لجريدة عمان:
2025-05-02@12:31:09 GMT

الدعاية الرقمية في عصر ما بعد الحقيقة

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016 كشفت وسائل الإعلام عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من جانب الحكومة الروسية للتأثير على العملية الانتخابية، التي انتهت بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على حساب مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. بعدها أصبحت الصراعات في غزة وأوكرانيا ساحات معارك في حروب الدعاية الرقمية التي تتصارع فيها كل الأطراف عبر منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من صور الدعاية عبر الإنترنت، المصممة بعناية لجعل الناس في جميع أنحاء العالم ينحازون إلى أحد الجانبين، ويتشددون في مواقفهم، بل ويحركون الرأي العام العالمي على نطاق أوسع.

منذ ذلك الوقت حدث تحول ملموس في الخطاب العام والأكاديمي وزاد الاهتمام بدراسة «الجانب المظلم» من الدعاية الرقمية. فقد تلاشى التفاؤل الذي ساد في الأيام الأولى من ثورات «الربيع العربي» حول تمكين المنصات الرقمية للمستضعفين للتعبير عن آرائهم، وتجميع وتنظيم أنفسهم، والانتقال بالحركات الاحتجاجية من الإنترنت إلى الشوارع والميادين، ليحل محله التشاؤم الناتج عن الانتشار الواسع لخطاب الاستعلاء والعنصرية والكراهية، وصعود سياسات «ما بعد الحقيقة»، وهو المصطلح الذي يعني تجاوز الحقيقة، وفقدان الحقيقة الموضوعية القائمة على البراهين والأدلة العقلية. وقد اختار قاموس أكسفورد في عام 2016 مصطلح «ما بعد الحقيقة» ليكون مصطلح العام، ويشير إلى الظروف التي تكون فيها الحقائق الموضوعية ذات تأثير أقل في تشكيل الرأي العام، لذلك من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار هذه التطورات ونسأل أنفسنا ما الذي نعرفه بالضبط عن الدعاية الرقمية؟ وما الذي لا نعرفه؟ وما الذي يجب أن نعرفه حتى نتمكن من الاحتواء، إن لم يكن منع، آثارها التخريبية؟ في البداية لا بد أن نؤكد على حقيقة أن لا دولة في العالم في مأمن من حملات الدعاية الرقمية، ما يعني أنه لا أحد في العالم لديه حصانة من هذه الدعاية التي يمكن أن تؤدي إلى إعاقة التقدم وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتتعدد التأثيرات السلبية لهذه الدعاية وتتفاوت وفقًا لمتانة الهيكل المؤسسي للدولة التي تتعرض لها، ووفقًا لقوة تلك الدعاية وأهدافها وقوة الفاعل أو الفاعلين القائمين بها، ولذلك يجب أن تبادر الدول إلى اتخاذ كل الإجراءات التي تحميها وتحمي مواطنيها من التأثيرات السلبية الهائلة لهذه الدعاية الرقمية التي تقوم على الأكاذيب، أو على الأقل خلط بعض الحقائق بالأكاذيب لتحقيق أهداف صُناعها. ولكي تستطيع الحكومات حماية الأوطان من الدعاية الرقمية التي تختلف عن الدعاية التقليدية في الأساليب والقدرة على الوصول والتأثير، لا بد أن نحدد ما الذي نعرفه عن الدعاية الرقمية؟ وباختصار شديد ودون الدخول في متاهات التعريفات الأكاديمية التي قد لا تهم القارئ، فإن الدعاية الرقمية تعني كل الجهود التي تقوم بها الحكومات والشركات وجماعات المصالح والكيانات المختلفة في إدارة صراعاتها الداخلية والخارجية، من خلال نشر وتضخيم المعلومات المضللة، والتلاعب بالرأي العام، وذلك باستخدام المنصات الإلكترونية المختلفة وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الاتصالات والحسابات الآلية وحسابات الجيوش الإلكترونية البشرية المجهولة الهوية. ما نعرفه حتى الآن هو أن الدعاية المدعومة من الدول قد انفجرت مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، ووفقًا لشهادات قدمها ممثلو فيسبوك وجوجل وتويتر أمام لجان الكونجرس الأمريكي في أكثر من مناسبة، فإن «أكثر من 150 مليون شخص تعرضوا على الأرجح لحملة التضليل الروسية قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في مقابل 20.7 مليون شخص فقط شاهدوا النشرات الإخبارية المسائية للشبكات التلفزيونية القومية الأربع «آيه بي سي، وسي بي إس، وإن بي سي، وفوكس». ولعل ما يضاعف من أهمية هذا التحول في أساليب ووسائل الدعاية هو تغير الطريقة التي يحدث بها التلاعب في المحتوى، حيث يتميز الوسيط الرقمي بخصائص لم تكن تتوافر في وسائل الإعلام التقليدية، مثل الانتشار الواسع المدى للمحتوى، وقدرته على تجاوز مرشحات الإعلام التقليدية وحراس البوابات، وهو ما يجعل التضليل ينتشر بشكل أسرع ويصل إلى مناطق أوسع من العالم. وبهذا أصبحت الدعاية الرقمية ظاهرة عالمية، ووسيلة غير عسكرية فعالة لتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية، بطريقة تتجاوز قوة الأسلحة، بعبارة أخرى، أصبح تسليح المعلومات عبر الدعاية الرقمية يُنظر إليه من قبل بعض الدول كأداة مثلى لتصحيح موازين القوى مع الدول الأخرى. لقد كانت الدعاية دائمًا سلاحًا من أسلحة الحرب، لكن الثورة الرقمية زادت من مدى وصولها وفعاليتها، وهذا ما يجعل من الصعب على الشخص العادي، وكذلك المهنيين ذوي الخبرة، معرفة الصحيح فيها وغير الصحيح.ومن المثير للاهتمام، أنه على الرغم من الانفجار في القنوات والشبكات والمحتوى القائم على التضليل الرقمي، فإننا لا نعرف بشكل قاطع ما إذا كانت الدعاية الرقمية ناجحة بالفعل. صحيح أن الترويج لخطاب الكراهية والتصعيد عبر الإنترنت لإحداث الاستقطاب السياسي، هما من الآثار الملموسة للدعاية الرقمية التي لا يمكن تجاهلها، غير أنه من الصعب تقييم طبيعة التأثير الذي تحدثه هذه الدعاية الرقمية على رأي وسلوك الأشخاص الذين يتعرضون لها. وعلى سبيل المثال فإن حرب الدعاية الرقمية في الحرب الإسرائيلية على غزة هي حرب معلومات مضللة، تحاول من خلالها إسرائيل تشكيل وجهة نظر العالم، ولها تأثير واضح ومتناقض إلى حد ما على كل من الشعوب والحكومات، وكذلك على ساحة المعارك. ولذلك ومع أن قياس تأثير الدعاية الرقمية يبدو صعبا، فإنه تبقى هناك حاجة لكل الدول لتطوير برامجها الاستراتيجية لمعرفة كيفية توليد المعلومات المضللة عبر الإنترنت بهدف التأثير في اتجاهات وقيم وآراء وسلوكيات مواطنيها.

