لجريدة عمان:
2025-01-30@17:21:55 GMT

كيف يغيّر الأدب دماغك وعلاقتك بالآخرين؟

تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT

كيف يغيّر الأدب دماغك وعلاقتك بالآخرين؟

تتعدّد الأسباب التي تدفعنا للقراءة. فنحن نقرأ الخيال الشعبي من أجل تسلية أنفسنا، والخيال الأدبي لجماليّة صياغته، والنصوص الوثائقية بهدف إثراء معارفنا، أكاديميةً كانت أم تقنية، وكُتب التنمية الذاتية لغايةٍ محّددة تُفصح عنها التسمية نفسها بشكل صريح (تنمية الذات)...

ثمّة أمر مؤكد هو أنه إذا صدّقنا النّسخة الثالثة من مؤشّر «الفرنسيّون والقراءة»، والتي صدرت عن المركز الوطني للكتاب في الثالث عشر من مارس 2019 فإن فرنسا مولعة بالقراءة: 88% من سكّانها يعلنون أنفسهم قرّاءً، مع ميولٍ واضح نحو الرواية.

وفي حين أن العديد من الدراسات العلمية قد عكفت على البحث في الآثار المترتّبة على المدى الطويل عن ممارسة التأمل أو الموسيقى على الدماغ، لا يُعرف سوى القليل عن آثار القراءة على الدماغ. والمثير للدهشة أن هذا الموضوع لم يحظَ بالكثير من البحث. لقد ركّزت معظم الأعمال الموجودة في الواقع على وصف ما يحدث في الدماغ عندما نقرأ، أو على تحديد هياكل الدماغ اللازمة لعملية القراءة.

غير أنه قد ثبت بوضوح أن القراءة تعود على صاحبها بفوائد جمّة، خاصّة فيما يتعلق بالتفكير، حتى لو لم تكن جميع فئات الكتب بنفس القدر من الأهمية في هذا الصّدد. لنُلق نظرةً على بعض الدروس الأساسية المستفادة من الدراسات النّادرة الموجودة.

«قراءة» الآخرين بشكل أمثل بفضل الأدب

إن النتيجة الأكثر إثارة للدهشة هي تلك التي حصل عليها الباحثان ديفيد كومر كيد (David Comer Kidd) وإيمانويل كاستانو (Emanuele Castano)، ونُشرت في مجلة ساينس المرموقة عام 2013، ثم أعاد فريق آخر تأكيدها عام 2018.

لقد أظهر كيد وكاستانو أن مجرّد قراءة مقتطفٍ من الخيال الأدبي (عمل حاصل على جائزة و/أو كتبه مؤلّف مرجعي، مثل باتريك موديانو (Patrick Modiano) أو جون ماري غوستاف لوكليزيو (Jean‑Marie Gustave Le Clézio))، تسمح لاحقا بالحصول على أداءٍ أفضل فيما يتعلّق بـ «نظرية العقل» (Theory of Mind) مقارنة بقراءة مقطعٍ من كتب الخيال الشعبي.

تُعرَّف نظرية العقل أنها القدرة على إسناد الأفكار والنوايا والعواطف للآخرين، وبالتالي القدرة على فهم سلوكهم والتنبّؤ به. قام كيد وكاستانو خلال أبحاثهما بتقييم هذه القدرة من خلال استخدام اختبار تفسير النّظرة، والذي يقضي باختيار الكلمة التي تتوافق مع الفكرة أو النية أو العاطفة التي تعبّر عنها نظرة فردٍ ما.

وفضلا عن هذا التأثير قصير المدى للقراءة، أظهر الباحثان أن ثمّة علاقة إحصائية مُوجَبة بين تجربة القراءة لدى الأشخاص الذين شملتهم الدراسة، والتي تم قياسها من خلال اختبار التعرّف على المؤلفين، والأداء في اختبار تفسير النّظرات، ممّا يشير هذه المرة إلى أثرٍ طويل المدى لممارسة القراءة فيما يتعلّق بنظرية العقل.

