السجناء.

إن فهمًا أمثل للآليات الدماغية الكامنة وراء الآثار المفيدة للقراءة على الدماغ من شأنه أن يجعل هذه المقاربات أكثر فعّالية، أو يسمح حتى بإبداع مقاربات جديدة.

فريدريك برنار أستاذ محاضر في علم النفس العصبي بجامعة ستراسبورغ (فرنسا)

المصدر: موقع The Conversation

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الدماغ فی الدماغ

إقرأ أيضاً:

المفتي من أوزباكستان: المدرسة الماتريدية أنموذج أصيل للتسامح العقائدي

أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم،  أن المدرسة الماتريديّة نشأت في بيئة ثقافيّة خصبة، شهدت تداخلاً وتفاعلاً بين اتجاهات فكريّة متباينة، وأن هذا المناخ كان حافزًا لظهور منهج عقلانيّ متماسك تميّز به الماتريديون.

وأوضح أن المدرسة الماتريديّة قد طوّرت أدوات معرفيّة رصينة قامت على التأمل العقليّ والاستدلال المنطقيّ، حيث نظر أئمّتها إلى العقل بحسبانه وسيلة لا غنى عنها لمعرفة الله تعالى، بل واعتبروا النظر العقليّ واجبًا أوليًا على كل مكلّف، مؤكدين أن صحّة الخبر والحسّ لا تثبت إلا من خلال صدق العقل ذاته، وأنه تميّز برؤية عقلانيّة عميقة الجذور لا تكتفي بتلقّي النصوص، بل تبني المعرفة من خلال أدوات يمكن التحقق من صدقها ضمن المشترك الإنسانيّ العام.

وقال إن الماتريديّة أرست موقفًا معرفيًا متينًا يتكئ على ثلاث دعائم هي: العقل السليم، والحواس الظاهرة، والخبر الصادق، معتبرًا أن كل علم حقيقي لا بد أن يصدر عنها، وبالتالي فقد أسهم هذا الموقف المعرفي الماتريدي في بلورة رؤية تتسم بالموضوعيّة والانضباط، حيث ظل العقل فيها هو الأداة الأهم لفحص مصادر المعرفة الأخرى، مع وعي تام بحدود العقل نفسه، وحاجته إلى النقل في قضايا الغيب وما لا يُدرك بالتجربة.

جاء ذلك خلال كلمة فضيلته بالمؤتمر العلمي الدولي «الماتريدية مدرسة التسامح والوسطية والمعرفة»، الذي تنظمه لجنة الشئون الدينية بجمهورية أوزباكستان، في الفترة من 29 إلى 30 أبريل الجاري، في مدينة سمرقند بجمهورية أوزباكستان.

وأضاف مفتي الجمهورية، أن الإمام الماتريديّ –رضي الله عنه– امتاز بمجموعة من الشمائل التّي جعلته يحتل مكانةً فريدةً في تراثنا العظيم، فلقد كان رحمه الله متحررًا من التعصب المذهبيّ، منصرفًا إلى البحث عن الحقيقة بتجرد، دون انقياد أو تقليد أعمى لآراء السابقين، كما امتاز  بنزعته الشموليّة في النظر والتحليل، حيث أظهر قدرةً فائقةً على الربط بين الجزئيات والكليات، وجمع الفروع تحت أصولها الكبرى، وهي قدرة تجلّت في تفسيره، وبرزت بوضوح في كتابه "التوحيد" ومن السمات اللافتة كذلك اهتمامه البالغ بالمضمون والمعنى، والتركيز على الجوهر والمقصد في تفسير النصوص، واللجوء إلى النكات البيانيّة أو اللفظيّة، إذا خدمت المعنى وأبرزت مغزاه، مؤكدًا بذلك أنّ الفكر لا قيمة له ما لم يرتبط بالعمل والتطبيق، ولذلك لم يكن تأثير المدرسة الماتريديّة حبيس بلاد ما وراء النهر فحسب، بل إن الأزهر الشريف بجامعه وجامعته  كان ولا يزال يدرّس في أروقته العتيقة كتابي «العقيدة النسفيّة وتفسير أبي البركات النّسفيّ»، وكلاهما مدونات أصيلة في المذهب الماتريديّ.