ونظرًا للتأثيرات المدمرة التي قد تحدثها الدعاية الرقمية في الدول والمجتمعات، فإنه من المهم معرفة كيفية التعاطي مع الحملات الدعائية المنهجية، وتتبع كل المنصات والحسابات التي تسعى للترويج للمعلومات المضللة. وبشكل أكثر تحديدًا، يجب تحديد ما إذا كانت التدابير الدفاعية التي تستخدمها الدولة كافية لكشف هذه الحملات والتصدي لها، وما إذا كانت هناك حاجة إلى تدابير هجومية يجب اتخاذها.

لقد حان الوقت لوضع استراتيجيات وطنية دفاعية لمكافحة الدعاية الرقمية تستطيع من خلالها الدولة كشف أنماط الدعاية الرقمية، وتحديد قوتها أو ضعفها، وتحسين المعرفة الإعلامية حول كيفية عمل الدعاية، وكيفية تجنب الوقوع في فخها، في الوقت نفسه يجب أن تتضمن تلك الاستراتيجية آليات للهجوم تساعد في استعادة بعض السيطرة على أجندة المعلومات المضللة، وتقليل التأثير الضار على الدولة والمجتمع، وجعل الانخراط في المعلومات المضللة أكثر كلفة للطرف الآخر. ويمكن في هذا الجانب استخدام خوارزميات مصممة خصيصًا لرسم خريطة لشبكات المعلومات المضللة التي تستهدف الدولة، والتأكد من تعطيلها، بالإضافة إلى ذلك، يجب تبني رؤية استراتيجية قوية لطرح الجوانب الإيجابية للسياسة الخارجية للدولة، وهو ما يجعل من الصعب على القائمين بالدعاية الرقمية الرد.

إن المشهد التكنولوجي الحالي يؤكد أن الدعاية الرقمية ستظل موجودة، وقد لا تتمكن الدول أو وزارات الخارجية من القضاء عليها تمامًا، ولكن يجب أن تكون قادرة على تقليل عواقبها الضارة، من خلال فهم أفضل لكيفية عملها، ونوع التأثير الذي تولده، وكيفية الجمع بين استراتيجيات المكافحة الدفاعية والهجومية لدعم الدولة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المعلومات المضللة التواصل الاجتماعی الرقمیة التی هذه الدعایة ما الذی یجب أن

إقرأ أيضاً:

ريهام عبد الغفور: “ذكريات الحقيقة والسراب لا تُنسى.. وتجربة "ظلم المصطبة" تحدي أحببته

عبّرت النجمة المصرية ريهام عبد الغفور عن امتنانها العميق لتفاعل الجمهور مع أحدث ظهور لها برفقة الفنان أحمد زاهر خلال حفل زفاف ابنته ليلى، حيث أعادت تلك اللقطة للأذهان واحدة من أشهر الثنائيات الدرامية في الألفينات بمسلسل "الحقيقة والسراب.

