لجريدة عمان:
2025-03-20@04:05:03 GMT

الدعاية الرقمية في عصر ما بعد الحقيقة

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016 كشفت وسائل الإعلام عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من جانب الحكومة الروسية للتأثير على العملية الانتخابية، التي انتهت بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على حساب مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. بعدها أصبحت الصراعات في غزة وأوكرانيا ساحات معارك في حروب الدعاية الرقمية التي تتصارع فيها كل الأطراف عبر منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من صور الدعاية عبر الإنترنت، المصممة بعناية لجعل الناس في جميع أنحاء العالم ينحازون إلى أحد الجانبين، ويتشددون في مواقفهم، بل ويحركون الرأي العام العالمي على نطاق أوسع.

منذ ذلك الوقت حدث تحول ملموس في الخطاب العام والأكاديمي وزاد الاهتمام بدراسة «الجانب المظلم» من الدعاية الرقمية. فقد تلاشى التفاؤل الذي ساد في الأيام الأولى من ثورات «الربيع العربي» حول تمكين المنصات الرقمية للمستضعفين للتعبير عن آرائهم، وتجميع وتنظيم أنفسهم، والانتقال بالحركات الاحتجاجية من الإنترنت إلى الشوارع والميادين، ليحل محله التشاؤم الناتج عن الانتشار الواسع لخطاب الاستعلاء والعنصرية والكراهية، وصعود سياسات «ما بعد الحقيقة»، وهو المصطلح الذي يعني تجاوز الحقيقة، وفقدان الحقيقة الموضوعية القائمة على البراهين والأدلة العقلية. وقد اختار قاموس أكسفورد في عام 2016 مصطلح «ما بعد الحقيقة» ليكون مصطلح العام، ويشير إلى الظروف التي تكون فيها الحقائق الموضوعية ذات تأثير أقل في تشكيل الرأي العام، لذلك من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار هذه التطورات ونسأل أنفسنا ما الذي نعرفه بالضبط عن الدعاية الرقمية؟ وما الذي لا نعرفه؟ وما الذي يجب أن نعرفه حتى نتمكن من الاحتواء، إن لم يكن منع، آثارها التخريبية؟ في البداية لا بد أن نؤكد على حقيقة أن لا دولة في العالم في مأمن من حملات الدعاية الرقمية، ما يعني أنه لا أحد في العالم لديه حصانة من هذه الدعاية التي يمكن أن تؤدي إلى إعاقة التقدم وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتتعدد التأثيرات السلبية لهذه الدعاية وتتفاوت وفقًا لمتانة الهيكل المؤسسي للدولة التي تتعرض لها، ووفقًا لقوة تلك الدعاية وأهدافها وقوة الفاعل أو الفاعلين القائمين بها، ولذلك يجب أن تبادر الدول إلى اتخاذ كل الإجراءات التي تحميها وتحمي مواطنيها من التأثيرات السلبية الهائلة لهذه الدعاية الرقمية التي تقوم على الأكاذيب، أو على الأقل خلط بعض الحقائق بالأكاذيب لتحقيق أهداف صُناعها. ولكي تستطيع الحكومات حماية الأوطان من الدعاية الرقمية التي تختلف عن الدعاية التقليدية في الأساليب والقدرة على الوصول والتأثير، لا بد أن نحدد ما الذي نعرفه عن الدعاية الرقمية؟ وباختصار شديد ودون الدخول في متاهات التعريفات الأكاديمية التي قد لا تهم القارئ، فإن الدعاية الرقمية تعني كل الجهود التي تقوم بها الحكومات والشركات وجماعات المصالح والكيانات المختلفة في إدارة صراعاتها الداخلية والخارجية، من خلال نشر وتضخيم المعلومات المضللة، والتلاعب بالرأي العام، وذلك باستخدام المنصات الإلكترونية المختلفة وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الاتصالات والحسابات الآلية وحسابات الجيوش الإلكترونية البشرية المجهولة الهوية. ما نعرفه حتى الآن هو أن الدعاية المدعومة من الدول قد انفجرت مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، ووفقًا لشهادات قدمها ممثلو فيسبوك وجوجل وتويتر أمام لجان الكونجرس الأمريكي في أكثر من مناسبة، فإن «أكثر من 150 مليون شخص تعرضوا على الأرجح لحملة التضليل الروسية قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في مقابل 20.7 مليون شخص فقط شاهدوا النشرات الإخبارية المسائية للشبكات التلفزيونية القومية الأربع «آيه بي سي، وسي بي إس، وإن بي سي، وفوكس». ولعل ما يضاعف من أهمية هذا التحول في أساليب ووسائل الدعاية هو تغير الطريقة التي يحدث بها التلاعب في المحتوى، حيث يتميز الوسيط الرقمي بخصائص لم تكن تتوافر في وسائل الإعلام التقليدية، مثل الانتشار الواسع المدى للمحتوى، وقدرته على تجاوز مرشحات الإعلام التقليدية وحراس البوابات، وهو ما يجعل التضليل ينتشر بشكل أسرع ويصل إلى مناطق أوسع من العالم. وبهذا أصبحت الدعاية الرقمية ظاهرة عالمية، ووسيلة غير عسكرية فعالة لتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية، بطريقة تتجاوز قوة الأسلحة، بعبارة أخرى، أصبح تسليح المعلومات عبر الدعاية الرقمية يُنظر إليه من قبل بعض الدول كأداة مثلى لتصحيح موازين القوى مع الدول الأخرى. لقد كانت الدعاية دائمًا سلاحًا من أسلحة الحرب، لكن الثورة الرقمية زادت من مدى وصولها وفعاليتها، وهذا ما يجعل من الصعب على الشخص العادي، وكذلك المهنيين ذوي الخبرة، معرفة الصحيح فيها وغير الصحيح.ومن المثير للاهتمام، أنه على الرغم من الانفجار في القنوات والشبكات والمحتوى القائم على التضليل الرقمي، فإننا لا نعرف بشكل قاطع ما إذا كانت الدعاية الرقمية ناجحة بالفعل. صحيح أن الترويج لخطاب الكراهية والتصعيد عبر الإنترنت لإحداث الاستقطاب السياسي، هما من الآثار الملموسة للدعاية الرقمية التي لا يمكن تجاهلها، غير أنه من الصعب تقييم طبيعة التأثير الذي تحدثه هذه الدعاية الرقمية على رأي وسلوك الأشخاص الذين يتعرضون لها. وعلى سبيل المثال فإن حرب الدعاية الرقمية في الحرب الإسرائيلية على غزة هي حرب معلومات مضللة، تحاول من خلالها إسرائيل تشكيل وجهة نظر العالم، ولها تأثير واضح ومتناقض إلى حد ما على كل من الشعوب والحكومات، وكذلك على ساحة المعارك. ولذلك ومع أن قياس تأثير الدعاية الرقمية يبدو صعبا، فإنه تبقى هناك حاجة لكل الدول لتطوير برامجها الاستراتيجية لمعرفة كيفية توليد المعلومات المضللة عبر الإنترنت بهدف التأثير في اتجاهات وقيم وآراء وسلوكيات مواطنيها.

