الأسباب الكامنة وراء انتفاض واشنطن ضد المحكمة الجنائية الدولية
تاريخ النشر: 22nd, May 2024 GMT
واشنطن- صُدمت الولايات المتحدة من قرار المحكمة الجنائية الدولية الساعي لمحاكمة قادة إسرائيل، التي تجمعها علاقات خاصة بواشنطن، حيث تعد هذه هي المرة الأولى التي تسعى فيها المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة حليف لأميركا.
ورغم رفض الولايات المتحدة وإسرائيل الانضمام للمحكمة، فإن واشنطن دعمت جهود الجنائية الدولية في حالات انتهاكات سابقة متعلقة بصربيا وروسيا والسودان وغيرها، لكنها بالمقابل عارضت باستمرار تمكين محكمة دولية يمكنها محاكمة القادة العسكريين والسياسيين الأميركيين بموجب القانون الدولي.
رفضت النخبة الأميركية في مجملها موقف المدعي العام الرئيسي للمحكمة -بريطاني الجنسية- كريم خان، الذي أعلن عن طلبه إصدار أوامر اعتقال شخصيات إسرائيلية وفلسطينية، حيث اعتبرته مساواة بين "جماعة حماس الإرهابية، والحكومة الإسرائيلية الديمقراطية المنتخبة".
وانتقد الرئيس جو بايدن وكبار أركان إدارته موقف المحكمة الجنائية الدولية ونيتها إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.
من جانبه، حذر ريتشارد غولدبرغ، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، إدارة بايدن من خطورة خطوة المحكمة ضد قادة إسرائيل، ونبه إلى أن واشنطن قد تكون الهدف التالي للمحكمة.
وكتب غولدبرغ محذرا أن التهديد للولايات المتحدة من المحكمة الجنائية الدولية ليس افتراضيا، وأن واشنطن قد تواجه تحقيقا نشطا للمحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب مزعومة في أفغانستان، واعتبر أن الدفاع عن إسرائيل ضد خطوة المحكمة الجنائية الدولية الآن سيساعد في حماية الجنود الأميركيين والمسؤولين الحكوميين في المستقبل.
مجلس الشيوخخلال الشهرين الماضيين، شارك عدد من أعضاء الكونغرس في مباحثات مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وراء الكواليس، في محاولة لثنيهم عن التحرك في هذا الاتجاه.
واتهم السيناتور الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام المحكمة الجنائية الدولية بتضليله وزملائه في الكونغرس بشأن خطط المحكمة، وقال "أريد أن يعرف العالم أنني وزملائي الجمهوريين والديمقراطيين وأعضاء الإدارة تباحثنا مع المحكمة الجنائية الدولية في هذه القضية قبل أسابيع، وقيل لنا إنه ستكون هناك مناقشات مع إسرائيل قبل اتخاذ أي إجراءات".
وشدد غراهام على ضرورة تطبيق مبدأ التكامل، الذي يتطلب من المحكمة الجنائية الدولية أن تسمح للنظام القانوني للدولة المعنية بالتحرك أولا، قبل أن تتخذ المحكمة أي إجراء، وعلق على ذلك بقوله "أشعر أنه تم الكذب علي، وعلى زملائي".
ولهذا السبب، تعهد غراهام أنه "سيعمل بشكل محموم مع زملائه من كلا الجانبين في كلا المجلسين لفرض عقوبات دامغة ضد المحكمة الجنائية الدولية".
كما هدد السيناتور الجمهوري من ولاية "أركنساس" توم كوتون -في بيان شديد اللهجة- مدعي المحكمة، وتوعد بالتأكد من أن المدعي العام خان وشركاءه وعائلاتهم "لن تطأ أقدامهم الولايات المتحدة مرة أخرى".
كما تعهد رئيس مجلس النواب مايك جونسون بتصويت المجلس على فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، حيث يتوقع أن يتم التصويت هذا الأسبوع، كما يرجح أن يُقسم التصويت الحزب الديمقراطي بين مؤيد ومعارض للقرار.
