كيف يؤذي مصطلح عمى العقل أطفال التوحد؟
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
لطالما استخدم مصطلح "العمى العقلي" في وصف الأطفال المصابين بطيف التوحد، وتعني نظرية "العمى العقلي" أو "العمى الذهني" أن الأطفال المصابين بالتوحد ومتلازمة إسبرغر تتأخر لديهم بعض مهارات التطور العقلي؛ مما يجعلهم يعانون من درجات من العمى الذهني؛ ونتيجة لذلك يجدون سلوك الآخرين محيرا ولا يمكن التنبؤ به، كما أن قدرتهم على التخيل محدودة.
ولكن في السنوات الأخيرة، أظهرت الدراسات الجديدة أن المصطلح غير دقيق على الأرجح، وقد يحد فعليًا من احتمالات الاتصال العاطفي لدى هؤلاء الأطفال.
ويمكن أن تكون لعواقب التصنيف غير الدقيق لمجموعة من الأشخاص وقدرتهم على الاتصال آثار بعيدة المدى، تتباين من خلال التفاعلات اليومية الصغيرة مع الأطفال المصابين بالتوحد، إلى خلق بيئات غير آمنة لهم، إضافة إلى خطر تعرضهم للتمييز.
ما عمى العقل؟
ظهرت عبارة "عمى العقل" أول مرة عام 1985 في إشارة إلى ما يسمى "العجز العقلي" الذي أظهره الأفراد المصابون بالتوحد. أو ما يعني القدرة على وضع نفسه في مكان شخص آخر، لتخيل أفكاره ومشاعره، وهي نظرية أسس لها البروفيسور سايمون بارون كوهين؛ وهو أستاذ في أقسام علم النفس والطب النفسي بجامعة كامبريدج.
من جانبها، تقول الدكتورة كارين ج. باركر، الأستاذة المشاركة في قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة ستانفورد والخبيرة في بيولوجيا الأداء الاجتماعي إنه لفهم مصطلح "العمى العقلي" من المفيد معرفة مدى ارتباطه بمفهوم آخر يُعرف باسم "نظرية العقل".
وتعني "نظرية العقل" القدرة على تمييز أو توقع ما سيفعله الشخص نفسه أو أشخاص آخرون وفهم أن للناس الآخرين معتقدات، ونوايا، ورغبات، وآراء مختلفة. على سبيل المثال أنا أحب شيئا ما، وليس بالضرورة أن يحبه الآخر، أو أنا أرى شيئا لا يراه الآخرون؛ لذا فالآخر لا يعرف ما أفكر فيه، والعكس صحيح، وهو ما كان يرى العلماء أنه لا يتحقق بصورة كبيرة لدى أطفال التوحد، ومن ثم يفتقد هؤلاء القدرة على التعاطف مع الآخرين وتفهم ردود أفعالهم.
تقول الدكتورة باركر "يشير مصطلح العمى العقلي إلى الافتقار التام لنظرية العقل لدى الأشخاص المصابين بالتوحد، وهو ما لم تؤكده معظم الأبحاث. من المهم أن ندرك أن كل شخص مصاب بالتوحد هو فرد له تحدياته ونقاط قوته". لذلك فإن استخدام عبارات مثل أعمى العقل لوصف مصاب التوحد الذي يفتقر إلى التعاطف يؤذي الطفل وأسرته، وينتقص من قدراته الذهنية، ولا يستند إلى حقائق علمية دقيقة.
ويرفض العلماء وصف عمى العقل لأنه يشير إلى أن القدرة العاطفية لا يمكن تحسينها أو تطويرها، بينما ما يحدث لدى أطفال التوحد هو العكس تماما، لأنه يمكن تطوير كفاءة القدرات العاطفية بالتدريب، حتى وإن لم يكن بنفس كفاءة الطفل النموذجي.
يمكن تطوير كفاءة القدرات العاطفية لدى طفل التوحد بالتدريب حتى وإن لم يكن بنفس كفاءة الطفل النموذجي (بيكساباي) طفل التوحد والخداعيميل الطفل البالغ من العمر 3 سنوات إلى فهم أن مجرد لمس الصندوق لا يكفي لمعرفة ما بداخله، بينما يتأخر الأطفال المصابون بالتوحد ومتلازمة أسبرغر في هذا.