ونظرًا للتأثيرات المدمرة التي قد تحدثها الدعاية الرقمية في الدول والمجتمعات، فإنه من المهم معرفة كيفية التعاطي مع الحملات الدعائية المنهجية، وتتبع كل المنصات والحسابات التي تسعى للترويج للمعلومات المضللة. وبشكل أكثر تحديدًا، يجب تحديد ما إذا كانت التدابير الدفاعية التي تستخدمها الدولة كافية لكشف هذه الحملات والتصدي لها، وما إذا كانت هناك حاجة إلى تدابير هجومية يجب اتخاذها.

لقد حان الوقت لوضع استراتيجيات وطنية دفاعية لمكافحة الدعاية الرقمية تستطيع من خلالها الدولة كشف أنماط الدعاية الرقمية، وتحديد قوتها أو ضعفها، وتحسين المعرفة الإعلامية حول كيفية عمل الدعاية، وكيفية تجنب الوقوع في فخها، في الوقت نفسه يجب أن تتضمن تلك الاستراتيجية آليات للهجوم تساعد في استعادة بعض السيطرة على أجندة المعلومات المضللة، وتقليل التأثير الضار على الدولة والمجتمع، وجعل الانخراط في المعلومات المضللة أكثر كلفة للطرف الآخر. ويمكن في هذا الجانب استخدام خوارزميات مصممة خصيصًا لرسم خريطة لشبكات المعلومات المضللة التي تستهدف الدولة، والتأكد من تعطيلها، بالإضافة إلى ذلك، يجب تبني رؤية استراتيجية قوية لطرح الجوانب الإيجابية للسياسة الخارجية للدولة، وهو ما يجعل من الصعب على القائمين بالدعاية الرقمية الرد.

إن المشهد التكنولوجي الحالي يؤكد أن الدعاية الرقمية ستظل موجودة، وقد لا تتمكن الدول أو وزارات الخارجية من القضاء عليها تمامًا، ولكن يجب أن تكون قادرة على تقليل عواقبها الضارة، من خلال فهم أفضل لكيفية عملها، ونوع التأثير الذي تولده، وكيفية الجمع بين استراتيجيات المكافحة الدفاعية والهجومية لدعم الدولة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المعلومات المضللة التواصل الاجتماعی الرقمیة التی هذه الدعایة ما الذی یجب أن

إقرأ أيضاً:

أبوظبي تُسرع استراتيجيتها الرقمية بشراكة رئيسية بين «مايكروسوفت» و«جي 42»