 

 

 

 

في حوارها مع برنامج "ET بالعربي"، فتحت ريهام قلبها للحديث عن ذكريات الماضي، وتجربتها في مسلسلها الجديد "ظلم المصطبة"، كما علقت على لحظة تكريمها في مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، معتبرة تلك المحطات بمثابة وقود جديد لمسيرتها الفنية المتواصلة.

     ذكريات "الحقيقة والسراب" تعود من جديد

خلال اللقاء، عبّرت ريهام عن سعادتها الكبيرة بالرسائل التي تلقتها من الجمهور بعد انتشار صورتها مع الفنان أحمد زاهر في حفل زفاف ابنته، وقالت: "انبسطت جدًا إن الناس افتكرونا من الحقيقة والسراب، ده معناه إن العمل لسه عايش في ذاكرتهم، وده بيخليني أحس بقيمة اللي قدمته من سنين". 

 

 

 

 

هذا التفاعل أعاد إليها إحساس الدفء الذي كان يحيط بكواليس ذلك العمل الشهير، والذي ما زال يحظى بمكانة مميزة في قلوب المشاهدين.

     "ظلم المصطبة".. جدل وأداء بصري مميز

أما عن أحدث أعمالها الدرامية، مسلسل "ظلم المصطبة"، فقد وصفته ريهام بأنه عمل مختلف أثار الكثير من الجدل والنقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي منذ عرضه الأول، خصوصًا المشاهد المتعلقة بالعين والتي استحوذت على انتباه الجمهور بشكل لافت.

 

 

وأشارت إلى أن تنفيذ تلك المشاهد تطلب منها مجهودًا كبيرًا وتكرارًا للوصول إلى أقصى درجات الإقناع والتشويق.

 

 

 

وأشادت بالمخرج هاني خليفة على رؤيته الإخراجية الدقيقة، كما أثنت على فريق المؤثرات البصرية بقيادة عمرو عبد الله، واصفة إياه بـ "الساحر" لما أضفاه من لمسات فنية ساحرة ساهمت في رفع جودة العمل.

 

 

 

 

تحديات صعبة.. وتجربة ممتعة

لم تُخفِ ريهام حجم التحديات التي واجهتها أثناء تصوير مشاهد "ظلم المصطبة"، لكنها أكدت في الوقت ذاته أنها استمتعت بالتجربة، قائلة: "كانت تجربة صعبة بس حبيتها قوي.. واستمتعت بيها جدًا". 

 

 

 

هذا التفاعل بين التحدي والمتعة جعل التجربة بالنسبة لها استثنائية ومليئة بالتعلم والنضج الفني.

 

 

 

تكريم مؤثر في مهرجان الإسكندرية

من ناحية أخرى، عبّرت ريهام عن سعادتها الكبيرة بتكريمها مؤخرًا في مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، موضحة أن لحظة التكريم عن مجمل أعمالها كانت مؤثرة بشدة. 

 

 

 

 

وقالت: "كنت أعتقد في البداية أن التكريمات مرتبطة بالسن، لكن ده كان عن المشوار اللي قدمته كله، وده بيخليني أشعر بالفخر".

 

 

من “الريان” إلى “وش وضهر”.. رحلة تقدير متصاعدة
 

وأوضحت ريهام أن مرحلة التقدير الحقيقي من الجمهور بدأت تتشكل بوضوح منذ مشاركتها في مسلسل "الريان"، لكنها شعرت بذروته مع عرض مسلسل "وش وضهر" عام 2022، حيث بدأت تشعر أن نظرة الجمهور لها كممثلة باتت أكثر عمقًا ونضجًا.

مقالات مشابهة

  • ريهام عبد الغفور: “ذكريات الحقيقة والسراب لا تُنسى.. وتجربة "ظلم المصطبة" تحدي أحببته
  • وزير العدل يؤكد مواصلة ملاحقة كل الدول التي اجرمت في حق الشعب السوداني
  • عندما يلتقي الواقع بالذات.. أنرى الحقيقة أم أنفسنا فقط؟
  • هل لحم الدجاج يقتل الرجال؟: مختص يخرج عن صمته ويفجر الحقيقة
  • أحمد زايد: مكتبة الإسكندرية تسعى لحفظ التراث ونشره بالوسائل الرقمية
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • جبران: استخراج كعب العمل وتصريح الأجانب من منصة مصر الرقمية بالمجان
  • تطبيق نظام بطاقة الوصول الرقمية للسفر إلى تايلاند
  • «رقمنة الإبداع» تناقش التحولات الرقمية في صناعة النشر
  • انتخابات 2025: معركة الحقيقة في زمن الفبركة الرقمية