كما لا يمكن لطفل التوحد فهم الخداع بسهولة؛ فمثلا لو تظاهرت أنك أكلت لعبته وابتلعتها، سيصدق بالفعل أنك قمت بذلك، حتى لو أعدت إظهارها، سيبحث عنها في فمك، وهو في الوقت نفسه يفترض أن الجميع يقول الحقيقة، ويصاب بالصدمة والانفعال الشديد حينما يكتشف غير ذلك.
يرجع العلماء أن طفل متلازمة إسبرغر قد يتأخر 3 سنوات عن الطفل النموذجي في فهم ما يؤذي مشاعر الآخرين، رغم ارتفاع معدل الذكاء لديه، وتأكيدا على أن مصطلح العمى العقلي غير دقيق، فإن تأخر اكتساب مهارة فهم مشاعر الآخرين لا يعني أنها لا تتحقق تماما لدى أطفال التوحد.
حقائقلا يوجد علاج طبي معروف للتوحد، ولكن العلاجات السلوكية جيدة التنظيم لها آثار مفيدة، ويمكن أن تحدث مستويات عالية من التعلم التعويضي.
ويقدر معدل انتشار اضطرابات طيف التوحد الآن بين 0.3 و0.7%. ويمكن تفسير الزيادة في الحالات التي تم تشخيصها في السنوات الأخيرة من خلال زيادة الوعي بالاضطراب في جميع متغيراته واستخدام معايير تشخيص أوسع.
وتبلغ نسبة الذكور إلى الإناث نحو 3 إلى 1، ويعاني الأفراد المصابون باضطراب طيف التوحد من قصور في التواصل الاجتماعي والقدرة على التعبير اللفظي وغير اللفظي.
وغالبا ما يكون المصابون منعزلين في مرحلة الطفولة، ويظلون متمركزين حول الذات حتى بعد تعلم القواعد الأساسية للتفاعل الاجتماعي. وقد يعانون من عدم القدرة التامة على النطق، أو يتأخرون في الكلام، وحتى أولئك الذين يتكلمون بطلاقة يعانون من مشاكل في الفهم.
في المقابل، يتمتع الأفراد المصابون بالتوحد بسمات مميزة أخرى، مثل أن تكون لديهم ذاكرة عن ظهر قلب ممتازة، وقد يمتلكون مهارات علمية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أطفال التوحد القدرة على
إقرأ أيضاً:
القراءة في عقل الأزمة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأزمات و التحديات التي تواجه القوى السياسية، تعد أهم الاختبارات التي تواجه العقل السياسي، و هي التي تبين إذا كان العقل السياسي سليما قادارا على تجاوزها، أم به من العلل التي تعجزه أن يقدم مبادرات يتجاوز بها هذه الأختبارات، و إذا كان العقل معلولا تجده يبحث عن تبريرات يداري بها هذا العجز.. و علة العقل السياسي ظهرت في أول أختبار مرت به، عندما سلم ذات العقل المعلول قيادة الجيش السلطة طواعية عام 1958م، خوفا من نتائج الصراع السياسي مع الآخرين باعتباره حلا يمكن تجاوزه بدخول عامل جديد في الصراع على السلطة، أهمل العقل دراسة هذه الواقعة و نتائجها إذا كانت سالبة أو إيجابية، ثم تكررت التجربة في 1969م و أيضا إهملت تماما، و أيضا في 1989م، كلها تجارب ماذا كان دور القوى السياسية حيال هذه التجارب، هل استطاعت أي قوى سياسية يسارا أو يمينا كانت، أن تقدم نقدا لهذه التجارب لكي تستفيد منه القوى السياسية الأخرى.. أم أهملت نقد التجارب؟.. الأهمال نفسه يبين أن العقل السياسي في أعمق مراحل الأزمة التي عجز أن يتجاوزها..
إذا عرجنا إلي الشعارات التي ترفعها القوى السياسية بكل مدارسها الفكرية "لعملية التحول الديمقراطي" في البلاد، من هي القوى السياسية التي استطاعت أن تكون مقنعة للشعب بأنها تعد مثالا للديمقراطية داخل مؤسستها أو خارجها من خلال إنتاجها الفكري و الثقافي الذي يقنع الجماهير بأنها بالفعل جادة قولا و فعلا في تنزيل الشعار لأرض الواقع الإجتماعي.. الديمقراطية فكر و ثقافة و قوانين و سلوك و ممارسة يومية و ليست شعارات تزين بها الخطابات السياسية.. و الذي يحصل في الساحة السياسية هو صراع ليس من أجل توعية و تثقيف الجماهير بالديمقراطية، أنما صراع بهدف الإستحواز على السلطة بأي ثمن كان..