واشنطن-وام

أعلنت دائرة التمكين الحكوميأبوظبي نيابةً عن حكومة أبوظبي إبرام اتفاقية مهمة مع شركة مايكروسوفت، وكور42، التابعة لمجموعة G42 والمتخصصة في السحابة السيادية، والذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية، لتنفيذ نظام سحابي سيادي مشترك يهدف إلى تعزيز كفاءة تقديم الخدمات الحكومية وابتكار حلول رقمية جديدة.
تم توقيع الاتفاقية التي تمر بمراحل متعددة ويتم تنفيذها على عدة سنوات بين دائرة التمكين الحكومي ومايكروسوفت وكور42 بحضور سموّ الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، رئيس مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وخلدون خليفة المبارك رئيس جهاز الشؤون التنفيذية، عضو مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
وقع الاتفاقية أحمد تميم هشام الكتّاب، رئيس دائرة التمكين الحكومي – أبوظبي، وساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة مايكروسوفت، وبينغ شياو، الرئيس التنفيذي لمجموعة «جي 42».
وتؤسس الاتفاقية الثلاثية لحوسبة سحابية موحدة، ذات أداء عال قادر على معالجة أكثر من 11 مليون معاملة رقمية يومياً بين الجهات الحكومية، والمواطنين، والمقيمين، والشركات.
وقال أحمد تميم هشام الكتّاب، رئيس دائرة التمكين الحكومي – أبوظبي: إن التكنولوجيا قادرة على إحداث نقلة نوعية في كيفية تفاعل الحكومات مع الناس، ما يجعل الخدمات أكثر كفاءة وتفاعلاً وتأثيراً، وتعد هذه الشراكة إنجازاً مهماً في مسيرة تحولنا الرقمي، فمن خلال الجمع بين تقنيات مايكروسوفت السحابية، وخبرة «جي 42» في مجال الذكاء الاصطناعي، والرؤية الاستراتيجية للحكومة، نسهم في الوصول إلى منصة قوية تُعيد تعريف الخدمات الحكومية.
وتسعى حكومة أبوظبي لأن تكون أول حكومة بالعالم تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027، وهو ما يعكسه التزامها بتحسين وتعزيز الخدمات الحكومية لتكون أكثر كفاءة وسهولة للمواطنين والمقيمين، وزيادة الشفافية والأمان للمستثمرين والشركات، إلى جانب خلق بيئة عمل أكثر ابتكاراً ومرونة وإبداعاً لموظفي الجهات الحكومية في إمارة أبوظبي.
من جانبه، قال ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة مايكروسوفت: إن الذكاء الاصطناعي سيدفع حدود وإمكانات عمل الحكومات وخدمة أفراد مجتمعها في كل مكان حول العالم، وتعد إمارة أبوظبي رائدة في هذا المجال ومن خلال شراكتنا مع دائرة التمكين الحكومي ومجموعة جي 42، نضع معايير جديدة لتبني الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي، وندعم جهود أبوظبي في أن تصبح أول حكومة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في العالم.
وتهدف أبوظبي إلى أتمتة 100% من عملياتها الحكومية بحلول عام 2027، مدعومة باستثمار 13 مليار درهم (3.54 مليار دولار) في البنية التحتية الرقمية من خلال استراتيجية حكومة أبوظبي الرقمية 2025 - 2027.
وستطبق الاستراتيجية ما يزيد على 200 حل مدعوم بالذكاء الاصطناعي لتحسين تقديم الخدمات الحكومية وتعزيز الإنتاجية والعمليات التشغيلية والمساهمة في الاستدامة البيئية وتجلّى ذلك في إطلاق منصة «تم 3.0»، المنصة الحكومية الموحدة، التي أسهمت في تقليل معدل زيارة المتعاملين بنسبة 90%، وجعلت أكثر من 73% من المعاملات فورية واستباقية.
من ناحيته، قال بينغ شياو، الرئيس التنفيذي لمجموعة «جي 42»: إن الاتفاقية خطوة مهمة في إطار التزام جي 42 بدعم رؤية أبوظبي في أن تصبح أول حكومة تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي، ويتيح نظامنا السحابي السيادي العام، المدعوم من آزور والمعزز بمنصة التحكم السيادية «إنسايت»، للجهات الحكومية الحفاظ على سيادة البيانات، إلى جانب الاستفادة من الابتكار المتقدم وتتجاوز هذه الشراكة كونها مجرد تقدم تكنولوجي، إذ تمثل التزامنا بإنشاء بنية تحتية رقمية قوية وجاهزة للمستقبل تدعم تحديث الذكاء الاصطناعي عبر مختلف الجهات الحكومية في أبوظبي، وتضع معياراً عالمياً جديداً للابتكار.
ويسلط هذا التعاون بين حكومة أبوظبي، وشركة مايكروسوفت، و«جي 42» الضوء على إمكانات التحول الرقمي الاستراتيجي لتمكين الحكومات من العمل بكفاءة واستجابة أكبر، وعبر تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية السيادية والابتكار الرقمي، يعزز هذا التعاون التزام الإمارة في تبني الابتكار وتقديم خدمات تتمحور حول المتعاملين وتتماشى مع أعلى المعايير العالمية.

مقالات مشابهة

  • سلاف فواخرجي: بعض مشاهد صيدنايا "مفبركة" والشائعات طمست الحقيقة
  • السديس: نجاح خطة العشر الوسطى وتعزيز التجربة الرقمية في الحرمين
  • الحد الأدنى للأجور: ما هي الدول الأوروبية التي شهدت أعلى الزيادات؟
  • مستقبل الاتصالات الرقمية.. من الـ 5G إلى الاتصالات الكمومية
  • حلا شيحة وجدل حذف الصور بدون حجاب.. إليك الحقيقة
  • أبوظبي تُسرع استراتيجيتها الرقمية بشراكة رئيسية بين «مايكروسوفت» و«جي 42»
  • مدبولي: مصر من أوائل الدول التي وقعت على أهداف التنمية المستدامة عام 2015
  • القرآن..البوصلة الحقيقة للأمّة
  • الحكومة الرقمية تُطلق قياس التحول الرقمي 2025
  • المسلمون في الصين.. بين الحقيقة والتشويه