من الواضح إذن أن لقراءة الأعمال الأدبية نتائج إيجابية، ولكن كيف يمكن تفسيرها من الناحية العصبية؟

الأدب يغيّر الوصلات العصبيّة في الدماغ

لقد اهتمّت دراسات مختلفة باستكشاف الأساسات الدماغية لنظرية العقل. وقام الباحثون بجعل المشاركين يقرؤون نصوصا تهدف إلى تعبئة هذه القدرة (القراءة)، مع مراقبة نشاط أدمغتهم من خلال استخدام التصوير العصبي الوظيفي. وهكذا سلّط العلماء الضوء على وجود منطقتين محدّدتين في الدماغ تتدخّلان في هذه العملية: قشرة الفصّ الجبهي الإنسي والموصل الصّدغي الجداري. وكلاهما يلعب دورا في فهم نوايا الآخرين.

تعدّ هذه النتائج مثيرة للاهتمام، غير أنها لا تقدّم أي معلومات عن تأثير قراءة النصوص الأدبية في الدماغ. وحتى الآن، ثمّة دراسة واحدة فقط عملت على استكشاف هذا الجانب، وهي تلك التي أجراها بيرنز (Berns) وزملاؤه، والتي نُشرت عام 2013 في مجلة «Brain Connectivity». لقد طلب مؤلفو هذه الدراسة من مجموعة من الأشخاص الأصحّاء، وهم طلاب في جامعة إيموري حيث كان يعمل الباحثون، قراءة ثلاثين صفحة من رواية بومبي (Pompeii)، وهي رواية للكاتب روبرت هاريس (Robert Harris)، وذلك كل مساء طيلة تسعة أيام. وكانوا يقومون بقياس نشاط الدماغ أثناء الراحة بشكل منهجي في صباح اليوم التالي. ويهدف هذا البروتوكول إلى تحديد ما إذا كان تأثير القراءة على الدماغ يستمر مع مرور الوقت أم لا.

لقد أظهرت النتائج أنه خلال فترة القراءة التي استمرت تسعة أيام، زاد الاتصال الوظيفي بين قشرة الفصّ الجبهي الإنسي والموصل الصّدغي الجداري. إن التواصل المعزّز بين هاتين المنطقتين يمكن أن يفسّر سبب تحسّن مهارات قارئي الرواية فيما يتعلّق بهذه الوظيفة.

المضيّ أبعد من ذلك من أجل تحسين فوائد القراءة

تبدو القراءة إذن قادرة على تحسين بعض القدرات المعرفية المهمّة للحياة في المجتمع. غير أن هذه النتائج المثيرة للاهتمام تظلّ مجزّأة، وتتطلب إجراء المزيد من الأبحاث.

تستدعي الدراسة المثالية الجمع بين المقاييس المعرفية لنظرية العقل ومقاييس الدماغ الوظيفية والتشريحية. ولا بدّ أن يكون هدف هذه الدراسة هو تسليط الضوء على آثار القراءة على نظرية العقل في المديين القصير والطويل، بالإضافة إلى تحديد النشاط الدماغي المرتبط بها على نحوٍ أفضل.

لقد تمّ بالفعل دمج الأدب في بعض البرامج التي تهدف إلى تعزيز الروابط الاجتماعية، مثل تلك التي تعمل على تعزيز حسّ التعاطف عند الأطباء، أو تطوير مهارات السجناء.

إن فهمًا أمثل للآليات الدماغية الكامنة وراء الآثار المفيدة للقراءة على الدماغ من شأنه أن يجعل هذه المقاربات أكثر فعّالية، أو يسمح حتى بإبداع مقاربات جديدة.

فريدريك برنار أستاذ محاضر في علم النفس العصبي بجامعة ستراسبورغ (فرنسا)

المصدر: موقع The Conversation

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الدماغ فی الدماغ

إقرأ أيضاً:

الأبناء السفلة

بقلم : هادي جلو مرعي ..