تهديد النظام الدوليوعلى النقيض من ذلك، اتخذ بعض المعلقين والمسؤولين السابقين الأميركيين موقفا مؤيدا لخطوة المحكمة، وأدانوا موقف إدارة بايدن، حيث انتقد بن رودس مستشار الرئيس السابق باراك أوباما في تغريدة له موقف إدارة الرئيس بايدن، وقال "لا يوجد شيء اسمه نظام دولي قائم على القواعد إذا كانت القواعد تنطبق فقط على الأشخاص والبلدان التي لا تحبها".
كما غرد نائب رئيس معهد كوينسي بواشنطن تاريتا بارسي على موقع "إكس"، مهاجما بيان بلينكن، ووصفه بالبيان "المخجل" بسبب رفضه أوامر المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو وغالانت وحماس، وقال إنه "من الواضح أن فكرة بلينكن عن النظام القائم على القواعد تعتمد على تحكم الولايات المتحدة فيه، وليس نظاما تخضع فيه جميع الدول -بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة- للقواعد على قدم المساواة".
ويفسَّر الموقف الأميركي من المحكمة الجنائية الدولية بخوف الولايات المتحدة -إلى حد كبير- من تعرض الجنود والساسة الأميركيين إلى المحاكمة دون حماية دستورية أميركية، وخصوصا من قبل مدع عام مناهض للولايات المتحدة في محكمة بها قضاة غير أميركيين.
وبدلا من ذلك، تتم محاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في المحاكم المحلية الأميركية بموجب قانون جرائم الحرب لعام 1996، وهو قانون يطبق إذا كان أحد الضحايا أو مرتكب جريمة حرب مزعومة مواطنا أميركيا أو عضوا في الجيش الأميركي.
ووصلت معارضة واشنطن للمحكمة الجنائية الدولية إلى ذروتها خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث هدد مستشار الأمن القومي جون بولتون بفرض عقوبات على القضاة والمدعين العامين في المحكمة إذا شرعوا بالتحقيق في ما قالت عنه المحكمة إن أفرادا من الجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية ربما ارتكبوا جرائم حرب بتعذيب المعتقلين في أفغانستان عام 2016.
وقال بولتون إن الولايات المتحدة ستمنع قضاة المحكمة ومدعيها العامين من دخول أراضيها، وأضاف "سنعاقب أموالهم في النظام المالي الأميركي، وسنحاكمهم تحت النظام الجنائي الأميركي"، مضيفا أنهم سيفعلون الشيء نفسه مع أي شركة أو دولة تساعد في تحقيق المحكمة الجنائية الدولية مع الأميركيين".
وبالفعل، فرضت واشنطن عقوبات على أعضاء المحكمة، وحظرت الحسابات المصرفية لرئيسة المحكمة السابقة فاتو بنسودا، لكن العلاقات بدأت بالتحسن مع بدء عهد الرئيس جو بايدن، الذي تعهد باحترام قواعد القانون الدولي، حيث أسقطت واشنطن العقوبات.
من جانبها، اتخذت المحكمة موقفا رماديا بعد ذلك، مع تحول تحقيقاتها حول أفغانستان بعيدا عن انتهاكات القوات الأميركية، لتركز بالمقابل على الجرائم المزعومة لمقاتلي طالبان ومقاتلي تنظيم "داعش" المحليين، الأمر الذي أثار انتقادات من منظمات حقوق الإنسان واعتبرها البعض محاولة من المحكمة لكسب ود واشنطن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المحکمة الجنائیة الدولیة الولایات المتحدة من المحکمة
إقرأ أيضاً:
جيورجي بوريسينكو سفير روسيا في مصر يكتب: المعايير المزدوجة للمحكمة الجنائية الدولية
تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما، الذي دخل حيز النفاذ في عام 2002، كمؤسسة عدالة عالمية تهدف إلى محاكمة أولئك الذين ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان. ومن أجل منحها وضعيتا خاصة قد تم اتخاذ القرار على نقل القضايا بشكل مباشر من مجلس الأمن الدولي إلى هذه الهيئة للنظر فيها.