الآن هناك البعض يرفع شعار البحث عن " طريق ثالث" رغم أن الذين يرفعون هذا الشعار هم من الذين ظلوا يدعمون " الميليشيا" و هم الذين اقنعوها بأن تقوم بالانقلاب، كما قال قائد الميليشيا أن أصحاب " الاتفاق الإطاري" كانوا وراء اشعال الحرب.. بعض من هؤلاء يرفعون شعار " الطريق الثالث" و لم يعرفوا الآخرين ما هو المقصود بهذا الشعار؟ ما هو التصور " للطريق الثالث" الذي يجب أن يتجاوز الحرب، و أيضا الأزمة السياسية التي تعيشها القوى السياسية، العقل المأزوم هو الذي يعلق انتاجه السياسي بالشعار، و لا يستطيع أن يقدم أطروحات فكرية تخدم الشعار الذي يرفعه، هؤلاء هم الذين عطلوا عقولهم طواعية، و اعتمدوا على شخص واحد يفكر نيابة عنهم، و عندما رحل مفكرهم، و جدوا انفسهم أمام تحديات عجز عقلهم التعامل معها..
أن الذين اعتقدوا أن الأزمة التي تعيشها البلاد أنها بسبب " الكيزان و الفلول" هؤلاء أنواع البعض منهم يحاول أن يغطي علاقته بالنظام السابق في اعتقاد أن تركيزه على ذلك سوف سغطي أفعاله، و البعض الأخر بسبب العجز الثقافي و الفكري الذي يعاني منه، أعتقادا أن التركيز على هذا الخطاب سوف يجعله من الذين يطلق عليهم " قوى تقدمية" رغم أن هذه الثقافة قد قبرت كما قبرت الحرب الباردة، و هؤلاء سدنة الأفكار التي تجاوزتها البشرية في مسيرتها التاريخية.. و أخرين يتعلقون بأهداب الخارج ليشكل لهم رافعة للسلطة، و يعتقدون كلما كانوا اشدا بأسا على الكيزان و الفلول " كانوا مقنعين لهذا الخارج بأنهم رجال مرحلة لهم، و هناك الذين يعتقدون أن " الكيزان و الفلول" جزء من الأزمة التي تعيشها كل القوى السياسية، و بالتالي معالجتها تأتي من المعالجة العامة للأزمة السياسية في البلاد...
أن الحرب التي يشهدها السودان هي أعلى مراحل الأزمة السياسية، و هي أزمة العقل السياسي، الذي بدأ يتراجع منذ أن بدأت القوى السياسية تبحث عن حلول للأزمة داخل المؤسسة العسكرية.. أن تحدث فيها أختراقا لكي تقوم بانقلاب عسكري يسلمها السلطة، و الغريب كل القوى السياسية التي أحدثت انقلاب بواسطة عسكريين عجزوا أن يستلموا منهم السلطة.. و حتى الآن لم يبينوا لماذا فشلوا في ذلك.. ما عدا إفادات الدكتور الترابي لأحمد منصور في " قناة الجزيرة" البقية تعلقت " بالنكران و الهروب" الحرب و فشل نقد السياسسين للتجارب السابقة تمثل أعلى درجات أزمة العقل السياسي، و هناك الأمارات التي تدخلت بشكل سافر في الأزمة لكي تحولها لمصلحتها، و استطاعت أن تتاجر في الاستحوا ز على عقول الأزمة في السودان، لعل تنجح مؤامرتها على البلاد، و من وراءها مثل بريطانيا و أمريكا و الايغاد و الاتحاد الأفريقي و بقية المنظمات الإقليمية.. هل تستطيع القوى الجديدة التي سوف تفرزها الحرب أن تدرك دورها و مسؤوليتها السياسية، و تقدم أطروحات سياسية و أفكار تخلق بها واقعا جديدا، و أيضا تتجاوز بها الأسباب الحقيقية التي أدت للأزمة و تنشل العقل السياسي منها.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com