ولدت، ولم تمض سوى بضع شهور وإذا بوالدي يغادر الحياة من المستشفى في بغداد، ولم يكن الوقت كافيا لتنطبع صورته في ذاكرتي، وواجهت الحياة فقيرا كادحا أبحث عن حياة بين ركام الخوف واليتم، وعدم اليقين من تحقق أي من تلك الآمال التي بدأت تكبر معي، وترتسم مثل أشباح تتراءى لي في الفضاء القريب والبعيد، وحين أسير في الطرقات، أو حين أتمدد فوق سطح ماكان يسمى بيتا، وهو ليس ببيت في ليالي الصيف، وأسمع في الراديو لمغن يقول..
سمراء ياحلم الطفولة
يامنية النفس العليلة
كيف الوصول الى حماك
وليس لي في الأمر حيلة

كانت السماء تغدق علي بالنجوم، وتتراءى لي الأبراج من بعيد وسط الظلام. فلم يكن الفضاء قد تلوث بعد بالأضواء المصطنعة التي تشع في الليل البهيم، وكنت أسمع لهم قولا.. النظر في السماء ليلا يقوي البصر، ويضعف العقل. وللوهلة الأولى كنت أظن الضعف في العقل إنه الجنون، ولكني فهمت إنه إجهاد للعقل لأن العين ترى، والعقل يتأمل، ويفكر، ويحسب، ويسهب في الحساب، والنظر في قدرة الخالق العظيم.
حين كبرت، ولم أسجل لوالدي أية ذكرى في نفسي حتى لو توهما فهو غير موجود، ولو كان بيده شيء لفعل الكثير من أجلي، قررت أن أتصدق عنه بكل عمل خير أقوم به، أو قول حسن أقوله، وبرغم كل العذابات لم أجرؤ على التفكير، ولو لمرة أن والدي كان مسؤولا عن تلك العذابات، فالمشيئة هي من أوجدتني، ووالدي لم يكن سوى سبب، ومازلت أدعو له بالرحمة والمغفرة من الله.
أشعر بالرعب حين أشاهد برامج تلفزيونية، أو أسمع قصصا عن عقوق الأبناء لآبائهم الذين لم يغادروا الحياة مبكرا كما هو الحال مع والدي، بل عملوا بجد حتى أوصلوهم الى مراتب عالية. فمنهم المهندسين والأطباء والتجار وأصحاب المصالح، ولكنهم تخلوا عنهم ووضعوهم في دور العاجزين، أو تركوهم يعيشون لوحدهم مع المرض، ومنهم من إستجاب لسلطان الزوجة التي لاترغب في العيش مع الأبوين في منزل واحد بحثا عن الراحة. وهولاء يمثلون جيل الثمانينيات ونهاية السبعينيات، والسؤال ماذا سيفعل الجيل الحالي واللاحق ومايليه والمنغمس في الماديات بالآباء والآمهات؟ وحينها أتذكر حياة الحيوان. فالحصان يجري ويجري، ويقفز الحواجز، ويخوض السباقات، ويفرح به صاحبه، ولكنه حين يمرض، أو يصاب بالعجز يطلق عليه رصاصة الرحمة.. فهل الأم، أو الأب هما حصان منته الصلاحية؟

هادي جلومرعي

مقالات مشابهة

  • مناقشة الصُّعوبات التي تُواجه الطلاب «ذوِي الإعاقة» خلال الامتحانات
  • أطعمة تساعد في تقليل فرط الحركة لدى الأطفال
  • عضو اتحاد كتاب مصر: القراءة تطور مهارات الطفل العقلية والوجدانية
  • جناح الأزهر بمعرض الكتاب يعرض الضوابط المنهجية للمعرفة والنظر عند أهل السنة
  • الأبناء السفلة
  • شوبير يوجه رسالة لبيراميدز: "مش في دماغك غير الأهلي"
  • «مجموعة كلمات» تعرض 20 عنواناً لأدباء أفارقة من إصداراتها
  • سليمان المعمري: الأدب السردي العُماني يتسم بحضور كثيف للبيئة وأسئلة الإنسان
  • تأخر "نوم الأحلام" علامة مبكرة على الزهايمر
  • أمانة الوفد بالغربية تنظم زيارة للأعضاء إلى معرض الكتاب