وعلى أمل تحقيق أهداف المحكمة المعلنة انضمت إلى نظام روما أكثر من 120 دولة. وفي الوقت نفسه، لا تشارك في المحكمة الجنائية الدولية دول مهمة مثل مصر وفيتنام والهند وإندونيسيا والصين وباكستان والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وتركيا. كما ألغت روسيا توقيعها وانسحبت من المعاهدة الدولية ذات الصلة في عام 2016.
محام بالجنائية الدولية: ترامب يحاول اتخاذ مواقف مضادة تجاه المحكمة
نتنياهو وأوربان يبحثان مع ترامب تطورات انسحاب المجر من الجنائية الدولية
أول تعليق من نتنياهو على الانسحاب المجري من المحكمة الجنائية الدولية
بالتزامن مع زيارة نتنياهو.. المجر تنسحب من المحكمة الجنائية الدوليةويرجع ذلك إلى عدم فعالية عمل هذه المؤسسة وطبيعتها المسيسة، فضلا عن حالات عديدة لإساءة استخدام السلطة من قبل قيادة المحكمة. وتعرض الإحصائيات على ذلك بشكل واضح فرغم ميزانيتها السنوية البالغة التي تبلغ الى 170 مليون دولار وطاقمها المكون من 900 موظف لم يتم اعلان سوى حوالي 40 شخصا مطلوبا خلال العشرين عاما الماضية ولم تصدر أكثر من 15 إدانة نهائية.
علاوة على ذلك، هناك تحيز جغرافي واضح في أنشطة المحكمة الجنائية الدولية، التي اختارت في البداية أفريقيا كهدف رئيسي لتحقيقاتها بروح التفكير الاستعماري الجديد للغرب. وفي الوقت نفسه، ظلت جرائم القوات المسلحة الغربية في العراق وأفغانستان دون عقاب. ولهذا السبب اعتمد الاتحاد الأفريقي في عام 2017 استراتيجية خروج دول القارة الأفريقية من هذه الهيئة.
إن الدليل الواضح على الدور التدميري الذي تلعبه المحكمة الجنائية الدولية هو تعاملها المتحيز مع أزمة دارفور، عندما في عام 2008 تم اصدار طلب اعتقال الرئيس السوداني السابق عمر البشير. إن الموقف الذي اتخذته المحكمة قد عرّض فعليا تنفيذ اتفاق السلام الشامل بين شمال وجنوب هذا البلد للخطر. وآنذاك رفضت جامعة الدول العربية اتهامات بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية الموجهة إلى الزعيم السوداني، كما انتقد مجلس وزراء الخارجية لدول الأعضاء في الجامعة هذه السابقة الخطيرة.
وهذه ليست سوى حالة واحدة من الحالات التي أصبح فيها توجيه الاتهامات إلى قيادات بعض الدول أو المجموعات المتحاربة عقبة خطيرة أمام حل الصراعات في أفريقيا. وبدلا من تحقيق العدالة، لم يجلب هذه الهيئة القضائية سوى مشاكل جديدة للأفارقة.
ولم تظهر المحكمة الجنائية الدولية مثل هذه الحماسة في التحقيق في الحوادث التي وقعت في أفغانستان. وعلى الرغم من وجود أدلة ضد عسكريين أمريكيين وبولنديين وليتوانيين ورومانيين، فضلا عن ضباط وكالة المخابرات المركزية للولايات المتحدة بتهمة التعذيب والاغتصاب وإساءة معاملة السجناء قد أغلق القضاة التحقيق قائلين إنه "ليس في مصلحة العدالة". لقد كانوا ببساطة خائفين من العقوبات التي فرضتها واشنطن على المدعية العامة السابقة من أصل غامبي فاتو بنسودا، التي سرعان ما أعاد بديلها، كريم خان من بريطانيا، توجيه نفسه لدراسة تصرفات طالبان وداعش، بدلا من مقاضاة الممثلين الغربيين.