وأوضح فضيلة المفتي، أن المذهب الماتريدي، لم يكن يومًا مجرد منظومة فكريّة نظريّة، بل مثل امتدادًا عميقًا للروح الإنسانيّة في الإسلام، حيث نظر علماؤه إلى القيم الإنسانيّة كأصول عقديّة وأخلاقيّة يجب أن تغرس في الوعي والسلوك معًا، وقد تجلى هذا في حرص الإمام الماتريديّ في تفسيره لقول الله تعالى ﴿خلقكم مّن نّفس واحدة}، على تأكيد أنّ الأصل البشريّ واحد، وأنّ جميع الناس إخوة، مما ينفي أي مبرر للتفاخر بالأحساب والأنساب، وتكتمل هذه الرؤية في نقده العميق لظاهرة الكبر، التّي يراها وليدة الجهل بحقيقة النفس، حيث يقول رحمه الله"من عرف نفسه على ما هي عليه من الأحداث والآفات وأنواع الحوائج - لم يتكبر على مثله"وبهذا يرسّخ المذهب الماتريديّ مفهوم التواضع لا كفضيلة أخلاقيّة فحسب، بل كمعرفة وجوديّة نابعة من وعي الإنسان بضعفه وحاجته، ويعكس بذلك تفاعلًا حيًّا بين العقيدة والأخلاق، حيث تصبح المساواة والتواضع والعدل قيمًا متجذّرةً في رؤية الإنسان لذاته والآخر، مبينًا أن الوسطيّة-التّي نحن بصدد دراستها في هذا المؤتمر المهم- لا تعني أبدًا الوسط بين الهدى والضلال، وإنّما تعني الاعتدال في الفكر، والصدق في الاعتقاد، والتوازن في السلوك، والعدل في الحكم والشهادة، إنّها موقف أهل السنّة والجماعة الأصيل الذي يجمع بين «الروح والمادة»، وبين «العقل والنقل»، وبين «الحقوق والواجبات»، قال تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً﴾ [البقرة: 143]، قال الإمام الماتريديّ «وسطًا يعني عدولًا» في كل شيء؛ فالعدل هو الأوثق للشهادة على الخلق، والأجدر لقبوله.

واختتم فضيلة المفتي حديثه بأن المدرسة الماتريديّة لم تقف عند حدود التسامح العقديّ، بل تجاوزته إلى التفاعل مع الفلاسفة والمتكلمين بنقد موضوعيّ هادئ، كما يظهر في أعمال النسفيّ وغيره، ممن جمعوا بين الإخلاص للأصول والانفتاح العقليّ، وبهذا كلّه تعدّ المدرسة الماتريديّة أنموذجًا أصيلًا في التعايش والتسامح، ومصدر إلهام فكريّ وأخلاقيّ يصلح للاهتداء به في عصرنا الراهن.

وقد أعرب فضيلة مفتي الجمهورية في ختام كلمته عن خالص شكره وتقديره للجنة المنظمة للمؤتمر وسعادته بالمشاركة في هذا الجمع العلمي المبارك، الذي حضره جمعٌ كبير من العلماء والباحثين من مختلف دول العالم، من بينهم فضيلة الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي الديار المصرية الأسبق،وفضيلة الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وجمع كبير من العلماء.

طباعة شارك أوزباكستان المفتي المذهب الماتريدي الإمام الماتريديّ

مقالات مشابهة

  • أمل جديد في علاج ألزهايمر.. اكتشاف إنزيم جديد يساهم في التدهور المعرفي
  • المفتي من أوزباكستان: المدرسة الماتريدية أنموذج أصيل للتسامح العقائدي
  • خطوات مهمة لتحفيز العقل وتحسين الذاكرة
  • ما حكم وضع اليد على الآية عند قراءة القرآن من المصحف؟.. الإفتاء تجيب
  • نكهة اللبان
  • وقوع الأدب في سحر الذكاء الاصطناعي ماذا يحدث حينما يتخذ الكتاب من الذكاء الاصطناعي إلهاما؟
  • 4 فوائد صحية للتثاؤب
  • ما هو مرض الخرف وكيفية الوقاية منه؟
  • العراق بين عقلية الحكم وحكم العقل
  • أفضل تمرين رياضي لعلاج الزهايمر والخرف| تعرف عليه