وبلغت ممارسة المعايير المزدوجة ذروتها في التحقيق في القضية الفلسطينية والوضع في أوكرانيا. وجمدت المحكمة تماما النظر في محاولات اللجوء المحاكم من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عام 2018 بشأن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في فلسطين. كما تم تجاهل المعلومات المتعلقة بمثل هذه الحالات، التي قدمتها منظمات حقوق الإنسان المختلفة. وحتى عندما صدرت مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت في مايو 2024 لم يسارع أي من الموقعين الغربيين على نظام روما، الذين دعموا في السابق مثل هذه الخطوة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى تنفيذها وبل إن الإدارة الأميركية فرضت عقوبات على القضاة الذين اتخذوا القرار بتهمة "التعدي على حلفاء الولايات المتحدة".
روسيا تنجح في إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية بالقرب من محطة زابوروجيا النووية
بوتين: روسيا تبذل كل ما بوسعها من أجل عودة باقي الرهائن من غزة
روسيا.. إحباط هجوم إرهابي على أحد مراكز الترفيه
الخارجية الأوكرانية: روسيا انتهكت وقف إطلاق النار أكثر من 30 مرةولكن المحكمة الجنائية الدولية، على العكس، لم تؤخر التحقيق في القضايا الأوكرانية، إذ عثرت على موارد مالية وبشرية إضافية في مارس 2022 من أجل إرسال أكبر فريق تحقيق في تاريخها إلى منطقة الصراع مع روسيا. وعلاوة على ذلك، فمن الصعب أن نتصور طريقة أكثر غير قانونية لجمع الأموال من عقد مؤتمر المانحين لدعم المحكمة. وخلال هذا الحدث الذي أقيم في لندن في 20 مارس 2023 تم "التبرع" بما يقرب من 5 ملايين دولار أميركي "لجمع الأدلة" و"أعمال التحقيق".
وفي الوقت نفسه، أعلنت دول مانحة مثل بريطانيا العظمى وهولندا وكندا ورومانيا واليابان بالصراحة أنها تدفع ثمن "التحقيق في جرائم الحرب الروسية". وهكذا كان هناك رشوة علنية للمحكمة لتنظيم محاكمة متهم تم تحديده مسبقا من قبل الغرب. وكما قد يكون من الأدلة على ذلك أنه قبل شهر من إصدار مذكرة التوقيف ضد رئيس روسيا تم إطلاق سراح شقيق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بشكل غير متوقع من سجن بريطاني بعد انقضاء نصف من مدة محكوميته بتهمة المضايقة للمراهق.
كما تم الاشتباه في تورط المدعي العام السابق لويس مورينو أوكامبو، الذي بدأ ممارسة القانون بشكل خاص بعد استقالته، في الفساد. وكما أظهرت التحقيقات الصحفية، فإن موظفي المحكمة الجنائية الدولية الذين عملوا معه ذات يوم مرروا إليه معلومات سرية، استخدمها لحماية عملائه من الملاحقة الجنائية. وفي الوقت نفسه، كان هو وزوجته يمتلكان شركات خارجية في جزر الكاريبي، بما في ذلك خلال فترة عمله في المحكمة، وتلقيا تحويلات مالية مشبوهة بمبالغ كبيرة إلى حساباتهما المصرفية.
وبعبارة أخرى، فقدت المحكمة الجنائية الدولية مصداقيتها تماما كمنصة عالمية لضمان العدالة وتحولت إلى أداة يستخدمها الغرب لتحقيق أهداف سياسية ضيقة وهو ما يسهله تشجيع ممارسة "التبرعات الطوعية". واليوم، تواصل المحكمة معارضة أنشطتها لمعايير القانون الدولي ومصالح حل النزاعات. إن أية قضايا لا تخدم مصالح الغرب الجماعي تنهار، ولا يتم تنفيذ الأحكام التي تبدو عادلة من قبل الموقعين على نظام روما أنفسهم وعلاوة على ذلك، يجد المبادرون بهذه الأحكام أنفسهم تحت الضغط.
ونأمل أن تقوم مصر بتقييم جوهر المحكمة الجنائية الدولية بشكل صحيح. لقد أنفقت أموالا طائلة، ولم تجلب للعالم أي فائدة، وان الضرر من عملها واضح.